رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ
رأيتُ فلم أرَ فيما رأيتُ / مصاباً كيومِ ردى الأوحدِ
وعوّدنِي الرُّزءَ مرُّ الزّمانِ / ومثلُ الّذِي حلّ لم أعتدِ
وفارقنِي بغتةً مثلما / يفارق مقبض سيفِي يدِي
على حين دانَتْ له الْآبياتُ / وقاد القُرومَ ولم يُقتَدِ
وقد كنتُ أحسب أنّ الحِمامَ / بعيدٌ عليه فلم يَبعدِ
وما كان إِلا كقولِ العجولِ / لمن قام وسْطَ النّدى أقعُدِ
وَساعدني في بكائِي علي / هِ كلُّ بعيد الأسى أصْيَدِ
تَلينُ القلوبُ وفي صدرهِ / أصمُّ الجوانبِ كالجَلْمدِ
وَكَم ذا رَأَينا عيوناً بكي / نَ عند الرّزايا بلا مُسعِدِ
جَرَين فَألحقنَ عند الدّموعِ / صحاحَ النّواظرِ بالأرمدِ
وأعيَتْ محاسنُه أن تنالَ / فإنْ حَسدَ القوم لم يَحْسُدِ
وكم قعد القومُ بعد القيامِ / ومذ قام بالفضلِ لم يقعدِ
ومات وغادَرَه جُودُه / خليَّ اليدين من العَسجدِ
ولم يدّخرْ غيرَ عزِّ الرّجال / وعزٍّ يبين مع الفرقَدِ
وغيرَ ضِرابٍ يقطُّ الرؤوسَ / إذا خَمَد الجمرُ لم يخمُدِ
وطعنٍ يمزّق أُهبَ النّحورِ / كمَعْمَعَةِ النّارِ بالفَرْقَدِ
وكم قد شهدناه يومَ الوغى / وبيضُ النّصولِ بلا أغْمُدِ
يَشُلُّ الكُماةَ بصدرِ القناةِ / شلَّكَ للنَّعَمِ الشُّرَّدِ
وتهديهِ في الظُّلماتِ السُّيوفُ / وكم ضلَّ في الرَّوْعِ من مهتدِ
فتىً في المشيبِ وما كلُّ مَنْ / حوى الفضلَ في الشَّعَرِ الأسودِ
فيا لوعتي فيه لا تقصُرِي / ويا دمعتي فيه لا تجمُدِي
يا سلوتي فيه لا تقربي / وإن كنت دانيةً فاِبعدِي
ويا لائمي في ثناءٍ له / هَجَدْتَ وعينِيَ لم تَهجُدِ
فلم أرثِه وحدَه بلْ رثيتُ / معالم عُرِّينَ من سُؤدَدِ
وما جاد جَفنِي وقد كان لا / يجودك إلّا على الأجودِ
ووافقني بالوفاقِ الصّريحِ / موافقةَ النّومِ للسُّهَّدِ
وإنّ التناسبَ بين الرّجالِ / بالوُدِّ خيرٌ من المحْتِدِ
وخلّفنِي باِنتِحابٍ عليهِ / يقضُّ على أضلُعي مرقدِي
فإنْ عاد مضجَعِيَ العائدون / خفيتُ نحولاً على العُوَّدِ
فقُلْ للقنابِلِ لا تركبي / وقلْ للكتائبٍ لا تحشُدِي
وَقلْ للصُّلاةِ بنار الحرو / بِ قد ذهبَ الموتُ بالمُوقِدِ
وقلْ للصّوارمِ مسلولةً / فُجِعْتُنَّ بالصّارمِ المُغمَدِ
وقلْ للجيادِ يَلُكْنَ الشَّكيمَ / بلا مُسرِجٍ وبلا مُلبِدِ
أقمنَ فما بعده للخيولِ / مقاديرُ حتَّى مع القُوَّدِ
وقلْ لأنابيبِ سُمرِ الرّماحِ / ثوينَ حِياماً بلا مَوْرِدِ
فلا تطلعَنْ فوقكنّ النّجوم / فذاك طلوعٌ بلا أسعُدِ
وكيف يرِدْنَ نجيع الكُماةِ / بغيرِ شديدِ القُوى أَيِّدِ
وقالوا تسلَّ وكلَّ اِمرئٍ / أرى ذا أسىً فبِمَنْ أقتدِي
وكيف السُّلُوُّ وعندي الغرامُ / يبرّح بالرّجلِ الأجلَدِ
ولي أسفٌ بِاِفتقادٍ له / نَفَدْتُ حنيناً ولم يَنفدِ
فيا غافلاً عن طروقِ الحمامِ / رَقدتَ اِغتراراً ولم يرقُدِ
وَيا كادحاً جامعاً للأُلوفِ / وغيرُك يأخذها من غدِ
وَهَل للفَتى عَن جميعِ الغِنى / سوى بلِّ أنمُلةٍ من يدِ
فَبِنْ مِثلَما بان ظلُّ الغَمامِ / عن طالبي سحّهِ الرُّوَّدِ
وبِتْ كارهاً في بطونِ التّراب / وكم سكن التُّربَ من سيّدِ
ولا زال قبرك بين القبو / رِ يُنضَحُ بالسَّبِلِ المُزْبدِ
ويندى وإنْ جاورته القبورُ / وفيهنَّ بالقاعِ غيرُ الندِي
وحيَّاك ربّك عند اللّقاءِ / بعفوٍ ومغفرةٍ سَرمَدِ
وخصّك يومَ مَفَرِّ العبا / دِ بالعَطَنِ الأفسحِ الأرغدِ