تَيَقّظ فما أنت بالخالد
تَيَقّظ فما أنت بالخالد / ولا حادث الدهر بالراقد
فخلّد بسعيك مجداً يَدو / م دوام النجوم بلا جاحد
وأبقِ لك الذكر بالصالحا / ت وخلّ النُزوع إلى الفاسد
ورِدْ ما يُناديك عنه الصُدُور / ألا دَرّ درّك من وارد
وسِر بين قومك في سِيرة / تُميت الحُقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يَدّعي / فتأتي أعاديه بالشاهد
ولاتك مُرمىً بداء السكو / ن فتُصبحَ كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلا حُوَّلاً / تفَنَّنُ في سيره الراشد
إذا أطّردت حركات الحيا / ة ومرّت على نَسَق واحد
ولم تتنوَّع أفانينها / ودامت بوجهٍ لها بارد
ولم تتجدّد لها شَمْلة / من السعي في الشرف الخالد
فما هي إلاّ حياة السَوا / م تجول من العيش في نافد
وما يُرتَجَى من حياة امرىءٍ / كماءٍ على سَبْخة راكد
وليس له في غُضون الحيا / ة سوى النفَس النازل الصاعد
يغُضّ على الجهل أجفانه / ويرضَى من العيش بالكاسد
فذاك هو المَيْت في قومه / وأن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلاّ فتىً يَغْتدي / إلى العلم في شَرَك صائد
سعى للمعارف فأختازها / وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها / بعَين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيّها / وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدا / رَ وشَمَّر للسعي عن ساعد
فكان المُجَلِّيَ في شَأوِهِ / بعزم يشُقّ على الحاسد
وأن بات بات على يقظةٍ / بطَرف لنجم العلا راصد
وأحدث مجداً طريفاً له / وأضرب عن مجده التالد
وما الحُمق إلاّ هو الأتّكا / ل على شرف جاء من والد
فذاك هو الحيّ حيّ الفَخا / رِ وأن لَحَدَتْه يد اللاحد
ماذا على الناس لو أصغت مسامعهم / للشعر أنشده في النصح للناس
تاللّه لو خُلقُوا كالصخر لا نصدعُوا / بما أقول انصداع الصخر بالفاس
لكنّهم أخذت في الخلق طينتهم / من طينة ذات أقذار وأدناس
لو أرسل اللّه جبريلاً لساحتهم / لما أتى غير مصحوب بكنّاس
ولو أراد دخولاً في جوانحهم / لكي يقيس الخنى فيها بمقياس
لشمّر الثوب عن ساقَيْه منكمشاً / وسدّ منخره قطعاً لأنفاس
وراح يدخل في مستنقع حَمِىٍء / وينهوي في مساويهم بديماس
وعاد يضحك من إبليس كيف غدا / مستهتراً عَبَثاً فيهم بوَسواس
أذ هم على الشرّ في الأخلاق قد جبلُوا / فلا احتياج لهمّاز وخنّاس
وصار يعذر إبليساً على أنَفٍ / من سجدة لأبيهم ذلك الناسي
لذاك لم يُجد نفعاً ما نصحت لهم / ولو ملأت بنصحي ألف كُرّاس
وكيف ينفع نفح الطيب منتشراً / من بات مُنجدِ لاً في جَوف كِرياس