ذَكَرتُكِ إِذ شِمتُ بِالشامِ بَرقاً
ذَكَرتُكِ إِذ شِمتُ بِالشامِ بَرقاً / سُحَيراً فَأَشبَهَهُ القَلبُ خَفقا
ذَكَرتُ اِبتِسامَكِ عِندَ الرِضى / فَأَسبَلتُ دَمعَ شَجٍ لَيسَ يَرقا
فَدَيتُكِ شَمساً فؤادي لَها / يَبيتُ وَيُصبِحُ عُرباً وَشَرقاً
تَهُزُّ القَضيبَ فُوَيقَ الكَثيبِ / فَيُشبِهُها الظَبي لَحظاً وَعُنقا
وَما قَهوَةٌ صَيدَنانِيَّةٌ / مِنَ الدَنِّ أَوسَعها القَسُّ زَقّا
مُشَعشَعةً عُتِّقَت في الدِنانِ / فَفي الكَأسِ تَعبقُ كَالمِسكِ عَبقا
فَلَو قوبِلَت بِنَسيمِ الصَبا / تَهُبُّ سُحَيراً لَكانَت أَرَقّا
بِأَطيَبَ من فيكِ لي نَكهَةً / وَلا ريقَةً لَيتَني مِنهُ أُسقى
تَوَلّى شَبابي وَجاءَ المَشيبُ / فَصارَ بِهِ عِندِيَ الصَفوُ رَنقا
وَكانَت خُيولُ الصِبا يَستَبِقنَ / بِفَوديَ دُهماً فَأَصبَحنَ بُلقا
فَأَعرَضَ عَن وَصلِيَ الغانِياتُ / وَقَد كُنَّ لي مِثلَ ما كُنتُ عِشقا
وَلما هُريقَ الصِبى وَاِستَشَنَّ / أَديمي وَأَوهَنَ عَظمي فَدَقّا
دَرَأتُ الهَوى بِاِدِّراعِ النَوى / وَما قُلتُ يا حادِيَ العيسِ رِفقا
بِحَرفٍ أُقَيلامُ أَخفافِها / تُجيدُ عَلى كاغِدِ البيدِ مَشقا
وَلَم تَألُ في وَخدِها وَالذَميلُ / تُغِذُّ إِلى أَن أَتَت بي دِمَشقا
إِلى بابِ مودودٍ بنِ المبارَ / كِ قد جعل المُبتَغو الخَيرَ طُرقا
فَيا بَدرَ تِمٍّ تُضيءُ البِلادُ / بِهِ وَلَهُ الدينُ مازالَ وَفقا
إِذا أُمَراءُ الوَرى سابَقوكَ / إِلى غايَةِ المَجدِ بَرَّزت سَبقا
لَكَ الدَهرُ يا فارِسَ المُسلِمينَ / تَرَجَّلَ يَلثُمُ رِجلَيكَ طَلقا
وَيُقسِمُ أَنَّكَ بِالمَكرُماتِ / غَدَوتَ لِأَحرارِهِ مُستَرِقّا
فَلا مَدحَ يَحسُنُ عِندَ المُلو / كِ إِلا وَكُنتَ لَهُ المُستَحِقّا
أَميرٌ عَليمٌ بِفَحوى الأُمورِ / بِرَأي أَرانا سَطيحاً وَشِقّا
وَما عارِضٌ هادِرٌ كَالفَنيقِ / طَروقَتُهُ الأَرضَ يَبغيهِ طَرقا
فَأَوسَعُ مِن ظَهرِهِ بطنُها / غَداةَ يَنوءُ بِها الفَحلُ وَدقا
فَأَولَدَها مِنهُ رَوضاً أَريضاً / فَجَلَّ مِنَ الرِيِّ حُسناً وَدَقّا
فَكَم رَوضَةٍ وَغَديرٍ بِها / وَقَد صَفَّقَت مَتنَهُ الريحُ صَفقا
بِها النَورُ بيضاً وَحُمراً وَصُفراً / يُضاحِكنَ في خُضرَةِ النَبتِ زُرقا
بِأَغزَر مِن كَفِّهِ إِن أَبَت / عُيونُ الغَمامِ عَلى الأَرضِ دَفَقا
وَما ضَيغَمٌ دونَ أَشبالِهِ / يُحامي فَيَفتَحُ باعاً وَشِدقا
يَرُدُّ الخَميسَ كَشاءٍ حَسَسن / زَئيرَ الأُسودِ فَقَطَّعنَ رِبقا
بِأَفتَكَ مِن بِأسِهِ وَالكماةُ / تُماصِعُ طَعناً وَضَرباً وَرَشقا
وَما هَرِمُ بنُ سِنانٍ حَبا / زُهَيراً بِجودٍ مِنَ الشُحِّ وَقَّى
فَأُلبِسَ مِنهُ الثَناءَ الَّذي / إِلى آخِرِ الدَّهرِ في الناسِ يَبقى
بِأَسمَحَ مِنهُ وَفي مَدحِهِ / حَكَيتُ زُهَيراً ثَناءً وَحِذقا
لَهُ قَلَمٌ غابَ عَن عابِهِ / ضَئيل وَمِنهُ الأَقاليم تُسقى
مَلِيٌّ بِأَرزاقِ كُلِّ العِبادِ / وَإِن دَقَّ رَأساً وَإِن ضاقَ شِقّا
فَواهاً لَهُ شارِباً لا شَجَت / لَهُ شَعَراتٌ يَدَ الدَّهرِ حَلقا
دَقيقٌ يُجَلّي جَليلَ الخُطوبِ / بِخَطٍّ قَنا الخَطّ تَخشاهُ صدقا
مُطيعٌ لِباريهِ فيما يَشاءُ / وَإِن كانَ يَفنيهِ عَقراً وَعَرقا
وَطِرفٌ تُقَصِّرُ عَن شَأوِهِ ال / رِياحُ فَتَلهَثُ عِيّاً وَخَرقا
وَسَيفٌ يُفَلِّقُ هامَ العِدا / بِضَربٍ يَشُقُّ بِهِ التُربَ شَقا
وَرُمحٌ يُدَقُّ بِصَدرِ الخَميسِ / لِتُرضي بِهِ الأَحَدَ الفَردَ دَقا
قَناةٌ أَنابيبُها ظامِئاتٌ / بِها ثَعلَبٌ مِن دَمِ الأُسدِ يُسقى
وَفَضفاضَةٌ كَعُيونِ الجَرادِ / تَفُلُّ الحِدادَ فَتُقلا وَتُلقى
وَعادِيَةٌ تُطلِعُ الشَمسَ في / دجى النَقعِ تَعلو مِنَ البَدرِ فَرقا
وَقَوسٌ تَرِنُّ وَراءَ السِهامِ / فَتُصمي الرَمايا فَتَنفَضُّ صُعقا
وَأَنتَ إِذا ما اِعتَبَرنا أَولي ال / ولاياتِ أَتقى وَأَنقى وَأَبقى
وِدادُكَ مَحضٌ صَريحٌ إِذا / رَأَينا وِدادَ الأَخِلّاءِ مَذقا
وَأَنتَ الحَفِيُّ وَأَنتَ الوَفِيُّ / إِذا الأَصدِقاءُ طَوَوا عَنكَ صِدقا
تَرَكتَ الأُلى في العُلى سابقوكَ / بِفَيضِ سَحابِكَ في اليَمِّ غَرقى
وَلَيسَ يَشُكُّ اِمرُؤٌ عاقِلٌ / بِأَنَّهُمُ حينَ سامَوكَ حَمقى
وَبَينكُم مِثلُ ما بَينَ أَخ / مَصِ الرِجلِ وَالفَرقِ إِن رُمتَ فَرقا
حَمَدتُ إِلَهي عَلى ما بِهِ / حَباني فَأَحسَنَ لي مِنكَ رِزقا
وَعَبدُكَ قَد طالَ تَثقيلُهُ / عَلَيكَ وَما يَبتَغي مِنكَ عتقا
وَإِن أَنتَ آثَرتَ تَسريحَهُ / فَرَأيُكَ أَسمى وَأَسنى وَأَرقى
أَصِخ لِقَريضٍ بَديعِ النِظامِ / أَصفى مِن الدُرِّ وَصفاً وَأَنقى
كَأَنَّ المَعاني بِأَلفاظِهِ / عَقائِلُ كَالحورِ خَلقاً وَخُلقا
يَسرُّ الوَلِيَّ وَلَكِنَّهُ / هُوَ النازِعاتُ لِشانيكَ غَرقى
قَدِمتَ فَأَقدَمتَ نائي السُرورِ / وَآتَيتَ شَوقاً عَلى القَلبِ شَقّا
وَأَنتَ المُوَفَّقُ في كُلِّ ما / تَرومُ فَلِلمُلكِ أَصبَحتَ وَفقا
فَعِش ما تَشاءُ عَلى ما نَشاءُ / مَدى الدَهرِ تَفنى الأَعادي وَتَبقى