المجموع : 5
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ
ولمّا أَردت طروقَ الفتاةِ / وصاحبني صاحبٌ لا يغارُ
صموتُ اللسان بعيد السّماعِ / فسرِّيَ مُكتَتَمٌ والجهارُ
وَضاق العناقُ فصار الرّداء / لها ملبساً ولباسي الخمارُ
وَما لفّنا كاِلتفافِ الغصونِ / جَميعاً هنالك إلّا الإزارُ
وطاب لنا بعد طولِ البعادِ / رُواء الحديث وذاك الجِوارُ
شَربتُ بريقَتها خَمرةً / ولكنّها خمرةٌ لا تُدارُ
كأنّ الظّلامَ بإشراق ما / أنالَتْ وأعطته منها نهارُ
وَأَثّر في جيدِها ساعدي / وأثّر في جانبيَّ السِّوارُ
فَلو صُبَّتِ الكأس ما بَيننا / لما خرجت من يدينا العُقارُ
وناب منابَ ليالٍ طوالٍ / تقصّر هذي الليالي القصارُ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ
عَرفتُ الدّيارَ كسُحقِ البُرودِ / كأن لم تكنْ لأنيسٍ ديارا
ذَكرتُ بِها نزواتِ الصّبا / بساحاتها والشّبابَ المُعارا
وَقَوماً يَشنّون لا يفتُرو / ن إمّا النُّضارَ وإمّا الغِوارا
أَبَوْا كلّما عُذلوا في الجمي / لِ إلّا اِنبِعاقاً وإلّا اِنفِجارا
أَمِنتُ على القلبِ خوّانةً / تطيع جهاراً وتَعصِي سِرارا
أُقادُ إليها على ضَنّها / ولولا الهوى لملكتُ الخيارا
وقالوا وقد بدَّلَتْ حادثاتُ / زمانِيَ ليلَ مشيبي نهارا
أتاه المشيبُ بذاك الوَقارِ / فقلت لهمْ ما أردتُ الوَقارا
فيا ليت دهراً أعار السّوا / دَ إذ كان يَرجِعه ما أعارا
وَلَيتَ بَياضاً أراد الرّحيلَ / عقيب الزّيارة ما كان زارا
وَمفترشٍ صَهَواتِ الجيادِ / إذا ما جرى لا يخاف العِثارا
تَراهُ قَويماً كصدر القنا / ةِ لا يَطعَمُ الغُمضَ إلّا غرارا
سرى في الظّلام إلى أن أعا / دَ مرآةَ تلك اللّيالي سِرَارا
فَلمّا ثناه جنابُ الأجل / لِ نَفّض عن مَنكِبيهِ الغُبارا
وشرَّد عنه زَماعَ الرّحيل / فألقى عصاه وأرخى الإزارا
مَزارٌ إذا أمّه الرائدونَ / أَبَوْا أن يؤمّوا سواه مزارا
وَمَغنىً إذا اِضطربتْ بالرّجالِ / رحالُ الرّكائب كان القرارا
فَللّهِ دَرُّك من آخذٍ / وقد وُتِرَ المجدُ للمجد ثارا
وَمن جبلٍ ما اِستجار المَروعُ / بهِ في البوائقِ إلّا أَجارا
فَتىً لا ينام على رِيبةٍ / ولا يأخذُ الغَمَّ إلّا اِقتِسارا
وَلا يصطفِي غيرَ سيّارةٍ / مِنَ الذّكرِ خاضَ إلَيها الغِمارا
وَقَد جَرّبوك خِلالَ الخطو / ب عيَّ بهنّ لبيبٌ فحارا
فَما كنتَ للرّمح إلّا السّنانَ / وَلا كنت للسّيف إلّا الغِرارا
وَإِنّك في الرّوع كالمَضْرَحِيِّ / أضاق على الطائرات المطارا
وَكَم لكَ دونَ مليك المُلوك / مقامٌ ركبتَ إليه الخِطارا
وَمُلتبسٍ كَاِلتِباسِ الظّلا / م أضرمتَ فيه من الرّأي نارا
وَكُنتَ اليَمينَ بِتلكَ الشُّغوب / وكان الأنام جميعاً يسارا
وَلَمّا تَبيّن عُقبى الأمورِ / وأسفَر دَيجورُها فَاِستَنارا
دَرى بَعدَ أَن زال ذاكَ المِرا / ءُ مَن بالصّواب عليه أَشارا
وَلَولا دِفاعُك عَمّن تراهُ / رَأَينا أَكفّ رجالٍ قصارا
وَلِي نَفثةٌ بينَ هَذا المديحِ / صبرتُ فلم أُعطَ عنها اِصطِبارا
أَأَدنو إِليك بمحض الوِداد / وتبعُدُ عنّي وداداً وَدارا
وَأُنسى فَلا ذكرَ لِي في المغيبِ / وَما زادَني ذاك إلّا اِدّكارا
وَإنّي لأخشى وَحوشيتَ من / هُ أنْ يحسب النّاسُ هذا اِزوِرارا
وَلَستُ بمتّهِمٍ للضميرِ / وَلَكنّني أَستزيد الجِهارا
وَلَو قَبل النّاسُ عُذر اِمرئٍ / لأوسعتُهم عَن سِواي اِعتِذارا
فَلَيسَ لَهمْ غير ما أبصروهُ / عِياناً وعدّوا سواهُ ضِمارا
وَكانَت جَوابات كتبي تجيئ / إليَّ سِراعاً بفخرٍ غِزارا
فَقَد صرنَ إمّا طوين السّنين / وإمّا وردن خفافا قصارا
وَكيفَ تَخيب صِغارُ الأمورِ / لَدَىْ مَن أَنال الأمورَ الكبارا
وَكمْ لِيَ فيك من السّائرا / تِ أنجد سارٍ بها ثمّ غارا
وَمن كَلِمٍ كنبال المصيبِ / وبيتٍ شَرودٍ إذا قيل سارا
يغنّي بهنّ الحداةُ الرِّكابَ / ويُسقى بهن الطَّروبُ العُقارا
وَأَنتَ الّذي لِمَليك المُلو / كِ صيَّرته راعياً لي فصارا
وَلَمّا بَنيتَ بِساحاتِهِ / أَطلتَ الذُّرا وَرَفعتَ المَنارا
فَلا زِلتَ يا فارجَ المشكلاتِ / تنالُ المرادَ وتُكفى الحذارا
وَهُنّئتَ بالمهْرَجانِ الّذي / يعود كما تبتغيه مِرارا
يَعودُ بِما شِئتَ شوقاً إليك / مراراً وإنْ لم تُعِره اِنتظارا
ولِمْ لا يتيهُ زمانٌ رآ / ك فضلاً لأيّامه وَاِفتِخارا
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي
ذكرتُك في الخَلَوات الّتي / شَننتَ بهنّ عليَّ السّرورا
وكنت لدَيجُورِهِنّ الصّباحَ / وفي سَهَكاتٍ لهنّ العبيرا
فضاقتْ عليَّ سُهوبُ الدّيار / وصارتْ سهولتُهنّ الوعورا
وأظلمَ بينِي وبين الأنام / وما كنت من قبل إلّا البَصيرا
وَطالَ عليّ الزّمانُ القصيرُ / وكان الطّويلُ عليَّ القصيرا
فَها أَنا منك خليّ اليَدين / وفيكَ كليلَ الأمانِي حسيرا
فقدتُك فقدَ الزّمان الحبيبِ / إليَّ وفقدي الشّبابَ النّضيرا
وهوّن رُزءَك مَن لم يُحِطْ / بأنّي أعالجُ منه العسيرا
فَظنّوا وَما عَلِموا أنّه / صغيرٌ وما كان إلّا كَبيرا
فَقُل للّذي في طَريق الحِمامِ / يرعى البدور ويُعلي القُصورا
وَيغفل عَن وَثَباتِ المنون / يَدعن الشّوى ويُصبن النّحورا
إلى كم تظلّ وأنت الطّليقُ / بأيدي الطّماعةِ عبداً أسيرا
إذا ما أريثُ أريثُ الرّحالَ / وأمّا قرِبتُ قربتُ الغرورا
وإن نلت كلّ الّذي تَبتغيه / فَما نِلت إلّا الطفيفَ الحقيرا
وما أخذ الدّهرُ إلّا الّذي / أعاد فكيف تلوم المُعيرا
وَكَم في الأسافلِ تَحتَ الحَضيض / أخامص قَومٍ علون السّريرا
وَكَم ذا صحبنا لأكل التّراب / أناساً ثَوَوْا يلبسون الحريرا
وكم أغمد التّربُ في لحْدِهِ / حُساماً قطوعاً وليثاً هصورا
أُخَيَّ حسينُ ومَن لي بأن / تجيب النّداء وتبدي الضّميرا
عَهدتك تَطرد عنّي الهموم / وتُذكرني بالأمورِ الأمورا
أُخانُ فآخذُ منك الوفاءَ / وأظما فأكرع منك النّميرا
وكم ليلةٍ كنتَ لِي ثانياً / بِظلمائِها مؤنساً أَو سميرا
سَقى اللَّه قبرَك بين القبورِ / سحاباً وَكِيفَ النّواحي مطيرا
تَخال تَراكمه في السّما / ءِ عِيراً بطاءً يزاحمنَ عِيرا
كأنّ زَماجرَه المصعِقاتِ / ضَجيجُ الفحولِ عَزمن الهديرا
تُعَصفرهُ وَمضاتُ البروقِ / فَتحسبه مِن نجيعٍ عصيرا
مجاورَ قومٍ بأيدي البِلى / تمزّقهمْ يرقُبون النّشورا
ولا زال قبرُك من نوره / بجُنحِ الظّلام يضيء القبورا
ولا زلتَ ممتلئ الرّاحتين / نعيماً ولاقيتَ ربّاً غفورا
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ
أتتني كما بُلّغتْ مُنيةٌ / وأدركتُ من طلب الثّأر ثارا
قوافي ما كنّ إلّا الغمام / سقى بعد غُلّتهنّ الدّيارا
إذا ما نُقِدن وُجدن النُّضارَ / وإِمّا كُرعن حُسبن العُقارا
وهنّأنني بأيادي الإمام / كسون الجمال وحُزن الفخارا
لبستُ بهنَّ على مَفْرقي / يَ تاجاً وفي معصميَّ سِوارا
ولو شئت لمّا تيسّرْن لِي / لنالتْ يداي المحيط المُدارا
وما كُنَّ إلّا لِشكٍّ يقيناً / ولُبْسٍ جلاْءً وليلٍ نهارا
وَلِمْ لا أَصول وقد صار لي / شعار إمام البرايا شعارا
ولمّا تعلّق زين القضا / ة قلبيَ صار لمثواي جارا
غفرتُ له هفواتِ الزّمان / وكنّ الكبار فصرن الصِّغارا
ولبّاه منّي الإخاءُ الصّري / حُ حين دعا أو إليه أشارا
فإن تفتخر بأبيك الرّشيد / ملأتَ لنا الخافقين اِفتخارا
وأنّك من معشرٍ خُوّلوا / من المَأثُرات الضّخام الكبارا
يسود وليدهُمُ الأشيبين / ويعطون في المعضلات الخِيارا
تمازج ما بيننا بالودادِ / وعانق منّا النِّجارُ النِّجارا
ونحن جميعاً على الكاشحين / فكنتَ السّنانَ وكنّا الغِرارا
فخذها تطول قِنانَ الجبال / وإن كنّ للشّغل عنها قصارا
ولا زلتُ فيك طوال الزّما / ن أُعطي المرادَ وأُكفى الحِذارا
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ
ألا حبّذا زمنُ الحاجرِ / وإِذ أنَا في الورق النّاضرِ
أُجرّر ذيل الصّبا جامحاً / بلا آمرٍ وبلا زاجرِ
إلى أنْ بدا الشّيبُ في مَفرقي / فكانت أوائله آخري
وزَوْرٍ تخطّى جَنوبَ المَلا / فناديت أهلاً بذا الزّائرِ
أتاني هدوّاً وَعينُ الرّقي / ب مطروفةٌ بالكرى الغامرِ
فأعجب بهِ يُسعف الهاجعينَ / وتُحرمه مُقلةُ السّاهرِ
وعهدي بتمويه عين المحبّ / تنُمُّ على قلبه الطّائرِ
فَلَمّا اِلتَقينا برغم الرّقا / دِ مَوّه قلبي على ناظري
وبيضُ العوارضِ لمّا برز / ن برّحن بالقمر الباهرِ
يُعِرْن الحليمَ خُفوفَ السّفيهِ / ويحلُلْن عَقْدَ الفتى الماهرِ
وفيهنّ آنسةٌ بالحديثِ / وفي البذل كالرَّشأِ النّافرِ
بطَرْفٍ فَتورٍ ويا حَرَّما / بقلبيَ من ذلك الفاترِ
ويا عاذلي لو تذوق الهوى / لكنتَ على حبّها عاذري
تلوم وقلبُك غيرُ الشجيِّ / ألا ضلّ أمرُك من آمرِ
أقول لركبٍ أرادوا المسير / وقد أخذوا أُهْبَةَ السّائرِ
وَقَد وَقَفوا مِن لَهيبِ الوَداعِ / على حرِّ مستعرٍ فائرِ
فَمِن مَدمعٍ جامدٍ للفِراق / وآخرَ واهي الكُلى قاطرِ
إِذا ما مَرَرتمْ عَلى واسِطٍ / فَعوجوا عَلى الجانِبِ العامرِ
وَأَهدوا سَلامي إلى غائبٍ / بها وهْوَ في خاطري حاضري
إلى كم أسوّف منه اللقاءَ / وكم أرتدي بُردةَ الصّابرِ
وقد ضاق بي مُذ نأيتَ العراقُ / كما ضاق عِقْدٌ على شابرِ
كأنِّيَ لمّا حماك البِعا / دُ عَن ناظرَيَّ بلا ناظرِ
وَإِنّيَ مِن فَرْطِ شَوقي إليك / ووجدي كسيرٌ بلا جابرِ
كئيب الضّمير وإن كنت بالت / تجلّد مبتسمَ الظّاهرِ
ويُحسَبُ بين الضّلوع الفؤاد / وقد طار في مِخْلَبَيْ طائرِ
فيا لك من مُجرِمٍ مُسْلمٍ / تغيّب عنه شبا النّاصرِ
ومن واترٍ ظَفِرَتْ عنوةً / بأثوابه قبضةُ الثّائرِ
ولولا الوزيرُ ابنُ حَمْدٍ لَما / سألتُ وصالَ امرئٍ هاجرِ
وَما كنتُ إلّا قَليلَ الصّدي / قِ في النّاس كالضّيغمِ الخادرِ
أيا من تملّك منّي الفؤا / دَ حوشيتَ من سُنّةِ الجائرِ
وَيا نافِعي بِزمانِ الوِصا / لِ لِمْ عاد نفعُك لي ضائري
تفرّدتَ بي دون هذا الأنام / وشورِكتُ في قَسْمِكَ الوافرِ
ومن عجبٍ أن يرومَ البطيءُ / عَن الودّ منزلةَ الباكرِ
وقد علم القومُ إذْ وازنو / ك أين الجَهامُ من الماطرِ
وأين الحضيضُ من الفرقدين / وأين الخبيث من الطّاهرِ
وإنّك وحدَك في ذا الزّما / ن تستنتج الفضلَ من عاقرِ
وتصبو على نفحاتِ الخطو / ب سمعاً إلى منطق الشّاكرِ
أهزّك بالشّعر هزَّ الشّجا / عِ يومَ الوغى ظُبَتَيْ باترِ
وأمري وصالَكَ بالنَّاظماتِ / سموطاً على مَفرَقِ الفاخرِ
وأعلمُ إنْ كان غيري لدي / ك كالجَفْن إنِّي كالنَّاظرِ
ولستُ إذا فُتَّنِي ثمّ نلتُ / جميع المنى لستُ بالظّافرِ