إلى من يُشارُ بهذا العَذَلْ
إلى من يُشارُ بهذا العَذَلْ / وقد رحَل القلبُ فيمن رَحلْ
يَقِلُّ معَ القُرْبِ تَنْويلُكمْ / وصَبْري على النّأيِ منكم أقَلّ
ولم يَغْتِمضْ بالكرَى ناظري / ولكنّه بكَ عنك اشْتغَل
أٌراقِبُ طَيفاً منَ الظّاعِنينَ / إذا هجَروا مُستهاماً وصَل
وفي الحيِّ كُلُّ كليلِ اللِّحاظِ / يُطالِعُنا من خَصاصِ الكِلَل
يُذيبُ الفؤادَ بتَعْذيبهِ / وأيْسَرُ أمْرِ الهَوى ما قَتل
ويَجْني علَيَّ بإعْراضِه / وماذا على ظالِمٍ لو عَدَل
وسُودُ الذَّوائبِ بِيضُ الوجو / هِ صُفْرُ التّرائبِ حُمْرُ الحُلَل
أَطعْنا لَهُنّ شفيعَ الصِّبا / ورُحْنا عُصاةً على مَن عَذَل
إلى أن أَمرَّ على شُرْبها / مِزاجُ الوَداعِ كُؤوسِ القُبَل
فللّهِ ذاكَ الزَّمانُ الحميدُ / ولله تلكَ العُهودُ الأوَل
وقد راعَني أن بدَتْ شهبةٌ / كما أومضَتْ ظُبَةٌ من خِلَل
وليس الشّبابُ سوَى مَركَبٍ / إلى اللّهْوِ ما حَمّلوهُ حَمل
فيا ليت أَطْرَبُ بعدَ المَشيبِ / لِحُسْنِ الغزالِ وطيبِ الغَزل
على ذلك العَيْشِ منّي السَّلامُ / فما كان إلاّ خِضاباً نَصل
فلا السُّمْرَ أَهْوَى سوى ما يُهَزّ / ولا البِيضَ أَهْوَى سوى ما يُسَلّ
وما الفَخْرُ إلاّ لِذ رَونقٍ / نَضاهُ بِيُمْنَى يدَيهِ بَطَل
مُعرَّسُ قائمِه في يَدٍ / ومَسْرَى مَضاربِه في أَجَل
يَزيدُ اتّقاداً بهُوجِ الخُطوبِ / ويُطفأ فيها اللّئيمُ الوَكِل
وتَخْبو الذُّبالُ بتلك الّتي / إذا عَصفتْ بالضِّرامِ اشْتَعل
ولي مَنطِقٌ يَبهَرُ السّامِعينَ / إذا طالَ طابَ وإن قَلَّ دَلّ
وعِرْضٌ يُباخلُ صَيْدَ الملوكِ / فلا يَبذُلونَ ولا يُبْتَذَل
وصَبْرٌ على نَكَباتِ الزَّمانِ / ورَجْعٌ لقَوْلِ عسى أو لَعَلّ
أبا الفَرجِ اسْمَعْ نداءَ امْرئٍ / به ضَرَبوا في هَواكَ المَثَل
وأَعرِفْ تَفاصيلَ ما مَرَّ بي / وأَصْغِ إلى بَعْضِ تلك الجُمَل
وآخِرُ عَهدي بظِلِّ النّعيمِ / صَفا لي بقُرْبِك ثُمَّ انْتقَل
فودَّعْتُ مَجدَك لا عَن قلىً / وفارَقْتُ فضْلَك لا عَن مَلَل
وسار بنا زمَنٌ عاثِرٌ / بَطيءُ النُّهوضِ سَريعُ الزَّلَل
وشَنُّوا الحُروبَ على أصفهان / لِيُخْرِجَ منها الأعزَّ الأذلّ
وطال مُقامي على بابِها / وأشفقْتُ من هَوْلِ ما قد أظَلّ
فعاودْتُ أرْجانَ مثْلَ الّذي / يَفِرُّ إلى غَرَقٍ من بَلل
وأصبَحْتُ في طَرَفٍ شاغِرٍ / كما لُزَّ في الكِفّةِ المُحْتَبَل
وشَدَّ على القَوسِ كلتا يدَيْهِ / فَصَبَّ السِّهامَ عليها زُحَل
فَضيَّعْتُ ما كان من تالدٍ / ولم أكتَسِبْ طارِفاً في العَمل
وعُدتُ إليكَ أَجوبُ البِلا / دَ أَخبِطُ في سَهْلِها والجَبَل
إلى أن أَتيتُك بعْدَ العَناءِ / ولم يَبْقَ منّي إلاَّ الأَقَلّ
وما لم يَمَلَّ عِنادي الزَّمانُ / فحاشاك من نُصْرَتي أنْ تَمَلّ
وهانَ على فَلَكٍ دائِرٍ / متى شاءَ إطْلاعَ نَجْمٍ أَفَل
وكم نقَص البَدرُ من مَرّةٍ / فقابَلَه الشَّمْسُ حتّى كَمَل
وكم قُلتَ ثُمّ فَعلْتَ الجميلَ / وما كُلُّ مَن قال قَولاً فعَل
وكم عَضّني زمَنٌ مُزمِنٌ / بنابٍ منَ الخَطْبِ فيه عضَل
فلم يُحْيِ نَفْسي سِوى سابِقٍ / إلى الحَمْدِ وهْو الحكيمُ الأجلّ
شفَى بالعطاءِ مَريضَ الرَّجاءِ / وطِبُّ العُلا فوقَ طِبِّ العِلَل
تَدارَكْ بقيّةَ نَفْسٍ قَضَتْ / وأحسِنْ تَلافِيَ هذا الخَلل
فأنت كما يَرتَضيهِ العَلاءُ / أخو الحَزْمِ يُبرِمُ مَهْما فتَل
فتىً طالَما قَلّبتْ كَفُّه / أُمورَ المَمالِك عَقْداً وحَلّ
فما فاتَهُ غَرَضٌ في الأناةِ / ولا نالَه زلَلٌ في العَجَل
وأَبيضُ مثْلُ الحُسامِ العَتيقِ / تَداوَلَهُ الدّهرَ أيدي الدُّول
يَحوزُ من الدّهرِ حُسْنَ الحديثِ / وكُلُّ جليلٍ سِواهُ جَلل
ويَستَرِقُ الرَّوضُ من خُلْقِه / ومن شَرَفِ الشِّعْرِ أن يُنْتَحل
ويَقْتَبِسُ الغَيثُ من جُودِه / وقد يهَبُ المَرْءُ ما لم يُسَل
رأَى حُسْنَ خُلْقِكَ عَصْرُ الرَّبيعِ / فما يَنْبُتُ الوَرْدُ إلاّ خَجَل
وحَلَّت عُلاك نُحورَ الزّمانِ / وقد كان أَزْرَى بِهِنَّ العَطَل
فلا زِلتَ في زمَنٍ مُسْعِدٍ / ولا زلْتَ في عُمُرٍ مُقْتَبَل
فما هُزَّ حَدُّك إلاّ مضَى / ولا شِيمَ بَرقُك إلاّ هطَل