دعِ النُبلَ للعاجز القُعْدَدِ
دعِ النُبلَ للعاجز القُعْدَدِ / وما اسطعتَ من مَغنمٍ فازْدَدِ
ولا تُخْدَعَنَّ بقولِ الضِعافِ / من الناس أنّك عَفُّ اليد
وأنك في العيش لا تقتفي / خطا الأدنياءِ ولا تقتدي
سفاسفُ تضحك من أمرها / صرامةُ ذي القوةِ الأيّد
فلا تغد طوعاً لأمثالها / متى ما تُغرَّرْ بها تَنْقَد
ولا تَبْقَ وحدَكَ في حِطّة / ومهما يكن سلّمٌ فاصعد
فانك لو كنت محضَ الاباء / ومحضَ الشهامة والسُّودَد
وأصْدَقُ في القول من هُدْهُدٍ / وأخشنُ في الحق من جلمد
وأعطيتَ في الخلق طُهرَ الغمام / وفي الفضل منزلةَ الفرقد
شريفاً تشير إليك الأكفُّ / وتُنْعَتُ بالعَلَمِ المُفْرَد
لما زاد حظُّك من عِيشة / على حظّ ذي العاهةِ المُقْعَد
إليكَ النصيحةَ من مُصْطَلٍ / بنار التجارب مُستَحْصِد
ستطلُبُها عند عضّ الخطوب / عليك بأنيابها الحرّد
رِدِ العيشَ مزدحمَ الضِفَّتَيْنِ / من الغِشّ ملتحمَ المورد
ملياً بذي قوة يَسْتقي / وذي عِفّةٍ مستضامٍ صدي
وجُلْ فيه أروغَ من ثعلبٍ / وأشجعَ من ضيغمٍ مُلْبِد
وكن رجلَ الساعةِ المجتبَى / من اليوم ما يرتجى في غد
وإلا فإنّك من منكد / من العيش تمشي إلى أنكد
ذليلاً متى تمضِ لا يُبتأسْ / عليك وإن تبقَ لا تُنْشَد
وأنت إذا لم تماش الظروفَ / على كل نقص حريبٍ ردي
إذا ما مخضتَ نفوسَ الرجالِ / من الأقربين إلى الأبعد
وأوقفتَ نفسك للمدعين / سموّ المقاصدِ بالمرصد
تيقنتَ أن الذي يدّعون / من المجد للآن لم يُولَد
هم الناسُ لا يفضُلون الوحوشَ / بغير التحيُّلِ للمقْصِد
فلا تأتِ ساحةَ هذي الذئابِ / تُنازِلُها بفمٍ أدرد
وخذ مخلباً لك من غَدْرَةٍ / وناباً من الكِذْبِ فاستأسد
ولا تتديَّنْ بغير الرّياءِ / وغَيْرَ النفاق فلا تعبُد
وصلِّ على سائرِ الموبقاتِ / صلاةَ المُحالِفِ للمسجد
وما اسطعت فاقطع يد المُعْتَدَي / عليه وقبّلْ يدَ المُعتَدي
ومجّدْ وضيعاً بهذي الهِنات / تحدّى مكانهَ ذي المَحتِد
ونفسَك في النفع لا تبلُها / وعَقْلَكَ في الخير لا تُجهِد
يغطّي على شَرَفِ المنتَمى / ويسحق من عزّة المَوْلِد
ويقضي على مُطْرِفِ المكرُمات / ويأتي على الحَسَب المُتلد
مهارشةَ الواغلِ المدّعي / وتهويشةَ المُغْرِضِ المُفسِد
أقول لنفسي وقد عربدتْ / رجالٌ لغاياتها : عربدي
ولا تَحْسَبينيَ في مأزِقٍ / قليلَ الغَنا ضيِّقَ المَنْفْد
وهيهاتَ لا تدركين المنى / بسيرِ أخي مَهَلٍ مُقْصِد
وإنكِ إن لم تواني الحياةَ / بنفس المخُاطِرِ تُستْعْبَدي
ولا بدّ أن تقحمي مقحماً / وإلا فلا بد أن تُطْرَدي
فحِصّةُ مستحفزٍ مجرمٍ / لأشرفُ من حِصّةِ المجتدي
رأيت المغامر في موقف / به يفْتََدي نفسَهُ المفتدي
تناوَلُهُ الألْسُنُ المُقْذِعات / ويعصِفُ بالشتم منه الندى
وحيداً كذي جَرَبٍ مزدَرىً / يروح هضيماً كما يغتدي
ولم يَطُلِ العهدُ حتى انجلت / كوارثُ ما هنّ بالسرمد
فكان الأميرَ وكان الزعيمَ / وكان مثالَ الفتى السّيد
وكان المبَّجلَ عند المغيب / وكان المقَدَّمَ في المشهد
يَلَذُّ لكلِ فمٍ ذكْرُهُ / متى يجْرِ في مَحْفِلٍ يُحْمَد
وكان وأمثالُه عبرةً / على ضوئها يهتدي المهتدي