بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا
بِرَبِّكَ ماذا أَصابَ البِلادا / فَما تَنظُرُ العَينُ إِلّا حِدادا
فَوَيحَ القُلوبِ وَوَيحَ العُيونِ / لِحُزنٍ تَوالى وَخَطبٍ تَمادى
فَقَدنا الظَهيرَ فَقَدنا النَصيرَ / فَقَدنا المُجيرَ فَقَدنا العِمادا
فَقَدنا المَضاءَ فَقَدنا الوَفاءَ / فَقَدنا الإِباءَ فَقَدنا السَدادا
فَيا لَكَ خَطباً يَهولُ النُفوسَ / وَيَأبى عَلى الدَهرِ إِلّا اِشتِدادا
وَيا طولَ وَجدي عَلى أُمَّةٍ / أَساءَ الزَمانُ بِها ما أَرادا
إِذا أَنجَبت رَجُلاً عاجَلَتهُ / يَدُ المَوتِ تُفجِعُ فيهِ البِلادا
سَلامٌ عَلى راقِدٍ لَم يَكُن / لِيَهوى القَرارَ وَيَرضى الرُقادا
وَأَدنى العُيونِ مِنَ النَومِ عَينٌ / تُميتُ طِوالَ اللَيالي سُهادا
فَإِن يَستَرِح جِسمُهُ في الثَرى / فَذَلِكَ مِمّا أَطالَ الجِهادا
جِنايَةُ نَفسٍ لَو اِستودِعَت / ذُرى شاهِقٍ مُستَقِرٍّ لَمادا
وَإِنَّ النُفوسَ مَطايا الجُسومِ / إِلى المَوتِ لَو نَستَبينُ الرَشادا
فَأَمّا الشِدادُ فَتَمضي سِراعاً / وَأَمّا الضِعافُ فَتَمشي اِتِّئادا
وَإِنَّ حَياةَ الفَتى كَالثَراءِ / يُصَرِّفُهُ سَرَفاً وَاِقتِصادا
فَهَذا يُؤَخِّرُ مِنهُ البَقاءَ / وَهَذا يُعَجِّلُ مِنهُ النَفادا
نَظُنُّ الحَياةَ دَماً جائِلاً / وَروحاً تَقينا البَلى وَالفَسادا
وَما هِيَ إلّا حِسانُ الفِعالِ / تُفيدُ البِلادَ وَتُجدي العِبادا
فَلا رَحِمَ اللَهُ إِلّا اِمرَأً / يُجيبُ نِداءَ العُلا إِذ يُنادى
يَخوضُ إِلَيها جِسامَ الأُمورِ / وَيَقتادُ فيها الصِعابَ اِقتِيادا
وَلَو أَبصَرَ المَوتَ مِن دونِها / لَما رامَ عَن جانِبَيها اِرتِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن كَوكِبٍ / أَحالَتهُ أَيدي المَنايا رَمادا
كَأَنّي بِهِ يَستَثيرُ القُبورَ / وَيَبعَثُ فيها الحَياةَ اِجتِهادا
كَأَنّي بِأَيدي البِلى واهِناتٍ / تُمارِسُ مِنهُ خُطوباً شِدادا
عَزاءً بَني مِصرَ عَن فَقدِهِ / وَضَنّاً بِشِرعَتِهِ وَاِعتِدادا
وَلا تَتَعادَوا فَإِنَّ الشُعوبَ / تَموتُ اِنقِساماً وَتَحيا اِتِّحادا