على البانِ قمريَّةٌ تسجعُ
على البانِ قمريَّةٌ تسجعُ / وثوبُ الدجى مُسْبَلٌ أَسْفَعُ
تغنَّتْ فسحَّتْ وقد جدَّدَتْ / غرامي على الطللِ الأدمُعُ
ذكرتُ به جيرةً قوَّضوا / عنِ الخَيْفِ ليلاً وما وَدَّعوا
فأمطرتُ مربَعهمْ أدمعي / فكادَ يَرِقُّ ليَ المربَعُ
وعينٌ تفارقُ أحبابَها / وأُلاّفَها فكيف لا تَدمَعُ
شكوتُ إلى الدارِ مِن بعدِهمْ / أذى البينِ ن لو انّها تَسمَعُ
فلم تُغنِ شكوى إلى دمنةٍ / يُهيَّجُني رسمُها البلقعُ
وكيف أُرى جَذِلاً بعدَما / خَلَتْ مِن جآذرِها الأربُعُ
لقد عَفَتِ الريحُ آثارَها / فريحُ غرامي بها زَعْزَعُ
وما الوجدُ إلا حشاً خافقٌ / وقلبٌ لفرقتِهمْ مُوْجَعُ
ونارُ فراقٍ على حرَّها / لبينهمُ تنطوي الأضلُعُ
وطرفٌ إذا ما رأى بارِقاً / فليس يَغيضُ ولا يَهْجَعُ
لقد شاقَني البرقُ لمّا بدا / خِلالَ الدجى ومضُهُ يلمعُ
فأذْكَرَني ثغرَ سُعدى وقد / تزحزح عن برقه البرقع
وجرعني كأس دمعي وقد / تعرَّضَ مِن دونها الأجرَعُ
فكم ليلةٍ بتُّ لمّا نأتْ / عن الجِزعِ مِن بينِها أجزَعُ
ولولا هواها لما أرقلتْ / اليها بيَ الينُقُ الضُّلَّعُ
تَدافعُ في الخَرْقِ مزمومةً / فتذرَعُ شقَّتَه الأذرُعُ
لواغبَ تهوي إلى حيّها / وقد فاتَها الرَّعْيُ والمَكْرَعُ
جوانحَ نشأى القَطا كلَّما / تقاضيتُها أو بدا لَعْلَعُ
ولولا هوايَ لقد عاقَها / وجاها عن الوخدِ واليَرْمَعُ
ولا كانَ فيها نجيبٌ يَخُبُّ / برحلي كَلالاً ولا يوُضِعُ
ولا العشبُ يُطمِعُها نّوْرُهُ / فتخدي اليه ولا المشرعُ
ينازِعُني الشوقُ نحوَ الحِمى / وأحفِزُها ن فهي بي تَنْزِعُ
واِن ردَّدَ الركبُ ذكرَ الهوى / سَرَتْ والطريقُ بها مَهْيَعُ
فتأتي طِلاحاً رُبى حاجرٍ / وهنَّ بنا لُغَّبٌ خُضَّعُ
أجوبُ الظلامَ وأهوالَه / وعزمي إذا جبتُهُ الأدرَعُ
أرومُ سعادَ وقلبي بها / واِنْ قَرُبَتْ أو نأتْ مولَعُ
لقد غدرتْ بي وما خُنْتُها / فيا بئسَ ما أصبحتْ تصنعُ
ولم يبرحِ الغدرُ للغادر / ينَ دأباً إذا حُفِظوا ضَيَّعوا
فهل لي شفيعٌ إلى قُربها / وهل لوصالٍ مضى مَرْجِعُ
أبعدَ المشيبِ أرومُ الشفيع / وهيهاتَ بانَ الذي يَشْفَعُ
ولم يبقَ إلا بياضٌ يسوءُ / عيونَ الغواني ولا ينفعُ
شبابُ الفتى دونَ هجرانِه / اِذا رُمْنَ هجرانَه يَمنعُ
ألا قرَّبَ اللهُ احبابنَا / واِن هجروني واِن أزْمَعوا
ففي قُربِ حبَّهمُ راحةٌ / واِنْ لم يكنْ فيهمُ مطمَعُ
قَنَعْتُ بقربِهمُ طائعاً / وفي قُربِ دارهمُ مَقْنَعُ
فما العيشُ إلا دنوُّ الدَّيارِ / اِذا كانَ شملي بهمْ يُجْمَعُ
ولا سيَّما أن تناءَى الرقيبُ / وأدَّتْ تحيتيَ الاِصْبَعُ
وأومتْ سريعاً كما أومضَتْ / يوارقُ في دِمةٍ لُمَّعُ
اِذا ما خَلَونا شكونا الهوى / وفاضَتْ مدامِعُنا الهُمَّعُ
وحَدَّثتُهمْ عن زمانِ الوصالِ / حديثاً يَلَذُّ بهِ المَسْمَعُ
وزادَ الحنينُ إلى عصرهِ / الى أن أقضَّ بيَ المضجَعُ