القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِيليا أَبو ماضي الكل
المجموع : 4
مَدى زَمَنٌ كانَ فيهِ الفَتى
مَدى زَمَنٌ كانَ فيهِ الفَتى / يُباهي بِما قَومُهُ أَثَّلوا
وَيَرفَعُهُ في عُيونِ الأَنامِ / وَيَخفِضُ مِن قَدرِهِ المَنزِلُ
فَلا تَقعُدَن عَن طِلابِ العُلى / وَتعذِل بِلادَكَ إِذ تَعذِلُ
فَإِنَّ الخَلائِقَ حَتّى عِداكِ / مَتى ما سَبَقتُهُمُ هَلَّلوا
فَزابِر بِجِدٍّ عَلى نَيلِها / فَلَيسَ يَخيبُ الَّذي يَعمَلُ
وَكُن رَجُلاً ناهِضاً يَنتَمي / إِلى نَفسِهِ عِندَما يُسأَلُ
فَلَستَ الثِيابَ الَّتي تَرتَدي / وَلَستَ الأَسامي الَّتي تَحمِلُ
وَلَستَ البِلادَ الَّتي أَنبَتَتكَ / وَلَكِنَّما أَنتَ ما تَفعَلُ
إِذا كُنتَ مِن وَطَنٍ خامِلٍ / وَفُزتَ فَأَنتَ الفَتى الأَفضَلُ
سَأَلتُ وَقَد مَرَّتِ الشَمأَلُ
سَأَلتُ وَقَد مَرَّتِ الشَمأَلُ / تَنوحُ وَآوِنَةً تُعْوِلُ
إِلى أَيما غايَةٍ تَركُضينَ / أَلا مُستَقَرٌّ أَلا مَوْئلُ
وَكَم تَعولينَ وَكَم تَصرُخينَ / كَعُصفورَةٍ راعَها الأَجدَلُ
لَقَد طَرَحَ الغُصنُ أَوراقَهُ / مِنَ الذُعرِ وَاِضطَرَبَ الجَدوَلُ
وَضَلَّ الطَريقَ إِلى عُشِّهِ / فَهامَ عَلى وَجهِهِ البِلبُلُ
وَغَطّى السُهى وَجهَهُ بِالغَمامِ / كَما يَنزَوي الخائِفُ الأَعزَلُ
وَكادَت تَحُزُّ لدَيكِ الهِضابُ / وَتَركُضُ قُدّامَكِ الأَجبُلُ
أَبِنتَ الفَضاءِ أَضاقَ الفَضاءُ / فَأَنتِ إِلى غَيرِهِ أَميَلُ
أَغاظَكِ أَنَّ الدُجى لا يَزولُ / وَأَنَّ الكَواكِبَ لا تَأفُلُ
أَتَبكينَ آمالُكِ الضائِعاتِ / هَلِ الريحُ مِثلَ الوَرى تَأمُلُ
أَيَعدو وَراءَكِ جَيشٌ كَثيفٍ / أَمِثلَكِ يُرهِبُهُ الجَحفَلُ
وَما فيكِ عُضوٌ وَلا مِفصَلٌ / فَتَقطَعُ أَوصالُكِ الأَنصُلُ
فَجاوَبَني هاتِفٌ في الظَلامِ / غَلِطتَ فَما هَذِهِ الشَمأَلُ
وَلَكِنَّها أَنفُسُ الغابِرينَ / تَجوسُ الدِيارَ وَلا تَنزُلُ
فَقُلتُ أَيَنهَضُ مَن في القُبورِ / وَفَوقَهُمُ التُربُ وَالجَندَلُ
أَجابَ الصَدى ضاحِكاً ساخِراً / إِلى كَم تَحارُ وَكَم تَسأَلُ
وَتَرفَع عَينَيكَ نَحوَ السَماءِ / وَلَيسَت تُبالي وَلا تَحفِلُ
مِنَ البَحرِ تَصعَدُ هَذي الغُيوثُ / وَتَحطُلُ في البَحرِ إِذ تَهطُلُ
وَفي الجَوِّ إِن خَفيَت نَسمَةٌ / وَفي الأَرضِ إِن نَضَبَ المَنهَلُ
لَقَد كانَ في أَمسِ ما قَبلِهِ / وَفي غَدِهِ يَومُكَ المُقبِلُ
عَجِبتُ لِباكٍ عَلى أَوَّلٍ / وَفي الآخِرِ النائِحُ الأَوَّلُ
هُم في الشَرابِ الَّذي نَحتَسي / وَهُم في الطَعامِ الَّذي نَأكُل
وَهُم في الهَواءِ الَّذي حَولَنا / وَفي ما نَقولُ وَما نَفعَلُ
فَمَن حَسِبَ دُنيا وَأُخرى / فَذا رَجُلٌ عَقلُهُ أَحوَلُ
سألت: وقد مرّت الشمأل
سألت: وقد مرّت الشمأل / تنوح وآونة تعول
إلى أيما غاية تركضين ؟ / ألا مستقر ؟ ألا موئل؟
وكم تعولين وكم تصرخين / كعصفورة راعها الأجدل؟
لقد طرح الغصن أوراقه / من الذعر واضطرب الجدول
وضلّ الطريق ألى عشه / فهام على وجهه البلبل
وغطى السّهى وجهه بالغمام / كما يتزوى الخائف الأعزل
وكادت تخرّ الهضاب / وتركض قدّامك الأجبل
أبنت الفضاء أضاق الفضاء / فأنت ألى غيره أميل؟
أغاظك أنّ الدجى لا يزول / وأن الكواكب لا تأقل؟
أتبكين آمالك الضائعات ؟ / هل الريح مثل الورى تأمل؟
أيعدو وراءك جيش كثيف؟ / أمثلك يرهبه الجحفل؟
وما فيك عضو ولا مفصل / فتقطع أوصلك الأنصل
فجاوبني عاتف في الظلام: / غلطت فما هذه الشمأل
ولكنها أنفس الغابرين / تجوس الديار ولا تنزل
فقلت: أينهض من القبور / وفوقهم الترب والجندل؟
أجاب الصدى ضاحكا ساخرا / إلى كم تحار وكم تسال؟
وترفع عينيك نحو السماء / وليست تبالي ولا تحفل؟
من البحر تصعدي هذي الغيوث / وتهطل في البحر إذ تهطل
وفي الجوّ إن خفيت نسمة / وفي الأرض إن نضب المنهل
لقد كان في أمس ما قبله / وفي غده يومك المقبل
عجبت لباك على أوّل / وفي الآخر النائح الأول
هم في الشراب الذي نحستي / وهم في الطعام الذي نأكل
وهم في الهواء الذي حولنا / وفي ما نقول وما نفعل
فمن حسب العيش دنيا وأخرى / فذا رجل عقله أحول
إذا سحقت أرضنا القنبلة
إذا سحقت أرضنا القنبلة / كما يسحق الحجر الخردله
وقوّض مفعولها الراسيات / فصارت غبارا له جلجه
ودبّ الفنا في ذوات الجناح / وغلغل في النّبت فاستاصله
وفي الماشيات وفي الزاحفات / عليها إلى آخر السلسه
فلا زهر يأرج في روضة / ولا ديك يصدح في مزبله
وضاع الزمان ومقياسه / وأشبه آخره أوله
ولم يبق حيّ على سطحها / وأصبح عزريل لا شغل له
فذلك خطب يهول النفوس / تصوره قبل أن تحمله
ولكنّ أمرا يعزي الجميع / إذا سحقت أرضنا القنبلة
فلن يدع الموت حيا / يلوم سواه على هذه المقتله!

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025