وخمرٍ ترشّفتُ سَلسالها
وخمرٍ ترشّفتُ سَلسالها / وأَجْرَيتُ في الشَّرب جِريالها
نعمتُ بها قبلَ وقتِ العذول / لأُشمِتَ بالشكرِ عُذّالها
لدى روضةٍ رَقَّمَتْها النجوم / سقتها السحائب تَهْطالها
فجاءت مُزَخْرَفَةً كالعروس / تُحَلَّى النواوِيرُ مِعْطالها
كأنَّ كواكبَ نُوَّارِها / مصابيحُ تُوقِد ذُبَّالها
وغانِيةٍ تشتكِي فَتْرةً / إذا جاذَبَ الخصرُ أَكفالها
نَرَى كَنَقَا الدِّعِص إِدبارَها / ومِثلَ الغزالةِ إِقبالَها
سقَتْنا المدامَ وأَلحاظُها / من السِحرِ تفعل أَفعالها
إذا اشتعلتْ نارُها في الكؤو / سِ أَلْهَبْتُ بالمزجِ إشعالَها
وإِن أُعمِلت نَغَمات القِيا / نِ أَدْمَنْتُ للكأس إِعمالها
سأَدفعُ بالراح جيشَ الهموم / ومن عالَ نفسي وما غالها
فكم حيلةٍ لِيَ في الغانيا / تِ تُعْيي مِن الناس محتالها
إذا غادةٌ منعت نَيْلَها / ببخل ولم تَخْشَ تَبْخالها
صرفتُ إليها عِنانَ المدام / وعلَّ الكؤوسِ وإنهالَها
فذلّتْ وقد عزّ مِنها المَرام / وما كنتُ آمُلُ إذلالَها
إلى اللهِ أَشكو مرِيضَ الجفون / ملِيحَ الشمائِلِ مُخْتالَها
تظلَّم مِنِّي وما إِنْ يزال / ظَلومَ المحاسِنِ مُغتالَها
دَلالاً عَلَيَّ وكُنْتُ امْرَأً / أحِبّ من الخَودِ إِدلالَها
فنُعْمٌ ولم أَرَ إنعامَها / وجُمْلٌ ولم أر إجمالها
تعلّقْتُ ليلى كمِثلِ المهَاةِ / خَذولاً تراتِع خُذّالَها
وإِني لأَحْسُدُ عينَ الرّقيب / إذا لم أَنَلْها وقد نالها
تَرَى خَجَل الخَدِّ مِثل المدام / إذا أظهر الحسنُ إخجالَها
وفرعاً لها مِلثل لونِ اسمِها / أَثيثاً يصافِح خَلْخالَها
ولو عُلِّمَ الغصنُ مِن مَيْسِها / تعلّم مِنها وصلى لها
وكنت امرأً غَرِقاً في المجو / نِ عَفَّ السجِيَّةِ مِفْضالَها
ففرَّغتُ نفسِي من الغانيات / وصيّرتُ في المجد أَعمالها
بأَبيضَ كالبدرِ طَلْقِ اليَدَيْنِ / تُسابِقُ جَدْواه سُؤَّالَها
هو البحرُ تُغْرِق أَمواجُه / بِحارَ النّوالِ ونُوّالَها
هو الليثُ تُنْسِيك أهوَالُه / زئيرَ الليوثِ وأَهوالَها
إمام إذا طاوَلَتْهُ الملوك / إلى فضلِ مَنْقَبةٍ طالها
وإن نال في اليوم أَكرومةً / تناول في الغدِ أَمثالَها
رأيت الإمام نِزَاراً به / تُتِمّ الخلافةُ أَحزالها
إمام إذا أَمر الحادثا / تِ أَرسل حالينِ أَرسالها
فَيُحْيِي الولِيَّ ويُرْدِي العدوّ / بِكفٍّ تُفَرِّق أَموالَها
من النفر الغُرِّ ممّن تَرَوْن / خيارَ البرايا وأَبدالها
وممن يكونُ غِياثَ البلاد / فيُبدِل بالروضِ إمحالها
وممن تراهم غداة الهياج / مَغاويرَ حرب وأزوالها
رَقّى بالنبِيّ وآلِ النبيّ / هِضابَ المعالِي وأَجبالها
سما بالوصِيّ إلى حالةٍ / لو النجمُ يَجْهَدُ ما نالها
تراه الملوك بعينِ الحلال / فقد صَغَّرَتْ حالُه حالَها
هو الحيّة الصّلّ من سُمِّها / تُميت وتَقتل أَصلالها
هو المسك من نِسبة غضّةٍ / إذا أَصبح الناس صَلَصالها
له شجراتُ عُلاً لم تكن / تَرَى نَبْعَ نجدٍ ولا ضَالها
ولو واجَه الشمسَ وجهٌ له / لأَبدَتْ له الشّمْسُ إجلالها
إذا أَشكلت مظلِماتُ الأمو / رِ أَوضح بالرُشْدِ إِشكالها
يفوق البِحارَ ندى كفّه / وصوبَ الغمامِ وتَهْمالها
نَهوضاً بأَعباءِ حملِ العهود / رَكوبَ العظائمِ حَمّالَها
وأَبيض جَرّدَ بِيضَ السيوف / فَقَتَل في الحربِ أَبطالها
يخوض بحار الوغى لِلوغى / كما خاضتِ الأُسْدُ أَوشالها
بِرأيٍ هو الدهر في قدرِه / يحطّ مِن الهَضْبِ أَوعالها
تزلزلتِ الأرضُ شواً إليه / فسكّن ذو العرشِ زلْزالها
وطوّقه الله تَدْبِيرَها / ومذ كان كان المسمّى لها
لِيهنِ الإمامةَ ما نِلته / فقد تَمم الله آمالها
لكانت تراسِلُه قبلَ ذا / يقِيناً ليحمل أَحمالها
وأَوحت إليه بأَمرِ الإله / قُبَيل الفطامِ وأَوحى لها
فجاءته من عجلٍ وادِعاً / تُسابق في الغيب إعجالها
وزُفّت إليه بأمرِ الإله / فأَلبسه الإله سِربالَها
وتَوَّجَهُ الله تِيجانَها / وأطلع في وجهِه خالها
وأُلبِس اَثوابَ إعزازها / ليِسحب في العِزّ أَذيالها
تَصدَّت لأَصيدَ يَرْعَى السوا / مَ مِنها ويحفظ أَهمالها
ولو ساسها أَحدٌ غَيْرُه / لأخرجتِ الأَرض أَثقالها
فعاش العزيزُ لها سالماً / يَشُدُّ عُراها وأَقفالها
يُعِزّ على الدهرِ أَنصارَها / ويضرِب بالسيف خُذّالَها
ترى نِعماً مثمراتِ الغصونْ / إذا قَولةٌ في النَّدَى قالها
وترجُف منه قلوبُ العِدَا / إذا صَولَةٌ فيهمُ صالَها
يُغذّي الأنامَ بمعروفِه / كما غذَتِ الأُسدُ أَشبالَها
يفوق الشموسَ وإشراقَها / ويعلو البدورَ وإِكمالها
ترى البدرَ والبحرَ في سرجِه / وليثَ الحروبِ ورئبالَها
به يَقْبَلُ الله فَرَضَ الصّيام / وحَجّ الحجيج وإهلالها
أبوكَ المعِزُّ هَدَى نورُه / لَدَى حَيْرَةِ النّاسِ ضُلاّلِها
وبَصَّرَهُمْ بعدَ طولِ العَمَى / وقَوَّمَ بالعَدْل مُنْهالَها
له آيةٌ في العلا لم يكن / عدوّ لِيدرِك إِبطالها
وأنتم شموسٌ إذا ما بدت / كَفَتْنا النجوم وأُفّالها
وكم نِعم ناعماتِ الغصون / لبِسنا بظِلّك اَظلالها
تفاءلتِ النفسُ نَيْلَ العلا / فَصَدَّقْتَ بالفِعل لي فالَها
فَمُلِّيتَ عُمْرَكَ ما تابعتْ / لنا بُكَرُ الدَّهْرِ آصالَها