المجموع : 3
ألا إنَّ هذا الفؤادَ اضطرمْ
ألا إنَّ هذا الفؤادَ اضطرمْ / فهلْ من خمودٍ لهذا الضَّرَمْ
وفي كلِّ جارحةٍ لوعةٌ / تثور وفي كل عضوٍ ألَمْ
وأيقَظَ وَجْدِيَ برقٌ يلوح / وقد نام عن أعينٍ لَم تَنَمْ
ولما سرى موهِناً في الدجى / بكيت له عن جوىً وابتسمْ
وباحت دموعي بسرّي المصون / وسرّ الصبابة لا يَنْكتِمْ
فللّه برق أثار الغرام / وللَّه دمع جرى وانسجم
تصامَمْتُ عن عاذلي في الهوى / وما بي ودينِ الهوى من صمم
فمَنْ مُنصفي من غرامٍ ظلوم / ومن منصفي من حَبيب ظَلَمْ
فلا سَلِمَ الصَّبرُ من مغرم / إذا ذكر الحي في ذي سَلَم
أعَلِّلُ نفسي بنيل المنى / وما لي إلي نيلها مقتحم
ومن لي بعزم الجريّ الأبيّ / فلا ينثني عزمه إن عزم
وإنِّي على شغفي بالخمول / أروم من الدهر ما لم يُرَم
وقد شَيَّبتني صروف الزمان / وصرف الزمان يشيب اللمم
فما لي أقمت بأرض العراق / ولولا خمولي بها لم أقم
وكنت ترحَّلْتُ عن موطنٍ / إذا كنت في غيره لم أُضَم
إلى قائد عسكر المسلمين / ومقدامهم في الحروب الدهم
عليّ الرضا مشرفيّ القضا / وغيث العطاء غياث الأمم
قريب النوال مجيب السؤال / منيع المنال رفيع الهمم
جَزيل الثواب مجيد الضّراب / شديد العقاب إذا ما انتقم
أذَلَّ الطغاة وأردى الكماة / وساق الصناديد سوق الغنم
إذا حارب الأُمَم الفاجرين / تصدَّعَ من شعبها ما التأم
بسيف مبيد ورأي سديد / وعزم شديد وأنفٍ أشم
حسام الدولة عبد المجيد / مليك الملوك وسيف خذم
يقدّ به الهام ممَّن عَصاه / وَيَفلق في شفرتيه القمم
وإن هالتِ الحرب يوم النزال / تصدّى لأهوالها واقتحم
وحسبك أنَّ المليك اصطفاه / وولاّه دفع الأهمَّ الأهم
فكان إذا استخون الغادرين / رأى من عليّ وفيّ الذمم
ففي مثل صدق عليّ الرضا / تَبَلَّج صُبحُ الرّضا وابتسم
فقرّبه من علاهُ المليكُ / فكان المبجَّلَ والمحتشم
وفي عدل هذا المليك العظيم / نجاة الرعية من كلِّ غم
إذا أبْعَدَته ملوك الزمان / تُقَبّلُ منه مكان القدم
به اعتصمت من جميع الخطوب / وفي مثل دولته المعتصم
بصنعٍ أجاد وفضلٍ أعاد / وقرنٍ أباد وأنفٍ رغم
وتلك المواهب بين الملوك / مواهب كانت له في القدم
تلوذ برأفته الخائفون / فتأمن من كلِّ أمرٍ مهم
ومن كانَ باباً لنيل المراد / فلا شك في بابه المزدحم
مناهله شرعة الواردين / بحيث النوال وحيث الكرم
صوارمه نقمة تُتَّقى / وأنظاره نعمة تُغْتَنَم
وقد خلق الله كلتيهما / لحتف دنا أو لرزقٍ قسم
أعاد إلى الملك شرخ الشباب / وعهد الشبيبة بعد الهرم
رقاها ببيض السيوف الحداد / فما برح الداء حتَّى انحسم
فأينع في روضها ما ذوى / وشيّد من ركنها ما انهدم
حمى حوزة الدِّين في صارم / إذا صُرم الموت فيه انصرم
فتهدي الأنام لسلطانه / بحسن الثناء وطيب الكلم
دعاء لدولته يستجاب / وعهد لخدمته يلتزم
وفيتَ له يا عليّ الرضا / وهل ينفع الغادرين الندم
وقمت لدولته قائماً / لكربٍ ألمَّ وخطبٍ هجم
وللَّه دَرُّك من صادق / إذا مُيّز الصدق والمتهم
ولاحت خفايا صدور الرجال / وأصبح أمرهُمُ قد عُلم
ألا لا برحت سرور الوجود / بمن أوجد الخلق بعد العدم
عليك نعيد الثناء الجميل / وفيك البداية والمختتم
وقد نظم العبد فيك القريض / فصِلْ من قبولٍ لها من نَظَم
يَؤُمُّ جنابَ عليّ الجناب / ومن حقّ حضرته أن تُؤَم
تلوح معاليه للناظرين / ولا مثلَ نارٍ بأعلى علم
فأنطقَ بالمدح حتَّى العُجُم / وأسمع بالصيت حتَّى الأصم
محبَّتُه أُغرزت في القلوب / وشكرانه ساغ في كل فم
لقد شملتنا له نعمة / وقد أوجب الله شكر النعم
فيا ليتني كنت في ظِلّهِ / وكنت أكون كبعض الخدم
أفوز بباب عليّ الجناب / فأروي محاسن تلك الشيم
وأنْشِدُه الشعر عن أخرسٍ / يترجم عنه لسان القلم
متى يَشْتَفي كبدٌ مُؤلَمُ
متى يَشْتَفي كبدٌ مُؤلَمُ / ويَقْضي لباناتِه مُغْرَمُ
ويحظى بمطلبِهِ آملٌ / بأَحشائِهِ لوعةٌ تُضْرَمُ
لقد قَوَّضَ الرّكب يوم الخليط / فأنجدَ في قلبي المتْهِمُ
وروَّعَني ضيفُ طيفٍ سرى / يُراعُ به كبدُ مؤلم
خليليَّ هلْ وقفة في الدِّيار / يسِحّ بها المدمَع المُسَجم
فإنَّا وَقَفْنا عليها ضحًى / وكلٌّ من الرّكب مستغرم
وأَفشى بسرِّي دمع العيون / وسرّ الصَّبابة لا يُكتَم
فأَترُكُ خوف الوشاة البكا / وقد يترك المرءُ ما يلزم
إذا ما نَسينا عُهودَ الغُوَير / تذكّرنا عهدَها الأَرسمُ
فيا حبَّذا يومُنا بالعقيق / مضى وانقضى يومُها الأَلْوَمُ
بحيث تلوح شموس الطلا / ولون الدُّجى فاحمٌ أسحمُ
إلى أنْ تبدَّى كميتُ الصَّباح / وأَدْبَرَ من ليلنا الأَدهمُ
تصرَّمَ عهدُ النَّقا بالنوى / فما للتصبُّر لا يُصرمُ
أتنكر قتلي غزالَ الصَّريمِ / ويشهدُ لي خدُّك العندم
ففيمَ أرقتَ دمي عامداً / وحلَّلتَ في الحبّ ما يحرم
حَكَمْتَ عليَّ بأمر الغرام / وإنِّي لحكمك مستسلمُ
وقلتُ لمن لامَني في هواك / جَهِلْتَ ثكلتك ما أعلمُ
وأرَّقَني في الدُّجى بارقٌ / كما استُلَّ من غمده مخذم
وشوَّقني لِظِباءِ الحمى / فأَسْقَمَني والهوى يُسْقِمُ
عَجِبْتُ وكيفَ وهُنَّ الظّباء / يُصادُ بأَجفانها الضَّيغمُ
ويَسلمُ من مرهفات السُّيوف / ومن لحظهنَّ فلا يَسْلَمُ
ومن مثلهنَّ أخاف الصّدام / ويَصدِمُ مثلي ولا يُصدم
هَوَيتكُم يا أُهيل الحطيم / وهذا الهوى كلُّه منكمُ
قَضَيْتُم على صبِّكم بالبعاد / وإنَّ قضاءَ النَّوى مُبْرَمُ
فلم يَصفُ لي بعدكم مشربٌ / ولا لذَّ لي بعدكم مطعمُ
وأصبرُ في مُعْضلات الخطوب / وصَبرُ الفتى للفتى أسلمُ
وعِرضِي نقيٌّ وأنفي حميٌّ / وبأسي كعزميَ لا يُثلم
ولولا مكارم مفتي العراق / وما غيره المُكْرِمُ المنعِمُ
لما اعتذرَ الدَّهرُ من ذنبه / ولا استغفر الزَّمَنُ المجرم
مناقبُ محمود محمودةٌ / وفوق جباه العُلى تُرقَمُ
رقيق الحواشي كريم الطّباع / فهذا هو الأَكرم الأَشيمُ
يُنَبِّي عن خَلقِه خُلقُه / ويُؤْذِنُ في سيبه المَبْسَمُ
فَمَنْ أَمَّل الفضل من كفِّه / وجودَ أياديه لا يحرمُ
لأَيديهِ في كلِّ عنقٍ يدٌ / ومنها أُفيضَتْ لنا أنعُم
ببأسك أُقسِمُ لا حانثاً / وفي غير بأسك لا أُقسمُ
لأنتَ الفريدُ بهذا الزَّمان / ومنهجُك المنهجُ الأَقوم
وأَنْتَ الفخارُ ومنك الفخارُ / بمثلك فَلْيَفْتَخر آدم
بَنَيْتَ بنفسك بيت العُلى / إلى أبد الدَّهر لا يُهدمُ
فَهِمْتَ الرّموز من المشكلات / وغيرُك من ذا الَّذي يفهم
كَشَفْتَ غوامضَ إشكالها / وفي كَشفِكَ اتَّضح المبهَمُ
وإنَّ لك الحُجَجَ البالغاتِ / يُقِرُّ لها المؤْمِنُ المسلم
جوابُك يا سيِّدي مُسْكِتٌ / ونُصْحُكَ يا سيِّدي مُفْحِمُ
يمرُّ بسَخْطك حلوُ المذاق / ويحلو بنائِلك العلقم
إذا ما كتبتَ فإنَّ اليراع / بأَنْمُلِكَ السَّيفُ واللّهذم
ونثرُكَ يُزري بعِقْد الجمان / فَدُرُّ المعاني بها تُنظم
قليلٌ بحقّكَ ما نِلتَه / وقَدركُ أَكبر بل أَعظم
نَشَرْتُ بحقِّك طيَّ المديح / وفي مدحك الدين والدرهم
لأنِّي بحضرتك المستجير / وإنِّي بحبلك مستعصم
وفيك أَسُرُّ الوليَّ الحميمَ / وفيكَ أُنُوف العِدى أُرغم
أُهنِّيك بالعيد يا عيدَنا / فأَنتَ الهناءُ لنا الأَعظم
بفَضلِكَ رغماً يُقِرُّ الحسُود / وينطِقُ في مَدْحِكَ الأَبكم
أجِزني رضاك فثَمَّ الغنى / لأنَّ رضاك هو المغنم
تذكَّر بالخَيْفِ عَهْداً قديما
تذكَّر بالخَيْفِ عَهْداً قديما / وشاهَدَ في الرَّبْع تلكَ الرُّسوما
فظلَّ يُكفكفُ دمعاً كريماً / وباتَ يُعالجُ وجداً لئيما
سقى الله دار اللّمى بالحيا / فرامة فالمنحنى فالغميما
وحيَّى منازلنا بالعقيق / وأَلقى عليهنَّ غيثاً عميما
وقفنا عليها ضحًى والهوى / يُذيب القلوب ويُفني الجسوما
وكم وقفة لي بتلك الدِّيار / أُداري بهنَّ الأَسى والهموما
تَنمّ عليَّ دموع العيون / ولمْ أرى كالدَّمع شيئاً نموما
تَقَضَّى عليَّ لنا زمنٌ بالحمى / ولئنْ قضى الله أنْ لا يدوما
وجَارَتْ علينا صروف الزَّمان / وكانَ الزَّمان ظلوماً غشوما
وكانوا بجمع وكانَ الكئيب / فحلّوا الغُوَير وحلَّ الحَطيما
ومَرَّتْ نسائم عيش المحبّ / وعادتْ عليه برغمٍ سموما
لياليَ مرَّت مرور الخيال / وكانت نعيماً فصارتْ جحيما
ولا نشَّقَتْني الصّبا بعدهم / أريجاً ذكيًّا ومسكاً شميما
وممَّا شجانيَ وُرْقُ الغُوَير / تُرَدّدُ في الدَّوح صوتاً وخيما
على أنَّني إنْ بدا بارق / نَثَرْتُ من الدَّمع دُرًّا نظيما
فتفضحُني عبرتي في الهوى / ولن ترى صبًّا لسرٍّ كتوما
وإنَّ غريمي غزال اللّوى / فجُوزيت بالخير ذاك الغريما
رماني بعينيه ظبي الصَّريم / فأمسى فؤاد المعنَّى صريما
رماني ولم يخشَ فرح / تُ قتيلاً وراحَ بقَتْلي أثيما
وأنتِ مهاةَ قطيع المها / أبيتُ لأجلك أرعى النُّجوما
وكنتُ ألومُ بك العاشقين / فأصْبَحْتُ يا ميّ فيك الملوما
وأثْقَلَني حملُ هذا الغرام / وحَمَّلَني الوجدُ عبئاً عظيما
وها أنا أَشكو فؤاداً عليلاً / وجسماً كطرف أُميمٍ سقيما
ولله قلبٌ بها المستهام / وما منع القلب أن لا يهيما
ومن بعد تلك الثَّنايا العِذاب / إلى كم أُعاني العذاب الأَليما
وأسْلمني للمنون المنى / كأَنَّني أبيتُ الدَّياجي سليما
ولولا رجائي بمفتي العراق / لأصْبحَ حالي قبيحاً ذميما
قطعت العلائق عن غيره / كما قطع المشرفيُّ الأَديما
كريمٌ أُؤَمِّل منه الجميل / وقد خابَ من لا يرجّى الكريما
ويولي بنائله الطالبين / فيُغني الفقير ويُثري العديما
ويهدي المضلَّ ويعطي المقلّ / ويرفع في البأس خطباً جسيما
أحاديثُه مثل زهر الرّياض / فهل كانَ إذ ذاك روضاً جميما
لطيفٌ رقيق حواشي الطّباع / لو جُسِّمَتْ لاسْتحالت نسيما
فسبحانَ من جعلَ الفضلَ في / عُلاك إلى أن عَلَوْتَ النجوما
فأوْضَحْتَ بالحقِّ للعالمين / صراطاً إلى ربّها مستقيما
وأصبحَ معوَجّ أمر الأَنام / بأحكام حكمك عدلاً قويما
وتغضَبُ لله لا للحظوظ / وما زلتَ في غير ذاك الحليما
وأَحْيَيْتَ رمَّةَ علم النبيّ / وقبلك كانتْ عظاماً رميما
كَشَفْتَ بعلمك إشكالها / فحَيَّرْتَ فيما كَشَفْتَ الفهوما
وصَيَّرتَ رُشدَك صبحاً منيرا / يَشُقُّ من الغيِّ ليلاً بهيما
لقد نِلْتَ ما أَعجز الأَوَّلين / وأَصْبَحْتَ في كلّ علمٍ عليما
فطَوْراً هُماماً وطَوراً إماماً / وطوراً عليماً وطوراً حكيما
وأَنْتَ أجلُّ الورى رُتبةً / وأعظمُ قدراً وأَشرفُ خِيما
وقد نَتَجَتْ بك أُمُّ العُلى / ومن بعد ذلك أضْحَتْ عقيما
فيا مَن به أَقْلَعُوا النائبات / كما تقلع المرسلاتُ الغيوما
تَرَحَّمْ على عبدك المستهام / فإنِّي عهدتُك برًّا رحيما
وإنِّي لأجلب فيك السُّرور / وإنِّي لأكشف فيك الغموما
فلا تُشْمِتَنَّ بي الحاسدين / فتطمع فيَّ العدوَّ المشوما
ولا تترُكنِّي لقًى للهموم / فتتركني في الزَّوايا هشيما
وأَلسنَة الخصم مثل الصَّوارم / تُسقى الدماء وتفري اللّحوما
فنَاْ سيِّدي أُنسَ عيدٍ جديد / وحُزْ في صيامك أجراً عظيما