طَربتُ وذُو الحِلم قَد يَطرَبُ
طَربتُ وذُو الحِلم قَد يَطرَبُ / وليسَ لعَهد الصّبا مَطلَبُ
خلا واسط وكأن لم يكن / به منزلُ الحي والرَّبربُ
قياماً تَفادَين فوق الكثيب / تداعى به بُدَّنٌ كُعّبُ
ثقالُ الروادفِ نُحلُ العيون / لهُنَّ فؤادك مُستَصحَبُ
وأسرَع في البَين قيلُ الوشاة / ولا يقدُمُ الناسَ من يَشغَبُ
ولا يلبث الدهرُ ذا سَلوةٍ / تراوَحه الشرقُ والمَغرِبُ
وَمرُّ الليالي وأيامُها / وبَدء الحوادثِ والعُقَّبُ
وكم من نعيمٍ ومن عَبرةٍ / تقضَّى إلى أجلٍ يكتَبُ
فإن يك صحبُك لم يَربَعُوا / وقالوا تَرحُّلُنا أصوبُ
فودّع سليمة إن الفؤاد / غدا عن زيارتها أخيبُ
وما رحتُ حتى تولى النهار / وقال صحابي ألا تركبُ
فرُحتُ وفي الصَّدر من بينها / كصَدعِ الزُّجاجة لا يُشعَبُ
فويلُ امِّها خلَّةٌ لو تدوم / على ما تقول ولا تكذبُ
ولكنَّ أكثر موعودِها / كبَرق ألاحَ به الخُلّبُ
من البيضِ لم تُوذِ جاراتها / ولم يكُ فيهم لنا نيربُ
ولم يفزع الحيُّ من صَوتها / أمامَ بيوتهمُ تَصخَبُ
قطوفٌ تهادَى إذا أعنقت / كما يطأُ المُوعِثَ المُتعَبُ
كأنّ عُلالةَ أنيابها / شَمولٌ بماء الصَّفا تُقطَبُ
كُميتٌ لسَورتِها نفحَةٌ / كرائحة المسكِ أو أطيبُ
تزيدُ الجوَاد إلى جُوده / ويَفتُرُ عنها وما يَنصَبُ
وتُصعِدُ لذّتَها في العظام / إذا خالطت عقلَ من يشربُ
وقد جُلبَت لك من أرضها / سليمةُ والوصلُ قد يُجلبُ
على حينَ وَلَّى مِرَاحُ الشباب / وكادَت صَبابتُه تَذهبُ
فلما رَأت أنّ في صَدره / من الوجد فوق الذي يَحسبُ
أدَلّت لِتقتُلهُ بالعتاب / فكاد على عقلهِ يُغلَبُ
ونحن على نزوات العتاب / كلانا بصَاحبه مُعجَبُ
إذا جئتُ قالت تَجَنَّينَنَا / وكَيف زيارةُ من يُرقَبُ
بهجر سليمةَ مَرَّ السنيحُ / فلم تدرِ ما قال إذ يَنعَبُ
وماذا عليك إذا فارَقت / أصاحَ الغرابُ أم الثعلبُ
فيا حاجة القلب لما استوى / ظلاماً بأحداجها المنقَبُ
وأدلجت الشمسُ يحدو القطين / بها ليلةَ اندفع الموكبُ
يُضئ سناها رِقاقُ الثياب / فلا الوجه أحوى ولا مُغرَبُ
سَرت بالسُّعُود إلى أن بدا / لها القاع فالحزمُ فالمذنبُ
فما دُرَّةٌ تُتَوافى النّجارُ / إلى غائصٍ عندَه تُطلَبُ
رمى صَدفيها بأجرامِه / كما انقضَّ بازلَهُ مَرقَبُ
بأحسنَ منها ولا مَغزلٌ / أطاعَ لها المَكرُ والحُلَّبُ
بسفحٍ مَجودٍ قَلاهُ الخريفُ / من الدّلو سَادَيةٌ تَهضبُ
وظلماء جشّمتا سيرَها / ولم يبدُ فيها لنا كوكَبُ
وهاجرةٍ صادقٍ جَرُّها / تَكادُ الثيابُ بها تلهب
كأنّ الجرابيَّ من شمسِها / تَلوَّحُ بالنارِ أو تُصلَبُ
ورقّاصةِ الآلِ فوق الحِدابِ / يَظَلُّ السّرابُ بها يَلعَبُ
وتحتَ قنودي زيّافةٌ / خنوفٌ إذا صخبَ الجندُبُ
جُماليّةُ الخَلق مضبورة / على مثلها يُقطع السَّبسبُ
وخَودٌ إذا القومُ قالوا ارفعوا / ضربنَ وحالت وما تضربُ
كأنّ قُتُودي وأَنساعَها / تضمنهن وأي أحقبُ
مُرِنٌّ يُحاذرُ رَوعاتِهِ / سَماحيجُ مثلُ القَنا شُزّبُ
إذا امتنعت بعد أطهارها / فلا الطوع تُعطى ولا تَغضَبُ
رَعى ورعينَ حديق الرياض / إلى أن تجرَّمَتِ العَقربُ
وهاجَت بَوارحُ ذكّرنه / مناهلَ كان بها يَشربُ
فظلّت إلى الشمس خوص العيون / تُناجي أيخفض أم يقربُ
فبيتن عيناً من الجمجمان / تنازعَها طُرُفٌ نيسبُ
بها ساهر الليل عارى العظام / عرى لحمه أنه يدأبُ
قليل السوام سوى نبلِهِ / وقوسٌ لها وَترٌ مجذَبُ
فلما شَرَعن رمى واتقى / بسهم ثنى حدَّه الأثأبُ
فَحِصنَ فثار على رأسهِ / من القاع مُعتَبَط أصهبُ
فكادَ بحَسرَة ما فاتَهُ / يُجَنُّ من الوجد أو يُكلَبُ
فإن يك لوني علاه الشحوبُ / فإنَّ أخا الهمّ من يَشحَبُ
وقد عجمتني شِدادُ الأمورِ / فلا أستكينُ إذا أَنَكُبُ
لئن أبدتِ الحربُ أنيابَها / وقامَ لها ذائدٌ مُرهبُ
وما زال عندي ذو هيئةٍ / حُسامٌ أصولُ به مقضَبُ
من القَلعيات لا مُحدَثٌ / كليلٌ ولا طَبعٌ أجربُ
تَلّذُ اليمين انتضاءً به / إذا الغمدُ عن متنه يُسلبُ
أعاذل إني رأيتُ الفتى / إذا مات بالبخل لا يُندبُ
ولو كنتُ قُطبَةَ أو مثلَه / ذُممتُ ولم يَبقَ ما أَكسِبُ
تَراهُ يُحارِش أصحابَه / قِياماً كما احترش الا كلبُ
على معظم أيهم ناله / فذلك فيهم هو المُترِبُ