بَكَيْتُكَ لِلْبَيْنِ قَبْلَ الْحِمامِ
بَكَيْتُكَ لِلْبَيْنِ قَبْلَ الْحِمامِ / وَأَيْنَ مِنَ الثُّكْلِ حَرُّ الْغَرامِ
وَما كانَ ذاكَ الْفِراقُ الْمُشِ / تُّ إِلاّ دُخاناً لِهذا الضِّرامِ
فَعُوِّضْتُ بَعْدَ الْحَنِينِ الأَنِينَ / وَبُدِّلْتُ بَعْدَ الْجَوى بِالسَّقامِ
إِذا قَتَلَ الْبُعْدُ أَهْلَ الْهَوى / فأَقْتَلُ لِي مِنْهُ مَوْتُ الْكِرامِ
فَيا قَمَراً يَمَنِيَّ الْمَغِيبِ / وَإِنْ كانَ مَطْلِعُهُ بِالشآمِ
أَكادُ لِذِكْرِكَ ألْقى الْحِمامَ / إِذا هتَفَتْ ساجِعاتُ الْحَمامِ
فَأَنْشُدُ مَثْواكَ عِنْدَ الْهُبُوبِ / وَأَرْقُبُ طَيْفَكَ عِنْدَ الْمَنامِ
وَأَهْفُوا إِلى كُلِّ بَرْقٍ يَمانٍ / وَأَصْبُو إلى كُلِّ رَكْبٍ تَهامِ
وَأَسْأَلُ عَنْكَ نَسيمَ الرِّياحِ / وَمَنْ لِلنَّسِيمِ بِمَنْ فِي الرِّجامِ
وَإِنِّي لَظامٍ إِلى نَفْحةٍ / بِرَيّاكَ ما وَرَدَ الْماءَ ظامِي
وَكَمْ عَبْرَةٍ لِي وَما بَيْنَنا / سِوى أَنْ تَكِلَّ بَناتُ الْمَوامِي
فَكَيْفَ وَقَدْ أَنْزَلَتْكَ الْمَنُونُ / بأَسْحَقِ دارٍ وَأَنْأَى مَقامِ
غَرِيباً يُبَكِّي لَهُ الأَبْعَدُونَ / صَرِيعاً يُوَسَّدُ صُمَّ السِّلامِ
سَلِيباً يُجِلْبَبُ ثَوْبَ الْبِلى / ضَعِيفاً يُحَمَّلُ ثِقْلَ الرَّغامِ
وَيا غائِباً كَمَدِي حاضِرٌ / بِهِ ما شَجَتْ فاقِدٌ بِالْبُغامِ
تَشَكَّتْ رِكابُكَ عَضَّ الْقُتُودِ / لَيالِي سُراكَ وَجَبَّ السَّنامِ
وَما كان غارِبُها فِي الرَّحِيلِ / بأَوْجَعَ مِنْ كَبِدِي فِي الْمُقامِ
زِمامٌ مَعَ الْوَجْدِ لِي طَيِّعٌ / طِواعَ الْمُذَلَّلِ جَذْبَ الزِّمامِ
وَدَمْعٌ يُبارِي وَجِيفَ الْمَطِيِّ / فَأَخْفافُها وَجُفُونِي دَوامِي
رُزِئْتُكَ حَيّاً وَخَطْبُ الْفِرا / قِ أَشْبَهُ شَيْءٍ بِخَطْب الْحِمامِ
وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَكَ لِي مُقْلةٌ / تَبِيتُ لِفَقْدِكَ ذاتَ انْسِجامِ
فَداوَيْتُ شَوْقِي بِذِكْرِ اللِّقاءِ / وَعَلَّلْتُ شَمْلِي بِعَوْدِ النِّظامِ
أُؤَمِّلُ قُرْبَكَ فِي كُلِّ يُوْمٍ / وَأَرْجُو لِقاءَكَ فِي كُلِّ عامِ
وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ مَرامِي الْقَضا / ءِ قَدْ حُلْنَ بَيْنِي وبَيْنَ الْمَرامِ
فَسُدَّتْ مَطالِعُ ذاكَ الْجَوادِ / وَفُلَّتْ مَضارِبُ ذاكَ الْحُسامِ
وَغُودِرَ مُحْيِي النَّدى لِلْفناءِ / وَعُوجِلَ بانِي الْعُلى بِانْهِدامِ
فَواحَسْرتا مَنْ أَذَلَّ الْعَزِيزَ / وَوَاأَسَفا مَنْ أَذَلَّ الْمُحامِي
عَجِبْتُ لِضَيْمِكَ تِلْكَ الْغَداةَ / وَما كانَ جارُكَ بِالْمُستَضامِ
وَأَيُّ فَتىً حاولَتْهُ الْمَنُونُ / فَلَمْ تَرْمِ عِزَّتَهُ بِاهْتِضامِ
وَكَمْ بُزَّ مِنْ مانعٍ لِلْجِوارِ / وَضُيِّعَ مِنْ حافِظٍ لِلذِّمامِ
سَقَتْكَ بِأَلْطَفِ أَنْدائِها / وَأَعْزَزِها سارِياتُ الْغَمامِ
وَإِنْ قَلَّ ماءٌ مِنَ الْقَطْرِ جارٍ / فَجادَكَ قَطْرٌ مِنَ الدّمْعِ هامِ
وَبَكَّتْكَ كُلُّ عَرُوضيَّةٍ / تُرِنُّ بِها كُلُّ مِيمٍ وَلامِ
إِذا ضُنَّ عَنْكَ بِنَوْرِ الرِّياضِ / حَبَتْكَ غَرائِبَ نَوْرِ الْكَلامِ
لَعَمْرِي لَئِنْ ساءَنا الدَّهْرُ فِيكَ / لَقَدْ سَرِّنا في أَخِيكَ الْهُمامِ
هُوَ الْمَرْءُ يَشْجُعُ فِي كُلِّ خَطْبٍ / مَهُولٍ وَيَجْبُنُ عَنْ كُلِّ ذامِ
ذَهَبْتَ وَكَلَّفْتَهُ فِتْيَةً / ذَوِي غُرَرٍ وَوُجُوهٍ وِسامِ
كَما أَوْدَعَ الأُفْقَ زُهْرَ النُّجُومِ / وَوَلّى إِلى الْغَرْبِ بَدْرُ التَّمامِ
عَلَى أَنَّ أَدْمُعَنا بِالْجُفُو / نِ أَغْرى مِنَ الْوجْدِ بِالمُسْتَهامِ
وَلِمْ لا وَذكْرُكَ يَرْمِي الْقُلُوبَ / بِأَنْفَذَ مِنْ صائِباتِ السِّهامِ
هُمُومٌ تُبَلِّدُ فَهْمَ الْبَلِيغِ / وَتُعْيِي نَوافِثَ سِحْرِ الْكَلامِ
صَدَعْنَ الْقُلُوبَ فَلْولا أَبُو / عَلِيٍّ لَما ظَفِرَتْ بِالْتِئامِ
أَغَرُّ تُمَزَّقُ عَنْهُ الْخُطُوبُ / كَما مَزَّقَ الْبَدْرُ ثَوْبَ الظَّلامِ
رَعَتْ مَجْدَ آلِ الزَّرافِيِّ مِنْهُ / مَكارِمُ تَعْضُدُهُ بِالْدَّوامِ
فإِنْ حُطِمَ اللَّدْنُ فَالْعَضْبُ باقٍ / وَإِنْ أَقْلَعَ الْغَيْثُ فَالْبَحْرُ طامِ
وَفِي واحِدٍ مِنْ بَنِي أَحْمَدٍ / لَنا خَلَفٌ مِنْ جَمِيعِ الأَنامِ
عَزاءَكَ يَا بْنَ الْعُلى إِنَّما / تَهُونُ الْعَظائِمُ عِنْد الْعِظَامِ
كَذا أَخَذَ النّاسُ في دَهْرِهِمْ / بِقِسْمَيْنِ مِنْ عِيشَةٍ واخْتِرامِ
فَكُلُّ اجْتمِاعٍ بِهِ لِلشَّتاتِ / وَكُلُّ رِضَاعٍ بِهِ لِلْفِطامِ
بَقِيتَ وَأَبْناؤُكَ الأَكْرَمُونَ / بَقاءِ الْهِضابِ بِرُكْنَيْ شَمامِ
فَمِثْلُكَ لَيْسَ عَلَى حادِثٍ / أَلَمَّ فَنَكَّبَهُ مِنْ مَلامِ