المجموع : 8
أما حدثوكَ بأخبارها
أما حدثوكَ بأخبارها / وقد نزلَ البينُ في دارِها
ليالي امرؤِ القبسِ بينَ الخيامِ / يباهي السماء بأقمارِها
فما لكَ تذكرُ تلكَ الديارْ / ومالكَ تبكي لتذكارِها
وبينَ الضلوعِ قلوبٌ عفت / وضنَّ الغرامُ بآثارِها
قلوبٌ فزعنا بها للدموعِ / فما أطفأ الدمع من نارِها
تهزُّ لها الغانياتُ القدودَ / إذا ما تناجت بأسرارها
ألا فرعى الله تلكَ القصور / وحلى السماءَ بأنوارها
يبيتُ يحنُّ لها جارها / وإن لم تحنَّ إلى جارها
قصورٌ تدلُّ بأيامها / دلال الرياضِ بآذارها
إذا طلع الصبحُ حيتْ ذكاءُ / شموساً توارتْ بأستارها
تكادُ لرقةِ سكانها / تردُّ السلام لزوَّارِها
همُ علموها اجتذابَ القلوبِ / وشقَّ مرائرِ نظَّارها
وقد سامحتها خطوبُ الزمانِ / وضنتْ عليها بأكدارها
ودارتْ بمعصمها كالسوار / رياضُ تسامتْ بأسوارها
تحاكي المجرةُ أنهارها / وتحكي النجومُ بأزهارها
كساها الشتاءُ ثيابَ الربيعِ / وزرت عليها بأزرارها
إذا اعتلَ فيها نسيمُ الصباح / ناحتْ بألسنِ أطيارها
وإن طلبَ الظلُّ فيها الهجيرَ / تأبتْ عليهِ بأشجارها
وإن حلَّ الندامى فيها رأوا / لياليها مثل أسحارها
ودبَّ النسيمُ لعيدانهم / فباتت تنوحُ بأوتارها
وأنستهمُ معبداً والغريضَ / وشدو القيانِ بأشعارها
وأهل البضيعِ وذكرى حبيبٍ / وشد المطيِّ بأكوارها
سقتها السماءُ بما تشتهي / وجادتْ عليها بأمطارها
زهَتهُ الملاحةُ حتى سفرْ
زهَتهُ الملاحةُ حتى سفرْ / وخلى الدلالَ لذاتِ الخفرْ
وباتَ يسامرُ أهلَ الهوى / وقدْ طابَ للعاشقينَ السمرْ
يحدثنا عن بني عُذْرة / ويروي لنا عن جميلٍ خبرْ
وليلى وعن حبِّ مجنونِها / وعمن وفى للهوى أو غدرْ
ويذكرنا فعلاتِ الردى / بأهلِ البوادي وأهلِ الحضرْ
كحظِّ السعيدِ إذا ما ارتقى / وحظِّ الشقيِّ إذا ما انحدرْ
أرى كل شيءٍ له آيةٌ / وآيةُ هذي الليالي العبرْ
فيا قمرَ الأفقِ ماذا الزمان / جيلٌ تخلَّى وجيلٌ غبرْ
ويومٌ يمرُّ ويومٌ يكر / فآناً نساءُ وآناً نُسرْ
بربكَ هل بالدجى لوعةٌ / فإن غابَ عنهُ سناكَ اعتكرْ
كغانيةٍ فارقتْ صبَّها / فأرختْ غليها حدادَ الشعرْ
إذا ما سهرنا لما نابنا / فما للنجومِ وما للسهرْ
أترثي لمن باتَ تحتَ الدجى / يُقَلِّبُ جنبيهِ حرُّ الضجرْ
على لوعةٍ يصطلي نارَها / وحرُّ الهوى في حشاهُ استعرْ
وقد بسطَ البدرُ فوقَ الثرى / بساطاً فنامَ عليهِ الزهرْ
إلى أن طوتهُ يمينُ الصَّبا / وقد بللتهُ عيونُ السحَرْ
وباحَ الصباحُ بأسرارهِ / فحجبتِ الشمسُ وجهَ القمرْ
خلقَ اللهُ الجمالَ حكمةً
خلقَ اللهُ الجمالَ حكمةً / تذكرُ الناسَ نعيمَ الآخرةْ
كلُّ عينٍ سهرتْ فيهِ ولمْ / تكُ من قبلِ الهوى بالساهرةْ
ليسَ ما يروى عن السحرِ سوى / ما تراهُ في العيونِ الساحرةْ
لكلِّ امرئٍ أجلٌ منتظرُ
لكلِّ امرئٍ أجلٌ منتظرُ / ويبقى من الذاهبينَ الأثرْ
يردِّدُهُ الناسُ جيلاً فجيلاً / ويروونهُ زمراً عن زمرْ
ترى فيهِ نفسُ الفتى مثلما / ترى في المرآةِ وجوهَ البشرْ
فذلكَ مرآتهُ للنفوسِ / وهاتيكَ مرآتها للصدرْ
وما الناسُ إلا حديثٌ يدومُ / فالخيرُ خيرٌ والشرُّ شرْ
رحيقٌ كماءِ الشبا
رحيقٌ كماءِ الشبا / بِ من وجنةٍ يقطرُ
بكأسٍ كبدرِ الدجى / ظلامي بها مقمرُ
وساقٍ على ساقِهِ / يرجرجهُ المئزرُ
تحجبها كفهُ / وفي خدِّهِ تظهرُ
أراهُ لنا قائداً / ونحنُ لهُ عسكرُ
كأنَّ صفاءَ الرحي / قِ نافسهُ الكوثرُ
فمن ربحَ اليومَ ذا / فذاكَ غداً يخسرُ
ملأتَ المحطةَ بالعاشقين
ملأتَ المحطةَ بالعاشقين / فهذا يغيرُ وذاكَ يغارْ
وقلبيَّ مما تمزَّقَ أضحى / كأنَّ عليهِ يمرُّ القطارْ
بربكَ ماذا فعلتَ بنا / وما لكَ عندي ذوي الحبِّ ثارْ
قتلتَ وأحرقتَ حتى القطار / يسيرُ وفي قلبهِ منكَ نارْ
أرى الهجرَ أن تذكرَ الهجرَ لي
أرى الهجرَ أن تذكرَ الهجرَ لي / فإنَّ القلوبَ بما تذكرُ
وإنَّ السماءَ إذا أبرقتْ / غدتْ بعدَ إبروقها تمطرُ
أخافُ عليكَ وما إن تخاف / وأنتَ المطاعُ بما تأمرُ
وما آفةُ النفسِ بعدَ المتاب / غلا الغرورُ بمن يغفرُ
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ / ونطّقتَ باللحظاتِ الخصورا
وكدتَ تشكُّ بهنَّ القلوب / وتلحمُ أسيافهنَّ الصدورا
فلا عجبَ أن يصدَّ الحسان / وأن يتعلمنَ فيكَ النفورا
تلثمهنَّ بلحظِ وقاحِ / ويمنعهنَّ الحياءُ السفورا
لعلكَ تعلمُ أنَّ الظباء / ينفرنَ إما رأينَ البعيرا
وهبكَ خفيرا لهذي الطريق / فلستَ على النيّراتِ خفيرا
أرى نظراً كالطفيلي لا / يوجهُ حتى يعود حسيرا
فلو خلقَ للهُ فيكَ العيونَ / طيوراً لما بتَّ إلا ضريرا