رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا
رأيتُ الطّريقَ إلى الوَصْلِ وَعْرا / فقدَّمْتُ رِجْلاً وأَخّرْتُ أُخْرَى
وأودَعْتُ شَطْرَ الفؤادِ الرَّجَا / ءَ حَزْماً وفَرَّغْتُ لليأسِ شَطْرا
وقد جعَل النّاسُ إلاّ الأقَلْ / لَ يُبدونَ عُرْفاً ويُخْفُونَ نُكرا
فإنْ كنتَ من شَرِّهم خائفاً / فَظُنَّ بخَيرِهمُ الدّهرَ شَرّا
لهم ألسُنٌ تَتواصَى بأنْ / يَعِدْنَ وفاءً ويُنْجِزْنَ غَدرا
فضاحِكْ عَدُوَّكَ تُشغِلْ أذاه / بمَنْ أظهرَ البُغضَ عمَّن أسَرّا
وأعلِمْه أنّك منه أمِنْتَ / ومن حيث يجهلُ خُذْ منه حِذرا
وأَوْلِ صديقَكَ منكَ الجَمي / لَ مهما أَطقْتَ ولا تَبْغِ شُكْرا
وكثِّرْ قلائلَ إحسانِه / ومهما أساءَ فَلقِّنْه عُذرا
وعاشِرْ أخاكَ بتَرْكِ العِتابِ / ولا تُخْلِقِ الوُدَّ طيّاً ونَشْرا
عليك بتَفْريغِ قلبِ الودودِ / لكي يجدَ الوُدُّ فيه المَقَرّا
ونفسَك أَنفِقْ على النّائباتِ / وخَلِّ صديقَكَ للدّهرِ ذُخرا
وسَدِّدْ سهامكَ واشْدُدْ قُواك / تَجِدْ غَرضاً إنْ قضَى اللّهُ يُسرا
ويأْتي من الحِرْصِ أن رُبّما / نقَضْتَ أُموراً وأَبرَمْتَ أُخرى
فحسِّنْ بجُهْدِك منك اثنتَيْ / نِ للّهِ سِرّاً وللنّاسِ جَهرا
فنفسُك وحْدَك إصلاحُها / عليكَ وإنْ فَسَدَ النّاسُ طُرّا
وسِرْ غيرَ مُلتفِتٍ إنّما / إلى اللّهِ تَخْطو منَ العُمْرِ جِسرا
لك الشُّهْبُ والدُّهْمُ مخلوقَةٌ / فأَحسِنْ بهنّ إليهِ المَفَرّا
وخُذْها وصيّةَ ذي دُرْبةٍ / أَحاطَ بتَجربَةِ النّاسِ خُبرا
ولا تَعْصِ ذا النُّصْحِ في أَمره / وأَنت بنَفْسِك من بَعْدُ أَدرى
أَعاذِلَتا لا تُطيلي المَلا / مَ في مُقْلةٍ من جوىَ القلبِ عَبْرى
فعَينُك سَكْرَى بخَمْرِ الصِّبا / وعَيْنيَ من حَيْرةِ الدّمعِ شَكْرى
ولو كنتُ أَبكي من الدّهرِ حَولاً / على كلِّ يومٍ من العُمْرِ مَرّا
لم أَقضِ به حقه إذ مضَى / ولم أكتسِبْ فيه حَمْداً وأَجرا
ولمّا محا النّاسُ رَسْمَ الجميلِ / سطَرْتُ من العيسِ في البيدِ سَطرا
وآليتُ ألاّ أَرحتُ المَطِيْ / يَ حتّى أُصادِفَ في النّاسِ حُرّا
فكان الرّئيسُ لدينِ الهُدَى / لتلك الأَليّةِ منّي مُبِرّا
وحَبّرتُ غرّاءَ من مِدْحهِ / لأَلْقَي بها منه مَلْكاً أَغَرّا
جعَلْتُ رِكابي وِشاحاً فجا / لَ لمّا جَعلْتُ له البِيدَ خَصرا
وقاسَيْنَ عِشْراً إلى أن ورَدْنَ / صباحاً سَحائبَ كفَّيْهِ عَشرا
أخو الجِدِّ في غُلَواء الخُطو / بِ يَملأُ يومَيْهِ نَفْعاً وضَرّا
وحَكَّمه الدَّهرُ في أَهلِه / إذا شاء ساءَ وإن شاءَ سَرّا
له مَنطِقٌ يَبهَرُ السامِعينَ / ولا غَرْو أن يَلفِظَ البَحرُ دُرّا
وضَمَّ تليدَ العُلا والطّريفَ / فطالَ بنى الدَّهْرِ نَفْساً ونَجْرا
يَنُمُّ به نَفَسٌ للحسو / دِ يَنقَدُّ من كبِدٍ منه حَرّى
ويَكشِرُ عن حَدِّ أَنيابِه / وفي قلبِه مَرَضٌ ليسَ يَبْرا
يكونُ على حِدَةٍ أُمّةً / ويَعدِلُ يومٌ يُرَى فيهِ عُمرا
يُفيدُ النَّدى ويُبِيدُ العِدا / إذا ما الأسِنّةُ أَصبحْنَ حُمْرا
يُصرِّعُ أَشلاءهم في الثّرى / كأنّهمُ يتَساقَونَ خَمرا
وحارَ الورَى في ليالي الخطوب / فشَقَّ مُحيّاهُ للنّاسِ فَجرا
وتُبصِرُ غَيثاً ولَيثاً يَصولُ / غداةَ السّلامِ وبَدْراً وبَحرا
إذا هَمَّ صَمَّم في الكاشحِينَ / كما يَتبَعُ اللّيثُ بالنّابِ ظُفرا
أيا سَيِّدَ الرّؤساء الكبيرُ / أَرَى في عَلائكَ للّهِ سِرّا
نصَرْتَ الهُدَى فَنبِيُّ الهُدَى / يُجازيكَ عن نَصْرِكَ الدِّينَ نَصرا
وجادَلْتَ حتّى أَريتَ الخُصومَ / صِغارَ الكواكبِ في الأُفْقِ ظُهرا
لِتَحصُدَ بالسّيفِ كلَّ امرئٍ / تَعرَّض يَنثُرُ للشّرِّ بَذرا
رعَيْتَ الممالكَ حتّى غدا / فِعالُك والمجدُ عِقداً ونَحْرا
وحتّى كحَلْتَ بشَزْرِ الطِّعانِ / عُيوناً نظَرْنَ إلى المُلْكِ شَزرا
لقد سُدْتَ قبلَ خُلُوِّ الدِّيارِ / منَ الصِّيدِ مَن كنتَ عاصَرْتَ دَهرا
فكيف بكَ اليومَ والأَكرمونَ / غدا منهمُ ظاهرُ الأرضِ قَفرا
غدا مَلِكُ الأُمَراء الكبيرُ / يَهُزُّ بِكَ العِطْفَ تِيهاً وفَخرا
حوَتْ منك يُمناهُ سَيفاً له / رأَى أَثراً يَرتَضيهِ وأُثرا
حساماً بحدَّيْهِ مهما انتَضا / هُ يَكْسِرُ جيشَ المُلِمّاتِ كسرا
فلا زالَ أيّامُه بالفُتوح / مُحجّلةً تَبهَرُ الخَلْقَ غُرّا
فلم تَخْلُ يوماً من اليُمْنِ يُمْنَى / ولم تَخْلُ يوماً من اليُسْرِ يُسرى
فمنذُ رأَى الوجْهُ ذا البِشْرَ مِنْ / كَ كان له الدَّهرَ بالَسّعْدِ بُشْرى
ودُونَكَ فاجْتَلِ بالسّمْعِ منك / أَزُفُّ إليك ابنةَ الفِكْرِ بِكْرا
وإنّي لأَرضاكَ للمَدْحِ كفْوءاً / كريماً وأَرضى بنُعماكَ مَهرا
فأَمضِ على اسْمِيَ إدراريَ ال / قديمَ وأَجْرِ كما كان يُجْرى
وأَستغفِرُ اللّهَ فالحالُ فيه / تَفاوَتَ جِدّاً فيا رَبُّ غَفْرا
وكان زمانُ لئامِ الوُلاةِ / ومَنْ بسوى الشّرِّ لم يُبْقِ ذِكرا
عليهم إذا بَعْدَ حَولٍ أُحِي / لُ لاقيتُ أَمراً من المَطْلِ إمرا
له اسْمٌ يُسمّى ولا جِسمَ كان / كما يَقْبَضُ الرَجُلُ الكَفَّ صِفرا
ولكنْ عليك إذا ما أَحلْتُ / مَلأْتَ ليَ الحِجْرَ بِيضاً وصُفرا
فجَرْياً على عادةٍ في السّما / ح عُوِّدْتَ يا أَعْظَمَ النّاسِ قَدرا
من القَصْرِ جُدْتَ فإنْ تُعطِهِ / بعَسكرَ تَبْنِ من المجدِ قَصرا
وأَنت سحابٌ إذا ما مطَرتَ / عَمَمْتَ لنا القُربَ والبُعدَ قَطرا
فما زلْتُ منذُ مدَحْتُ المُلو / كَ يُولونَني العُرْفَ عَصْراً فعَصْرا
وكانوا بِبَسْطِ ندىً أحرياءَ / وأنت به منهمُ اليومَ أحْرى
وباعُك أطْولُ يومَ الفَخارِ / وخَيلُك في حَلبةِ المجدِ أجرى
وغيَرُك يُغْرَى بكَسْبِ الثَّراءِ / وكسْبُ الثّناء بهِ أنت مُغْرى
سَئمتُ بتُستَرَ طُولَ المُقامِ / فما تَرَكَ الدَّهرُ فيها مَقَرّا
ولكنّها وطَنٌ والطُّيورُ / تَحِنُّ إذا هُنّ خالفْنَ وَكرا
لعَمْري لقد ظَلمَ الحاسِبو / نَ إذ جَعلوا جَزْلَ جدُواكَ نَزرا
وقد وضَعوا اسماً لَها مُحدَثاً / إذا قيلَ إدرارُ رِزقٍ أُدِرّا
فتلك صِلاتُ بها لي تَجودُ / وما هي عندي أداريرُ تُجْرى
ولكنّها مِنَحٌ منك أُقْرَى / بهنّ على مِدَح فيك أَقْرا
أعِنّي على حدَثانِ الزّمانِ / فقد يُسنِتُ الحَيُّ والضَيْفُ يُقْرى
ألم يأْنِ لي مَرّةً أنْ أُراشَ / فَحتّامَ يُنْحَتُ قِدْحي ويُبْرى
وأعقِلُ نَضوي بحَبْل الرّجاءِ / وما زالَ للأملِ النّاسُ أسرى
فدونَك منّي مَديحاً تَراه / يُبارِي النجومَ مَسيراً ومَسْرى
ودُرّاً كما لاح دُرًىُّ نَجمٍ / وشِعراً كما أهدَتِ النّورَ شِعْري
يقولون ما خَربَتْ تُستَرٌ / وفيها كذا تَركَ الدَّهرُ دُرّا
فَعُمّرْتَ ما امتدَّ عُمْرُ الزّمانِ / وفي نِعَمٍ يَتوالَيْنَ تَتْرى
فقد خلَق اللّهُ فِعْلَ الجميلِ / فُؤاداً وأودَعَهُ منك صَدرا