مديحُك كَالمِسْكِ لا يُكْتَتَمْ
مديحُك كَالمِسْكِ لا يُكْتَتَمْ / به يُبْتَدَى وبه يُخْتَتمْ
وما بَرِحَ المَدْحُ بَعْد النَّسيبِ / وذا مَذْهبٌ شاعَ بَيْنَ الأُمَمْ
ومَدْحُكَ من قَبْلِ خَلْقِ النسيبِ / ونظْمِ القريض وخَلْق النَّسَمْ
صِفَاتُك قائمةٌ في النُّفوسِ / قديماً وثابتةٌ في القِدَمِ
على أَنَّ لي همةً في النسيبِ / ولكنَّ مدْحَك مِنْهُ أَهَمْ
وإِنَّ النسيبَ إِذا ما مُدِحتَ / يُقالُ ولكنَّه لا يَتِمْ
وإِن النسيبَ يَسُرُّ النفُوسَ / ويُذْكِي العقولَ ويُصْفِي الشِيَمْ
ولا سيما وَهْوَ مِنْ عَاشِقٍ / رماهُ الهوى وبَراهُ السَّقَمْ
ومحبوبةٍ فوق شَمْسِ الضُّحَى / فلا تَحْفِلَنَّ ببدرِ الظُّلَمْ
تعلَّقْتُه ناعسَ المقْلتينِ / يَنِمُّ على أَنَّه لم يَنَمْ
وهِمْتُ بِه أَسْمَر المرشَفَين / عليه اللَّمى وعليه اللِّمَمْ
فَبَرْقُ مُقبَّلهِ لا يَشَامُ / ووردةُ وجْنَتِه لاَ تُشَمْ
إِذا كَسَر الجفنَ مَن فَتْرَةٍ / فللجفنِ كسْرٌ وللصَبِّ ضَمْ
لجنسين منه كمالُ الجمالِ / فللعُرب عَيْنٌ وللتُّركِ فَمْ
وعمَّ الورى بالهوى خَالُه / ويا قَلَّ ما يوجدُ الخالُ عَمْ
وعِقُد مقبَّلِه كلُّه / يتيمٌ ولكن نراهُ ابْتَسَمْ
أَيا عاذِلي فيه لما رآهُ / لئن كنتَ أَعْمَى فإِني أَصَمْ
وَهبْكَ أَبا ذَرِّ هذَا الكلامِ / فَهَبْنِي أَبا جَهْلِ هذا الصَّنَمْ
وأَيْنَ العواذِلُ ممن هَويْتُ / ولو كُنَّ ثَمَّ لأَبْصرنْ ثَمْ
أُسِرُّ الغرامَ وَيْبدُو عَليَّ / وما انْكَتَم الشَّيْبُ تَحْتَ الكَتَمْ
على أَنَّنِي مُذْ عرفْتُ الهَوَى / جهلتُ النُّهى واستطبْتُ الأَلَمْ
وبِعْتُ الكَرَى واشتريتُ السُّهادَ / فما ذُقْتُ طَعم الكَرَى مُنْذُ كَم
وأَربعةٌ قطُّ لم تَفْتَرِقْ / هَوىً وجوىً وحياةٌ وهَمْ
ولا تعجَبَنْ لحياةِ الهمومِ / حياةُ الهُمُومِ بمَوْتِ الهِمَمْ
ويومٍ كَليلةِ صَدِّ الحبيب / يقالُ أَضاءَ وقلت ادْلَهَم
أَرى الْبَرْقَ في خَدِّه كالشحُّو / بِ والشمسَ في وجْهِهِ كالغَمَمْ
وما اسودَّ إِلا لأَنِّي به / قَبَرْتُ العُلاَ ودفَنْتُ الكَرمْ
ولكن أُعِيدَ بعَبْدِ الرحيمِ / وما زال بالجُودِ مُحيي الرِّمَمْ
ولولاه كنتُ نَبَذْتُ الدواةَ / ولولاه كنتُ كَسرتُ القَلَمْ
ولولا فريضةُ مَدْحِي له / لقلتُ بكم يُشْتَرى لي بكم
وعزَّ على العُرْبِ أَني حَفِظْ / تُ برغمِيَ بعْضَ لغاتِ العجم
كما مَجْمَجَ الدَّهرُ بي ناطقاً / كأَنيَ حَرْفٌ به مُدَّغَمْ
رضِيتُ رضيتُ بأَدْنَى الحضيضِ / وخلَّيتُ خلَّيْتُ أَعْلَى القِمَمْ
فما أَنا من أَهل ذاكَ المَقَامِ / ولا أَنا من رَقْم ذاك القَلَمْ
وما ضيَّع اللهُ آلَ الحُسَيْنِ / إِذا رفع الدَّهْرُ آلَ الحَكَمْ
وما يُبْعِدُ الدهرُ لي مَطْلباً / وعبدُ الرحيم فِدَاهُ أُمَمْ
به سَوفَ أَدخُلُ دارَ السلامِ / ويُلْقِي الزمانُ إِليَّ السَّلم
يقولُ لدهرِيَ أَسكُنْ حِراً / فقال لي الدَّهرُ أُسكُنْ حَرَمْ
لقد شملَ الخلْقَ إِنْعامُه / فهم في النعيمِ وهَمْ في النِّعم
يسابقُ سُؤَّالَهُ بالعَطَا / فلا لا يُقَال كما لا نَعَمْ
فمن ذا الذي بعطاياهُ مَا / ومن ذا الذي بأَيادِيه لمْ
وإِنَّ الملوكَ به كالعَبيدِ / وإِنَّ الأُسوَد به كالغَنَمْ
تجيءُ الملوكُ إِلى بابِه / إِذا اختصموُا ليكونَ الحكَمْ
فيفصلُ مُشكِلَهم بالبيانِ / ويَحْكَم بينهمُ بالحِكَمْ
يرون مودَّتَهُ قُرْبةً / وطاعتَه فُرْصَةً تُغْتَنَمْ
ولا غَرْوَ أَنَّك مولىَ الأَنامِ / وأَثبتَهم في المعالي قَدَمْ
وأَنَّك أَوفاهُم بالعهودِ / وأنك أرعاهم للذمم
فخار أجل وطول أطل / وبأْسٌ أَشدُّ وعزمٌ أَشَمْ
ودولتُه ركنُها قائِمٌ / برغم العدوِّ الأَغثِّ الأَعَمْ
يعاديك كلُّ لئيمِ الأُصولِ / مباحِ الحريم مُشاعِ الحُرَم
له خَلوةٌ كلُّها تَنْقَضِي / برتْقِ الفُتُوقِ وسَدِّ الثُّلمْ
ويَحْلِفُ أَنِّي الحبيبُ النصيحُ / ويَكْذِبُ بل حاسِدٌ متَّهم
ينمُّ إِليكَ وطوْراً عليْكَ / فتمَّ له أَمْرُه حين نَمْ
يُرى في الخَلا حاملاً طاعِناً / ولكِنْ إِذا مَا رآكَ انْهَزَمْ
وباسْمِكَ قد حَلَّ فوق السَّما / ولولاكَ لَم يَسْمُ بل لم يُسَمْ
ويَكْفُر أَنعمَك السابغاتِ / فسوفَ تعودُ عليهِ نِقَمْ
ويمضغُه الدَّهرُ مَضْغَ الأَديم / ويَعْرُكُهُ النحسُ عرْك الأَدَم
وأَعْدِلُ عن ذا إِلى شُكْرِ من / أُقصِّر عنه لفرْطِ العِظَم
رددْتَ أَبي بعد أَن كانَ سَارَ / وكادت مَطيتُه أَن تُزَم
رددت إِرادتَه إِذْ أَرادَ / وثَبَّطْتَ عزْمَتَه إِذْ عَزمَ
نَهَيْتَ عزيمَته فانتهى / رسمتَ إِقامَته فارْتَسَمْ
وواللهِ ما بك من حاجةٍ / إِلى أَحدٍ من جميع الأُمَمْ
ولكنْ رَفَقْتَ له رحمةً / فلو سارَ لانحط أَو لانْحَطَم
وخِفْتَ على عِقْدنا الانتثار / لأَنَّ ببقياه كان انتَظَم
ولو كان فارقَ طوعاً نداكَ / لأَعقَبَه في الطريق الندم
نقعتَ به غُلَّتي والصَّدى / جمعتَ به كبدي والشَّبَمْ
جمعتَ به شَمْلَنا بل جَمَعْ / تَ سُقْيَا الغَمَامِ وكَشْفَ الغُمَم
وإِنّي لأَشْكرُ الصنيعَ / كشُكر الرياضِ لصُنْعِ الدِّيم
وفي النفس واحدةٌ أَحرقتْ / فؤَادِي فأَصبح فيها حَمَمْ
تقُولُ أَعاديَّ لولا أَبوكَ / لما كُنْتَ تدخلُ ذاكَ الحَرَمْ
وكنْتَ القصيَّ وكنتَ البعيد / وكنتَ من العالَم المُهتَضمْ
وإِنَّ الأَجلَّ يراك الأَقلَّ / ولو كُنْتَ مِمَّنْ رَقَى أَو رَقَمْ
وما زال فعلكَ منه يُذَامُ / وما زَال قَصدُك منه يُذَمْ
وما أَنت من جِنْسِ من يُصْطَفَى / ولا أَنتَ من نَوع ما يُحْترم
وليس لذاتِك ذاك القَبُولُ / وليس لنَفْسِك ذَاكَ القَدَمْ
ولكن أَبوكَ له خِدْمَةٌ / دخلْتَ بها في غِمارِ الخَدَم
وأَحسب أَنهمُ يكذون / وهل يَصدقُ الحاسدُ المتَّهمْ
وحاشا لمجدِك من أَن أُضام / بأَنّي إِلى غير ذاتِي أُضَمْ
وقد كَذَبُوا أَنت لِي واصِفٌ / بحسن الفِعالِ وحُسْن الفَهم
وكُتْبُك تشهد أَنِّي الحبيبُ / وأَنّي الأَخصُّ وأَنّي الأَعم
أَبي بِي سار اسمُه في البلاد / وجابَ الوِهادَ بها والأَكَمْ
وأَحْيَيْتُ أَسْلافِيَ الأَقدمين / فقاموا وهم يَنْفُضُون اللِّمَم
وهم وأَنا بِكَ حُزْنَا الفَخَارَ / وصارَتْ لنا في البَرَايَا قِيَمْ
بقيتَ ويَبْلى الزمانُ الجديد / وتبّاً لمذهبِ أَهَل القدم
فلا بُدَّ من أَن تمورَ السماءُ / ويَذْوِي بها كُلُّ نَجْم نَجَمْ
ويظهرُ في الفرقدين العَمى / كما بان في الهَرَمينِ الهَرَمْ
وليْسَ السماءُ كما قد رأَي / تَ بالشُّهْبِ إِلاَّ أَديمَ حَلَم
ونجمُك في كلِّ ذا لا هَوَى / وركنُك في كل ذَا لا انْهدَم
تدومُ ويُقْسَمُ فينا نَدَاك / فأَمّا عُلاَك فما يُقْتَسَم
وأَرْبَعَةٌ فيَّ ممَّا وَهَبْ / ت نَفْسٌ وروحٌ ولَحمٌ وَدَمْ