نجومَ الصِّبا أَيْنَ تِلْكَ النجومُ
نجومَ الصِّبا أَيْنَ تِلْكَ النجومُ / نَسِيمَ الصَّبا أَيْنَ ذَاكَ النَّسيمُ
أَما فِي التَّخَيُّلِ منها ضِياءٌ / أَما فِي التَّنَشُّقِ منها شَمِيمُ
فَيَلْحَقُها من ضلوعي زفيرٌ / ويُدْرِكُها من دُموعي سَجُومُ
لقد شَطَّ روضٌ إِلَيْهِ أَحِنُّ / وغارَتْ مِياهٌ إليها أَهيمُ
أَوانِسُ يُصْبِحُ عنها الصَّباحُ / نواعِمُ يَنْعَمُ منها النَّعيمُ
كواكِبُ تصغي إِليها السُّعودُ / كواعِبُ تَصْبُو إِليها الحُلُومُ
ليالِيَ إِذْ لا حبيبٌ يصُدُّ / وعهديَ إِذ لا عذولٌ يلومُ
وإِذ لا صباحِي رقيبٌ عَتيدٌ / ولا ليلُ وصلِي ظلامٌ بهيمُ
وكيفَ وشمْسُ الضُّحى لي أَليفٌ / وأَنَّى وبدرُ الدُّجى لي نديمُ
وخمرِي من الدُّرِّ مِسْكٌ مُذَابٌ / وروضِي من السِّحْرِ دَلٌّ رخيمُ
وأَوجُهُ أَرضِيَ زُهْرٌ تروقُ / ومِلْءُ سمائِي نجومٌ رُجُومُ
فشيطانُ لهوي مُطاعٌ مُطيعٌ / وشيطانُ هَمِّي طريدٌ رجيمُ
غرارةُ عيشٍ أَراها الغُرورُ / بأَنَّ الزمانَ صديقٌ حميمُ
وغمرةُ شكٍّ أتاها اليقِينُ / بأَنَّ رضيعَ الأَمانِي فطيمُ
وغصنُ شبابٍ علاهُ المشيبُ / كغضِّ رياضٍ علاها الهشيمُ
فيا عَجَباً لصروفِ الزمانِ / شهوداً لَنَا وَهْيَ فينا خُصومُ
وكيف قضى حُكْمُ هَذَا القضاءِ / عليَّ لدهرِيَ وَهْوَ الظَّلُومُ
فنحنُ ديونُ النَّوى كلَّ يومٍ / عَلَى حكمِهِ يقتضينا الغريمُ
وتلك المعاهِدُ منا رُسوماً / عفاها الذَّميلُ بنا والرَّسِيمُ
بِسَيْرٍ يقولُ الصَّفا الصُّمُّ منه / أَما للحوادِثِ قلبٌ رحيمُ
أَما يُستقالُ الزمانُ الكئودُ / أَما يُسْتَكَفُّ العذابُ الأَليمُ
عن الأَوْجُهِ المُتَوالِي عليها / ليالٍ وأَيَّامُ جَهْدٍ حُسُومُ
جسومٌ تطيرُ بِهِنَّ القلوبُ / بأَجنحةٍ ريشُهُنَّ الهمومُ
بكلِّ هجيرٍ لَوِ النَّارُ تَصْلى / جحيماً لأَصبَحَ وَهْوَ الجحيمُ
كَأَنَّ رواحِلَنَا فِي ضحاهُ / صوادي سَمَامٍ حداها السَّمُومُ
وَفِي كلِّ ليلٍ تَغَشَّى دُجاهُ / فنامَ ولكِنَّه لا يُنيمُ
كَأَنَّا وَقَدْ سَدَّ بابَيْهِ عنَّا / وهامَ بِنا الذعرُ هامٌ وبومُ
وَفِي كلِّ بحرٍ كَمَا قيلَ خَلْقٌ / صغيرٌ يُهاوِيهِ خلقٌ عظيمُ
كَأَنَّا عَلَيْهِ نجومُ الثُّرَيَّا / تسيرُ وَقَدْ أَفردَتْها النُّجومُ
نِجاءٌ تَمَنَّى ثِمارَ النجاةِ / ومن دونِهِنَّ رجاءٌ عَقِيمُ
فذاك مدى صبرِ حُرٍّ يُضامُ / وذاك مدى صرفِ دهرٍ يَضِيمُ
وكم أَعْقَبَ الظَّمْءَ حِسْيٌ جَمُومٌ / وكم عاقَبَ الجِدبَ ريٌّ جَميمُ
وكيفَ يؤمِّلُ مولىً كريمٌ / ويخشَى من الدَّهْرِ خَطْبٌ ذَمِيمُ
وَفِي اسمِ المظفَّرِ فألُ الحياةِ / ليحيا الغريبُ بِهِ والمقيمُ
يُبَشِّرُنا بسناهُ الصباحُ / وتخبرُنا عن نداهُ الغيومُ
ففي كل بحرٍ لنا مِنْكَ شِبْهٌ / وَفِي كلِّ فجرٍ لَنَا فيك خِيمُ
ومرعاكَ فِي كل أرضٍ نرودُ / وسقياكَ فِي كلِّ برقٍ نَشِيمُ
وفي كلِّ نادٍ مُنادٍ إِلَيْكَ / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ يُغْنى العديمُ
هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ تُنْسى الرَّزايا / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ تُؤْسى الكُلُومُ
هَلُمَّ إِلَى حيثُ يُؤْوى الغريبُ / هَلُمَّ إِلَى حَيْثُ يُحْمى الحريمُ
هَلُمَّ لِعِزِّ حِمىً لا يُرامُ / يَسُحُّ عَلَيْهِ حَياً لا يَرِيمُ
عُلاً أَعْرَقَتْ فِيكَ من عَهْدِ عادٍ / يدينُ الكريم بِهَا واللئيمُ
عهودُ مكارِمَ لا عهدُها / ذميمٌ ولا الدَّهْرُ فِيهَا مُليمُ
أَجَدَّ مناقِبَهُنَّ اللَّبِيسُ / وأَحدثَ آثارَهُنَّ القديمُ
تُنيرُ بِهِنَّ القبورُ الدُّثورُ / وتَعْبَقُ منها العِظامُ الرَّميمُ
وتُثْمِرُ من طَعْمِهِنَّ الغصونُ / وتُغدِقُ فِي سَقْيِهِنَّ الأَرُومُ
ويُوصِي بِهِنَّ مليكاً مليكٌ / ويُودِعُهُنَّ كريماً كريمُ
فعمَّ الخلائِقَ منها خُصُوصٌ / كفاها وخَصَّكَ منها العُمومُ
وجاءَتْكَ بَيْنَ ظُباةِ السيوفِ / تصولُ القيولُ بِهَا والقُرومُ
وَفِي كل برٍّ وَفِي كلِّ بحرٍ / صِراطٌ إِلَيْكَ لَهَا مستقيمُ
وأَنت بميراثِهِنَّ المحيطُ / لأَنكَ فِيهَا الوسيطُ الصَّميمُ
فإِنْ أَعلَقَتْ بك عِلْقَ الفخارِ / فأَنتَ الكفيلُ بِهَا والزعيمُ
وإِنْ رَضِيَتْكَ لتاجِ البقاءِ / فأَنتَ الرَّفِيعُ بهِ والعَمِيمُ
وسيفُكَ للدينِ رُكْنٌ شديدٌ / وحظُّكَ فِي الملكِ حظٌّ جسيمُ
وإِنْ يَهْنِكَ اليومَ عيدٌ يَعودُ / فَيَهْنِ لَنَا مِنْكَ عيدٌ يُقيمُ
ولما رأَى أنه لا يدومُ / أَتاكَ يُهَنِّيكَ مُلْكاً يدومُ
وإِقبالُها دولةً لا تَناهى / وإِقْدَامُها عِزَّةً لا تَخِيمُ
ويَهْنِ المصلَّى تجلِّيكَ فِيهِ / بوجهٍ يُنيرُ وكفٍّ تَغِيمُ
وهَدْيٌ تهادى إِلَيْهِ العُيونُ / ويُزْهى لَهُ زَمْزَمٌ والحَطِيمُ
لبستَ إِليها من المُلْكِ تاجاً / يُهِلُّ الهلالُ لهُ والنُّجومُ
عَلَى حُلَلٍ حاكَهُنَّ السناءُ / وأَردِيَةٍ نسجَتْها الحُلُومُ
وتحت غَياباتِ غابِ الوَشيجِ / أُسودٌ إِلَى مُهَجِ الكفرِ هِيمُ
وللسابغاتِ بحورٌ تمورُ / وللسابحاتِ سفينٌ يَعُومُ
كَأَنَّ خوافِقَ أَعلامِهِنَّ / طيورٌ عَلَى الماءِ منها تَحُومُ
فَفُصِّلَ باسمِكَ فصلُ الخطابِ / كَمَا قَدْ حباكَ العزيزُ الحكيمُ
وأُخْلِص فيكَ جميلُ الدُّعاءِ / بما لا يُضِيعُ السميعُ العليمُ
فلا شاءَ دهرُكَ مَا لا تشاءُ / ولا رامَ شانِيكَ مَا لا تَرُومُ
فنصرُكَ أَوَّلُ مَا نَسْتَمِدُّ / وعمرُكَ آخِرُ مَا نستديمُ