القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : حافِظ إِبراهِيم الكل
المجموع : 9
شَجَتنا مَطالِعُ أَقمارِها
شَجَتنا مَطالِعُ أَقمارِها / فَسالَت نُفوسٌ لِتَذكارِها
وَبِتنا نَحِنُّ لِتِلكَ القُصورِ / وَأَهلِ القُصورِ وَزُوّارِها
قُصورٌ كَأَنَّ بُروجَ السَماءِ / خُدورُ الغَواني بِأَدوارِها
ذَكَرنا حِماها وَبَينَ الضُلوعِ / قُلوبٌ تَلَظّى عَلى نارِها
فَمَرَّت بِأَرواحِنا هِزَّةٌ / هِيَ الكَهرَباءُ بِتَيّارِها
وَأَرضٌ كَسَتها كِرامُ الشُهورِ / حَرائِرَ مِن نَسجِ آذارِها
إِذا نَقَّطَتها أَكُفُّ الغَمامِ / أَرَتكَ الدَراري بِأَزهارِها
وَإِن طالَعَتها ذُكاءُ الصَباحِ / أَرَتكَ اللُجَينَ بِأَنهارِها
وَإِن هَبَّ فيها نَسيمُ الأَصيلِ / أَتاكَ النَسيمُ بِأَخبارِها
وَخِلٌّ أَقامَ بِأَرضِ الشَآمِ / فَباتَت تُدِلُّ عَلى جارِها
وَأَضحَت تَتيهُ بِرَبِّ القَريضِ / كَتيهِ البَوادي بِأَشعارِها
وَلَلنيلُ أَولى بِذاكَ الدَلالِ / وَمِصرُ أَحَقُّ بِبَشّارِها
فَشَمِّر وَعَجِّل إِلَيها المَآبَ / وَخَلِّ الشَآمَ لِأَقدارِها
فَكَيفَ لَعَمري أَطَقتَ المُقامَ / بِأَرضٍ تَضيقُ بِأَحرارِها
وَأَنتَ المُشَمِّرُ إِثرَ المَظالِ / مِ تَسعى إِلى مَحوِ آثارِها
ثَأَرتَ اللَيالي وَأَقعَدتَها / بِمَصقولِ عَزمِكَ عَن ثارِها
إِذا ثُرتَ ماجَت هِضابُ الشَآمِ / وَباتَت تَرامى بِثُوّارِها
أَلَستَ فَتاها وَمُختارَها / وَشِبلَ فَتاها وَمُختارِها
وَإِن قُلتَ أَصغَت مُلوكُ الكَلامِ / وَمالَت إِلَيكَ بِأَبصارِها
أَداوودُ حَسبُكَ أَنَّ المَعالِ / يَ تَحسَبُ دارَكَ في دارِها
وَأَنَّ ضَمائِرَ هَذا الوُجودِ / تَبوحُ إِلَيكَ بِأَسرارِها
وَأَنَّكَ إِمّا حَلَلتَ الشَآمَ / رَأَيناكَ جَدوَةَ أَفكارِها
وَإِن كُنتَ في مِصرَ نِعمَ النَصيرِ / إِذا ما أَهابَت بِأَنصارِها
مَلَكتُم عَلَيَّ عِنانَ الخُطَب
مَلَكتُم عَلَيَّ عِنانَ الخُطَب / وَجُزتُم بِقَدري سَماءَ الرُتَب
فَمَن أَنا بَينَ مُلوكِ الكَلامِ / وَمَن أَنا بَينَ كِرامِ الحَسَب
أَتَسعى إِلَيَّ حُماةُ القَريضِ / وَتَمشي إِلَيَّ سَراةُ العَرَب
وَتَنظِمُ فِيَّ عُقودَ الجُمانِ / وَتَنثُرُ فَوقي نِثارَ الذَهَب
وَأُكرَمُ حَتّى كَأَنّي نَبَغَتُ / وَقُمتُ لِمِصرَ بِما قَد وَجَب
فَماذا أَتَيتُ مِنَ الباقِياتِ / وَهَذا شَبابي ضَياعاً ذَهَب
عَمِلتُ لِقَومِيَ جُهدَ المُقِلِّ / عَلى أَنَّهُ عَمَلٌ مُقتَضَب
فَلَم يُغنِ شَيئاً وَلَم يُجدِهِم / وَلَم يَبقَ إِلّا بَقاءَ الهَبَب
وَهَل أَنا إِلّا اِمرُؤٌ شاعِرٌ / كَثيرُ الأَماني قَليلُ النَشَب
يَقولُ وَيُطرِبُ أَتابَهُ / وَيَقنَعُ مِنهُم بِذاكَ الطَرَب
تَعَلَّقتُ حيناً بِذَيلِ البَيانِ / وَأَدخَلتُ نَفسي فيمَن كَتَب
فَلا السَبقُ لي في مَجالِ النُهى / وَلا لِيَ يَومَ الفَخارِ الغَلَب
وَلا أَنا مِن عِليَةِ الكاتِبينَ / وَلا أَنا بِالشاعِرِ المُنتَخَب
وَلَكِن سَما بِيَ عَطفُ الأَميرِ / وَرَأيُ الوَزيرِ وَفَضلُ الأَدَب
وَما كُنتُ أَحلُمُ لَولا الوَزيرُ / بِهَذا الهَناءِ وَهَذا اللَقَب
عَلَيَّ أَيادٍ لَهُ جَمَّةٌ / وَفَضلٌ قَديمٌ شَريفُ السَبَب
فَآناً أَقالَ بِهِ عَثرَتي / وَأَورى زِنادي وَآناً وَهَب
تَفَيَّأتُ مِنهُ ظِلالَ النَعيمِ / وَأَصبَحتُ أَعرِفُ لُبسَ القَصَب
وَأَمشي اِختِيالاً إِلى عابِدينَ / يُطالِعُني بَدرُها عَن كَثَب
وَأَلثِمُ كَفَّ كَريمِ الجُدودِ / غِياثِ العُفاةِ مُزيلِ الكُرَب
وَأَحتَثُّ بَينَ وُفودِ السَراةِ / مَطايا الرَجاءِ لِذاكَ الرَحَب
أَتَوا خالِصينَ لِوَجهِ الأَميرِ / فَلا عَن رِياءٍ وَلا عَن رَهَب
لَهُم ما يَشاؤونَ مِن رَبِّهِم / رِضاءُ الأَميرِ وَنَيلُ الأَرَب
وَلِلكاشِحينَ نَكالُ الزَمانِ / وَنَحسُ النُجومِ ذَواتِ الذَنَب
فَعَهدُ الأَميرِ كَعَهدِ الرَشيدِ / يَمُتُّ إِلَيهِ بِحَبلِ النَسَب
إِلَيكَ أَبا حَسَنٍ أَنتَمي / فَما زَلَّ مَولىً إِلَيكَ اِنتَسَب
عَرَفتَ مَكاني فَأَدنَيتَني / وَشَرَّفتَ قَدري بِدارِ الكُتُب
وَعَرَّفتَ دَهري مَكانَ الأَديبِ / وَقَد كانَ دَهري شَديدَ الكَلَب
فَلَو أَنَّ لي مُرقِصاتِ الخَليلِ / وَإِعجازَ شَوقي إِذا ما رَغِب
لَقُمتُ بِشُكرِكَ حَقَّ القِيامِ / وَلَكِن طَلَبتُ فَعَزَّ الطَلَب
فَشُكري لِصُنعِكَ شُكرُ النَباتِ / بِبَطنِ الفَلاةِ لِقَطرِ السُحُب
وَشُكراً لِشَوقي رَسولِ القَريضِ ال / كَريمِ الإِخاءِ المَتينِ السَبَب
وَشُكراً لِداوودَ رَبِّ اليَراعِ / وَشُكراً لِسَركيسَ رَبِّ العَجَب
وَشُكراً لِكُلِّ كَريمٍ سَعى / إِلَيَّ وَكُلِّ أَديبٍ خَطَب
هُمُ شَجَّعوني عَلى أَن أَقولَ / وَما كانَ لي بَينَهُم مُضطَرَب
هُمُ أَلهَموني فَصيحَ الكَلامِ / هُمُ عَلَّموني طَريقَ النُخَب
فَعَنهُم أَخَذتُ وَعَنهُم صَدَرتُ / وَمِن عِندِهِم فَضلِيَ المُكتَسَب
فَحَيّوا عَزيزَ البِلادِ الَّذي / عَلى السُحبِ ذَيلَ المَعالي سَحَب
وَحَيّوا سَعيداً وَزيرَ الأَميرِ / قَريبَ الصَوابِ بَعيدَ الغَضَب
تَوَلّى الرِئاسَةَ وَالحادِثاتِ / تَروعُ النُفوسَ بِوَقعِ النُوَب
فَساسَ البِلادَ وَأَرضى العِبادَ / وَأَرضى الأَميرَ وَأَرضى الأَدَب
تَناءَيتُ عَنكُم فَحُلَّت عُرا
تَناءَيتُ عَنكُم فَحُلَّت عُرا / وَضاعَت عُهودٌ عَلى ما أَرى
وَأَصبَحَ حَبلُ اِتِّصالي بِكُم / كَخَيطِ الغَزالَةِ بَعدَ النَوى
وَقَد زالَ ما كانَ مِن أُلفَةٍ / وَوُدٍّ زَوالَ شِهابِ الدُجى
كَأَنَّ بَقاءَ الوَفا بَينَكُم / وَبَيني بَقاءُ حَبابِ الحَيا
سَكَنتُ إِلَيكُم وَلَم تَسكُنوا / إِلَيَّ وَقَد كُنتُ نِعمَ الفَتى
وَنَفسي فَريقانِ هَذا بِهِ / مَزَجتُ الوَفاءَ وَذاكَ النَدى
أَصَبتُم تُراثاً وَأَلهاكُمُ ال / تَكاثُرُ عَنّا فَسُرَّ العِدا
وَمَن كانَ يُنسيهِ إِثراؤُهُ / صَديقَ الخَصاصَةِ لا يُصطَفى
بِنادي الجَزيرَةِ قِف ساعَةً
بِنادي الجَزيرَةِ قِف ساعَةً / وَشاهِد بِرَبِّكَ ما قَد حَوى
تَرى جَنَّةً مِن جِنانِ الرَبيعِ / تَبَدَّت مَعَ الخُلدِ في مُستَوى
جَمالُ الطَبيعَةِ في أُفقِها / تَجَلّى عَلى عَرشِهِ وَاِستَوى
فَقُل لِلحَزينِ وَقُل لِلعَليلِ / وَقُل لِلمَولي هُناكَ الدَوا
وَقُل لِلأَديبِ اِبتَدِر ساحَها / إِذا ما البَيانُ عَلَيكَ اِلتَوى
وَقُل لِلمُكِبِّ عَلى دَرسِهِ / إِذا نَهَكَ الدَرسُ مِنهُ القُوى
تَنَسَّم صَباها تُجَدِّد قُواكَ / فَأَرضُ الجَزيرَةِ لا تُجتَوى
فَفيها شِفاءٌ لِمَرضى الهُمومِ / وَمَلهىً كَريمٌ لِمَرضى الهَوى
وَفيها وَفي نيلِها سَلوَةٌ / لِكُلِّ غَريبٍ رَمَتهُ النَوى
وَفيها غِذاءٌ لِأَهلِ العُقول / إِذا الرَأسُ إِثرَ كَلالٍ خَوى
وَيا رُبَّ يَومٍ شَديدِ اللَظى / رَوى عَن جَهَنَّمَ ما قَد رَوى
بِهِ الريحُ لَفّاحَةٌ لِلوُجوهِ / بِهِ الشَمسُ نَزّاعَةٌ لِلشَوى
قَصَدتُ الجَزيرَةَ أَبغي النَجاةَ / وَجِسمي شَواهُ اللَظى فَاِشتَوى
فَأَلفَيتُ نادِيَها زاهِراً / وَأَلفَيتُ ثَمَّ نَعيماً ثَوى
فَأَنزَلَني مُنزَلاً طَيِّباً / وَرَوّى فُؤادِيَ حَتّى اِرتَوى
وَأَطفَأَ وارِفُ تِلكَ الظِلالِ / سَعيرَ الهَجيرِ وَحَرَّ الجَوى
وَحَلَّ الأَصيلُ عِقالَ الشَمالِ / فَهَبَّت بِنَشرٍ إِلَيها اِنضَوى
فَأَحيَت بِنَفسِيَ ذِكرى الشَبابِ / وَما كانَ مِنها وَمِنهُ اِنطَوى
وَعاوَدَ قَلبِيَ ذاكَ الخُفوقِ / وَقَد كانَ بَعدَ المَشيبِ اِرعَوى
فَما بالُ قَومِيَ لا يَأخُذونَ / لِتِلكَ الجِنانِ طَريقاً سَوا
وَما بالُ قَومِيَ لا يَنزِلونَ / بِغَيرِ جُرُبّي وَبارِ اللِوا
تَراهُم عَلى نَردِهِم عُكَّفاً / يُبادِرُ كُلٌّ إِلى ما غَوى
وَلَو أَنصَفوا الجِسمَ لَاِستَظهَروا / لَهُ بِالمِرانِ وَطيبِ الهَوا
فَيا نادِياً ضَمَّ أُنسَ النَديمِ / وَلَهوَ الكَريمِ وُقيتَ البِلى
لَياليكَ أُنسٌ جَلاها الصَفا / فَأَسَرَت إِلَيكَ وُفودُ المَلا
فَكَم لَيلَةٍ طابَ فيكَ الحَديثُ / فَكانَ الكُؤوسَ وَكانَ الطِلا
فَمِن مُشجِياتٍ إِلى مُطرِباتٍ / إِلى مُضحِكاتٍ تُسَلّى إِلى
وَقَد زانَ لَهوَكَ ثَوبُ الوَقارِ / فَلَهوُكَ في كُلِّ ذَوقٍ حَلا
تَخِفُّ إِلَيهِ رِزانُ الحِجا / وَتَمشي إِلَيهِ السَراةُ الأُلى
فَقُل لِلَّذي باتَ تَحتَ العُقودِ / بِحَربٍ عَلى نَفسِهِ مُبتَلى
أَتِلكَ الأَماكِنُ لا تُستَرادُ / أَتِلكَ المَناظِرُ لا تُجتَلى
أَتَحتَ السَماءِ وَبَدرِ السَماءِ / وَبَينَ الرِياضِ وَبَينَ الخَلا
يُمَلُّ الجُلوسُ وَيَفنى الحَديثُ / فَهَذا النَعيمُ وَإِلّا فَلا
سَأَلتُ الأُلى يَقدِرونَ الحَياةَ / أَلَم تَفتَتِنكُم فَقالوا بَلى
مَكانٌ لَعَمرُكَ ما حَلَّ في / نَواحيهِ ذو الحُزنِ إِلّا سَلا
فَما أَنتَ في مِصرَ إِن لَم تَطِر / إِلَيهِ فَتَشهَدَ تِلكَ الحُلى
لَهُ مَلعَبٌ فيهِ ما يَشتَهي / مُحِبُّ الرِياضَةَ مَهما غَلا
لِكُلِّ فَريقٍ بِهِ لُعبَةٌ / تُلائِمُ مِن سِنِّهِ ما خَلا
وَلِعبٌ هُوَ الجِدُّ لَو أَنَّنا / نَظَرنا إِلَيهِ بِعَينِ النُهى
لَدى غَيرِ مِصرَ لَهُ حُظوَةٌ / فَكَم راحَ يَلهو بِهِ مَن لَها
وَفي أَرضِ يونانَ شاهَدتُهُ / فَأَيُّ جَمالٍ إِلَيهِ اِنتَهى
وَشاهَدتُ مَوسِمَهُ قَد حَوَت / نَواحيهِ غايَةَ ما يُشتَهى
وَماجَ بِزُوّارِهِ المولَعينَ / وَأَضحى بِعَرشِ المُلوكِ اِزدَهى
وَقَد زادَ أَلعابَهُ بَهجَةً / مَكانٌ فَسيحٌ مُعَدٌّ لَها
صِراعٌ وَعَدوٌ بَعيدُ المَدى / وَوَثبٌ يَكادُ يَنالُ السُها
وَشاهَدتُ عَدّاءَهُم قَد عَدا / ثَلاثينَ ميلاً وَما إِن وَهى
وَقامَت مُلاكَمَةُ اللاعِبينَ / فَأَنسَت تَناطُحَ وَحشِ المَها
بِأَوحى مِنَ اللَمحِ كانَ النِزالُ / فَيا وَيلَ مَن مِنهُما قَد سَها
وَلَو رُحتُ أَنعَتُ تِلكَ الضُروبَ / لَضاقَ القَريضُ وَأَعيا بِها
عَلى أَنَّ في أُفقِنا نَهضَةً / سَتَبلُغُ رَغمَ القُعودِ المَدى
وَإِن لَم تَكُن بَلَغَت أَوجَها / كَذا كُلُّ شَيءٍ إِذا ما اِبتَدا
وَنادي الرِياضَةِ أَولى بِأَن / يَكونَ عَلَيها مَنارَ الهُدى
أَظَلَّت جَلائِلَ أَعمالِهِ / ظِلالُ حُسَينٍ حَليفِ النَدى
مَليكٌ رَعاهُ بِإِقبالِهِ / وَحُسنِ عِنايَتِهِ وَالجَدا
فَفي عَهدِهِ فَليَجِدَّ المُجِدُّ / فَإِنَّ السُعودَ بِهِ قَد بَدا
حَطَمتُ اليَراعَ فَلا تَعجَبي
حَطَمتُ اليَراعَ فَلا تَعجَبي / وَعِفتُ البَيانَ فَلا تَعتَبي
فَما أَنتِ يا مِصرُ دارُ الأَديبِ / وَلا أَنتِ بِالبَلَدِ الطَيِّبِ
وَكَم فيكِ يا مِصرُ مِن كاتِبٍ / أَقالَ اليَراعَ وَلَم يَكتُبِ
فَلا تَعذِليني لِهَذا السُكوتِ / فَقَد ضاقَ بي مِنكِ ما ضاقَ بي
أَيُعجِبُني مِنكِ يَومَ الوِفاقِ / سُكوتُ الجَمادِ وَلِعبُ الصَبي
وَكَم غَضِبَ الناسُ مِن قَبلِنا / لِسَلبِ الحُقوقِ وَلَم نَغضَبِ
أَنابِتَةَ العَصرِ إِنَّ الغَريبَ / مُجِدٌّ بِمِصرَ فَلا تَلعَبي
يَقولونَ في النَشءِ خَيرٌ لَنا / وَلِلنَشءِ شَرٌّ مِنَ الأَجنَبي
أَفي الأَزبَكِيَّةِ مَثوى البَنينِ / وَبَينَ المَساجِدِ مَثوى الأَبِ
وَكَم ذا بِمِصرَ مِنَ المُضحِكاتِ / كَما قالَ فيها أَبو الطَيِّبِ
أُمورٌ تَمُرُّ وَعَيشٌ يُمِرُّ / وَنَحنُ مِنَ اللَهوِ في مَلعَبِ
وَشَعبٌ يَفِرُّ مِنَ الصالِحاتِ / فِرارَ السَليمِ مِنَ الأَجرَبِ
وَصُحفٌ تَطِنُّ طَنينَ الذُبابِ / وَأُخرى تَشُنُّ عَلى الأَقرَبِ
وَهَذا يَلوذُ بِقَصرِ الأَميرِ / وَيَدعو إِلى ظِلِّهِ الأَرحَبِ
وَهَذا يَلوذُ بِقَصرِ السَفيرِ / وَيُطنِبُ في وِردِهِ الأَعذَبِ
وَهَذا يَصيحُ مَعَ الصائِحينَ / عَلى غَيرِ قَصدٍ وَلا مَأرَبِ
وَقالوا دَخيلٌ عَلَيهِ العَفاءُ / وَنِعمَ الدَخيلُ عَلى مَذهَبي
رَآنا نِياماً وَلَمّا نُفِق / فَشَمَّرَ لِلسَعيِ وَالمَكسَبِ
وَماذا عَلَيهِ إِذا فاتَنا / وَنَحنُ عَلى العَيشِ لَم نَدأَبِ
أَلِفنا الخُمولَ وَيا لَيتَنا / أَلِفنا الخُمولَ وَلَم نَكذِبِ
وَقالوا المُؤَيَّدُ في غَمرَةٍ / رَماهُ بِها الطَمَعُ الأَشعَبي
دَعاهُ الغَرامُ بِسِنِّ الكُهولِ / فَجُنَّ جُنوناً بِبِنتِ النَبي
فَضَجَّ لَها العَرشُ وَالحامِلوهُ / وَضَجَّ لَها القَبرُ في يَثرِبِ
وَنادى رِجالٌ بِإِسقاطِهِ / وَقالوا تَلَوَّنَ في المَشرَبِ
وَعَدّوا عَلَيهِ مِنَ السَيِّئاتِ / أُلوفاً تَدورُ مَعَ الأَحقُبِ
وَقالوا لَصيقٌ بِبَيتِ الرَسولِ / أَغارَ عَلى النَسَبِ الأَنجَبِ
وَزَكّى أَبو خَطوَةٍ قَولَهُم / بِحُكمٍ أَحَدَّ مِنَ المَضرِبِ
فَما لِلتَهاني عَلى دارِهِ / تَساقَطُ كَالمَطَرِ الصَيِّبِ
وَما لِلوُفودِ عَلى بابِهِ / تَزُفُّ البَشائِرَ في مَوكِبِ
وَما لِلخَليفَةِ أَسدى إِلَيهِ / وِساماً يَليقُ بِصَدرِ الأَبي
فَيا أُمَّةً ضاقَ عَن وَصفِها / جَنانُ المُفَوَّهِ وَالأَخطَبِ
تَضيعُ الحَقيقَةُ ما بَينَنا / وَيَصلى البَريءُ مَعَ المُذنِبِ
وَيُهضِمُ فينا الإِمامُ الحَكيم / وَيُكرِمُ فينا الجَهولُ الغَبي
عَلى الشَرقِ مِنّي سَلامُ الوَدودِ / وَإِن طَأطَأَ الشَرقُ لِلمَغرِبِ
لَقَد كانَ خِصباً بِجَدبِ الزَمانِ / فَأَجدَبَ في الزَمَنِ المُخصِبِ
سَمِعنا حَديثاً كَقَطرِ النَدى
سَمِعنا حَديثاً كَقَطرِ النَدى / فَجَدَّدَ في النَفسِ ما جَدَّدا
فَأَضحى لِآمالِنا مُنعِشاً / وَأَمسى لِآلامِنا مُرقِدا
فَدَيناكَ يا شَرقُ لا تَجزَعَن / إِذا اليَومُ وَلّى فَراقِب غَدا
فَكَم مِحنَةٍ أَعقَبَت مِحنَةً / وَوَلَّت سِراعاً كَرَجعِ الصَدى
فَلا يُيئِسَنَّكَ قيلُ العُداةُ / وَإِن كانَ قيلاً كَحَزِّ المُدى
أَتودَعُ فيكَ كُنوزُ العُلومِ / وَيَمشي لَكَ الغَربُ مُستَرفِدا
وَتُبعَثُ في أَرضِكَ الأَنبِياءُ / وَيَأتي لَكَ الغَربُ مُستَرشِدا
وَتَقضي عَلَيكَ قُضاةُ الضَلالِ / طِوالَ اللَيالي بِأَن تَرقُدا
أَتَشقى بِعَهدٍ سَما بِالعُلومِ / فَأَضحى الضَعيفُ بِها أَيِّدا
إِذا شاءَ بَزَّ السُها سِرَّهُ / وَأَدرَكَ مِن جَريِهِ المَقصِدا
وَإِن شاءَ أَدنى إِلَيهِ النُجومَ / فَناجى المَجَرَّةَ وَالفَرقَدا
وَإِن شاءَ زَعزَعَ شُمَّ الجِبالِ / فَخَرَّت لِأَقدامِهِ سُجَّدا
وَإِن شاءَ شاهَدَ في ذَرَّةٍ / عَوالِمَ لَم تَحيَ فيها سُدى
زَمانٌ تُسَخَّرُ فيهِ الرِياحُ / وَيَغدو الجَمادُ بِهِ مُنشِدا
وَتَعنو الطَبيعَةُ لِلعارِفينَ / بِمَعنى الوُجودِ وَسِرِّ الهُدى
إِذا ما أَهابوا أَجابَ الحَديدُ / وَقامَ البُخارُ لَهُ مُسعِدا
وَطارَت إِلَيهِم مِنَ الكَهرَبا / بُروقٌ عَلى السِلكِ تَطوي المَدى
أَيَجمُلُ مِن بَعدِ هَذا وَذاكَ / بِأَن نَستَكينَ وَأَن نَجمُدا
وَها أُمَّةُ الصُفرِ قَد مَهَّدَت / لَنا النَهجَ فَاِستَبَقوا المَورِدا
فَيا أَيُّها الناشِئونَ اِعمَلوا / عَلى خَيرِ مِصرٍ وَكونوا يَدا
سَتُظهِرُ فيكُم ذَواتُ الغُيوبِ / رِجالاً تَكونُ لِمِصرَ الفِدا
فَيالَيتَ شِعرِيَ مَن مِنكُمُ / إِذا هِيَ نادَت يُلَبّي النِدا
لَكَ اللَهُ يا مُصطَفى مِن فَتىً / كَثيرِ الأَيادي كَثيرِ العِدا
إِذا ما حَمِدتُكَ بَينَ الرِجالِ / فَأَنتَ الخَليقُ بِأَن تُحمَدا
سَيُحصي عَلَيكَ سِجِلُّ الزَمانِ / ثَناءً يُخَلِّدُ ما خُلِّدا
وَيَهتِفُ بِاِسمِكَ أَبناؤُنا / إِذا آنَ لِلزَرعِ أَن يُحصَدا
مَرِضنا فَما عادَنا عائِدُ
مَرِضنا فَما عادَنا عائِدُ / وَلا قيلَ أَينَ الفَتى الأَلمَعي
وَلا حَنَّ طِرسٌ إِلى كاتِبٍ / وَلا خَفَّ لَفظٌ عَلى مِسمَعِ
سَكَتنا فَعَزَّ عَلَينا السُكوتُ / وَهانَ الكَلامُ عَلى المُدَّعي
فَيا دَولَةً آذَنَت بِالزَوالِ / رَجَعنا لِعَهدِ الهَوى فَاِرجِعي
وَلا تَحسَبينا سَلَونا النَسيبَ / وَبَينَ الضُلوعِ فُؤادٌ يَعي
نَعِمنَ بِنَفسي وَأَشقَينَني
نَعِمنَ بِنَفسي وَأَشقَينَني / فَيا لَيتَهُنَّ وَيا لَيتَني
خِلالٌ نَزَلنَ بِخِصبِ النُفوسِ / فَرَوَّينَهُنَّ وَأَظمَأنَني
تَعَوَّدنَ مِنّي إِباءَ الكَريمِ / وَصَبرَ الحَليمِ وَتيهَ الغَني
وَعَوَّدتُهُنَّ نِزالَ الخُطوبِ / فَما يَنثَنينَ وَما أَنثَني
إِذا ما لَهَوتُ بِلَيلِ الشَبابِ / أَهَبنَ بِعَزمي فَنَبَّهنَني
فَما زِلتُ أَمرَحُ في قَدِّهِنَّ / وَيَمرَحنَ مِنّي بِرَوضٍ جَني
إِلى أَن تَوَلّى زَمانُ الشَبابِ / وَأَوشَكَ عودِيَ أَن يَنحَني
فَيا نَفسُ إِن كُنتِ لا توقِنينَ / بِمَعقودِ أَمرِكِ فَاِستَيقِني
فَهَذي الفَضيلَةُ سِجنُ النُفوسِ / وَأَنتِ الجَديرَةُ أَن تُسجَني
فَلا تَسأَليني مَتى تَنقَضي / لَيالي الإِسارِ وَلا تَحزَني
نَعاكَ النُعاةُ وَحُمَّ القَدَر
نَعاكَ النُعاةُ وَحُمَّ القَدَر / وَلَم يُغنِ عَنّا وَعَنكَ الحَذَر
طَوَت ذَبحَةُ الصَدرِ صَدرَ النَدِيِّ / فَلَم تَطوِ إِلّا سِجِلَّ العِبَر
فَأَمسَيتَ تُذكَرُ في الغابِرينَ / وَإِن قَلَّ مِثلُكَ فيمَن غَبَر
إِذا ذُكِرَت سِيَرُ النابِهينَ / فَسيرَةُ صَبري تَجُبُّ السِيَر
لَقَد كُنتَ بَرّاً بِظِلِّ الشَبابِ / فَلَمّا تَقَلَّصَ كُنتَ الأَبَرّ
فَلَم تَستَبِق نَزوَةً في الصِبا / وَلَم تَستَبِح هَفوَةً في الكِبَر
أُهَنّي الثَرى أَم أُعَزّي الوَرى / لَقَد فازَ هَذا وَهَذا خَسِر
أَأَوَّلَ يَومٍ لِعَهدِ الرَبيعِ / تَجِفُّ الرِياضُ وَيَذوي الزَهَر
وَيَذبُلُ زَهرُ القَريضِ الثَرِيِّ / وَيُقفِرُ رَوضَ القَوافي الغُرَر
لِيَهدَأ عُمانُ فَغَوّاصُهُ / أُصيبَ وَأَمسى رَهينَ الحُفَر
فَقَد كانَ يَعتادُهُ دائِباً / بَكوراً رَؤوحاً لِنَهبِ الدُرَر
يَقولُ فَيُرخِصُ دُرَّ النُحورِ / وَيُغلي جُمانَ بَناتِ الفِكَرِ
يَسوقُ القِصارَ فَيَأبى العِثارِ / وَكَم مِن مُطيلٍ مُمِلٍّ عَثَر
قِصارٌ وَحَسبُ النُهى أَنَّها / لَها مُعجِزاتٌ قِصارِ السُوَر
رُحِمتَ فَقَد كُنتَ حُلوَ اللِسانِ / جَلِيَّ البَيانِ صَدوقَ الخَبَر
قَليلَ التَعَجُّبِ جَمَّ الأَناةِ / حَكيمَ الوُرودِ حَكيمَ الصَدَر
شَمائِلُكَ الغُرُّ هُنَّ الرِياضُ / رَوى عَن شَذاها نَسيمُ السَحَر
لَها مِثلُ رَوحِ الدُعاءِ اِستُجيبَ / فَعافى وَآوى وَأَغنى وَسَرّ
إِذا ما وَرَدتَ لَها مَنهَلاً / وَرَدتَ نَميراً لَذيذَ الخَصَر
وَفِكرُكَ في خِصبِهِ ثَروَةٌ / لِفِكرِ الأَديبِ إِذا ما اِفتَقَر
وَشِعرُكَ كَالماءِ في صَفوِهِ / عَلى صَفحَتَيهِ تَراءى الصُوَر
عُيونُ القَصائِدِ مِثلُ العُيونِ / وَشِعرُكَ فيهِنَّ مِثلُ الحَوَر
وَكَم لَكَ شَكوى هَوىً أَو أَسىً / لَها نَفَثاتٌ تُذيبُ الحَجَر
هَتَفتَ بِها مَرَّةً في الهَجيرِ / فَكادَ يَدِبُّ إِلَيكَ الشَجَر
وَكَم كُنتَ تُشعِلُ فَحمَ الدُجى / بِأَنفاسِ صَبٍّ طَويلِ السَهَر
فَيا وَيحَ قَلبِكَ ماذا أَلَح / حَ عَلَيهِ مِنَ الداءِ حَتّى اِنفَطَر
أَيَخفِقُ تَحتَ الدُجى وَحدَهُ / لِذِكرى أَليفٍ سَلا أَو هَجَر
إِذا قيلَ صَبري ذَكَرتُ الوَليدَ / وَمَرَّت بِنَفسِيَ ذِكرى عُمَر
يَزينُ تَواضُعُهُ نَفسَهُ / كَما زانَ حُسنَ المِلاحِ الخَفَر
زَكِيُّ المَشاعِرِ عَفُّ الهَوى / شَهِيُّ الأَحاديثِ حُلوُ السَمَر
لَقَد كُنتُ أَغشاهُ في دارِهِ / وَناديهِ فيها زَها وَاِزدَهَر
وَأَعرِضُ شِعري عَلى مَسمَعٍ / لَطيفٍ يُحِسُّ نُبُوَّ الوَتَر
عَلى سَمعِ باقِعَةٍ حاضِرٍ / يَميزُ القَديمَ مِنَ المُبتَكَر
فَيَصقُلُ لَفظِيَ صَقلَ الجُمانِ / وَيَكسوهُ رِقَّةَ أَهلِ الحَضَر
يُرَقرِقُ فيهِ عَبيرَ الجِنانِ / فَتَستافُ مِنهُ النُهى وَالفِكَر
كَذَلِكَ كانَ عَلَيهِ السَلامُ / إِماماً لِكُلِّ أَديبٍ شَعَر
فَكُنّا الجَداوِلَ نُروي الظِماءَ / ظِماءَ العُقولِ وَكانَ النَهَر
زَهِدتَ عَلى شُهرَةٍ طَبَّقَت / وَجاهٍ أَظَلَّ وَفَضلٍ بَهَر
خَلَعتَ الشَبابَ فَلَم تَبكِهِ / وَساءَكَ أَنَّكَ لَم تُختَضَر
وَقَد ذُقتَ طَعمَ الرَدى عِندَما / أُصيبَ قِطارُكَ يَومَ السَفَر
فَأَقسَمتَ أَنَّكَ أَلفَيتَهُ / لَذيذَ المَذاقَةِ إِذ تُحتَضَر
تَمَنَّيتَ أَن لَم تَعُد لِلحَياةِ / وَلَكِن أَباها عَلَيكَ القَدَر
وَكَم ساعَةٍ بَينَ ساعِ الحَياةِ / سَقَتكَ المُرارَ بِكَأسِ الضَجَر
فَرُحتَ إِلى أُختِها شاكِياً / أَذاتَكَ مِنها فَكانَت أَمَر
فَفَتَّشتَ أَثناءَها جاهِداً / بِعَينَي بَصيرٍ بَعيدِ النَظَر
فَلَم تَرَ فيها عَلى طولِها / هُنَيهَةَ صَفوٍ خَلَت مِن كَدَر
وَما زِلتَ تَشكو إِلى أَن أَتَت / كَما تَشتَهي ساعَةٌ لَم تَذَر
فَلا صَدَّ تَخشاهُ بَعدَ الوِصالِ / وَلا ضَعفَ تَشكوهُ بَعدَ الأَشَر
أُريحَ فُؤادُكَ مِمّا ضَناهُ / وَصَدرُكَ مِمّا عَلَيهِ اِنكَدَر
تَمَنَّيتَها خُطوَةً لِلمَماتِ / تُفَرِّجُ عَنكَ كُروبَ الغِيَر
وَها قَد خَطاها وَنِلتَ المُنى / فَهَل في المَماتِ بُلوغُ الوَطَر
صَدَقتَ فَفي المَوتِ نَصرُ الأَبِيِّ / عَلى الدَهرِ إِن هُوَ يَوماً غَدَر
مَلِلتَ الثَواءَ بِدارِ الزَوالِ / فَماذا رَأَيتَ بِدارِ المَقَرّ
أَتَحتَ التُرابِ يُضامُ الكَريمُ / وَيَشقى الحَليمُ وَيَخفى القَمَر
وَيُهضَمُ حَقُّ الأَديبِ الأَريبِ / وَيُطمَسُ فَضلُ النَبيهِ الأَغَرّ
أَتَحتَ التُرابِ تُساقُ الشُعوبُ / بِسَوطِ العُبودَةِ سَوقَ البَقَر
وَيُعقَدُ مُؤتَمَرٌ لِلسَلامِ / فَنَخرُجُ مِنهُ إِلى مُؤتَمَر
فَإِن كانَ ما عِندَنا عِندَكُم / فَلَيسَ لَنا مِن شَقاءٍ مَفَرّ
خِضَمُّ الحَياةِ بَعيدُ النَجاةِ / فَطوبى لِراكِبِهِ إِن عَبَر
فَعُد سالِماً غانِماً لِلتُرابِ / كَرَأيِكَ في المَوتِ وَاِهنَأ وَقَرّ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025