عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ
عرفتُ ويا ليتني ما عرفتُ / فمُرُّ الحياةِ لمن قد عَرَفْ
فها أنَا ذَا طولَ هذا الزّما / نِ بين الجَوى تارةً والأسَفْ
فمنْ راحلٍ لا إِيابٌ له / وماضٍ وليس له من خَلَفْ
فلا الدّهرُ يُمتِعُنِي بالمقيمِ / ولا هو يُرجِعُ لي من سَلَفْ
أرونِيَ إنْ كنتُمُ تقدرو / نَ من ليس يكرع كأسَ التّلَفْ
ومَن ليس رَهْناً لداعي الحِمامِ / إِذا ما دعى باِسمه أو هَتَفْ
وَما الدّهرُ إلّا الغَرورُ الخَدوعُ / فماذا الغرامُ به والكَلَفْ
وَما هو إلّا كلمحِ البُروقِ / وإلّا هبوب خريفٍ عَصَفْ
ولم أرَ يوماً وإن ساءني / كيومِ حِمامِ كمالِ الشَّرَفْ
كأنِّيَ بعد فراقٍ له / وقَطْعٍ لأسبابِ تلك الأُلَفْ
أخو سَفَرٍ شاسِعٍ ما له / منَ الزّادِ إلّا بقايا لَطَفْ
وعوَّضَني بالرّقادِ السُّهادَ / وأبدلنِي بالضّياءِ السَّدَفْ
فراقٌ وما بعده مُلتقىً / وصدٌّ وليس له مُنعَطَفْ
وبعتُك كرهاً بسومِ الزّما / نِ بيعَ الغبينِ فأين الخَلَفْ
وعاتبتُ فيك صُروفَ الزّمانِ / ومَن عاتبَ الدّهرَ لم ينتصفْ
وقد خطف الموتُ كلَّ الرّجالِ / ومثلك من بيننا ما خَطَفْ
وَما كنتَ إلّا أبِيَّ الجَنانِ / عن الضَّيْمِ محتمياً بالأَنَفْ
خَلِيّاً من العار صِفْرَ الإزارِ / مدى الدّهرِ من دَنَسٍ أو نَطَفْ
وأذرى الدّموعَ ويا قلّما / يَرُدُّ الفوائتَ دمعٌ ذَرَفْ
ومن أين ترنو إليك العيونُ / وأنت ببَوْغائها في سُجُفْ
فبِنْ ما مُلِلْتَ وكم بائنٍ / مضى موسعاً مِن قِلىً أو شَنَفْ
وسقّى ضريحَك بين القبورِ / من البِرِّ ما شئته واللُّطُفْ
ولا زال من جانبيه النَّسِيمُ / يعاوده والرّياضُ الأُنُفْ
وصيّرك اللّهُ من قاطِنِي ال / جنانِ وسكّانِ تلك الغُرَفْ
تُجاور آباءك الطّاهرين / ويتّبعُ السّالفين الخَلَفْ