قليلٌ لهمْ أن يَحِنَّ المَشوقُ
قليلٌ لهمْ أن يَحِنَّ المَشوقُ / وهاهيَ حَنّتْ إلى الحَيِّ نُوقُ
أيعلَمُ حاديهمُ أنّه / يَسوقُ فؤاديَ فيمَنْ يَسوق
ويا قَلبُ أنتَ معَ الظّاعنِينَ / تُسايِرُهمْ فإلى مَن تَتوق
وما البَينُ أوّلُ ما شاقَني / ولا هو أوّلُ دَمعٍ أُريق
وقد كنْتُ أبكي زمانَ الوِصالِ / فأينَ الغُرابُ وأين النَّعيق
ولي غُلّةٌ كمَنَتْ في الحشا / فليس لدَمْعٍ إليها طَريق
وما كنتُ أُنكرُ فضْلَ الدُّمو / عِ لوْ وقَعَ الماءُ حيثُ الحَريق
تَضيقُ بأدمُعِها مُقْلتي / وقَلبي بساكِنه لا يَضيق
ويَنقُضُ عَهْدي أُناسٌ صَحِبْتُ / وَعقْدُ فؤادي عليهمْ وَثيق
فكانوا صديقاً كما يَزْعُمون / ولكنْ تَعذَّر منهمْ صَدوق
تَشابَه أسماؤنا والكُنَى / وتَقْطَعُ بينَ المَعاني فُروق
خُلِقْتُ كما لا يَسُرُّ الحَسودَ / وإن كان للدَّهْرِ وَجْهٌ صَفيق
وإن جُنَّ في جانبي صَرْفُه / فلا غَرْو أن يُصِلحَ السَّهمَ فُوق
وما زلتُ مُرتَشِفاً بالقلوبِ / يُنافِسُ فيَّ الصَّبوحَ الغَبوق
وماذا الّذي يَعْتري مَعْشَراً / من التِّيه وهْو بمثْلي يَليق
فلا عجَبٌ أن يَتيهَ المُدلُّ / وأن يَمرَحَ العَربِيُّ العَتيق
ينَفُضُ لِبْدَتَه ضَيغَمٌ / ويَنظرُ في عِطْفِه سوذَنيق
ولكنّه عَجَبٌ أن يَنا / لَ بالذّمِّ فائقَ قومٍ مَفوق
هجَرْتُ ملوكاً وأبوابَها / وتَعمُرُ بي وبصَحْبي خُروق
ومُشتَبِهاتٌ تَعسَّفْتُها / ولا زادَ إلاّ الفَلا والفَنيق
وعاينْتُ دونَ العُلا صَعْبةً / يُجانبُ فيها الشّقيقَ الشّقيق
فلو سفَر اللّيلُ عن هَوْلها / لَما جَدّ فيه لِطَيْفٍ طُروق
ولابُدّ من هَبْوةٍ في الزّمانِ / يُسائلُ عنها الأسيرَ الطّليق
ولا يَستهينُ بصَرْفِ الزَّمانِ / منَ النّاسِ إلاّ الجوادُ المُطيق
وأبناءُ فارسَ فوقَ الجِيادِ / يَروعُ العِدا منهمُ ما يَروق
وما أنا مِن وادعٍ هَمَّه / صَبوحٌ يُعلِّلِهُ أو غَبوق
يقول الزّجاجةُ ثَغْرُ الحبي / بِ والبابِليّةُ في الثَّغْرِ ريق
ولو جَدّ في طلَبِ المأْثُراتِ / لَما عُنِيَتْ بالهمومِ الرَّحيق
ولكنَّ أدنَى خَليليَّ مَنْ / تَصرُّفُه بالمَعالي رَقيق
وأهَيفُ مُنتَطِقٌ بالعُيونِ / كما يتَراءى الهِلالُ المَحيق
سقَى طَرفه ما سقَى عاشِقيه / فلا يَستفيقُ ولم يَستفيقوا
غَلَبْتُ فؤادي على حُبِّه / فكان فِدىً للكريمِ العَشيق
لأروَعَ يُسفِرُ عن غُرّةٍ / سَناها بسِرّ المَعالي نَطوق
عَليُّ المكانِ عَريقُ العَلاء / ولا يَعرِفُ المَجدَ إلاّ العريق
تَسامَى فأين تَظُنُّ الفُروعَ / وقد ضَربَتْ في السّماء العُروق
أيا شرفَ المُلْكِ والدّينِ والنْ / نَدى والمعالي بكُلٍّ تَليق
ويا قَمِناً عَهْدُه بالوفَاء / إذا ما اشْرأَبّتْ إليه حُقوق
نَداكَ يَغيظُ قلوبَ الغَمامِ / فما البرق فيهنّ إلاّ خَفوق
وذكرُك بَشْجَى به الحاسدون / جديرٌ بكَبْتِ الأعادي خَليق
وتَرجِعُ مَثلومةً بالبِعا / دِ عَيْنٌ إلى غايتَيْهِ رَموق
وكيف وقد فاتَ مَرْقَى الظنونِ / تَحمَّلُ سَعْياً إليه لَحوق
وتلك أنامِلُك العادياتُ / يُقَلِّبُها بالمعالي لَبيق
إذا حُبِسَتْ لَعِبَتْ بالعيونِ / كما يتألّقُ بَرْقٌ أَنيق
وإن وهَبتْ مطَرتْ للعُفا / ةِ حتّى تَقومَ على الحَمْدِ سُوق
فليس يَمينُك إلاّ السّحابُ / ففيها القطار وفيها البُروق
يَدِقُّ الحسابُ وما عندَها / إذا نفَحتْ بالعَطايا دَقيق
فيا مَنْ يَذمُّ عِداهُ الزّمانَ / إذا ما بدا لِعُلاه عَقرق
ويا مَن يُحييّ به الطّارقي / نَ خُلْقٌ كريمٌ وَوجْهٌ طَليق
تَركْتَ الزّيارةَ عندَ المُقامِ / فأقصرَ عنكَ الفُؤادُ العَلوق
وألْمَمْتَ عند اقْترابِ الرَّحيلِ / وخَدّي بواكِفِ دَمْعي غَريق
لأنّكَ شمسٌ متَى عايَنو / كَ أَلْوَى بحَدِّ العيونِ البَريق
فكَلّفتُ عينَي مَدَّ النّها / رِ من لَحْظِ وجْهِك ما لا تُطيق
فلمّا نَشْرتَ لواءَ الأصي / لِ نالَتْكَ عيني وفي الوقتِ ضيق
فيا شمسُ لا عَدِمَتْها البِلادُ / ولا عَلِقَتْ من عُلاها عَلوق
ولا بَرِحَتْ في سماء العُلاء / لها بعْدَ كُلِّ مَغيبٍ شُروق
لك اللهُ من راحِلٍ صاحِبٍ / وواقيةُ اللهِ نعْمَ الرَّفيق
وللهِ أنتَ كريماً يَسيرُ / ويَصحَبُه من فؤادي فَريق
سيُسْرِعُ بي ما بقَلْبي إليكَ / ولو أنّ حَدَّ الحُسامِ الطّريق
وما أنا إلاّ كطَيْفِ الخيالِ / إذا شاقَ بَرْحُ الهَوى مَن يَشوق
يَصُدُّ إذا كان قُرْبَ الدّيارِ / ويُدْنيهِ منك المَزارُ السّحيق
فما كان إلاَّ زماناً يَسوقُ / إليك الفؤادَ ولكنْ يَعوق
فخُذْها كحاشيةِ الأتْحمِيّ / يَرِفُّ عليها النِّظامُ الرَّقيق
وإن أَخَّرتْها صُروفُ الزّما / نِ عنكَ وأَصفىَ الشّرابُ العَتيق
فلا زلتَ والسّوءُ بالحاسِدين / عليك لدَهْرِك قَلْبٌ شَفيق