المجموع : 4
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ / وَخُلِّيَتِ السُّبْلُ لِلْمُعْتَمِرْ
لقد يَسَّرَ اللَّهُ تِلكَ الصعابَ / فما من عَصِيٍّ ولا مِن عَسِرْ
بَدارِ بَدارِ جُنودَ النَّبيِّ / فإنّ الغنيمةَ للمُبْتَدِرْ
إلى البيتِ سِيرُوا سِرَاعَ الخُطَى / فما ثَمَّ من خِيفَةٍ أو حَذَرْ
وَسُوقُوا الهدايا إلى ربِّكم / فما خَابَ مَن ساقَها أو نَحَرْ
دَعُوها لِناجِيَةٍ إنّه / لَنِعْمَ الفتى إن تَمَطَّى السَّفَرْ
دَليلكم الصّدقُ فيما مَضَى / يَشُقُّ الصّعابَ ويَهدِي الزُّمَرْ
ولِلخَيْلِ قائدُها المُجتَبَى / وفَارسُها الشّمّريُّ الأغرّ
رأوْها مُطَهَّمَةً في السّلاح / فطاروا يقولونَ أمرٌ قُدِرْ
أيا قَومَنا إنّهم أقبَلوا / على الجُرْدِ في المُرْهَفَاتِ البُتُرْ
خُذُوا حِذْرَكم وَاجمَعُوا أمركم / ألا إنّنا لا نَرى غيرَ شَرّ
وجاء ابنُ حصنٍ رسولاً يقول / مُحمدُ ما شأنكُم ما الخَبَرْ
أَتنقضُ عهدَكَ تبغِي القتالَ / وما كنتَ ممّن بَغَى أو غَدَرْ
قُريشٌ على العهدِ ما بَدَّلوا / ولا كان منهم أذىً أو ضَرَرْ
عَلامَ السّلاح وماذا تريدُ / أتأبى لأنْفُسِنَا أن تَقرّ
فقال النبيُّ اهْدَأُوا إنّني / لأَوْلَى الوَرَى بوفاءٍ وبِرّ
سيبقَى السّلاحُ بعيدَ المكانِ / لِيأمنَ مِن قومِنا مَن ذُعِرْ
لِمَكَّةَ حُرمتُها والذمام / وللَّهِ سُبحانَهُ ما أَمَرْ
وأقبلَ في صحبِهِ الأكرمين / يَؤُمُّ البَنِيَّةَ ذاتِ السُّتُرْ
فيا ابنَ رُواحَةَ خُذْ بالزِمام / وقل في النبيِّ وفي مَن كَفَرْ
جَلا القومُ يأبونَ لُقْيَا النبي / وأصحابِهِ الطاهرينَ الغُرَر
فطافوا وَصَلُّوا وخَفُّوا معاً / إلى الركنِ يَغشَونَهُ والحَجَرْ
وَقَضُّوا المناسِكَ مُسْتَبْشرينَ / فلم يبقَ من مأرِبٍ أو وَطَرْ
وجاء حُوَيطبُ يَلْقَى النَّبيَّ / وصاحِبُهُ المرتجَى للغِيَرْ
يقولان إنّا على مَوعدٍ / فما لكَ عن أرضِنا لم تَسِرْ
قَضيْتَ الثلاثَةَ فاذْهَبْ إلى / مَنازِلِ يَثْرِبَ ما من مَفَرّْ
فأرعدَ سعدٌ وجاشتْ به / حَمِيَّةُ مُسْتَوفِزٍ كالنَّمِرْ
وألقَى بصاعقةٍ تستطير / على جَانِبَيْها بُروقُ الشَّرَرْ
فقال النبيُّ رُويداً رُويداً / وأطفأ من غَيْظِهِ المسْتَعِرْ
وحُمَّ الرحيلُ فنعمَ السّبيل / سبيلُ القبيلِ الجليلِ الخَطَرْ
هُمُ صَبَرُوا فانثنوا ظافرين / وما الصّبرُ إلا بَشِيرُ الظَّفَرْ
فَشُكْراً لربٍّ يُحِبُّ التَّقِيَّ / وَيُضفِي العَطَاءَ على مَن شَكَرْ
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ
مرحباً بالوفدِ وافى من هَجَرْ / يَبتغي الدِّينَ ويأبى من كَفَرْ
لا خَزايا لا نَدامَى إنّهم / زُمْرةٌ ما مِثلُها بين الزُّمَرْ
ظفروا إذ قَبَّلوا خيرَ يَدٍ / وخِيارُ النّاسِ أوْلَى بالظَّفرْ
نَزَل الحقُّ على شاعِرِهم / ساطعَ الحُجّةِ وضَّاحَ الأثَرْ
صَدَق الجارودُ إنّ اللهَ قد / أرسلَ القومَ إلى هادِي البَشَرْ
جاء في إنجيلِ عِيسَى ذِكرُهُ / فأتى ينظرُ مِصداقَ الخَبَرْ
لم يَزَلْ يَسألُهُ حتَّى بَدا / من يقينِ الأمرِ ما كانَ اسْتتَر
زَادَهم من علمِهِ ما زادهم / ولديهِ من مزيدٍ مُدَّخَرْ
كَشَفَ اللهُ له عما انْطَوى / في زوايا الغيبِ عنه فَظَهَرْ
هذه الأرضُ وهذا نخلها / تتراءى فيه أنواعُ الثَّمرْ
آثروا الإسلامَ دِيناً وانْقَضى / ما أضلَّ القومَ من دينٍ نُكُرْ
أُمِروا بالخيرِ طُرّاً مالهم / منهُ بُدٌّ ونُهوا عن كلِّ شرّ
لهجوا بالخمرِ ثُمَّ ازْدَجرُوا / وعنِ الخمرِ غِنىً للمُزدجِرْ
وفْدَ عبدِ القيسِ لا تعدِلْ بكم / ظُلمةُ الرأيِ عن النهْجِ الأغرّ
ليس في الخمرِ شِفاءٌ لامرئٍ / من سقامٍ أو وقاءٌ من ضَرَرْ
احذروها إنَّها المكرُ الذي / مَكَرَ الشيطانُ في ماضِيِ العُصُرْ
هِيَ للأقوامِ شَرٌّ وأذىً / وَهْيَ للبغضاءِ نَارٌ تَستَعِرْ
ليس مَن بَرَّ فأرضَى رَبَّهُ / مِثلَ من أرضَى هَواهُ وفَجَرْ
حَسْبُكم ما كانَ مِنها وكفَى / ما رأيتُمْ أو سَمِعْتُم من عِبَر
في رسولِ اللهِ إذ نَبَّأكم / ببلايا الخمرِ آياتٌ كُبَرْ
انتهُوا عن كلِّ ما عَنْهُ نَهَى / وَافْعَلوا مِن كلِّ أمرٍ ما أمرْ
اسألوا هذا الفتَى عن شيخِكم / واسألوني عن أعاجيبِ القَدَرْ
صُورةٌ زالتْ وأُخرى بَرزتْ / من تصاويرِ المليكِ المقتدِرْ
اسألوا الحاضرَ عمَّنْ غابَ أو / فاسألوا الغائبَ عمن قد حَضَر
ذَهَبَ المجنونُ مهدودَ القُوى / وأتَى العاقلُ مَشدودَ المِرَر
قُدرةُ اللهِ تجلَّتْ في يدٍ / لعظيمِ الجاهِ ميمونِ الأثرْ
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ
تَغَلغَلَ في القَلبِ حَتّى وَقَرْ / وَأَشرَقَ في العَينِ حَتّى بَهَرْ
حَديثٌ شَفى النَفسَ مِن دائِها / وَأَطفَأَ مِن وَجدِها المُستَعِرْ
فَقُل لِبَني مِصرَ جَدَّ الثِقاتُ / فَسُدّوا المَسامِعَ عَمَّن هَذَرْ
أَلا إِنَّهُ لَحَديثُ المُلوكِ / فَنِعمَ الحَديثُ وَنِعمَ الخَبَرْ
أَذاعوهُ ثانِيَةً فَاِنبَرى / يَروحُ بِهِ البَرقُ أَو يَبتَكِرْ
أَبانَ لِملنرَ مَعنى الشَبابِ / لِشَعبٍ يَراهُ صَريعَ الكِبَرْ
لَقَد أَخَذَ الشَكُّ بَعضَ النُفوسِ / فَرابَ السَبيلُ وَزاعَ البَصَرْ
وَمِن نَكَدِ الدَهرِ أَن يَستَعينَ / بِكَيدِ العِظاتِ وَظُلمِ العِبَرْ
أَلَم يَأنِ لِلدَهرِ أَن يَزدَجِرْ / فَقَد أَتعَبَ الناسَ ما يَأتَمِرْ
رُوَيدَ الحَوادِثِ إِنّي اِمرُؤٌ / رَأَيتُ الأَعاجيبَ شَتّى الصُوَرْ
وَأَعجَبُها أُمَّةٌ تَشتَكي / خُطوبَ الزَمانِ وَفيها عُمَرْ
فَتى الهِمَمِ الناهِضاتِ الكِبارِ / وَمَولى الفِعالِ الحِسانِ الغُرَرْ
يَصونُ الذِمارَ وَيَأَبى القَرارَ / إِذا عَصَفَ الحادِثُ المُكفَهِرّْ
عَرَفناهُ أَكبَرَنا مَوقِفاً / وَأَصدَقَنا نَجدَةً في الغِيَرْ
إِذا اِنتَظَرَ القَومُ في النازِلاتِ / تَوَثَّبَ أَروَعَ ما يَنتَظِرْ
يُبادِرُها غَيرَ ذي رَعدَةٍ / إِذا اِستَوهَلَ الراجِفُ المُقشَعِرّْ
وَما جُعِلَت عَفَواتُ الثَنا / ءِ إِلّا لِذي الجُرأَةِ المُبتَدِرْ
نُؤَمِّلُهُ عِصمَةً لِلنُفوسِ / فَنِعمَ المُؤَمَّلُ وَالمُعتَصَرْ
وَنَرمي بِهِ حادِثاتِ الزَمانِ / إِذا ما رَمَتنا بِأَمرٍ نُكُرْ
لَهُ دَعوَةُ الخَيرِ تَجلو العَمى / وَتَهدي السَبيلَ وَتَنفي الغَرَرْ
تَدارَكَهُ فَاِستَوى مِن عَلٍ / وَأَرسى قَواعِدَهُ فَاِستَقَرْ
إِذا زَلزَلَ اليَأسُ صَرحَ الرَجاءِ / وَمالَ بِأَركانِهِ وَالجُدُرْ
يَعُدُّ مِنَ النَفَرِ الكابِرينَ / جَلالَ العُروشِ وَزَينَ السُرُرْ
حُماةُ البِلادِ إِذا اِستَصرَخَت / تُريدُ النَجاءَ وَتَبغي المَفَرّْ
وَأَقمارُها حينَ يُخفي الظَلامُ / ضِياءَ النُجومِ وَنورَ القَمَرْ
إِذا سَطَعوا في دَياجي الخُطوبِ / جَرى النورُ مِن حَولِهِم يَنتَشِرْ
وَإِن سَلَكوا خُطَّةً أَقبَلَت / تَسيرُ الجُموعُ وَتَمشي الزُمَرْ
لَهُم بَينَنا الغُرَرُ السابِقاتُ / مِنَ المَجدِ وَالباقِياتُ الأُخَرْ
وَما مِصرُ إِلّا رَجاءُ الجَميعِ / فَإِن ذَهَبَت ذَهَبوا في الأَثَرْ
أَمانَةُ آبائِنا الأَوَّلينَ / وَإِرثُ البَنينَ وَذُخرُ العُصُرْ
فَقُل لِلمُساوِمِ في عِرضِها / مَكانَكَ إِنّا رِجالٌ غُيُرْ
نَرُدُّ الهَضيمَةَ نُرمى بِها / وَنَصدُفُ عَن تُرَّهاتِ النُذُرْ
وَنَعلَمُ أَنّا عَلى واضِحٍ / مِنَ الحَقِّ يَعرِفُهُ ذو النَظَرْ
أَفي الحَقِّ أَنّا نَخونُ البَنينَ / وَنُغضِبُ آباءَنا في الحُفَرْ
يُخَوِّفُنا مَعشَرُ الموعِدينَ / وَلا خَوفَ مِمّا يَجُرُّ القَدَرْ
سِوانا يَجُرُّ قِيادَ الذَليلِ / وَيَنزِلُ مَنزِلَةَ المُحتَقَرْ
أَيُقضى عَلَينا قَضاءَ العَبيدِ / وَنُؤخَذُ بِالخَسفِ أَخذَ الحُمُرْ
فَلا وَأَبيكَ نُقِرُّ الأَذى / وَنَرضى الهَوانَ وَنَلقى الضَرَرْ
رَدَدنا عَلى القَومِ أَحكامَهِم / وَإِن أَصبَحَت شِرعَةً لِلبَشَرْ
فَلا الأَمرُ لِلقادِرِ المُستَبِدِّ / وَلا الحَقُّ لِلغالِبِ المُنتَصِرْ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ
جَمعنَ المشَارِقَ في المُؤتمرْ / فَقُلْ لِلمغاربِ أينَ المَفرْ
وقُمْنَ على الحَقِّ يَنْصُرْنَهُ / وقَامتْ وَراءَ الدُّروعِ الأُزُرْ
هو الظُّلمُ هَيَّجَ كلّ القُوَى / فما تستكنُّ وما تَسْتَقِرْ
أَثارَ الكِرامَ فمن مُستطيرٍ / يُوالي المغارَ ومن مُبْتَدِرْ
وَراعَ الكرائِمَ فَاسْتَلَّها / وأَطلقَها مِن وَراءِ السُّتُرْ
تَوافَيْنَ شَتَّى يُجاهِدْنَهُ / ويُطفِئْنَ مِن شَرِّهِ المُستَعِرْ
وَجِئْنَ يُغِرْنَ على عينهِ / وَينفذنَ مِن نابِهِ والظُّفُرْ
فَيا لَكَ مِن نَمِرٍ فَاتكٍ / ويا لِلّواتي يَصِدْنَ النُّمُرْ
أخذنَ السّهام فَسدَّدْنها / بأيدٍ ترفّ رفيف الزَّهَرْ
لِطافِ الأنامِل بيض البنان / تذيب الحديد وتفري الحجرْ
تميل زلازلها بالجبال / وتمضي نوافذها في السُّرُرْ
فلسطينُ خطبُكِ غُول الخطوبِ / وذُعر الزّمانِ ورعبُ القَدَرْ
تنام البراكينُ عن همَّها / وما نام بركانُك المُسْتَعِرْ
مَعارِضُ لِلظُّلم قَامَتْ بِها / أعاجيبُ مُختلفاتُ الصُّوَرْ
تَصُبُّ الحضارةُ أَهوالَها / بأَيدِي الأُلىِ هُم هُداةُ البَشَرْ
يقولون إنّا حُماةُ الضَّعيف / أجل إنّهم لَحُماةُ الهَذَرْ
بَراءٌ من الجِدِّ لا ينطقون / على الهزلِ إلا بسوءٍ وشَرّ
لهم قُدرةٌ يَا لها قُدرةً / تُضِلُّ العُقولَ وتُعيِي الفِكَرْ
فمن نمطٍ لِلأَذَى رَائِعٍ / إلى نَمطٍ غيرِه مُبْتكَرْ
إذا فَرِغُوا من فُنونٍ خَلَتْ / أَتوا بعدها بِفُنونٍ أُخَرْ
هُمُ القومُ ما مِثلهم أُمّةً / تُرَجَّى على الدَّهَرِ أو تُنْتَظَرْ
جبابرةٌ يأكلونَ الشُّعوبَ / وَيُمسونَ مِن سَغبٍ في سُعُرْ
لهم في الشَّرقِ أُنشُودَةٌ / يُغَرُّ بباطلها مَن يُغَرّ
لئن أوجعتنا عَوادِي الخُطوب / لقد عَلّمتْنا غَوالي العِبَرْ
كَفانا مِن الدّهر ما ثَقَّفتْ / تعاليمُ أحداثهِ والغِيَرْ
ألا نجدةٌ تدرك الهالكين / ألا نفحةٌ من حنانٍ وبرّ
نسرُّ ونلهو ومن قومنا / نُفوسٌ مُرزَّأةٌ مَا تُسَرّ
كأنا نُقيمُ وراءَ الزمان / فما من حديثٍ ولا من خبرْ
كأنّ الحياة كلامٌ يقال / وأحدوثةٌ من فُضولِ السَّمَرْ
كأنّ فلسطينَ لم تَنتَفِضْ / لفرط البلاءِ ولم تَستَجِرْ
أَبيْنا فلم نَرْعَ عهد الجوار / ولم نَقْضِ حقَّ الأباةِ الغُيُرْ
يُحامون عن عرضنا بالسُّيوف / ونخذلهم تلك أُمُّ الكُبَرْ