أَنا مَن أَنا يا تُرى في الوُجودِ
أَنا مَن أَنا يا تُرى في الوُجودِ / وَما هُوَ شَأني وَما مَوضِعي
أَنا قَطرَةٌ لَمَعَت في الضُحى / قَليلاً عَلى ضِفَّةِ المَشرَعِ
سَيَأتي عَلَيها المَساءُ فَتَغدو / كَأَن لَم تَرَقرَق وَلم تَلمَعِ
أَنا نَغمَةٌ وَقَّعَتها الحَياةُ / لِمَن قَد يَعي وَلِمن لا يَعي
سَيَمشي عَلَيها السُكوتُ فَتُمسي / كَأَن لَم تَمُرَّ عَلى مِسمَعِ
أَنا شَبَحٌ راكِضٌ مُسرِعٌ / مَعَ الزَمَنِ الراكِضِ المُسرِعِ
سَيُرخي عَلَيهِ السِتارُ وَيُخفي / كَأَن لم يَجِدَّ وَلَم يَهطَعِ
أَنا مَوجَةٌ دَفَعَتها الحَياةُ / إِلى أَوسَعٍ فَإِلى أَوسَعِ
سَتَنحَلُّ في الشَطِّ عَمّا قَليلٍ / كَأَن لَم تَدَفَّع وَلَم تُدفَعِ
فَيا قَلبُ لا تَغتَرِر بِالشَبابِ / وَيا نَفسُ بِالخُلدِ لا تَطمَعي
فَإِنَّ الكُهولَةَ تَمضي كَما / تَوَلّى الشَبابُ وَلَم يَرجُعِ
وَلَكِنَّ فيها جَمالاً بَديعاً / وَفيها حَنينٌ إِلى الأَبدَعِ
وَمَن لا يَرى الحُسنَ في ما يَراهُ / فَما هُوَ بِالرَجُلِ الأَلمَعي
بَني وَطَني مَن أَنا في الوُجودِ / وَما هُوَ شَأني وَما مَوضِعي
أَنا أَنتُم إِن ضَحِكتُم لِأَمرٍ / ضَحِكتُ وَأَدمُعُكُم أَدمُعي
وَمُطرِبُ أَرواحِكُم مُطرِبي / وَموجِعُ أَكبادِكُم موجِعي
أَما نَحنُ مِن مَصدَرٍ واحِدٍ / أَلَسنا جَميعاً إِلى مَرجِعِ
رَفَعتُم مُقامي وَأَعلَيتُموهُ / لَما قَد صَنَعتُ وَلَم أَصنَعِ
أَحَقُّ بِإِكرامِكُم طائِرٌ / يُغَرِّدُ في الرَوضِ وَالبَلقَعِ
وَأَولى بِهِ كَوكَبٌ طالِعٌ / عَلى سُهَّدٍ وَعَلى هُجَّعِ
أَنا واحِدٌ مِنكُمُ يا نُجومُ / بِلادي مَتى تَسطَعوا أَسطُعِ
فَمَن قامَ يَمدَحُني بَينَكُم / فَقَد تُمدَحُ الكَفُّ بِالإِصبَعِ
وَما الغَيثُ غَيرُ الخِضَمِّ وَلَيسَ / الغَديرُ سِوى السُحُبِ الهَمَّعِ
فَلَولاكُم لَم أَكُن بِالخَطيبِ / وَلا الشاعِرِ الساحيرِ المُبدِعِ
أَنا الآنَ في سَكرَةٍ لا أَعي / فَيا لَيتَني دائِماً لا أَعي
فَذي لَيلَةٌ بِجَميعِ الزَمانِ / إِذا كانَ في الدَهرِ مَن أَجمَعِ
فَيا أَيُّها اللَيلُ بِاللَهِ قِف / وَأَيُّها الصُبحُ لا تَطلُعِ
إِذا كُنتُ قَد بِنتُ عَن مَربَعي / فَإِنّي وَجَدتُ بِكُم مَربَعي
يَميناً سَأَحمِلُ في أَضلُعي / هَواكُم ما بَقِيَت أَضلُعي
وَأَشكُرُكُم بِلِسانِ النَسائِمِ / وَالرَوضِ وَالجَدوَلِ المُترَعِ
فَلا عُذرَ لِلطَيرِ إِمّا رَأى / جَمالَ الرَبيعِ وَلَم يَسجَعِ
إِذا لَم أَكُن مَعَكُم في غَدٍ / فَإِنّي سَأَمضي وَأَنتُم مَعي