المجموع : 5
وَجَارِيَةٍ مثلَ شَمْسِ النَّهارِ
وَجَارِيَةٍ مثلَ شَمْسِ النَّهارِ / أو البدرِ بين النُّجومِ الدَّراري
أَتَتْكْ تَمِيْسُ بفَدِّ القَضِيْبِ / وترْنُو بعينِ مَهَاةِ القِفَارِ
وترفُلُ في مُصْمَتٍ أبْيَضٍ / تَلَوّنَ من خَدِّهَا الجُلَّنَارِي
وتحمِلُ عوداً فَصيحَ الجوابِ / يشارِكُ أرواحَنا في المَجَارِي
له عنقٌ كذراعِ الفتاةِ / وَدَسْتَانُهُ بمكانِ السِّوارِ
فجارَتْ عليه وجادَتْ له / بِعَسْفِ اليمينِ ولُطْفِ اليَسَارِ
وما أمْهَلَتْهُ ولا نَهْنَهَتْهُ / من الظهرِ حتى انقضاء النهار
ولما تَغَنّتْ غِناءَ الوداعِ / بَكيْتُ وقلتُ لِبَعْضِ الجواري
لئن عشتُ عند هَزَارِ اللقاءِ / لقد مِتُّ عند هَزَارِ الإِزَارِ
ومَثَّلَهُ لي المُنى
ومَثَّلَهُ لي المُنى / فَرُحْتُ بِهِ ظافِرَا
أراهُ معي حاضراً / وإنْ لَمْ يَكُن حاضِرَا
وأُبْصِرُهُ نائِماً / وأبْصِرُهُ ساهِرَا
فلستُ له ناسِياً / ولستُ لَهُ ذَاكِرَا
أَرتْكَ يَدُ الغَيْثِ آثَارَهَا
أَرتْكَ يَدُ الغَيْثِ آثَارَهَا / وَأَعْلَنَتْ الأَرْضُ أَسْرَارَهَا
وَكَانَتْ أَكَنَّتْ لِكَانُونِهَا / خَبِيَّاً فَأَعْطَتْهُ آذَارَهَا
فَمَا تَقَعُ العَيْنُ إِلاَّ عَلَى / رِيَاضٍ تُصَنِّفُ أَنْوَارَهَا
يُفَتِّحُ فِيْهَا نَسِيْمُ الصَّبَا / جَنَاهَا فَيَهْتِكُ أَسْتَارَهَا
وَيَسْفَحُ فِيْهَا دِمَاءَ الشَّقِيْقِ / إِذَا ظَلَّ يَفْتَضُّ أَبْكَارَهَا
وَيُدْنِي إِلَى بَعْضِهَا بَعْضَهَا / كَضَمِّ الأَحِبَّةِ زُوَّارَهَا
كَأَنَّ تَفْتُّحَهَا بِالضُّحَى / عَذَارَى تُحَلِّلُ أَزْرَارَهَا
تَغُضُّ لِنَرْجِسِهَا أَعْيُناً / وَطَوْرَاً تُحَدِّقُ أَبْصَارَهَا
إِذَا مُزْنَةٌ سَكَبَتْ مَاءَهَا / عَلَى بُقْعَةِ أَشْعَلَتْ نَارَهَا
وَمَا أَمْتَعَتْ جَارَهَا بَلْدَةٌ / كَمَا أَمْتَعَتْ حَلَبٌ جَارَهَا
هِيَ الخُلْدُ تَجْمَعُ مَا تَشْتَهِي / فَزُرْهَا فَطُوبَى لِمَنْ زَارَهَا
وَلِلَّهِ فِيْهَا شُهُورُ الرَّبِيْ / عِ حِيْنَ تُعَطِّرُ أَسْحَارَهَا
إَذَا مَا استَمَدَّ قُوَيْقُ السَّمَاءِ / بِهَا فَأَمَدَّتْهُ أَمْطَارُهَا
وَأَقْبَلَ يَنْظِمُ أَنْجَادَهَا / بِفَيْضِ المِيَاهِ وَأَغْوَارَهَا
وَأَرْضَعَ جَنَّاتِهَا دَرَّةُ / فَعَمَّمَ بِالنُّورِ أَشْجَارَهَا
وَدَارَ بِأكْنَافِهَا دَوْرَةً / تُنْسِّي الأَوَائِلَ بَرْكَارَهَا
كَأَنَّ هَلُوكَاً حَبَتْهَا السِّوَا / رَ أَوْ سَلَبَ الكَفَّ أَسْوَارَهَا
تُرِيْكَ مُرُورُ اللَّيَالِي العِبَرْ
تُرِيْكَ مُرُورُ اللَّيَالِي العِبَرْ / وَلِلْوِرْدِ فِي كُلِّ حَالٍ صَدَرْ
سَحَبْتُ عَلَى الدَّهْرِ ذَيْلَ الشَّبَابِ / وَمَا زِلْتُ أَنْضيْهِ حَتَّى غَبَرْ
وَلَمْ يَبْقَ لِي مِنْهُ إِلاَّ كَمَا / يُرَى فِي الرِّيَاضِ بَقَايَا الزَّهَرْ
سَوَادٌ أَطَلَّ عَلَيْهِ البَيَاضُ / كَلَيْلْ أَطَلَّ عَلَيْهِ السَّحَرْ
فَرَائِيَ فِي اللَّهْوِ رَأْيُ الَّذِي / تَقَدَّمَ فِي الزَّادِ قَبْلَ السَّفَرْ
بِبَزْلِ الدِّنَانِ وَعَزْفِ القِيَانِ / وَخَلْعِ العِذَارِ وَفَضِّ العُذَرْ
وَنَادَى لِدَاتِي دَاعِي المَشِيْبِ / فَسَارُوا وَهَا أَنَذَا فِي الأَثَرْ
تُنَشِّطُنِي أُخْرَيَاتُ الشَّبَابِ / وَتَقْتَادُنِي أُولَيَاتُ الكِبَرْ
فَنَفْسي تَتُوقُ إِلَى الغَانِيَاتِ / وَقَلْبِي يَهُمُّ بِأَنْ يَنْزَجِرْ
وَيَأْبِى لَهُ ذَاكَ وَرْدُ الخُدُودِ / وَصُبْحُ الوُجُوهِ وَلَيْلُ الشَّعَرْ
وَأُعْطِي قِيَادِيَ كَفَّ المُجُونِ / وَأُخْفِي فُنُونَاً وَأُبْدِي أَشَرْ
وَأُكْذِبُ نَفْسِي في بَعْضِ مَا / أَحَصِّلُهُ مِنْ حِسَابِ العُمُرْ
وَإنْ نَزَلَتْ فِي جِوَارِ الشَّبَا / بِ بَيْضَاءُ أَعْجَلْتُهَا أَنْ تَقَرْ
وَأَكْتُمُ ذَلِكَ عَنْ خَطْرِهِ / فَيَفْضَحُنِي عِنْدَهَا إِنْ ظَهَرْ
سَقَى وَرَعَى اللَّهُ عَهْدَ الصِّبَا / لَيَالِيَ إِذْ أَنَا بالدَّهْرِ غِرْ
وَإِذْ عُذْرِي وَاضِحٌ بِالشَّبَابِ / وَسُكْرِي بِهِ مِنْ أَشَدَّ الشُّكَرْ
أَصِيْدُ وَتَصْطَادُنِي تَارَةً / ظِبَاءُ القُصُورِ بِسِحْرِ الحَوَرْ
إِذَا مَا تَتَوَّجْنَ أَكْوَارَهُنَّ / وَخَطَّطْنَ فِي العَاجِ شَكْكَ الطُّرَزْ
وَعَلَّقْنَ سُودَ مَسَابِحِهِنَّ / دُوَيْنَ النُّهُودِ وَفَوْقَ السُّرَرْ
وَأَوْمَضْنَ نَحْوِي بُرُوقَ الثُّغُو / رِ عَنْ بَرَدِ فِيْهِ مِسْكٌ وَدُرْ
وَمَا كَانَ أَكْلِي مَعَ الغَانِيَا / تِ فِلْذَاً وَلاَ مَشْرَبِي بِالْغُمَرْ
يُرَوِّعُنِي شَامِتَاً بِالبَيَاضِ / أَخٌ قَدْ قَضَى مِنْ سَوَادْ وَطَرْ
وَقَدْ كَانَ يَحْسُدُنِي بالسَّوَادِ / فَلَمَّا رَآنِيَ قَدْ شِبْتُ سُرْ
وَمِثْلَكَ قَدْ صِرْتُ رَسْمَاً عَفَا / فَقِفْ بِي وَلاَ تَجْفُنِي يَاعُمَرْ
وَسَاعِدْ أَخَاكَ عَلَى شُرْبِهَا / بِمَيْمَاسٍ حِمْصٍ وَشَطِّ النَّهِرْ
وُدَامَاً كّدِيْنِكَ فِي لُطْفِهَا / وَأَخْلاَقِكَ الوَاضِحَاتِ الغُرَرْ
إِذَا رَقَص المَاءُ فِي كَأسِهَا / أَطَارَ عَلَى جَانِبَيْهَا الشَّرَرْ
كَأَنَّكَ شَاكَلْتَهَا بِالصَّفَاءِ / وَأَشْبَهْتَهَا بِالنَّسِيْمِ العَطِرْ
تَمَكَّنَتِ النَّارُ مِنْ جِسْمِهَا / فَلَمْ تُبْقِ فِي الصَّفْوِ مِنْهَا كَدَرْ
وَحَلَّتْ بِذَاكَ لِشُرَّابِهَا / وَأُطْلِقُ مَا كَانَ مِنْهَا حُظِرْ
ألسْتَ تَرَى المرجَ مُعْشَوْشَباً / أنيقَ الرّياضِ مَرِيْعاً خَضِرْ
كأنّ الذي دبَّجْتَ تُسْتَرُ / وطَرّزَتِ السوسُ فيه نُشِرْ
وقد ضُرِبَتْ فِيْهِ خَيْمَاتُهَا / وعدّل تَشْرِيْنُ حرًّا بِقُرْ
وراحت تُجَاوِبُ أَطْيارَهُ / كما جَاوَبَ النّايَ قرعُ الوَترْ
وجاءَ الطُّهاةُ بما نَشْتَهِيْ / هِ مما استُزِيْدَ وَمِمّا حَضَرْ
وطاب المِزَاجُ ولذّا الشرابُ / ومُدّ الأُرُنْدِ بماءٍ خَصِرْ
تَعالِيْلُ إنْ أَنْتَ أَغْفلتَهَا / تَذَكّرتَها حينَ لا مُدَّكَرْ
فَخُذْ من صفا العيشِ قَبْلَ الكَدَرْ / ومن ظاهرِ الأرضِ قَبْلَ الحُفَرْ
تأخّرْتَ حتى كدَدْتَ الرسولَ
تأخّرْتَ حتى كدَدْتَ الرسولَ / وحتى سئمتُ من الانتِظارِ
وَأَوْحَشْتَ إخوانَك المُسْعَدِينَ / وفجّعْتَهُمْ بِشَبَابِ النّهارِ
وأحْرَقْتَ بالجوعِ أحشاءَهُمْ / بنارٍ تَزيدُ على كلِّ نارِ
فإن كُنْتَ تأمُلُ ألا تُذَمَّ / فَأَنْتَ وحقِّكَ عينُ الحِمَارِ