المجموع : 5
وناطقةٍ كلَّما حُرّكتْ
وناطقةٍ كلَّما حُرّكتْ / وليستْ بناطقةٍ في السكونِ
تئِنّ إذا دارَ دُولابُها / فتُطرِبُ سامعَها بالأَنينِ
وتَبكي وليست بمحزونةٍ / بكاءَ المِحبِّ الكئِيبِ الحزِينِ
فتَنطِق بالصوتِ لا مِن فمٍ / وتَقذِف بالدَّمْعِ لا مِن جفون
كأنّ لها ميّتاً في الثَّرَى / فأدمُعُها هُمَّعٌ كلَّ حِينِ
إذا زَمَرَت أطرَبتْ نفسَها / فغنّت بمختلِفاتِ اللُّحونِ
غِناءً يُرقِّص كِيزانهَا / ويُظهِر فِيهنّ وثبَ المجُونِ
فتَهوي فَوارغَ في بِئرِها / وتصعَدُ مِنها مِلاءَ العيونِ
كأنّ مَدامِعَها فِضّةٌ / مذوّبةٌ لونُها أَسْمجُوني
لِيهِنك يا مِلءَ عينِ الزّمان
لِيهِنك يا مِلءَ عينِ الزّمان / دوامُ السّرورِ ونيلُ الأماني
وأنّك أنت الإِمامُ الّذي / أَبان له الفضلَ نصُّ القُران
فيا مُلبِسي النِعَمَ السابِغات / وموجِبَ حقّي ومُعْلي مكاني
ملكتَ ثنائي ببذلِ الجميل / ووصلِ الأيادي وقربِ التّداني
فأصبحتُ عنك حَسِيَر الجفون / إذا رمتُ شكراً كَلِيلَ اللِّسانِ
فرُحْ عالماً أنّني شاكرٌ / سليمُ السَّريرِة صافي الجَنانِ
ذكرتُكَ ما بين كرِّ الكؤوس / وقد أقبَلَ الّلهوُ مُرْخَى العِنانِ
وقد جاوَبَ الزِّيرُ في جَذْبِه / مع البَمِّ ترجيعَ صوتِ المثَاني
وجاوَبَ قُمْرِيّةً فاختٌ / وعالتهُما نَغَماتُ القِيانِ
ونحن نقسِّم وَسْطَ الكؤوس / نُضاراً له حَبَبٌ كالجمُانِ
ولمّا تبدّت مَراجِيحُنا / تحرِّكها بالغَوالي الغَواني
ونحن من الماءِ في وابلٍ / مَشُوبٍ بخمرٍ ومِسكٍ وبانِ
فمِن مُعْمِل رَش زَرّافةٍ / ومن قاذِفٍ بسُلاف القِنانِ
وقد مَدَّ في النِّيلِ بدرُ الدُّجَى / صفيحةَ سَيْفٍ صَقِيلٍ يَمانِ
فلا زلتَ تَبقَى لِقَهرِ العِدا / وتمَلِك ما بقَي الفَرْقَدانِ
فأنت الّذي بك نلنا المنى / على كلّ حالٍ وفي كلّ شانِ
ومظهِرةٍ عَقْدَ هِمْيانِها
ومظهِرةٍ عَقْدَ هِمْيانِها / تَدِينُ بطاعةِ رُهبْانِها
تراءت لنا يومَ دَيْرِ القُصَيْرِ / وقد فوّقَتْ سهمَ أجفانِها
فلمّا قضت حَقَّ قُرْبانِها / وأدّت فريضةَ صُلْبانها
رمتْنا بلحظٍ يقُدُّ القلوب / ويجرَحُها قبلَ أَبْدانِها
فلَم أَرَ ذُلاًّ كذُليِّ لها / ولم أَرَ عِزّاً كسُلْطانِها
محبَبة أبداً لِلنفوسِ / وإن قَطَّعَتْها بهجْرانها
ألا بأبي جَوْرُ إدلالِها / عليَّ وإفراطُ عُدْوَانها
أسْربُ مَهاً عَنَّ أمْ سِرْبٌ جِنَّهْ
أسْربُ مَهاً عَنَّ أمْ سِرْبٌ جِنَّهْ / حَكَيْتُنَّهُنَّ ولَسْتُنَّ هُنَّهْ
أأنْتُنَّ أنجم ذا الجوِّ أَمْ / بُروجُ النجومِ جلا بيبُكُنّهْ
فضحتُنّ بالكُحْل أُدْمَ الظِّباءْ / وعِبْتُنَّهُنَّ بأَجْيادِكُنّهْ
أَلستُنّ كنتنّ قلتُنّ لي / بألا تَحوَّلْنَ عن عَهدكُنّه
ولم أر غِيداً سِواكُنَّ مِسْنَ / فأشبهْنَ في لِينهِنّ الأعِنَّه
غصون تقسَّمن شمسَ الضُّحا / وكُثْبانَ خَبْتٍ وصَبْغَ الدُّجنَّه
حَمْلنَ محاجِرَ عِين المَهَا / وَأبدَيْن ألحاظَ أطلائِهنه
فيا ما أُعَيْذِبَ ألفاظَهنّ / ويا ما أمَيْلِحَ ألحاظَهنّه
إذا رُمْن ظُلْماً فسلطانُهُنّ / علينا مَلاحَةُ أحداقِهِنّه
بَرَزْن لنا عاطِراتِ الجُيوبْ / بسَفْحِ الكَثِيب بوادي بُوَنَّهْ
فَعطَّرْن مِن طِيبِهنَّ النَّسيمْ / وأبدَيْن مِن لَوْعتي المستِكنّه
ولمّا سَفَرْن صَبَغْنَ الضُّحا / بماءِ الخدودِ وتَوْرِيدِهِنّه
فِلِلَّهِ هاتَا غَدَاة انقضَتْ / بطاعتِنا وبِعِصْيانِهنّهْ
وَصَهبْاءَ تَغْدو لِشُرّابِها / إذا ابْتَكروها مِن الهَمِّ جُنَّهْ
تَطُوف علينا بأقداحها / حسانٌ حَكتهُنّ في نَشْرهنّه
نَواعمُ لا يستطِعن النُّهوضْ / إذا قُمْن مِنْ ثِقْل أردافِهِنَّه
حَسُنَّ كحُسْنِ ليالي العزِيزِ / وجِئن ببهجةِ أيّامِهِنّه
إمامٌ يَضَنّ على عِرْضِه / ولا يَعْترِيه على المالِ ضِنّه
فسَلْ هل غَدَتْ قَطُّ أموالُه / وَأَمْسَيْن مِن جُودِه مطمئِنّه
وهل أبصَرَتْ قطُّ أرماحَه / عُيونُ الورى غيرَ حُمْرٍ الأسِنّه
سحائِبُ كفَّيْهِ مُنهلَّةٌ / علينا بمعروفِها مُرْجَحنّه
معالي نِزارٍ عَلَوْنَ النُّجوم / ونِلْنَ مِن المجدِ ما لمَ يَنَلْنَهْ
كذا يَكسِب الفضل من قد سعَى / إليه ويَبني العُلا إِنَّ إِنّه
كِلا راحَتْيك ندىً أو ردىً / كأنّك للناسِ نارٌ وجَنّه
فلولاك لم يَغْدُ فينا الهُدَى / مُنِيراً ولم يُصبِحِ العفُو سُنّه
إذا قال أَتْبَعَهُ بالفعال / وإن جاد لَم يُتْبِع الجُودَ مِنّه
مَنعتَ الخلافَةَ مَنْعَ الأسودِ / إذا ما غَضِبنَ لأشْبَالِهنّه
وَأَمضَيتَ عزمكَ حتَّى أَخفْتَ / به في بطون النِّساءِ الأَجِنّه
يَليقُ بك المُلْكُ حُسْناً كما / تَليق المَعالي بأَربابهِنّه
وإنِّي وإن كنتُ نَجْلَ المُعِزِّ / لَعَبْدُك والحقُّ ما إنْ أُكِنه
رأى الخيرَ مَن أَضْمَر الخيرَ فِيكْ / وجُوزيَ بالشرِّ مَن قد أَجنّه
لنا أبَرمِيس كنَيْلِ المُنَى
لنا أبَرمِيس كنَيْلِ المُنَى / حَبِيبٌ إلينا نأى أَم دَنَا
يُحِبُّ إدامَته الآكلون / ويُصبي بلَذَّتِهِ الأَلْسُنا
تَدَرَّجُ منه مُتون الظهورِ / كما دَرَّجَتْ راحةٌ جَوْشَنَا
وضَرَّجَه القَلْىُ مِنْ حَرِّهِ / بوَرْدٍ وقَلَّدَه سَوْسَنا
كأنّ الأحبّة مِن طَعْمِه / يُقَبّلْنَنا فيزُلْن الضَّنَى
أكلْناه والماءُ يَحكي لنا / حريرُ جَداوِله أرْغُنا
وليس لنا يا شقيقَ الفؤادِ / نبيذٌ نُتِمُّ به أمرَنا
فرأْيك في السَّمَك المستطابِ / إذا غابت الراح أن يَحسُنا
وقد طالعْتنا نجومُ المجُونِ / ولا بُدّ واللهِ أن نَمْجُنا