المجموع : 5
دَمُ الكرمِ في الكاس أم عَنْدمُ
دَمُ الكرمِ في الكاس أم عَنْدمُ / به تُخْضَبُ الكفّ والمِعْصَمُ
أصفراءُ يَبْيَضّ منها الحباب / أمِ الشمسُ عن أنجمٍ تبسِمُ
وتلك شقيقةُ روحِ الفتى / إذا وُجِدَتْ فالأسَى يُعْدَمُ
تُلامُ على شُرْبِ مشمولةٍ / ولم يدرِ ما سرّها اللّوَّمُ
خبيئةُ دنّ سناها المنيرُ / محيطٌ به قارها المظلمُ
وَقَد كَثُر القولُ في عمرها / ولم يُدْرَ عاصرُها الأزلمُ
يقهقهُ في الصبّ إبريقُها / كما هَدَرَ البازلُ المُقْرَمُ
إذا انبعثتْ منه قال النّديم / أَيَنسابُ من فَمِهِ أَرقَمُ
يبيتُ لها سَهَرٌ في العروقِ / وأعينُ شُرّابِها نُوّمُ
كَأَنَّ لها فيْ خَفِيّ الدّبيبِ / نمالاً مساكِنُها الأعظُمُ
يطوفُ بها رشأ أحْوَرٌ / لمقلتهِ الليثُ مُستسلمُ
وتلحظُ بالسحرِ منه الجفونُ / ويلفظُ بالدّرّ منه الفمُ
بفَوّاحَةِ الزّهْرِ مُخْضَلّةٍ / تُجادُ معَ الصّبْحِ أو تُرْهُمُ
كأنّ لها في طباقِ الثّرى / بأيدي الحيا حُللاً تُرْقَمُ
على شدواتِ طيورٍ فصاحٍ / على أنّ أفْصَحَها أعْجَمُ
لهنّ أعاريضُ عند الخليل / مُهْمَلَةُ الوزنِ لا تُعْلَمُ
ترجِّعُ فيها ضروبَ اللحونِ / فَتُطْرِبُنا وَهْيَ لا تفهمُ
وأدْهَمَ يَنهَبُ عُرْضَ المدَى
وأدْهَمَ يَنهَبُ عُرْضَ المدَى / ويجري به كلّ عِرْقٍ كريم
بعيني عقابٍ وشِدْقَي غرابٍ / وأرساغ جأبٍ وساقَيْ ظليم
كأن البروقَ على جِسمِه / مَدَاوِسُ تصْقُلُ منه أديم
وتحسبُ غُرّةَ صبحٍ منيرٍ / بَدَتْ منه وَجْهِ ليلٍ بهيم
أبا هاشم هشّمتني الشفار
أبا هاشم هشّمتني الشفار / فَللَّه صبري لذاك الأوار
ذكرت شخيصك ما بينها / فلم يدعني حبّه للفرار
ليهنئ بني الإسلام أنْ أبْتَ سالما / وغادَرْتَ أنْفَ الكفرِ بالذلّ راغما
كشفتَ كروباً عن قلوبٍ كأنّما / وَضَعْتَ عَلَيْها من هواك خواتما
صبرتَ لحرّ الطعن والضربِ ذائداً / عن الدين واستصغرتَ فيه العظائما
تفسّحْتَ في صدرٍ رَحيبٍ بحيثُ لا / يلاقيك فيه القِرْنُ إلا مُصَادِما
رحمناكَ من وَقْعِ الصوارم والقَنَا / فكانَ لنا في حفظك اللّهُ راحما
وكم شَجّةٍ في حُرّ وجهك لم يَزَلْ / لك الحسنُ منها بالشجاعة واسما
أجَبْتَ الهُدى لمّا دعاكَ لِنَصْرِهِ / وجَرّدْتَ عزْماً إذ تَقَلّدتَ صارما
بجيشٍ تثيرُ الجردُ فيه قساطلاً / تريكَ بها وَجْهَ الغزالةِ قائما
إذا بَرَقَتْ فيه الأسنّةُ خِلْتَها / كواكبَ تجلو في السُّكاكِ غمائما
غدَتْ خلفَهُ وَحْشُ العراءِ عواسلاً / وَمِنْ فوْقِهِ طيرُ الهواءِ حوائما
كأنّ عُقابَ الجوّ هَزّتْ خوافياً / حواليكَ منه للوغى وَقَوَادِما
كأنّ زعيم الرّومِ وَيْلٌ لنفسه / أثارَ عليهِ مِنْكَ ليثاً ضُبارما
نَقَمْتَ على من آسفوك بيوسفٍ / وما زلتَ ممن خالفَ الحقّ ناقما
وآذنت عُمّار القفار بحربهم / فيا قُرْبَ ما شَقّوا إليك الخضارما
بنو الحرب غذّتْهم لَبَانَ ثُدِيّها / ولم يستطيبوا منه إلا العَلاقما
يَحُثّونَ للهَيْجاء جُرْداً سلاهباً / وَيُنْضُونَ في البيداءِ بُزلاً صَلادِما
إذا طَعَنوا بالسهريّةَ خِلْتَهُم / ضراغمَ تُغْري بالقلوب أراقما
وإن كرّ منهم ذو لثامٍ مُصَمِّمٌ / غدا لفم الهيجاء بالسيف لائما
ولما التقى بالرّوم طارتَ قلوبُهُمْ / كأنْ لم تكنْ أوكارهُنّ الحيازما
كأنّكَ حرّمْتَ الحياة عليهمُ / غداةَ الوغى لما استحلّوا المحارما
فلم تَبقَ من أهل الضّلالِ بَقِيّةٌ / لقد عادتِ الأعراسُ فيهم مآتما
جعلتَ ثيابَ المشرفيّةِ منهم / دماءً وتيجانَ الرماح جماجما
فلا عجبٌ أن قَدّتِ البيضُ هامَهُمْ / فتلك حروفُ اللين لاقتْ جوازما
أرى الفُنْشَ ولّى يومَ لاقى فوارساً / مَغافرُهُمْ لاثُوا عليها العمائما
يلومُ صليبَ العود وهو يلومه / ومن يَغْوَ لا يَعْدَمْ على الغيّ لائما
نَوى خدعةً في الحرب والحرب خَدعةٌ / فأدْبَرَ مهزوماً وقد كان هازما
ومعتادةٍ أكْلَ الكماةِ جيوشها / أعاربُ تدعو للنّزال أعاجما
إذا اختصموا في اللّه كانت قضاتُهُمْ / قواضبَ تَقْضي بينهم ولهاذما
علوجٌ حَشَوْا في الكفر بالغيظ أعيناً / وقد ملؤوا منها قلوباً سخائما
أفاضوا من الماذيّ ماءً عليهمُ / ليطفئ عنهمْ من لظى الحرب جاحما
أدَرْتَ رحاها دَوْرَةً عَرَبِيّةً / تَرَكتَ عظامَ الروم فيها هشائما
كأنّ كراتٍ وَهْيَ هامُهُمُ غَدَتْ / صوالجها بيضاً تحزّ الغلاصما
وأيدٍ بنت في القفر منها صوامعاً / وكانت لها بالمرهفات هوادما
علاهُنّ للتأذين كلّ مُكَبّرٍ / تكادُ له كفٌّ تَمَسّ الغمائما
وتحسبُها في كلّ بيداءَ عُنْصُلاً / تَرَى ناثراً فيها لهنّ وناظما
لواؤك نادى للقِرى من لحومهم / خوامعْ من آفاقها وَقَشاعِماً
كأنّ عُفاةً منهما يَوْمَ أقْبَلَتْ / بذَلْتَ لها قَتْلَ العلوجِ مكارماً
هناك ثنيتَ الكفرَ خزيانَ باكياً / نعم ورددت الدينَ جذلانَ باسما
حلمتمْ مراجيحاً وَجُدْتُمْ أكارماً / وسدتمْ بهاليلاً وصلتمْ ضراغما
سكنتمْ قلوبَ العارفينَ محبّةً / كما سكنَ الزهرُ الذكيّ الكمائما
نَذرْتُ نذوراً فاقتضاني قضاءها / إيابُكَ من يوْمِ العروبة سالما
ولمّا وجدتُ الوفرَ أعوزَ راحتي / سجدتُ لربّي ثمّ أصبحْتُ صائما
رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما
رَعى مِن أخي الوجدِ طيفٌ ذماما / فَحَلّلَ من وَصْلِ سلمى حرَاما
تَحَمّلَ منها بريّا العبير / ومنْ أرْضِها بأريجِ الخزامى
تَعَرّضَهُ سُورُ قَصْرٍ فَطارَ / وَسَاوَرَهُ مَوْجُ بَحْرٍ فَعاما
مَشى بالتواصلِ بَيْنَ الجُفونِ / وَداوَى السليمَ وأهدى السلاما
وَمَثّلَ للصّبّ في نومِهِ / ضجيعاً إذا أرّقَ الصّبَّ ناما
ومن صُوَرِ الفكر محبوبةً / يعودُ عليلاً بها مستهاما
لها عَنَمٌ في غُصُونِ البنان / يَعُلّ نَدى أُقحُوانٍ بشاما
ترى نَضْرَةَ الحُسْنِ في خَدّها / تَمَيّعُ ماءً وتُذْكى ضِرَاما
تَرَنّحُ بالبدرِ غُصْناً رطيباً / وترتجّ في السيرِ دِعْصاً ركاما
فأمسيتُ منها بماءِ اللمى / أُرَوّي أُواماً وأشْفي سقاما
حلا لي وأسكرني ريقها / فهل خامرَ الأرْيُ منْهُ المداما
تلاقتْ صواعِدُ أنْفاسِها / فمازَجَ منها السلوُّ الغراما
ولا عَجَبٌ أنّ ضَمّاتنا / جَبَرْنَ القلوبَ وَهِضْنَ العظاما
بأرضٍ دحاها الكرى بيننا / ننالُ الأمانيّ فيها احتكاما
فلا بَسَطَ الصبحُ فيها الضّياءَ / ولا قَبَضَ الليلُ عنها الظلاما
فلو عاينَ الأمرَ حلَّ الجوادَ / وشدّ الحزامَ وسلّ الحساما
وأقبلَ بالرّيحِ نحوَ السّحابِ / يظنّ سنَا البرق منها ابتساما
ولما أتانا من الإنتباهِ / دخلنا له بالوصال المناما
جعلنا تزاوُرَنا في الكَرى / فما نَتّقي من مَلومٍ مَلاما
وَمَرّتْ لطائفُ أرْواحِنا / بِلَغْوِ الهَوَى حيثُ مَرّتْ كراما
وطامٍ كجيشِ الوَغَى لا تخوضُ / به غمرةُ الموتِ إلا اقتحاما
تُباري عليه الدَّبورُ الصَّبا / مُنَاقَضَةً والشمالُ النعامى
إذا ما ارتمى فيه قَرْمُ الرّدَى / ركبنا له وهو يرغُو سناما
وردنا فُراتاً يُنيلُ الحياة / ومن كفّ يحيى انتجعنا الغماما
لدى مَلِكٍ جادَ بالمكرمات / تلاقيه في كلّ فَضْلٍ إماما
أشَمُّ قديمُ تراثِ العُلى / يراجِحُ بالحلم منه شَماما
إذا قَرّ في دَسْتِهِ جالساً / رأيتَ الملوكَ لديه قياما
بنادٍ تَرَى فيه سَمْتَ الوقارِ / يَزِينُ عظيماً أبيّاً هُماما
يقلل في الجفن عنه اللحاظَ / ويبعثُ بالوزن فيه الكلاما
تَعَلّمَ عِفّتَهُ سيفُهُ / فليس يُريقُ نجيعاً حراما
وما زالَ دينُ الهدى في الخطوبِ / يشدّ عليه يديه اعتصاما
ولا عَجَبٌ أنّ صَرْفَ الزّمان / تُصَرّفُ يُسْرَاهُ منه زماما
أما مَهّدَ الملكَ يحيى أما / أرَاكَ لكلّ اعوجاج قَوَاما
أما نَشَأتْ منه سُحْبُ النّدى / سواكبَ تهمي وكانت جهاما
أما ذِكْرُهُ ذِكْرُ من يُتّقى / يداً ويكون كلامٌ كِلاما
يبيد العدا بِلُهامٍ يريك / رداءً على منكبيه القَتاما
بعزْمٍ يُجَرّدُ منه السيوفَ / ورأيٍ يفوّقُ منه السهاما
يَعُدّ من الصِّيد آبائِهِ / كُفاةً حُفاةً وَغُرّاً كراما
مجالسُهُمْ في الحروبِ السروجُ / إذا قَعَدَ الموتُ فيها وقاما
تُحَمّرُ حِمْيَرُ أرْضَ الوَغَى / وَتَفْلُقُ بالبِيضِ بَيْضاً وهاما
تَكَهّلَ مُلكُهُمُ والزمانُ / يُصَرَّفُ بين يديه غلاما
وجيشٍ يجيشُ بأبطاله / كما ماجَ موجُ العباب التطاما
بنقعٍ يُريكَ نجومَ السماء / إذا الجوّ منه على الشمس غاما
إذا همّ بالفتكِ فيه الشجاعُ / وحامَ على نفسه الموتُ خاما
غدا ابن تميم به قَسْوَراً / وقد لَبِسَ البدْرُ منه التماما
فيا مَنْ تسامى بهمّاتِهِ / فنالَ بها للثريّا مَصَاما
ملأتَ الزمانَ على وُسْعِهِ / أناةً وبطشاً فراضا الأناما
وحلماً مفيداً وروعاً مبيداً / وعيشاً هنيئاً وموتاً زؤاما
وَقُضْباً بضربِ الطّلى مقطرات / وَقُبّاً على الهامِ تعدو هياما
جعلتَ لكلّ مقالٍ فَعَالاً / ولم تَحْتَقِبْ في صنيعٍ أثاما
ليهنك عودةُ عيدٍ مَشَى / إليك على جَمْرَةِ الشوْق عاما
وأوْدَعَ في كلّ لحظٍ رنا / إليك وفي كلّ لفظٍ سلاما
وحجّ بربعك بيتَ العلى / وطافَ به لا يملّ الزحاما
ومن لَثْمِ يمناك لولا النّدى / رأى حَجَرَ الركن يُغْشَى استلاما
حَمَيْتَ حِمى المُلْكِ بالمُرْهَفاتِ / وَدُمْتَ له في المعالي دواما
وحمّامِ سوءٍ وخيمِ الهواءِ
وحمّامِ سوءٍ وخيمِ الهواءِ / قليلِ المياه كثيرِ الزّحامِ
فما للقيامِ قعودٌ به / ولا للقعود به مِنْ قيامِ
حنيّاتُهُ قانصاتٌ لنفسي / وَقَطْرَاتُهُ صائباتُ السهامِ
ذكرْتُ بهَ النّارَ حتى لقدْ / تخيلتُ إيقادَها في عظامي
فيا رَبّ عَفْوَكَ عن مُذنبٍ / يخافُ لقاءَكَ بَعْد الحِمامِ