أرِقْتُ وصَحْبي بنَجْدٍ هُجودُ
أرِقْتُ وصَحْبي بنَجْدٍ هُجودُ / وأيدِي الرّكائبِ وَهْناً ركودُ
لبَرْقٍ تَبَسَّمَ فاستَعْبَرتْ / جُفوني وحَنَّ الفؤادُ العَميد
كأنّ تَلألُؤه في الظّلامِ / إذا لاحَ ثَغْرٌ لسلْمَى بَرود
دنا ضوءه فَسَما ناظري / إليه وسُقْياهُ منّا بَعيد
فمَنْ بالأجارعِ من وَمْضِه / مَشوقٌ ومَن بالمَطالي مَجود
وما ضَرَّ صحبي سنا بارقٍ / إذا ضَنَّ ما دام عَينَي تَجود
وشَوْقٌ نحَرتُ له مُقْلتي / بُكاءً لأنْ عادَني منه عِيد
ومن دونِ فاتنةِ البِيضِ بيِضٌ / ومن دونِ ساكنةِ البيدِ بِيد
فللّهِ قومٌ على نَأْيِهم / لهم من هَوايَ ذِمامٌ وكيد
نأىَ النّومُ عَنّىَ لمّا نأوا / وأقْسمَ لا عادَ حتّى يَعودوا
وقد بُدّلَ الوحشُ بالآنِسا / تِ يومَ غدا الظّعنُ منهم زَرود
فظَبياً يُراعُ بظَبيٍ يَروعُ / وخِشْفاً يُصادُ بخِشْفٍ يَصيد
نظرتُ إلى السِّرْبِ لمَّا نَصبْنَ / إلى الرَّكبِ أَجيادَها وهْي غِيد
فكم قلتُ للعَيْن أَين النقابُ / وكم قلتُ للجيدِ أَين العقود
فيا راكباً يتَخطّى الفلاةَ / به في الصباحِ نَجاةٌ وخُود
إذا ما بلُغْتُ الحِمى سالماً / وحُطَّتْ لِنضْوِك فيه القُتود
فَبلَّغْ سَلاميَ بَدْرَ الخيا / مِ يَكْسِفُه نأْيُه والصُّدود
بآيةِ ما قال يومَ الرَّحي / لِ مَرْعِيَّةٌ للخليلِ العهود
ولمَّا وقَفْنا غداةَ الوداعِ / وقِيدتْ لتظْعَن بالحيّ قُود
بكَى وتَنفَّس خوفَ الفِراق / فأسلَم عِقدَيْهِ جَفْنٌ وجِيد
كأنَّ الذي خلَعتْه النٌّحو / رُ من لُؤْلُؤٍ لَبِستْه الخُدود
رمانيَ عن عَطْفَةِ الحاجبَيْنِ / بطَرْفٍ كليلٍ شَباهُ حَديد
من النَّبْلِ يَملأ منه القلوبُ / جِراحاً وتَسلَمُ منه الجلود
أَفاتنةَ العينِ كم قد رمْيتِ / فَصِيدَ وسَهْمُكِ في القوسِ صِيد
كحضرة مَولَى الورى إذ تظَلُّ / ومن شَرف الدّينِ فيها سَديد
مُقيمٌ ولم تَخْلُ يوماً له / تَهائمُ من أَثَرٍ أو نُجود
مُصِيبٌ لأغراضِ مَن يَرتَجيه / يُشير فَيْقرُبُ منه البَعيد
فلا زال منها بهذا المحَلْ / لِ تَبدأُ آلاؤه أو تَعود
ولا خاب إلاّ جَهولانِ منه / عَدُوُّ يُكايِدُه أو حَسود
فتىً زانَهُ بأْسُه والسَّماحُ / ومَجَّده نَفْسُه والجُدود
لياليهِ بِيضٌ من المكرماتِ / وأيّامُ قَومٍ من اللٌّؤْمِ سُود
فقد ساد قبلَ خُلُوِّ الدّيارِ / وأَهْوِنْ بمَنْ حين تَخْلو يَسود
تَحُلُّ من المُلْكِ في وَسْطهِ / لأنّك في كُلِّ فَضْلٍ وَحيد
ومُزْدَوِجٌ كُلُّ دُرِّ النّظامِ / وواسِطةُ العِقْدِ فيه فَريد
ومَن حَلَّ فوقَ مَحلِّ النُّجومِ / فلا شَيْءَ يَنقُصه أو يَزيد
وتَكْبُرُ عَمّا به يَكْبُرون / فما لكَ في يَومِ فَخْرٍ نَديد
وما قَلَّ عنك يَقِلّونَ عنه / إذا ضُرِبَتْ للأُمورِ الحُدود
يَعُدُّ لكَ المُلْكُ أيّامَكَ ال / حسان على حين قلّ العديد
وكم قمت بالرّأي من دونه / مقاوم ما شهدته الجنود
متى تدّع السّبق في نصره / فتلك اللّيالي عليه شهود
فدام ودمت ولا زلتما / قرينين في العزّ ما اخضرّ عود
وللهِ ذو كرَمٍ لم يَزَلْ / تَناهَبُ ما في يدَيْهِ الوُفود
يَقي ديِنَه ويَقِي عِرْضَهُ / منَ الذَّمِّ طارِفُهُ والتّليد
وتُطبَعُ للمُلْكِ من رَأيْهِ / صَوارِمُ ما تَحْتويها غُمود
ويا رُبَّ ذي لَجَبٍ أرْعَنٍ / له عَارِضٌ بالمنايا يَجود
كثيرٌ به للسُّيوفِ البُروقُ / كثيرٌ به للقِسيِّ الرُّعود
ثنَيْتَ بسطْرَيْنِ ممّا كتَبْت / فظَلَّ الكتائبُ عنه تَحيد
يَراعُكَ من قَبْلِ أن يُجْتَنى / تُراعُ له في الغِياضِ الأُسود
إلى شَرَفِ الدّينِ سارَتْ بنا / وتَشْرُفُ عند المَوالي العَبيد
ظَوامِئُ منه إلى مَنْهَلٍ / زَمانِيَ قد كان عنه يَذود
فما جاء سَوْقٌ شديدٌ بها / ولكنّ ما جاءَ شَوقٌ شَديد
لقِينا حوادثَ مِن دَهْرِنا / تكادُ لها الأرضُ عُظْماً تَميد
قنَأْتُ حَيائي لها واصطَبرت / وطالَ قيامي لها والقُعود
سُتورُ التّجمُّلِ أضحَتْ وهُنْ / نَ من دونِ أسرارِ حالي سُدود
فَيَبكي لظاهرِهنَّ العَدُو / ويَبْكِي لباطِنهنّ الوَدود
ويَفْدَحُ كتِمانُ ما لا يُطيق / ويَفْضَحُ إعلانُ ما لا يُريد
فَبدَّل شَكْوايَ شُكْراً لها / بأروعَ قَصْدِي له والقَصيد
وعمّا يُفيتُ زمانِي المُسي / ءُ أقبلْتُ أعتاضُ مِمّا يُفيد
كما يَقْصِدُ القَمرُ الشّمسَ لا / يَزالُ يُرى صَدَرِي والورُود
فأنقُصُ عند اجتماعي به / وعند انصرافيَ عنه أَزيد
فَخُذْها قلائدَ من خاطرٍ / له نَفَسٌ في المعاني مَديد
شَوارِدَ تُقْضَى بهِنَّ الحقو / قُ حُسْناً وتُنْسَى لَهُنَّ الحُقود
قَريضٌ لأقلامِ كُتّابهِ / إليه لذِكْرِك فيه سُجود
وما يَغْتدى في الرّياضِ النّسيم / ولا تَلْتقي في السّماءِ السُعود
كما يَعْتفِي فاضِلٌ مُفْضِلاً / فهذا يَجودُ وهذا يُجيد
فلا زال عُمْرُك يُبْلِي الزّمان / ولا زال يَلْقاك عِيدٌ جَديد
تَردَّدُ نحوَك أمثالُه / فبَدْءُ سعيدٌ وعَودٌ حميد
وأدنَى مَعاليك أمسَتْ تُجَرْ / رُ فوق المجَرّةِ منه بُرود
فَهنّأكَ اللّهُ ما نِلْتَه / وزادَك إن كان فيه مَزيد
فقد جُزْتُمُ فوقَ حَدِّ الورى / وللمجدِ من بعدُ فيكم وُعود