تَأَمَّلَ في أَمسِهِ الدابِرِ
تَأَمَّلَ في أَمسِهِ الدابِرِ / فَكادَ يُجَنُّ مِنَ الحاضِرِ
أَهاجَ التَذَكُّرُ أَشجانَهُ / وَكَم لِلسَعادَةِ مِن ذاكِرِ
فَتىً كانَ أَنعَمَ مِن جاهِلٍ / فَأَصبَحَ أَتعَسَ مِن شاعِرِ
أَضاعَ الغِنى وَأَضاعَ الصِحابَ / وَرُبَّ مَريضٍ بِلا زائِرِ
وَيا طالَما أَحدَقوهُ بِالفَتى / كَما تُحدِقُ الجُندُ بِالظافِرِ
فَلَمّا اِنقَضى مَجدُهُ أَعرَدوا / وَما الناسُ إِلّا مَعَ القادِرِ
وَما الناسُ إِلّا عَبيدُ القَوي / فَكُن ذاكَ أَو كُن بِلا شاكِرِ
أَشَدُّ مِنَ الدَهرِ مكراً بَنوهُ / فَوَيلٌ لِمَن لَيسَ بِالماكِرِ
فَكُن بَينَهُم خاتِلاً غادِراً / وَلا تَشتَكِ الغَدرَ مِن غادِرِ
تَعيسٌ تُعانِقُهُ النائِباتُ / عِناقَ الحَبائِلِ لِلطائِرِ
كَثيرُ الهُمومِ بِلا ناصِرٍ / كَسيرُ الفُؤادِ بِلا جابِرِ
قَضى لَيلَهُ ساهِياً ساهِراً / إِلى كَوكَبٍ مِثلَهُ ساهِرِ
يُفَتِّشُ عَن آفِلٍ في الثَرى / وَما كانَ في الأُفقِ بِالسافِرِ
وَتَاللَهِ يُجدي فَتىً بائِساً / كَلامُ المُنَجِّم وَالساحِرِ
وَلَمّا تَوَلَّت دَراري السَماءُ / وَغابَ الهِلالُ عَنِ الناظِرِ
بَكىثُمَّ صاحَ أَحَتّى النُجومُ / تَصُدُّ عَنِ الرَجُلِ العاثِرِ
إِلى ما أُعانِدُ هَذا الزَمانَ / عِنادَ السَفينَةِ لِلزاخِرِ
وَأَدعو وَما ثَمَّ سامِعٍ / وَأَشكو وَلَكِن إِلى ساخِرِ
وَأَرجو الوَفاء وَتَأبى النُفوسُ / وَأَنّى الوُلاةُ لِلعاقِرِ
سَإِمتُ الحَياةَ فَلَيتَ الحِمامَ / يُعيدُ إِلى أَصلِهِ سائِري
فَتَنطَلِقُ النَفسُ مِن سِجنِها / وَيُسجَنُ تَحتَ الثَرى ظاهِري
وَزادَ سَوادَ الدُجى يَأسَهُ / وَقَد كادَ يُسفِرُ عَن باهِرِ
فَشاءَ التَخَلُّصَ مِن دَهرِهِ / الخَأون وَمِن عَيشِهِ الحاذِرِ
فَأَغمَدَ في صَدرِهِ مُديَةً / أَشَدُّ مَضاءً مِنَ الباتِرِ
وَكَم مِثلَهُ قَد قَضى نَحبَهُ / شَهيدَ التَأَمُّلِ في الغابِرِ