المجموع : 5
يقولون : ليلٌ علينا أناخ
يقولون : ليلٌ علينا أناخ / نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا
وأنَّا نسينا عناءَ القلوب / لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا
وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ / يواسي بها معشراً آخرونا
فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ / بأنا – كعادتنا – راقدونا
سألناكمُ عن مَثار السَّديم / فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا
فانَّ معاملَكمْ والبخار / وقلبي وزفرَتهُ مستوونا
أرى أُمماً هي والمالكين / متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا
نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب / وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا
وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ / عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا
ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب / فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا
ألا قبساً من شُعاعِ الكليم / تُعيدُ على الشَّرق يا" طُورَ سينا "
خليليَّ أين نبوغُ العراق / وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا
أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون / كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟
أغير َ المطامعِ لا تعرفون / وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟
زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون / وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟
ولسنا وقد أعجزتنا الحياة / عن الموتِ في نيلها عاجزينا
وإن أنسَ لآ أنس حول " الفرات " / مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا
نسيماً يلاطف رِخوَ النمير / كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا
وساكن جوٍ يعيدُ الأثير / كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا
ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير / جمالاً يردُّ التَّصابي جنونا
يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ / على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا
كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق / فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا
تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور / سجوداً معي أيُّها الشاعرونا
على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع / فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا
إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال / تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا
بامركَ تحريكُ درع الفضاء / وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا
سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ / من الحبِّ هام بها المغرمونا
خليليَّ حتى وعورُ الجبال / تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا
ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع / تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا
فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ / وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا
ولو لا قلوب تحس الاذى / لما عرف اللذة العاشقونا
رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون / إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا
وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ / عروشاً وأنهمُ المالكونا
خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا / يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا
هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء / سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا
ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة / وأين اقتنْصنا وأني رُمينا
وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع / هموماً تصاحِبنا ما بَقينا
وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال / زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا
وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد / نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا
نسير على خُطُواتِ الشّعاع / كأنا إلى غايةٍ سائرونا
وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام / وكيفَ التمازجُ ماء وطينا
أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها / تُعيدُ النواهةَ لي والقينا
وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا / بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا
وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً / كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا
وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار / كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا
صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان / يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا
وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي / خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا
يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح / إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا
خليليَّ روح الحياة النَّسيم / فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا
ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع / وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا
تمشَّى على الروض روحُ الاله / فمالَ ومِلْنا له ساجدينا
حدائقُ خَطَّ عليها الجمال / قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا
كأن جلالَ الهوى شَّفها / ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا
وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى / يُعيد عليها الصَّدى والأنينا
جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام / فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا
عليها رياضٌ كساها الرّبيع / مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا
أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال / تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا
فيا ساكني فَجَواتِ البطاح / هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا
نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ / ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا
خليليَّ أُفٍ لهذي المروج / إذا ما استبدَّ بها المالكونا
وليتَ الفداء لكوخ الفقير / قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا
إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان / ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا
فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود / فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا
وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط / ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا
ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ / أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا
أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار / زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا
أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب / فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا
إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة / وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا
وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا / بأنَّا بليلِ العمى خابطونا
وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط / نقائصُ أعوزها المصلحونا
هياكلُ أخنى عليها الجمود / فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا
هنا يرقدان وخضْرُ الجبالِ
هنا يرقدان وخضْرُ الجبالِ / تَبُلُّ الينابيعُ أرادانَها
بحيث البحيرةُ تُنسيهُما / عناءَ الحياةِ وأدرانها
وحيثُ الرُعاةُ تُغنِّيهما / إذا شَعْشَع الفجرُ ألحانها
وحيثُ يَهيج نسيمُ الصباحِ / غرامَ العَذارى وأشجانها
هنا يرقُدان بحيثُ السماءُ / تَصْبِغ بالوردِ ألوانها
يَبُّثهما الزَهرُ أشواقَهُ / وتُعطي الخمائِلُ عُنوانها
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا
مَلِلتُ مُقاميَ في لندنا / مُقامَ العَذارى بدور الزِنا
مُقام المسيح بدارِ اليَهودِ / مُقام العذابِ مُقام الضَنى
"رفائيلُ " دارُك قد أشَرقَتْ
"رفائيلُ " دارُك قد أشَرقَتْ / بأسعدَ داغرَ والمازِني
ففَذٌّ يناضلُ عن أمةٍ / وفَذٌّ لآدابها حاضِن
وإني لمستأذنٌ أسعداً / بما قد يشِقُّ على الآذِن
اذا ما خَصَصْتُ فتى مازنٍ / بضربٍ من الكَلِمِ الفاتِن
فإنّ السياسةَ قد حَجَّبتْ / فتى مصرَ بالبرقُعِ الداكِن
وطبعُ السياسيِّ جمُّ الغُموض / فلا بالصريح ولا الداهن
أأسعدُ إنَّ حديثي إليكَ / حديثُ مقيمٍ إلى ظاعِن
حديثُ أخٍ لك مستأنسٍ / للطفِ مسامِره راكن
أخاف السياسةَ خوفَ اللديغ / من أرقمٍ نافخٍ شاحِن
وما زال جدعٌ بليغُ الوضوح / منها يَلوحُ على مارني
فقبلَك طاوعتُ من أهلِها / صديقاً إلى مَصرَعي قادني
أرانيَ مظهرَ ذي نخوةٍ / كفيلٍ بما أرتجي ضامن
وأسلَمَني عند جِدِّ الخطوبِ / كأني قلتُ له عادِني
فما كنتُ بالمصطفي وُدَّه / ولا كنتُ للنفس بالصائِن
وها أنا أرزحُ في كَلكَلً / مُنيخٍ على نَفسَي رائِن
فعُذراً فما أنا إذ أتّقي / رجالَ السياسة بالمائن
غموضُ السياسة يبدو عليك / في مظهر الهادئ الساكن
على حينَ قد وَضَح المازني / وضوحَ السماوات للكاهن
نظرتُ بعينيكَ إذ يشرُدان / ووجهِك ذي الدَعَة الآمِن
فأنكرت قولك : ما صاغَنى / قبيحاً سوى عبثِ الماجن
وطالعتُ آثارَك الناطقاتِ / بما فيك من جوهرٍ كامِن
وظاهِر لفظٍ رقيقِ الروُاءِ / لطيفٍ يَدُلّ على الباطن
لقد شبَّه العُربُ حسنَ البيانِ / والشعر في الزمنِ البائِن
يَرْدِ النَمير وصَفو الغديرِ / يمرَان بالعاطشِ الساخِن
وأحسِنْ بتشبيه قومٍ بُداة / تعيش على طرق آسن
فحاولت تشبيهها بالجديدِ / يُؤخَذُ من وضعنا الراهن
بكأسٍ تَرُدّ شرورَ الجمام / لذي سَفرٍ مُتعَبٍ واهن
وذائبِ زَهرٍ على سَلْسَلٍ / يصبُّ على رَهَلٍ بادِن
سهولُ العراق وكثبانُهُ
سهولُ العراق وكثبانُهُ / وروحُ العراقِ وريحانُهُ
ودجلةُ خمراً وشُهداً تسيلُ / وزهوُ الفُراتِ وطُغيانه
وصَفصافهُ وظِلالُ النخيل / على ضَفَّتَيه ورُمانه
تحييكَ جذلانةً طلقةً / وخيرُ الهوى الصِدقِ جذلانه
يحييك جَوٌّ وطيّارةٌ / وبحرٌ ركبت وربانه
تكاد ل" لندن ِ " شوقاً تطيرُ / لترجعَ بالضيف " بَغدانه "
ولو تستطيعُ نُهُوضاً سَعَت / قُراه اللِطافُ وبُلدانه
يحييك " فخر شباب العراق " / شِيبُ العراق وشُبّانه
قدومُك " غازي " يَزين الأوانَ / وكم قادمٍ زانَه آنه
على حينَ عَجَّت لنأي المليكِ / حُداة البيانِ ورُكبْانه
سلمت فهذا أوانُ القَريض / ويومُ الشُعور ومَيدانه
وما أنا مَن سِيمَ في شعرِه / ولا أنا مَن ضيمَ وجدانه
ولكنه نَفَسٌ طاهرٌ / قديمُ القصائد بُرهانه
"حسين " و" قبرصُه " يعرفانِ / و " عبد الاله " و "عَمّانه "
مَن الشاعرُ المستثيرُ الشجونَ / اذا هزَّت الصدرَ أشجانه
اذا ما " دواويننا " نُشِّرت / فكلٌّ وما ضَمَّ " ديوانه "
فديتُك خَلِّ الأسى راقداً / فقد يَقتُلُ المرءَ يَقظانه
ولا تَستَثرْ شاعراً إنه / مَخوفٌ إذا جاشَ بُركانه
فلو كلُّ ما الحرُّ يدري يقول / لضاقَتْ على الحرِّ أوطانه
لقد فَقَدَ العُرْبُ حريةٍ / كما الروحُ خلاّه جُثمانه
زمانُ الوفود مضَى وانقضَى / وما قال كِسرى ونُعمانه
وإذ سيِّدُ العَرَبِ الأولينَ / يتمِّمُ بالسيف نُقصانه
وهذا زمانٌ يُلينُ اللسانَ / على وَغَر القلبِ إنسانه
اريدُ سرورَك والقلبُ فيه / ما لا يَسُّرك إعلانه
مليكٌ وتكفيهِ أتعابهُ / وشَعبٌ وتكفيه أحزانه
فحدِّثْ فقد أذنِنت بالسَماع / لحلو حديثِك آذانه
عن العلم في الغرب ِ ما بالهُ / وعن رجلِ الغرب ما شأنه
وهل في الشدائد أحقادهُ / تُعينُ عليه وأضعانه
وهل للدسيسةِ بين الصفوف / تَلاقَت .. تُسخِّرُ أديانه
تباهي بمثلِك أكفاؤهُ / ولاةُ العهودِ و" أقرانه"
وحسبُك مُنطلقاً منشأً / نشأتَ وضمَّتْكَ أحضانه
رعايهُ جدّك نثور النَّبي / وبيتُ الالهِ وأركانه
ولا خيرَ في المُلك ما لم يُشَدْ / على أُسُسِ العلمِ بُنيانه