القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 2
سَرَتْ بين أعينهم كالخيالْ
سَرَتْ بين أعينهم كالخيالْ / تعانقُ آلهةً في الخيالْ
مُجَرَّدةً حَسِبَتْ أنها / من الفنِّ في حَرَمٍ لا يُنالْ
فليستْ تُحِسُّ اشتهاءَ النفوسِ / وليستْ تُحِسُّ عيونَ الرجالْ
وليستْ ترى غير مَعبودها / على عرشهِ العبقريِّ الجلالْ
دَعاها الهوى عِندَهُ للمُثول / وما الفنُّ إلَّا هوىً وامتثالْ
فخفَّتْ له شِبْهَ مسحورةٍ / عَلَتْ وجهَها مَسْحَةٌ من خبالْ
وفي روحها نشوةٌ حلوةٌ / كمهجورةٍ مُنِّيَتْ بالوصالْ
تراها وقد طوَّفَت حولهُ / جلاها الصِّبا وزهاها الدلالْ
تَضُمُّ الوشاحَ وتُلقي بهِ / وفي خطوها عِزَّةٌ واختيالْ
كفارسةٍ حَضَنتْ سيفَها / وألقتْ به بعدَ طول النِّضالْ
تمُدُّ يديها وتَثنيهما / وترتدُّ في عِوَجٍ واعتدالْ
كحوريَّةِ النبعِ تطوي الرِّشاءَ / وتجذبُ ممتلئاتِ السِّجالْ
مُحَيَّرَةَ الطيفِ في مائجٍ / من النُّور يَغْمرها حَيْثُ جالْ
تُخَيَّلُ للعينِ فيما ترى / فراشةَ روضٍ جَفَتْها الظلالْ
وزَنبقةً وسطَ بَلُّورةٍ / على رفرفِ الشمسِ عند الزَّوالْ
تَنَقَّلُ كالحلمِ بينَ الجفونِ / وكالبرقِ بين رؤوسِ الجبالْ
على إصبعيْ قدَمٍ أُلهِمَتْ / هبوبَ الصَّبا ووثوبَ الغزَالْ
وتُجري ذِراعينِ منسابتينِ / كفرعينِ من جدولٍ في انثيالْ
كأنهما حولها ترْسمانِ / تقاطيعَ جسمٍ فريدِ المثالْ
أبَتْ أن تَمَسَّاهُ بالراحتينِ / ويرضى الهوى ويريدُ الجمالْ
ومن عَجَب وهي مفتونةٌ / تُريكَ الهدى وتْريكَ الضلالْ
تَلَوَّى وتسهو كَلُهَّابةٍ / تَراقصُ قبل فناءِ الذُّبالْ
وتعلو وتهبطُ مثل الشراع / ترامى الجنوبُ بهِ والشمالْ
وتعدو كأنَّ يداً خلفها / تُعَذِّبُها بسياطٍ طوالْ
وتزحفُ رافعةً وجَهها / ضراعةَ مستغفرٍ في ابتهالْ
وتسقط عانيةً للجبينِ / كقمريّةٍ وقَعَتْ في الحبالْ
تَبِضُّ ترائبُها لوعةً / وتخفقُ لا عن ضَنىً أو كلالْ
ولكنَّه بعضُ أشواقها / وبعضُ الذي استودَعَتها الليالْ
دَعوها مُنىً واتركوهُ خيالا
دَعوها مُنىً واتركوهُ خيالا / فما يعرف الحقُّ إلا النِّضالا
بني الشرق ماذا وراءَ الوعودِ / نطِلُّ يميناً ونرنو شِمالا
وما حكمةُ الصَّمْتِ في عالمٍ / تضجُّ المطامعُ فيهِ اقتتالا
زمانكمو جَارحٌ لا يعِفُّ / رأيتُ الضعيفَ به لا يوالى
ويومكمو نُهْزَةُ العاملين / ومضيعةُ الخاملين الكسالى
خَطا العلمُ فيه خُطى صائدٍ / توقَّى المقادرُ منه الحِبالا
توغَّل في ملكوت الشعاع / وصاد الكهاربَ فيه اغتيالا
وحزَّبها فهيَ في بعضها / تُحطِّمُ بعضاً وتلقي نَكالا
رمى دولةَ الشمس في أوْجها / فخرَّت سماءً ودُكَّتْ جِبالا
مدائِنُ كانت وراءَ الظنونِ / ترى النَّجْم أقرب منها منالا
كأن سليمانَ أخلَى القماقمَ / أو فَكَّ عن جنهنَّ اعتقالا
وأوْما إِليها فطاروا بها / مَدى اللمح ثُمَّ تلاشتْ خيالا
ففيمَ وقوفكمو تنظرون / غُبارَ المجلِّي يَشُقُّ المجالا
وحتَّامَ نشكو سواد الحظوظ / ومن أفقنا كلُّ فجرٍ تلالا
ألسنا بني الشرقِ مِن يَعْرُبٍ / أصولاً سَمَتْ وجباهاً تعالى
أجئنا نُسائلُ عطفَ الحليف / ونرقبُ منه الندى والنوالا
نصرناهُ بالأمس في محْنةٍ / تَمادى الجبابرُ فيها صِيالا
سبحنا إليه على لُجّةٍ / من النار لم نُذْكِ منها ذُبالا
فكيف تَناسى حَواريَّهُ / غداةَ السَّلام وأغضى ومالا
أردّ الحقوق لأربابها / وأعفاهمو من طلابٍ سؤالا
ورفَّتْ على الأرض حُريَّةٌ / تألَّقُ نوراً وتَنْدى ظلالا
نَبيَّ الحقيقةِ كم قُلْتَ لي / بربك قُلْ لي وزِدْني مقالا
رأيتُكَ أندى وأحنى يداً / على أمم جَشَّمتكَ النزالا
فما لك تقسو على أمَّةٍ / سَقَتكَ الوداد مُصفّىً زُلالا
وعَدتَ الشعوب بحقِّ المصير / فما لك تقضي وتُملي ارتجالا
أتُغصَبُ من أهلها أرضهُم / وتُسْلمُ للغير نهباً حلالا
أليستْ لهم أرضُهم حُرَّةً / يسودون فيها الدهورَ الطوالا
فلسطينُ ما لي أرى جُرحَها / يسيلُ ويأبى الغداةَ اندمالا
تنازعُها حيرةُ الزَّاهدين / وتنهشها شَهَواتٌ تقَالى
أعزَّتْ أُساتَكَ أدواؤُها / هو الحقُّ ما كان داءً عُضالا
هو الحقُّ إنْ رمتمو عالماً / يشفُّ صفاءً ويزكو جمالا
أقيموا عليه مودَّاتكم / وإلَّا فقد رمتموهُ مُحالا
فيا للبريئةِ ماذا جَنَتْ / فتحملُ ما لا يُطاقُ احتمالا
هي الشرقُ بل هي من قلبِهِ / وشائجُ ماضٍ تأبَّى انفصالا
وتاريخ دنيا وأمجادُها / بنى رُكنَها خالدٌ ثم عالى
وعى الحقُّ للمصطفى دعوةً / لنُصرتها والعوادي توالى
تبارى لها المسلمونَ احتشاداً / وهبَّ النصارى إِليها احتفالا
من الشام والأرز والرافدين / وأقصى الجزيرة صحباً وآلا
وإِفريقيا ما لإِسلامها / يُسامُ عبوديةً واحتلالا
على تونس وبمرّاكشٍ / تروح السيوفُ وتغدو اختيالا
ألم تخْبُ في الأرض نارُ الحروبِ / ويلقَ الطغاةُ عليها وبالا
ألم يَتَغَيَّرْ بها الحاكمون / ألم تَتَبَدَّلْ من الحال حالا
هُمُ العربُ الصِّيدُ لا تحسبنَّ / بهم ضَعَةً أو ضنىً أو كلالا
نماهُمْ على البأس آباؤهم / قساورةً وسيوفاً صِقالا
بُناةُ الحضارةِ في المشرقينِ / ذُرىً يَخشَعُ الغرْبُ منها جلالا
ألا أيها الشامخُ المطمئن / رويداً فإِن الليالي حَبَالى
وما لكَ تنسى على الأمسِ يوماً / به كاد مُلكُك يلقى زوالا
فتقذفُ بالنار سوريةً / وترمي بلبنان حرباً سجالا
شبابَ أُميَّةَ طوبى لكم / أقمتم لكلِّ فِداءٍ مِثالا
دعتكم دمشقُ فما استنفرتْ / سوى عاصفٍ يتخطّى الجبالا
وفي ذِمَّةِ المجد من شيبكم / دمٌ فوق أروقة الحقِّ سالا
بني الشرق كونوا لأوطانكم / قُوىً تتحدَّى الهوى والضلالا
أقيموا صدوركمو للخطوبِ / فما شطَّ طالبُ حقٍّ وغالى
فزِعتُ لكم من وراءِ السقام / وقد جَلَّلَ الشَّيْبُ رأسي اشتعالا
وما إنْ بكيتُ الهوى والشبابَ / ولكنْ ذكرتُ العُلى والرجالا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025