القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : محمد مهدي الجواهري الكل
المجموع : 3
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ
طوى الموتُ ربَّ القوافي الغُرَرْ / وأصبحَ شوقي رهينَ الحُفَرْ
وأُلقِيَ ذاكَ التُّراثُ العظيمُ / لِثقلِ التّراب وضغطِ الحَجر
وجئنا نُعزّي به الحاضرين / كأنْ لم يكنْ أمسِ فيمن حضر
ولم يُنتجِ السُوَرَ الخالداتِ / من المُلحقاتِ بأمِّ السُّوَر
من اللاَّءِ يهتزُّ منها النديُّ / ويُطربُ إيقاعُهُنَّ السَّمر
برغمِ الشُعورِ يشُلُّ البِلى / لسانَكَ أو يعتريكَ الكدَر
وأن يقطعَ الموتُ ذاك النشيدَ / وأن يأكلَ الدودُ ذاكَ الوتَر
وأنَّا نعودُ بنفضِ الأكفِّ / عنكَ وأنتَ العظيمُ الخَطَر
فيا لكِ من عِبرةٍ يُستفزُّ / منها على كثرةٍ في العِبَر !
زمانٌ وفيٌّ بميعادهِ / فظُلماً يقالُ ليالٍ غُدُر
كما يُقْرعُ " الجَرْسُ " للناشئينَ / تأتي إلى الناس منه النُّذُر
ولكن يُريدُ الفتى أنْ يدوم / ولو دامَ سادَ عليه الضجر
ويأبى التنازعُ طولَ البقاء / وتأباهُ بُقْيا نفوسٍ أُخر
وقد يُهلكُ الناسَ فردٌ يعيشُ / حيناً فكيف إذا ما استمر!
فلّلهِ من شارعٍ لم يَعُقْهُ / حكمُ الضرورةِ أو ما ندَر
سواءٌ صليبُ الصفا والزجاجِ / كسراً بكفِّ القضا والقدَر
وبالدهرِ في الناسِ مثلُ الجُنون / فليس يُبالي بمنْ ذا عثر
وحتمٌ على الخفرِ الآنسات / والوحش حشرجةُ المْحْتَضَر
تجيءُ إلى الصدرِ تحتَ الحرير / كجيئتها الصدرَ تحتَ الوَبر
وكلُّ الفوارقِ بينَ اللغاتِ / وبينَ الطباعِ وبينَ الأْسَر
سيُوقِفها للردى زائرٌ / ثقيلُ الورودِ بغيضُ الصَّدر
فيا صُفرةَ الموتِ إنَّ الوجوهَ / تَساوى بها صَلَفٌ أو خَفَر
تحَيْرتُ في عِشةِ الشاعرين / أتَحْلو خُلاصتُها أم تَمَرّ
فقد جارَ " شوقي " على نفسهِ / وقد يقتُلُ المرءَ جَورُ الفِكَر
على أنَّه لم يعِشْ خالداً / خلودَ الجديدَينِ لو لم يَجُر
تتبَّعْتُ آثارَ " شوقي " وقد / وقفتمْ على من يقصُّ الأثر
لقد فاتَ بالسبقِ كلَّ الجيادِ / في الشعر هذا الجوادُ الأغرّ
ترسَّلَ لم يَرْتَبِكْ خَطوُهُ / عناءً ولا نال منه البَهَر
" شَكِسْبيرُ " أُمَّتِهِ لم يُصِبْهُ / بالعِيِّ داءٌ ولا بالحَصَر
وإن أصدُقَنَّ " فشوفي " لهُ / عيونٌ من الشعرِ فيها حَوَر
تعرَّضه من طلاءِ البيانِ / ومن زِبْرِج اللفظ دربٌ خطِر
ولو خافَ مثلَ سِواه العُبُور / لخابَ وزلَّ ولكنْ عَبَر
تمشَّى لمصطلحاتِ البديع / مُندسَّةً في البيانِ النَّخِر
فأفرغها من قوافيهِ في / قوالبَ مرصوصةٍ كالزُّبُر
فجاءَتْ كأنْ تنَلْها يدٌ / خلافَ يدِ الماهرِ المقتدِر
يُذلِّلُ من شارداتِ القريضِ / ما لو سِواهُ ابتغاهُ لَفَر
ويستنزلُ الشِعَر عذبَ الرُّواءِ / كصوبِ الغمامةِ إذْ ينحدِر
يُمَيِّزهُ عن سِواه الذَّكاءُ / وطولُ الأناةِ وبُعدُ النظَّر
وتبدو الرجولةُ في شِعره / منزَّهةً من صعىً أو صَعر
وفي كِبَرِ النَّفْس مندوحةٌ / عن الكبرِ شأنُ الضعاف الكبر
ولم يتخبَّثْ بهُجْر الكلام / ولم يتصيَّدْ بماءٍ عكر
وديوانُ " شوقي " بما فيه من / صنوفِ البداعةِ روضٌ نضر
فبيتٌ يكادُ من الارِتياحِ / واللطفِ من رِقَّةٍ يُعتْصَر
وبيتُ يكادً من الاِندفاعِ / يقدحُ من جانبيهِ الشَّررَ
وبيتٌ كأنَّ " رُفائيلَ " قد / كساهُ بكفَّيْهِ إحدى الصُوَر
تُحِسُّ الطبيعةَ في طيَّةِ / تَكشَّفُ عن حُسنها المستتر
كأنَّكَ تسمعُ وقعَ النَّدى / بتصويرهِ أو حفيفَ الشَّجر
وبيتٌ ترى " مصرَ " أسيانةً / تُناغي به مجدَها المندثر
ففي مصرعٍ يومُها المبتلى / وفي مرعٍ أمسُها المزدهر
و"فرعونُ " إذ ينطوي مُلْكُهُ / و " فرعونُ " في القبرِ إذ يَنْتَشِر
وديوانُ " شوقي " يُجِدُّ الشبابَ / لتأريخِ أُمتَّهِ المُختَصَر
ولولا المغالاةُ قلتُ : انطوى / بمنعاهُ عُنوانُها المُفَتخَر
فيا نجلَ مصرَ وفَتْ برَّةً / بذكراكَ مصرُ وأنتَ الأبَّر
مئاتُ الصحائفِ مسودةٌ / مُجلَّلةٌ بمئاتِ الصُور
ظهرتَ بها وجناحُ البيانِ / مهيضٌ وأسلوبُه مُحتقر
بقايا من الكَلِمِ الباقياتِ / تناقَلَها نفرٌ عن نفر
ولفظٌ هجينٌ ثوَتْ تحتهُ / معانٍ لِقلَّتها تًحتكر
وحسبُكَ من حالةٍ رثَّةٍ / بفرطِ الجمودِ لها يعتذر!
فكنتَ وعِلَّتها كالطبيبِ / يُنْعش جسماً عراهُ الخَوَر
تُعَلِّمُها أنَّ للعبقريِّ / حكْماُ مُطاعاً إذا ما أمر
وأنَّ القوافي عِبِدَّى له / يُفَرِّقُ أشتاتَها أو يَذر
يصوغُ المعاني كما يشتهي / ويلعبُ باللفظِ لعبَ الأكر
" عُكاظُ " من الشعر تحتلّهُ / ويرعاهُ " حافظُ " حتى ازدهر
تلوذُ الوفودً بساحَيْكمُا / وتأتيهِ من كلِّ فجٍّ زُمر
تُبَجَّلُ فيه مزايا الشُعور / على حينَ في غيرهِ تًحتَقَر
وتًنسى الضغائنُ في ساحةٍ / بها كلُّ مكرُمةٍ تُدَّكر
وأنت كصمصامةٍ مُنتضىً / و حافظُ كالأبلقِ المشتَهَر
تمشَّى بإثْركَ في شِعره / وماتَ وأعقبتَهُ بالأثر
بقدْرِ اختلافِكما في النُبوغِ / كانَ اختلافُكما في العُمُر
فلا تَبعُدا إن شأنَ الزمانِ / أنْ يُعقِبَ الصفوُ منه الكَدَر
عزاءُ الكِنانة أنَّ القريضَ / تأمَّرَ دهراً بها ثمَّ فَر
بنجمينِ كانت تباهي السما / وما في السما من نجومٍ كُثُر
بشوقي وحافظَ كانت متى / تُنازلْ بمعركةٍ تَنتصِر
فها هي قد عَريتْ منهما / وها هي من وحشةٍ تَقْشَعِر
فلا تحسبنْ أنَّ طولَ البكا / يذودُ الأسى او نِثارَ الزَهر
خسرناكَ كنزاً إلى مثلِهِ / إذا أحْوَجَتْ أزمةٌ يفتقر
وما كنتَ من زمنٍ واحدٍ / ولكنْ نِتاجَ قُرونٍ عُقُر
مضى بالعروبةِ دهرٌ ولمْ / يَلُحْ ألمعيٌّ ومرت عُصُر
وإن النُبوغَ على ما يُحيطُ / بعيشِ النوابغِ أمرٌ عَسِر
يثيرُ اهتماماً أديبٌ يجد / كما قيلَ نجمٌ جديدٌ ظهر
قرونٌ مضتْ لم يسُدِّ العراقُ / مِن المتنبي مكاناً شَغَر
ولم تتبدلْ سماءُ البلادِ / ولا حالَ منها الثَّرى والنَّهر
ولم يتغيرْ عَروضُ الخليل / ولا العُربُ قد بُدلّوا بالتَتر
ولكِنَّما تُنْتُجُ النابهينَ / من الشاعرينِ دواعٍ أُخَر
فإنْ فُقدَتْ لم يشعَّ الأريبُ / إلا ليخبو كلمحِ البَصَر
هجرتَ الديارَ فقلتُ العفا
هجرتَ الديارَ فقلتُ العفا / لربع السُّرور وزُوارِهِ
وبتُّ بليل لفرط الأسى / كَلَيل الضجيع على ناره
وظل يحن فؤاد المشوق / لذكر الحبيب وأخباره
تفيض دُموعي بتَذكاره / زماناً تَقَضّى بأوطاره
ولوبِنتَ – لا بنتَ – عن ذا المحيط / لضاق عليَّ بأقطاره
أطلت المُقام ألا عودةٌ / تحيي " الغريَ " بأنواره
لعمري أساء اليك الصنيع / زمان يُشاب بأكداره
كذا الدهرُ كم حاز من خامل / وحرٍ تصدى لأفكاره
علوت على موجه بعدما / تحداك عارم تياره
تنُم بطيب شذاك البلاد / كما الروضُ فاح بأزهاره
بعيشك شاطر فؤادي الهموم / فقد ضاق صدري بأسراره
فمثلك يُنهِضُ قطرَ العراق / ويَجْمَعُ أشتات أحراره
فلا تحرِمِ الشرقَ من مقولٍ / تروع عداه ببتاره
دُعُوا ودُعيتَ لنظم القريض / فكنت َ السَّبوقَ بمضماره
فهل أنت تغنَمها فُرصةٍ / فتُنهِضَ قطركَ من عاره
حذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ
حذِرتُ وماذا يُفيد الحذرْ / وفوقَ يميني يمينُ القَدَرْ
ومما يهوِّن وقَع الحِمام / أن ليس للمرء منه مفر
يُوَقِّعُ ما شاء عُودُ الزمان / ويبكي ويضحك منه الوتر
" فيومٌ علنا ويوم لنا / ويوم نُساء ويوم نُسر "
تعشقتُ من " عمرٍ " قوَلهُ / وكم حكمة في معاني عمر
أرى دهرنا مسرحاً كلُّنا / نروح ونغدو به كالصُّور
اقول وقد قيل جاء البريد / ينث اليك بهذا الخبر
عجِيب له كيف لم يوِهِه / فقالوا صدقتَ لهذا عثر
عَرَفت الكتاب بمضمونه / يُحَدّث : أن اليراع انكسر
خليليَّ ما انتما صانعان / بدمعٍ ترقرق ثم انحدر
تحير بين النُّهى والهوى / فهذا نَهاهُ وهذا أمر
هلُّما ننوح على دوحةٍ / ذوى الأصل منها وجفَّ الثمر
ولا ترغبا في اعتذار الزمان / متى زلَّ دهرُكُما فاعتذر
وهِّونَ من حُرقتي أن أرى / دَمَ الناس عند الليالي هدر
حَلَفْتُ لقد كنتَ عفَّ اللسان / وعف اليدين وعف النظر
جَنانُك لا تعتليه الشكوك / ونفسُك لا يزدهيها البَطَر
شباب مضى كنَتَ برّاً به / وشيخوخةٌ كنت فيها أبر
فلم تدر في صِغَر ما الصَّغار / ولم تدر ما الكِبْرُ عند الكِبَر
ونفسُك للنفع مخلوقة / فلو رُمت لم تدر كيف الضرر
لقد جلَّ خطبك عن أن يقاس / بما خلَّفته خُطوب أُخر
فتلك يُلامُ بها جازع / وهذا يلام به من صبر
بكيتُكَ للعلم مَحَّصْتَهُ / وابرزته نافعاً مختصر
كتاب ابيك ومن ذا يعيد / عليه وقد رحت عنه النظر
وللنفس تزهَد في عاجل / وترغب في الآجل المدخر
لفقد صيامك يبكي النهار / ويبكي لفقد القيام السحر
بكيتك للبيت عالي العماد / فخاراً نُعيِت اليه فَخَر
تعطَّل من حَلْيهِ جيدهُ / وعِقدُ الجواهر منه انتثر
رأيت من الناس ما دونه / يُفَلُ الحديد يُفَتُ الحجر
نُسيتَ لأنكَ رُمت الآله / وغيرُك رام الورى فاشتَهر
وعافتك دنياكَ إذ عِفتها / وما بك لو رُمتها من قِصَر
وأعظمُ ما جرّ خطب الزمان / ملائكةٌ تُبلى بالبشر
ثمَانينَ في الله قضيّيْتَها / ستُظْهر من فاز ممن خسر
على قدر ما اختلف الواردون / يكونَ اختلافهُمُ في الصَّدَر
ولو نَفَعتْ عِبرةٌ في الورى / لكانت حياتك أمَّ العبر
لقد كلمتك خطوب دهت / لو الصخرُ كابدهنَّ انفطر
شبابان كنا بلطفيهما / نباهي الخميلة أُمَّ الزهر
فقدتَهما لم يكن بين ذا / وذلك إلا كلمح البصر
أتعلم إذ شيعت نعشَه / لمن ذا تُشيِّع هذي الزمر
وهل عَرَف الموت إذ غاله / بما أيِّ عِلْقٍ نفيس ظفِر
ولو كنتَ تُرثى كما ينبغي / لكنت الجدير بأم السُّور
ولكن على قدْر ما أستطيعُ / أتيت أقابل طوداً بِذر
وما أنا إلا مُسئٌ أقر / وما أنت الا كريمٌ عذر
هو الحزن نَمَّ عليه البيان / أو الجمرُ نمَّ عليه الشرر
رأيت الهموم نَتاجَ الشعور / فلا يْفَرَحنَّ امرؤٌ عن شعر
ودونَ القصيد الذي تقرأون / اذا جاشت انفس وخزُ الابر
وما المرءُ إلا بآثاره / وذكرك بالخير نعم الأثر
أبا حسنٍ يا جواد النَّدى / اذا المَحْلُ عمَّ وصِنوَّ المطر
ويا نابغاً حينَ جَفَّ النُّبوغ / وضلت عن الفكر أهلُ الفكر
يَهشُّ لك السمع قبل العِيان / وتشتاقك البدو قبل الحضر
فلا تجزَعنْ نِعم عُقبى الفتى / تَحَّملُ ما لم يُطِقْ فاصْطَبر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025