سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا
سَتَرْنَ المحاسنَ إلاّ العُيونا / كما يَشْهَدُ المَعْرَكَ الدّارِعونا
سَللْنَ سيوفاً ولاقَيْنَنا / فلا تَسألِ اليومَ ماذا لَقينا
كَسرْنَ الجُفونَ ولولا الرِّضا / بحُكْمِ الغرامِ كَسرْنا الجُفونا
وحَسْبُ الشَّهيدِ سُروراً بأَنْ / يُعايِنَ حُوراً مع القَتْل عِينا
أفي كُلِّ يَومٍ هوىً مُعْرِضٌ / يَشُبُّ لنا الحسْنُ حرباً زَبونا
أعَيْنيَّ بَعْدَ زِيالِ الخليطِ / أعِينا على ما أُلاقى أَعِينا
وكنّا تركْنا غداةَ الوَدا / ع كُلَّ فؤادٍ بدَيْنٍ رَهينا
فلمّا أُتيحَ لنا مَوعِدٌ / يُعلِّلنَا ذِكْرُه ما بَقِينا
قَضينا دُيونَ الهوَى كُلَّها / سوى أنّنا ما فَككْنا الرُّهونا
فَرُحْنا وقد كَمِدَ الحاسدون / لما يَعْلَمونَ وما يَجْهلونا
ولا عَيْبَ فينا سوى أنّنا / عَففْنا وظَنَّ الغَيورُ الظُّنونا
عُهودٌ تَقضَّتْ وما خلّفَتْ / سوى أنْ نَذُمَّ الزَّمانَ الخَؤونا
وكم قد جَرَرتُ ذيولَ الصِّبا / وجُنَّ العواذلُ منّي جُنونا
وحُبْلَى من الزَّنْج قد أضمَرَتْ / من الرُّومِ في البَطْنِ منها جَنينا
قَطعتُ دُجاها ببَدرٍ يَعُدُّ / من البَدْرِ قَدْرَ اللّيالي سِنينا
ولا عَيْبَ فيه سوى أنّه / إذا النّاسُ مَدُّوا إليه العُيونا
يَظُنُّ خيالاتِ أهدابِها / عِذاراً على خَدّه النّاظرونا
تُميتُ وتُحْيي الفتَى نَظْرتَاهُ / كنفْختَيِ الصُّورِ للعاشِقينا
يَكُمُّ أقاحِيَهُ في الشَّقيقِ / فَيفتُقُه الدَّلُّ حتّى يَبينا
وقبلَ ثناياهُ والثّغْرِ مِنْ / هُ لم نَرَ مَنْ خَطَّ في الميمِ سِينا
لقَلْبي بَلابلُ تأْوي القُدودَ / حَكتْها بلابلُ تأْوي الغُصونا
غُصونٌ قَدِ اتَّخذَتْ فَوْقَهُنْ / نَ منّا طُيورُ القلوبِ الوُكونا
وحاجَةُ نَفْسٍ رَحلْنا لها / مَطايا نُدارِسُهُنَّ الحَنينا
ألِفْنا لها قَلِقاتِ البُرَى / وعِفْنا لها شَرِقاتِ البُرينا
وكلُّ أناةٍ تُجيلُ الوِشاحَ / لكلّ وآةٍ تُجيلُ الوَضينا
هَجْرتُ الملاحَ وجُزْتُ المِراحَ / وماذا أُرجّي منَ الغادرينا
وما ملك الدّهرُ قَطُّ الوفاءَ / فمِن أين يُورِثُه للبنينا
وقد كُنتُ قِدْماً مُعنَّى الفؤادِ / أُوالي جَواداً وأهْوَى ضَنينا
فلمّا خلَصتُ نجِيَّ العُلا / وأقصرَ عن عذْليَ العاذِلونا
حلَفتُ على مَسْحةٍ للسّحاب / فعزَّتْ فقال ليَ القائلونا
إذا ما لثَمْتَ يَمينَ الوزيرِ / سمَوْتَ فأبرَرْتَ تلكَ اليَمينا
إلى شَرَفِ الدّينِ تِرْبِ العُلا / أثَرْتُ منَ العيسِ حَرْفاً أمونا
ولو بِعتُ ساعةَ لُقيانه / بدهْرٍ سواهُ لكُنْتُ الغَبينا
كريمٌ مدائحُنا الغُرُّ فيه / ولكنْ صنائعُه الغُرُّ فينا
تَرَى للعُفاةِ بأبوابه / مَطيّاً مُناخاً وخَيلاً صُفونا
مَعينُ النَّدى ما تَرى من فتىً / يُعِدُّ رِشاءً عليه مُعينا
وشمسٌ غدا بُرْجَهُ نَفْسُه / تَرَى بُردَه أُفْقَهُ والعرينا
تَغيمُ إذا شاء أقلامُه / بجَوْنٍ فَتُمْطُرُ للآمِلينا
فَيعتقدُ البحرُ أنْ قد حكاهُ / إذا بَعثَ السُّحْبَ للخَلْقِ جُونا
غدَتْ مُذْ غدا وهْو صَدر العُلا / صُدورٌ بهِ لقلوبٍ سُجونا
وآلَى به النَّصرُ لا خانَه / فلم يَخْشَ في موقفٍ أنْ يَخونا
ولم يَعتمدْ بأبيهِ اليَمي / نَ إلاّ ليُومِنَنا أنْ يَمينا
إذا سَدَّد الرُّمحَ يومَ الوغَى / وقد صقَلَ البِشْرُ منه الجَبينا
فكُلٌّ على خَدِّه في الثّرى / يَخِرُّ له طائعاً أو طَعينا
أأعداءه حاذِروا حِلْمَه / فقد تَخِذَ المَوتَ فيه كَمينا
ولا تأْمنوا لِينَ أخلاقِه / فشدّةُ بأْسِ القنا أنْ تَلينا
هو الطَّودُ حِلْماً ولكنْ تَرى / لنارِ الحفيظةِ فيه كُمونا
كذا الفَلكُ المُعْتلي كُلُّه / حَراكٌ وتَحسَبُ فيه سُكونا
ألا يا كلوءَ اللّيالي لِما / أُذيلَ من المُلْكِ حتّى تَصونا
بكَ الأنجمُ الزُّهْرُ في أنَّهُنَّ / يَبعْنَ الكَرى بالعُلا يَقْتَدينا
ومن شَرَفِ اسْمك أنّ الهلالَ / تَقوَّسَ حتّى حكَى منه نونا
إذا طالبَ الرَأْيَ منكَ الزَّما / نَ بالشّيء كان القَضاءُ الضّمينا
إذا ما الملوكُ اتّقَوا بالدُّروعِ / من الخوفِ أو بالحصونِ المَنونا
فلم تَرْضَ غيرَ السُّيوفِ الدُّروعَ / ولم تَرْضَ غيرَ الجيادِ الحُصونا
ليَهْنِكَ أنّ مُغيثَ الأنامِ / غدا لك بالوُدِّ غَيْثاً هَتونا
وقبلَ المُغيثِ أبوه الغِياثُ / تَبوّأْتَ منه المكانَ المَكينا
فَورِّثهُ منك أُخْرى الزّما / نِ نُصحاً مُبيناً ورأْيَاً مَتينا
وأوّلُ آثارِكَ الباهرا / تِ واحدةٌ تُرغِمُ الكاشِحينا
مَنالُ الخلافةِ والمُلْكِ منك / إعادةُ ظَنٍّ صفاءً بقينا
وبالأمسِ أقْرَحْتَ شأنَ الحسودِ / بأنّك أصلحْتَ تلك الشُّؤونا
على حينَ أعضلَ داءُ العراق / وكان الَّذي لم تَخَفْ أنْ يكونا
أتَوْها فسالَتْ مياهُ الحديدِ / إلى أنْ أشَرْتَ فعادتْ أُجونا
وقد كان خطْباً أشابَ القُرونَ / ولولاك كان أبادَ القُرونا
وبين الإمام ومَوْلَى الأنامِ / أَنْ فَتَن المُلْكَ قومٌ فُتونا
فمِنْ قبلُ بينَ نَبِيِّيْ هُدىً / جنَى السّامرِيُّ خصاماً مُبِينا
وكلٌّ له العُذْرُ فيما أتَى / كذلكَ يَعتقدُ المُؤْمنونا
حروبٌ جَلتْ صَدأَ الدَّولتَيْنِ / كأنّ الصّوارمَ كانتْ قُيونا
وما كان ثَمَّ شجارُ القلوبِ / وإن كان فيه شِجارُ القُنينا
ولكنْ تمَخّضُ تلك الهَناتُ / ليَنْتِجْنَ يَوماً على المارِقينا
فمَنْ مُبِلغٌ لي مليكَ الوَرى / مَقالاً يُقرَّطُه السّامِعونا
أسلطانَنا أيَّ ذي رأفةٍ / تَخيَّركَ اللهُ للمسلِمينا
خُلِقْتَ عقيداً لتاجِ العَلا / ءِ ظَهْرِ آدمَ إذ كان طينا
كأنّ ملائكةَ اللهِ فيه / رأوكَ فخَرُّوا له ساجِدينا
وقالوا يَميناً لهذا الَّذي / تُعِدُّ الخلافةُ منه يَمينا
نظَرْنا على أنّه طالما / عَهِدْنا السّلاطينَ مُستَوْزِرينا
ومثْلُ اخْتيارِكَ للصّلبِ ال / مُؤيّدِ ما عَهِدَ العاهِدونا
مَلِيَّ بإعْمالِه فِكْرتَيْ / ن يُرضيكَ ما شئْتَ دُنيا ودِينا
جَمعْتَ المَعانيَ في لَفْظةٍ / وقد رُمْتَ عن قَدْرِه أن تَبينا
فأقْرأْتَهُ آيةَ الإصْطِفاء / وقُلتَ غدوْتَ مكيناً أمينا
فشَّبْهتَه بالنّبْيِّ الّذي / تَوزَّرَ في مصْرَ للمَلْكِ حِينا
ومَعْناهُ فارْعَ لنا ما رَعاهُ / وكنْ مثْلَه بامْتثالٍ قَمينا
وكانَ هُوَ الطّالبَ الشُّغْلَ منه / فحسْبُك أنّا لكَ الطّالِبونا
وهل أنتَ أيضاً سوى صاحب / نَعُدُّكَ للمُلْكِ حصْناً حَصينا
أخو مَنْظَرٍ وأخو مَخْبَرٍ / يُسهْلُ يُمْنُكَ عنّا الحُزونا
فوَجْهُكَ يُعطي البِلادِ السّناءَ / ورأيُك يَكفي العِبادَ السِّنينا
ألا فابْقَيا ما حدَتْ بالمطيّ / حُداةٌ وحَجّوا صَفاً أو حَجونا
فنِعْمَ الوزيرُ اتّخذْتَ الوزيرَ / ونِعْمَ القرينُ ارتضَيْتَ القَرينا
عليمٌ بأخبارِ كُلِّ القُرونِ / وأخْبارُه نُزَهُ الدّارِسينا
كأنّ الفَتى عاش عُمْرَ الزَّمانِ / وعاشرَ أهليهِ مُسْتَجْمعينا
إذا ما دَرى قَصَصَ الذّاهبِينَ / وجادَ لِيُذْكَرَ في الغابِرينا
فصوَّرَ هذا له الأَوّلِينَ / وَصَوَّرَهُ ذاك للآخِرينا
فمَنْ يكُ عِلْمٌ وجودٌ له / فقد عاشَ عُمْرَ الوَرى أجْمَعِينا