المجموع : 6
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ
أأغفُلُ والدّهرُ لا يغفُلُ / وأنسى الّذي شأنُه أعضلُ
ويطمعني أنّني سالمٌ / وداءُ السّلامة لِي أقتَلُ
ويمضي نهاري وإظلامُهُ / بما غيرُه الأحسنُ الأجملُ
وآمُلُ أنّي أفوتُ الحِمامَ / أمانٍ لعَمْرُك لِي ضُلَّلُ
وكيف يرى آخِرٌ أنّه / مُبَقّىً وقد هلك الأوّلُ
ولمّا بدا شَمَطُ العارضين / لمن كان من قبله يَعذُلُ
تناهَوْا وقالوا لسانُ المشيب / له من جوارحنا أعذَلُ
فقلتُ لهمْ إنّما يعذُلُ ال / مَشيبَ على الغيِّ مَن يُقبِلُ
فحتّى متى أَنَا لا أرعوِي / ولِمْ لا أقولُ ولا أفعلُ
وكم أنَا ظمآنُ طولَ الحياةِ / وفي كفِّيَ الباردُ السّلْسَلُ
أمانٍ ولا عملٌ بينهنَّ / كجوٍّ يَغيمُ ولا يَهطِلُ
وَما الناسُ إلّا كبهمِ المضي / عِ يُحْزِنُ في الأرضِ أو يُسهِلُ
فمن عاملٍ ما له خِبرةٌ / وآخرَ يدري ولا يعملُ
فيا ليتَ مَن علم الموبِقاتِ / وقارفَها رجلٌ يجهلُ
أمِن بعد أنْ مضت الأربعون / سراعاً كسربِ القطا يَجفلُ
ولم يبق فيك لشرخ الشّبابِ / مآبٌ يرجّى ولا مَوْئِلُ
تَطامحُ نحو طويلِ الحياةِ / ويوشِك أنْ ما مضى أطولُ
ألا إنّما الدّارُ دار البلاءِ / ففي شهدها أبداً حَنْظَلُ
يعافى من الدّاءِ مَن يُبتَلى / وينجو من الموتِ مَن يُقتَلُ
وسُقمٌ أقام جميعَ الأُساةِ / على أنّه سَقَمٌ يقتلُ
أيا ذاهلاً ونداءُ الحتو / فِ في النّاسِ يوقظ مَن يذهَلُ
طريقٌ طويلٌ وأنتَ اِمرؤٌ / لعلّك في زادِهِ مُرْمِلُ
أليس وراءَك مُزْوَرَّةٌ / عليها الصَّفائحُ والجَندلُ
بها الصّبحُ ليلٌ وليلُ البِلا / دِ ليلٌ بساحتها ألْيَلُ
إذا ما أناخ الفتى عندها / مقيماً فيا بعدَ ما يَرحَلُ
وإنْ جاءها فوق أيدي الرّجال / فبالرّغم من أنفِهِ ينزلُ
على أنّه ليس عنها له / وإنْ حاصَ مَنْجىً ولا مَرْحَلُ
مَنازلُ ليس لحيٍّ بها / معاجٌ ولا وسْطَها منزلُ
خَلَتْ غيرَ ذئبٍ تراه بها / يُعاسِلُ أو صُرَدٍ يَحْجِلُ
وإلّا ترنُّمُ حنّانَةٍ / تئطُّ كما زَفَرَ المِرْجَلُ
تَريمُ وتقفُل مجتازةً / بمن لا يَريمُ ولا يَقفُلُ
ألا أين أهلُ النّعيمِ الغزيرِ / وأين الأجادل والبُزَّلُ
وأين الغطارفُ من حِمْيَرٍ / وما مُلِّكوه وما خوّلوا
وَأَين الّذين إِذا ما اِنتَجَوْا / أَزَمَّ بنجواهمُ المحفلُ
وأَطْرَقَ كلُّ طويلِ اللّسانِ / صَموتاً يُجيبُ ولا يَسألُ
إِذا ما مشوا يسحبون البُرودَ / فلِلرَّشفِ ما مَشَتِ الأرجلُ
وقومٌ إذا ما سَرَوْا زعزعوا / قَرَا الأرضِ بالخيلِ أو زلزلوا
تقام ممالكُهمْ بالقنا / ويَجبِي خراجَهمُ المُنْصلُ
وكم قلّبوا في العبادِ العيونَ / فلم يُبصروا غيرَ ما أفضَلوا
وتلقاهمُ عند خوفِ البلادِ / وبين بيوتهمُ المَعْقِلُ
مضوا مثلما مضت السّاريا / تُ أثنى بها الوطنُ المُبقلُ
وأزعجهمْ من قِلالِ القصور / فلم يلبثوا المُزعجُ المُعجِلُ
رقدتِ وأسهرتِ ليلاً طويلا
رقدتِ وأسهرتِ ليلاً طويلا / وحمّلتِنا الحبَّ عِبْئاً ثقيلا
وكنتِ تعاصين قول الوشاةِ / فلمّا مللتِ أطعتِ العذولا
ولو كنتِ يومَ لِوى عالِجٍ / وقفتِ شكونا إليك الغليلا
فإنْ أنتِ أنكرتِ ما نَدّعيه / جعلنا النّحولَ عليه دليلا
ودمعاً تحبّس قبل الفراقِ / ويومَ الفراقِ أصاب المَسيلا
سقى اللّهُ جيراننا بالكُحيلِ / وحيّا به الظَبْيَ أحوى كَحيلا
ولقّاهُمُ بالنّعيم الكثير / وإنْ لم يُنيلوكِ إلّا قليلا
ففي القلب منهم على ضَنِّهمْ / غرامٌ يماطلني أنْ يزولا
معاشرُ لا يألفون الوفاءَ / لصبٍّ ولا يعرفون الجميلا
إذا أمرضوا لم يعودوا المريضَ / وإنْ قتلوا لا يَدون القتيلا
وكم فيهمُ من مليحِ الدَّلا / ل تستلب العينُ منه العقولا
يُحيّيك بالورد من وجنتيهِ / ويسقيك من شفتيه الشَّمولا
ومِن شَعَفٍ ظَلْتَ من بعدهم / تُرَثِّي الرّسومَ وتبكي الطُّلولا
وتسأل كلَّ طويل الصُّمو / تِ يأبى له خلْقُه أنْ يقولا
ولولا شقاوةُ جَدِّ المحبّ / لحقنا على سَفَوانَ الحُمولا
عشيّةَ سرنا على كُثرهمْ / نُباريهمُ بوجيفٍ ذميلا
هنيئاً لنا في مليك الملو / ك أنْ ملك الأرض عَرضاً وطولا
دعوتَ الجبالَ فلم تمتنعْ / فكيف ترى لو دعوتَ السّهولا
وشمّاءَ كالنّجم مرفوعةٍ / تفوت المُنى وتُزِلُّ الوُعولا
سَمَوْتَ إليها وظنّ الغبي / يُ أنّك لا تستطيع الوصولا
فما رِمْتَ حتّى وَلْجَتْ الصَّميمَ / وغادرتَ ما عزّ منها ذليلا
وكانت وليس سبيلٌ إلى / معاقلها فنهجتَ السّبيلا
تغاضيتَ عنها صنيعَ البطيّ / فلمّا عزمتَ سبقتَ العجولا
لعَمْر أبيها لقد رامها / فتىً يركب الصّعبَ سَمْحاً ذَلولا
فتىً لا يبيتُ على رِيبَةٍ / وَلا يَأخذ الأمر إلّا جليلا
ولم يُرَ قبلك مستخرجاً / من الغِيلِ والأسدُ فيه الشُّبولا
وحيٍّ خبطتَ على غِرَّةٍ / فأبدلتَهمْ بالرُّغاءِ الصّهيلا
تأنّيتَهمْ موهناً كي يروا / صباحبهمُ مقبلاً والخيولا
عليهنّ كلُّ شجاعِ الجَنا / نِ لا يجد الذُّعرُ فيه مَقيلا
وكم لك من معجزٍ باهرٍ / نراه فننكر منّا العقولا
تجيء به واحداً لا تريد / معيناً ولا تستشير الخليلا
كليثِ العَرين يجرّ الفريسَ / إلى نفسه لا يريد الأكيلا
فللّه دَرُّك من مُعمِلٍ / سناناً طريراً وعضباً صقيلا
ومن واقفٍ فوق رجّافةٍ / تَزِلُّ الأخامصُ عنها زليلا
ويفديك كلُّ بخيل اليدين / يمنّ الكثيرَ ويُعطي القليلا
تَراه إذا ما اِستَحرّ الطّعانُ / كزَفِّ العوامل يمضي جَفولا
أَما والّذي زاره المحرمون / على أنْ يُنيلَهمُ أو يُقيلا
ولاذوا خضوعاً بأحجاره / وجرّوا بعَقْوَتهنّ الذُّيولا
وشُعثٍ تلاقَوْا على المَأزِمَيْنِ / يَزُجُّون صبحاً مَطيّاً كليلا
ومضطبعين ببيض الثّيابِ / تراهمْ على عَرَفاتٍ نزولا
لَقَد خَصّك اللَّه بالمأثُراتِ / إذا ما عُددن عدمن العديلا
وجاد الزّمانُ لنا فيكمُ / وكان الزّمان ضنيناً بخيلا
فيا غيثنا لا تَرِمْ أرضنا / ويا شمسَنا لا تجزنا أُفولا
ويا جبلَ اللَّهِ في أرضهِ / لرُوَّاده أعفنا أن تزولا
فأنتَ الّذي نلتُ منه المنى / ثناءً جميلاً ونيلاً جزيلا
وأسكنتني وصروفُ الزّما / نِ تُصحرني منك ظِلّاً ظليلا
وكنتُ البَهيمَ طويلَ الزّمان / فأوضحتَ لي غُرراً أو حُجولا
أنيروزَ مالكنا دُمْ له / وكنْ بالّذي يبتغيه كفيلا
وعدْ أبداً طارقاً بابَه / متى ما مضيتَ نويتَ القفولا
وإنْ أنتَ أفقدتنا غيرَه / فأَهدِ إليه البقاءَ الطّويلا
ألا لا تصِدْني بإطماعةٍ
ألا لا تصِدْني بإطماعةٍ / فلستُ على طمعٍ مقبلا
فإنّيَ ممّنْ إِذا سمتَه / قبيحاً يُذَمُّ به قال لا
وما ليَ في الذّلِّ من موطنٍ / ولا أجعل الفُحشَ لي منزلا
ومُرٍّ بلا دَنَسٍ أصطفيه / على ما به دَنسٌ إِنْ حَلا
أُصيبتْ مقاتلُ كلّ الرّجال / وما أن أصابوا لِيَ المقتَلا
وكم ذا فرجتُ لهمْ ضيّقاً / وكم ذا كفيتُ لهمْ مُعضِلا
وقوفِيَ في ذا الورى الخاملِ
وقوفِيَ في ذا الورى الخاملِ / وقوفُ المشوقِ إلى العاذلِ
تصافح سمعِيَ أقوالُهمْ / ولا يرجعون إلى طائلِ
فعَرْضُ البلاد على العارفي / نَ أضيقُ من مهجةِ الباخِلِ
ومَن صدّ عن مثل أفعالهمْ / كمنْ صدّ عن كُفَّة الحابِلِ
ولمّا خبرتُ جميعَ البلا / دِ لم أَرَ أضيَعَ من عاقِلِ
ولولا ذوو النّقصِ في دهرنا / لَمَا عُرفَ الفضلُ للفاضِلِ
تعاظم مِنِّيَ ما أبتغِيهِ / فما إنْ أُعلَّلُ بالباطلِ
وعوّدتُ قلبي فراقَ الحبيب / فما حنّ شوقاً إلى راحلِ
ولا خَدَعَتْهُ ذواتُ الحَلِيِّ / فيُصْبِيَهُ مَلَقُ العاطِلِ
وَما العزّ إلّا لِمَنْ لا ترا / هُ عينُك في موقفِ السائِلِ
إذا ما رأى الخِصْبَ عند اللّئامِ / أقامَ على البلد الماحِلِ
وظَلّ وبالك كلُّ الرّخيّ / مِنَ المجد في شُغُلٍ شاغِلِ
يُعيّرني الضّيقَ أهلُ اليَسار / ولا مالَ يبقى على نائِلِ
وكيف أضِنُّ على شاكرٍ / بظلٍّ يفارقني زائلِ
إذا لم يفارقْك في عامِهِ / فأنتَ المفارِقُ من قابِلِ
ألا ما لقلبٍ بأيدي الغُواةِ
ألا ما لقلبٍ بأيدي الغُواةِ / يُعلَّل في الحبّ بالباطلِ
يرنّ اِشتكاءً إلى نازلٍ / وإمّا اِشتياقاً إلى راحلِ
ويُضحِي قتيلَ بدور الخدو / رِ وَجْداً وما من دمٍ سائلِ
وَكيفَ اِنتفاعي بأنّي كتمت / بنطق الغرامِ عن العاذلِ
ولي ألسُنٌ شاهداتٌ به / من الدّمع والجسدِ النّاحِلِ
ولولا الهوى قاهرٌ للرّجا / لِ ما لِيم في النّاسِ من عاقلِ
وزَوْرٍ أتاني وكلُّ العيون / من النّومِ في شُغُلٍ شاغِلِ
وكم بيننا حائلٌ هائلٌ / وأوْهَمَ أنْ ليس من جائلِ
ولولا لذاذةُ ذاك الغُرو / رِ ما كان في الطّيف من طائلِ
وما ضرّ أنْ فاتني آجلاً / وقد مسّني النّفعُ في العاجلِ
ولا نُكْرَ في الحقّ إنْ لم أنله / إذا جاء نفعِيَ من باطِلِ
أقول لركبٍ على أينُقٍ / سِراعٍ كذئبِ الغضا العاسلِ
وقد أكل السّيرُ أوصالَها / وأيْنُ السُّرى خير ما آكلِ
فما شئتَ من تامكٍ ناحلٍ / وما شئتَ من ضيّقٍ حائلِ
أَلا فاِعدِلوا بي بتلك المنى / إلى عَقْوَةِ الأوحدِ العادلِ
دعوا قائلاً غيرَ ما فاعلٍ / وعوجوا على القائل الفاعلِ
إلى صائلٍ لم تَطُفْ مرّةً / عليه صِقالاً يدا صاقِلِ
فتىً يُعمِلُ السّيفَ يوم الهياج / ويَتَّركُ الجُبنَ للنّابلِ
وما كان يوماً وقد مسّه الل / لغوبُ من الجِدِّ بالهازِلِ
فللّه دَرُّكَ من زائدٍ / عطاءً على أملِ الآملِ
ومن مُلحِقٍ بالجبان الشّجا / ع فضلاً وذا الجود بالباخلِ
ويوم يُسقّي الرّدى حاضريه / بلا وارشٍ وبلا واغلِ
شهدتَ فكنتَ مكانَ العَفار / وللرّمح في موضعِ العاملِ
وإنّي لأعشق منك الكمال / فلم أر قبلك من كاملِ
وآسى على زمنٍ مرّ بِي / وما لِيَ مثلك من كافلِ
لدى معشرٍ أَنَا ما بينهمْ / بلا منزلٍ منهمُ آهلِ
فدُرُّ قريضي بلا ناظمٍ / وغرُّ مقالي بلا قائلِ
وحَليُ كلامي وما اِستَأصلوه / مَدَى الدّهر منهم على عاطلِ
ولولا مكانك كان الملوك / بلا عضدٍ وبلا كاهلِ
ولا دافعٍ شرَّ ما حاذروه / ولا ناهضٍ لهم حاملِ
وكم ذا أعدتَ لهمْ مُلكَهمْ / وقد صار في كُفّةِ الحابلِ
فأضحى على ثابتٍ راسخٍ / وقد كان في هائرٍ مائلِ
وقد جرّبوا منك ما جرّبوه / غَداةَ المنى في يد الباسلِ
وخالوك جهلاً كمن يعهدون / وَكَم غُرّ ذو الحزمِ بالجاهلِ
ولمّا طلعتَ ولم يشعروا / فأيقَظَهمْ من كرى الغافلِ
أطاعَ لك الصّعبُ بعد الجِماح / وبان لنا الحقّ من باطلِ
وإنّ خُراسانَ زَلْزَلتَها / وما لَكَ من رُكُنٍ زائلِ
وساروا إليك كأُسْدِ الصَّريم / فطاروا مع النَّعَمِ الجافلِ
وأضحى كثيرهُمُ كالقليل / وناصرهْم منك كالخاذلِ
وأسمَعتَنا أنّةَ المُعْوِلات / على القوم أو رنّةَ الثّاكلِ
وأشبعتَ منهمْ سِغابَ السُّيوف / وروّيتَ منهمْ صَدَى الذّابلِ
ولمّا رأوا صَهَوات الجياد / عَليهنّ كلُّ فتىً باسلِ
رمتْ كلَّ سيفٍ ورمحٍ بها / على الرّغمِ منها يدُ الحامِلِ
فلم تَرَ غيرَ قتيلٍ هوى / تَدَوَّسُهُ الخيلُ أو قاتلِ
وولَّوا وفارسهمْ في الممات / بحدِّ سيوفك كالرّاجلِ
وظنّوا نكولَك لمّا دعوك / وحاشاك من خُلُقِ النّاكلِ
وليس الشّجاعةُ هتكَ الوري / د طعناً ولا ضربةَ القابلِ
ولكنَّها باِمتِطاء الصّوا / ب والحزم في الموقفِ الهائلِ
فلا تَلُمِ النَّاسَ في شوقهمْ / إِلى غيثك المسبِلِ الهاطلِ
ولِمْ لا يَحِنّ إلى المخصبا / ت مَن كان في البلد الماحِلِ
فإن كنتَ قد غبتَ عن بابلٍ / فذكرُك ما غاب عن بابِلِ
ومثلُ مثولك بين الرّجال / ثناؤك في المجلس الحافلِ
وما زلتَ تمطلنا باللّقا / ءِ للحزم عاماً إلى قابلِ
ومَن كان إرجاؤه باللّقا / ءِ مصلحةً ليس بالماطلِ
فقولِي لقومِيَ إنّي اِعتصمت / بعرِّيسَةِ الأسدِ الصّائلِ
فلا مُفزِعٌ أبداً مُفزِعي / ولا هائلٌ أبداً هائلي
ولا مثل عزّي به لاِمرئٍ / ولا لِكُلَيْبِ بني وائلِ
وكيف أخاف وأنتَ الخَفير / لداري ورحلِيَ من غائِلِ
أَلا فاِحبُنِي بدوام الصّفاء / فحسبِيَ ذلك من نائلِ
وَقَد حُزتَ منّي جميع القبول / وأرجوك أنّك لي قابلي
وإنّي لأرضى بأنْ كنتَ بِي / عليماً وكلُّ الورى جاهلي
وَما أنْ أُبالي جفاءً لهمْ / إذا كنت وحدَك لي واصلي
ولمّا جلعتك لِي مَوْئِلاً / دعاني الورى خيرَ ما وائلِ
فأسندتُ ظهري إلى يَذْبُلٍ / وألقيتُ ثِقْلي على بازِلِ
وإنّي مقيمٌ وإن أجدبتْ / بلادي عَلى الرّجل الفاضلِ
ولستُ بغير الطّوالِ الخُطا / إلى الفخر في النّاس بالحافلِ
ولا مِن حياض الأذى والصَّدى / يُزعزعني قطُّ بالنّاهلِ
وَليسَ الفتى للّذي سار عن / ه من دَنَسِ العِرْضِ بالغاسلِ
فخذها ومِن بعدها مثلَها / فكمْ ذا تُنبّه من غافلِ
مقالاً يبرّح بالقائلين / وقد جاء عفواً من القائلِ
ولَم أكُ قبل اِمتداحي علا / ك إلّا كبُرْدٍ بلا رافلِ
فهبْ لِيَ ما فات من زلّةٍ / فما زلتَ تصفح عن واهلِ
وفي الشّعر إمّا خمولُ النّبيه / وإمّا التَّنابُلُ للخاملِ
وما كلُّ مَن قرعتْ كفُّهُ / لأبوابه فيه بالدّاخلِ
فلا زال نجمُك نجمُ السّعو / دِ غيرَ الخفيِّ ولا الآفلِ
وبُقّيتَ مشتملاً بالثَّواء / بغير رحيلٍ مع الرّاحلِ
ألا إنّ قلبِيَ من بعدكمْ
ألا إنّ قلبِيَ من بعدكمْ / أفاق وفارقني باطلي
فأصبحتُ خلوَ ضمير الفؤاد / وقد كان في شُغُلٍ شاغلِ
وما لِيَ يا قومُ تعريجةٌ / بذاتِ حُليٍّ ولا عاطِلِ
ولا أنا أطمعُ في جائدٍ / ولا أنا أيْأَسُ من باخلِ
ولا بتّ أشتاق من صبوةٍ / إلى غاربٍ بالنّوى آفلِ
ولا كنتُ أحفل في بلدةٍ / مقيماً بمُستَوْفِزٍ راحلِ
ومن عجبٍ أنّ ذات السّوار / تواصِلُ مَن ليس بالواصلِ
يُصبُّ بها يَمَنِيُّ النِّجار / وتسكن وسْطَ بني وائلِ
وتعتاض من جانبٍ فاهقٍ / من الخِصْبِ بالجانب الماحِلِ
أُعيذك من مُهبِلاتِ الزّمان / حكمن على الرّجل العاقلِ
ومن نفحاتٍ عَدَوْن النَّبيه / وعُجن على منزلِ الخاملِ
ومن آنفٍ أضرعته الخطو / بُ حتّى تعرّض للنّائلِ
ومن كَلِمٍ جَدَّ بالسامعين / وجدّ عن المنطقِ الهازلِ
ومن طمعٍ للفتى خائبٍ / ومن أَمَلٍ في الغنى حائلِ
ومن صَبْوَةٍ نحو مُسْتَقلعِ ال / غُروسِ وشيكِ النّوى زائلِ
ومن خُدَعٍ لبُدور النُّضار / وهبن المذلّةَ للسّائلِ
وقد علم القومُ أنّي شَطَطْتُ / بسَرْحِيَ عن مَسْقَطِ الوابلِ
وأَجْمَمتُه يرتعيه العدوّ / نجاءً عن الخُلُقِ السّافلِ
ولمّا أنفتُ من الأعطياتِ / رميتُ الوفيَّ على الماطلِ
فأصبحتُ عُريانَ من مُنْيَةٍ / تسوق الهوانَ إلى الآملِ
أقول لقومٍ يودّون أنْ / تصوب عليهمْ يدُ الباذلِ
فما شئتَ من مَلْطَمٍ ضارعٍ / وماءِ حياءٍ لهم سائلِ
إذا كان نفعُكمُ آجلاً / فلي دونكمْ راحةُ العاجلِ