المجموع : 5
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا
فؤاد كطرفِك أمسى عليلا / وجسمٌ كخصرِك يشكو النحولا
وأضناه حبُّكِ حتّى اغتدى / كما تبصرين ضعيفاً نحيلا
فرفقاً به إنَّه في هواك / على حالة في الهوى لن تحولا
يبيت بطرْفٍ كثير السهاد / فلم يذق الغمض إلاَّ قليلا
وشوّقه البرق جنح الدُّجى / وندب الحمامة ليلاً هديلا
فأصبح يشكو حريق الفؤاد / ويقذف من مقلتيه سيولا
وتسكرني نسمات الشمال / فأغدو كأَنّي سُقيت الشمولا
وكم شرب الصب من عبرة / بذكر الأحبَّة دهراً طويلا
فما بلَّ فيها غليل الحشا / وكيف تبلّ الدموع الغليلا
قتلتم أحبَّتنا المستهام / وكم راح مثل المعنّى قتيلا
وروَّضتموا روض هذا الهوى / وربع التصبّر أمسى محيلا
ولمَّا أخذتم بترحالكم / أخذتم فؤاديَ أخذاً وبيلا
غداةَ استقلَّت حُداة الظعون / تجوب المهامه ميلاً فميلا
فهلاَّ بعثتم إلينا النسيمَ / فكانَ النسيمُ إلينا رسولا
بَخِلْتُم بطيف يزور المحبّ / وما كنت أعهد فيكم بخيلا
سددتم سبيل خيال الكرى / فما وجد الطيف نحوي سبيلا
قفا يا خليليَّ دون الغُوَير / ولا يتركنَّ الخليل الخليلا
لنقضي حقوق ديار عفت / ونبكي الديار فنسقي الطلولا
وكانتْ بروجاً لتلك البدور / فيا ليتها لم تلاق الأُفولا
فيا دارنا لا عداك الحيا / وجرَّت عليكِ الغوادي ذيولا
لعينيك قد ذلَّ أختَ المها / فهان وكانَ عزيزاً جليلا
إلى كم أداري وأرضي الوشاة / وأسمعُ في الحبِّ قالاً وقيلا
لقد لامني في هواك العذولُ / وألقى على السمعِ قولاً ثقيلا
فضلَّ العذولُ ضلالاً بعيداً / وحاول أمراً غدا مستحيلا
إذا المرءُ ضلَّ سبيل الغنى / فأنوار عثمان تهدي السبيلا
إلى بذل نائله المستفاد / نؤمُّ إليه قبيلاً قبيلا
متى أنكرت فضله الحاسدون / أقامت عليه المعالي دليلا
وإن حلَّ نائله موطناً / ينادي الهنا بالعناء الرحيلا
سريع الإِجابة سؤّاله / وما زالَ في كلِّ خيرٍ عجولا
نما فرعُه إذ زكا أصلُه / فطاب فروعاً وطابَ أُصولا
وفيه نمتْ روضات المكرمات / ولم يرد عود الأماني ذبولا
وقد رفع الفضل بعد الخمول / فلا شهد الفضل فيه الخمولا
وجدَّ فنالَ بما قد سعى / مقاماً عليًّا ومجداً أثيلا
ولِم لا ينال العُلى ماجد / يمدُّ إلى المجد باعاً طويلا
ولما استظلَّ به الخائفون / رأوه لذلك ظلاًّ ظليلا
أخو البأس يمنع صرف الزمان / ويعطي المقلّ عطاءً جزيلا
يُنيل وإن لامه الَّلائمون / ومن يمنع الغيث أن لا ينيلا
تعشَّقْتُ علويَّ فضل العلوم / فما تبتغي بالمعالي بديلا
لقد جئت في معجزات الكمال / وها أنت تعيي بهنَّ الفحولا
وحيَّرت فيها فهوم الرجال / فأبهتَّ فيما أتيت العقولا
عزائمك الكاشفات الكروب / تكاد الجبال بها أن تزولا
ولله من هِمَمٍ في عُلاك / تعيد الحزون سريعاً سهولا
فلو رمت قلع الرَّواسي بها / أعدت الرَّواسي كثيباً مهيلا
وأفنت يمينك جمع الحطام / لكي تستحقَّ الثناء الجميلا
وأبقيت في الدهر ذكراً حميداً / تذاكره الناس جيلاً فجيلا
بخطّك صيَّرت طرف العُلى / كحيلاً وخدّ الأماني أسيلا
أتى بقوافٍ إليك العُبَيْدُ / تجول بمدحك عرضاً وطولا
أجزني عليها الرضا بالقبول / فأقصى المنى أن أنال القبولا
أَقولُ لها يَومَ جَدَّتْ بنا
أَقولُ لها يَومَ جَدَّتْ بنا / وقَد أَوْجَبَ المجدُ ترحالَها
إلى حيث تهوى نفوس الكرام / وتبلُغٍ بالعِزّ تسآلَها
لئنْ جُزتِ بي أَثلاثِ الغُوَير / وجُبْتِ الديارَ وأطلالَها
سَقَيْتُك يا ناقُ من مائها / وقلتُ اشربي اليوم جريالَها
ونشَّقْتُك الرِّيح من حاجر / تجرُّ على الرَّند أذيالَها
رآها هذيم كأَنَّ الغرام / يقطّع بالوجد أوصالَها
متى ذكرت عهدها باللّوى / أهاج التذكُّر بلبالَها
تُؤَمِّل في ذي الغضا وقفةً / ويحرمها البين آمالَها
فقال بها والهوى جنَّة / وكم أَتْلَفَ الشَّوقُ أمثالَها
فلو صَبَرتْ عن ربوع الحمى / لكان التصبُّر أولى لها
وهل تقبل النَّفس مشغوفة / بمن هي تهواه عذَّالَها
عَرَفْتُ بآي الهوى ما بها / وأَنْتَ تقول لنا ما لَها
وقالت ومن حالها يا هُذيم / لسان يترجم أقوالَها
نعمتُ زماناً بتلك الوجوه / وقاسيتُ من بعدها أهوالَها
حَبَسْتِ بعينيك هذي الدُّموع / تريدين يا ناقُ إرسالَها
هَلُمِّي بنا نستجدّ البكاءَ / فَقَدْ حَمَّلَ العينَ أثقالَها
بَكَيْتُ الدِّيارَ وأطلالَها
بَكَيْتُ الدِّيارَ وأطلالَها / وقد بَدَّلَ البينُ تِمثالَها
وأخنى عليها خطوبُ الزمان / فما خالَها تلم من خالِها
وفي مهجتي للجوى لوعةٌ / تُقَطِّع بالوَجْد أوصالها
لقد سوَّلَتْ ليَ سَيْلَ الدموع / فما قلتُ يومئذٍ ما لَها
تذكَّرتُ عصرَ الصبا والهوى / يُهَيّجُ للنفس بلبابها
وما اختلس الدهر من لَذَّةٍ / لعهدَ الصبابة واغتالها
زمانٌ أُعاقرُ فيه العقار / وأعصي بِلَهْويَ عذّالها
وأمشي بها مَرَحاً تستميل / من السكر بالراح ميَّالَها
وكم غادةٍ في ليالي الوصال / جَمَعْتُ مع القُرط خِلخالها
وما زلتُ أرشف من ريقها / لُماها وأشْرَبُ جريالها
لئِنْ كانَ ريقك يحيي النفوس / فقد كانَ لحظُك قتّالها
وساقيةٍ عمَّها حُسْنُها / بجنحِ دُجًى قد حكى خالها
تديرُ النضار بكأس اللجين / فتحكي المصابيحَ سيّالها
كُمَيْتاً تجولُ بمضمارها / جآذرُ تَصْرَعُ أبطالها
فيا طيب معسول ذاك اللمى / إذا هَصَرَ الصَبُّ عسَّالها
ولستُ بناسٍ لها ما مضى / وإنْ كنتُ أعْمَلْتُ إهمالها
ولياليَ لم أبد تفصيلها / إذا أنا أبديتُ إجمالها
وأُبْتُ لمشبهة في المسير / زفيفَ النَّعامة أو رالها
كأنِّي تَكلَّفْتُ مَسحاً بها / عروضَ البلاد وأطوالها
طويتُ القفار وخُضْتُ البحار / ورُضْتُ الخطوبَ وأهوالها
وجرَّبْتُ أبناءَ هذا الزمان / وعَرَّفني الدهرُ أحوالها
وإنِّي لَذاكَ الَّذي تَعْرِفونَ / حَمَلْتُ المروءة أثقالها
وإنْ قلَّ ما في يدي لم أكنْ / لأشكو من العصر إقلالها
وإن أنا أتربتُ فالمكرمات / تُحدِّثُ بأنِّيَ فَعَّالَها
وحَسْبك من ذي يدٍ أصبَحْت / تطولُ ولا ذو يدٍ طالها
وإنْ أعْضَلَتْ مشكلاتُ الأمور / أزال وفسَّر إشكالها
وقافية من شرود الكلام / بأخبار سلمان قد قالها
وأرْسَلَها مثلاً في الثناء / وخَصَّ بمن شاءَ إرسالها
فتًى يقتفي إثرَ آبائه / وحاكَتْ مزاياه أفعالها
تنال من الله نعمَ الثوابُ / وتُنْفِقُ لله أموالَها
تَفَجَّر من راحتيه النَّدى / وأوْرَدَ من شاءَ سلسالها
من السَّادة النُجُبِ الطاهرين / تَزينُ العصورَ وأجيالها
لقد طهَّر الله تلك الذوات / وأجرى على الخير أعمالها
بني الغَوثِ غوث فحول الرجا / ل إذا اشتدَّ بالناس ما هالها
وأفعالُها في جميع الصَّنيع / من البِرِّ تَسْبِقُ أقوالها
فما زلتُ أذكر تفضيلها / وما زلت أشكر إفضالها
بكم يُستغاث إذا ما الخطوب / أهالت على الخلق أهوالها
فكنتُم من النَّاس أقطابها / وكنْتُم من النَّاس أبدالها
فَلَو خَلَتِ الأرض من مثلكم / لزُلْزِلَتْ الأرض زلزالها
أبا مصطفى أَنْتَ صوبُ الغمام / ويا ربَّما فُقْتَ هطالها
وقد نَفَقَتْ فيك سوق القريض / وكان نوالُك دَلاّلها
ولما بَلَغْتُ المنى في العُلى / وبَلَّغْتُ نفسي آمالها
أتَتْك النقابة تسعى إليك / تجرُّ من التيه أذيالَها
وألْقَتْ إليكَ مقاليدها / وأبْدَتْ لعزّك إذلالها
وراثة آبائك الطاهرين / فما أحَدٌ غيرهم نالها
عليكم وفيكم ومنكم نرى / وجوهَ السَّعادة إقبالها
إذا لم تكنْ أَنْتَ أهلاً لها / من الأنجبين فمن ذا لها
فقد نلتَ ما لم ينله سواك / فضائل نشكر أفضالها
كلامك يشفي صدور الرِّجال / ويرضي الملوكَ وعمّالها
وحيثُ أخلَّت بها خُلَّةٌ / سَدَدْتَ برأيك إخلالها
وكم يدٍ لك في الصالحات / سَبَقْتَ من البرّ أمثالها
وإنْ أغْلَقَتْ بابها المكرمات / فإنَّك تَفْتَحُ أقفالها
كفاني المهماتِ عبدُ الغنيّ
كفاني المهماتِ عبدُ الغنيّ / وذلك مِنْ بَعض أَفضالِهِ
فإنْ نِلْتُ مالاً فمن جاهِهِ / وإنْ نِلْتُ جاهاً فمن مالِهِ
حَلَفْتَ بتربةِ آبائها
حَلَفْتَ بتربةِ آبائها / ظوامي السُّيوف دوامي العوالي
وكلّ فتًى من بني عمِّها / قريب النوال بعيد المنال
بأنّي كما يَزْعُم العاذلون / على صَبوتي بالهوى غير سالي
وقلتُ لها إنَّ نار الغرام / تَشُبُّ وقلبي بها اليوم صالي
وعندي من الوجد داءٌ عضال / فهلْ من دواءٍ لدائي العضال
ومَن لي بصبر يريح الفؤاد / وما يخطر الصَّبر يوماً ببالي
وإنِّي لأسأل ظبيَ الصريم / وما عن سواك يكون سؤالي
وأنْشُقُ منه نسيماً يَهُبُّ / وأعْرِفُه بأريج الغوالي
وما زلتَ حتَّى خلبت القلوب / وحتى سحرتَ عقول الرِّجال
تُرينَ أخا الوجد لينَ الكلام / فيطمعُ منك بأمر محال
وتَلوينَ بالدَّين حتَّى يقال / نجاز الغواني كثير المطال
بَخلتِ وما منكم الباخلون / فهلاّ سَمَحْتِ ولو بالخيال
ومن أين يخفى عليك الهوى / وقد بان ما بي وأبْصَرْتِ حالي
أما صحّ عندك قول الوشاة / فماذا التجافي وماذا التغالي
ولا شيء عندي وحقّ الهوى / أمرُّ من الهجر بعد الوصال