جَلَست وَقَد هَجَعَ الغافِلون
جَلَست وَقَد هَجَعَ الغافِلون / أُفَكِّرُ في أَمسِنا وَالغَدِ
وَكَيفَ اِستَبَدَّ بِنا الظالِمون / وَجاروا عَلى الشَيخ وَالأَمرَدِ
فَخِلتُ اللَواعِجَ بَينَ الجُفونِ / وَأَنَّ جَهنَّمَ في مَرقَدي
وَضاقَ الفُؤادُ بِما يَكتُمُ / فَأَرسَلَتِ العَينُ مِدرارَها
ذَكَرتُ الحُروب وَوَيلاتِها / وَما صَنَعَ السَيف وَالمِدفَعُ
وَكَيفَ تَجورُ عَلى ذاتِها / شُعوبٌ لَها الرُتبَةُ الأَرفَعُ
وَتَخضُبُ بِالدَمِ راياتِها / وَكانَت تَذُمُّ الَّذي تَصنَعُ
فَباتَت بِما شيدَت تَهدُمُ / صُروحَ العُلوم وَأَسرارَها
نِسَأٌ تَجودُ بِأَولادِها / عَلى المَوت وَالمَوتُ لا يَرحَمُ
وَجُندٌ تَجودُ بِأَكبادِها / عَلى الأَرض وَالأَرضُ لا تَعَلمُ
وَتَغدو الطُيورُ بِأَجسادِها / فَإِن عَطِشَت فَالشَرابُ الدَمُ
وَفي كُلِّ مَنزِلَةٍ مَأتَمُ / تَشُقُّ بِها الغَدُ أَزرارَها
لَقَد شَبِعَ الذِئب وَالأَجدَلُ / وَأَقفَرَتِ الدور وَالأَربُعُ
فَكَم يَقتُلُ الجَحفَلَ الجَحفَلُ / وَيَفتُكُ بِالأَروَعِ الأَروَعُ
وَلَن يُرجِعَ القَتلُ مَن قُتِّلوا / وَلَن يَستَعيدَ الَّذي ضَيَّعوا
فَبِئسَ الأُلى بِالوَغى عَلِموا / وَبِئسَ الأُلى أَجَّجوا نارَها
أَمِن أَجلِ أَن يَسلَمَ الواحِدُ / رُطَلُّ الدِماء وَتَفنى الأُلوف
وَيَزرَعُ أَولادَهُ الوالِدُ / لِتَحصِدَهُم شَفَراتُ السُيوف
أُمورٌ يَحارُ بِها الناقِدُ / وَتُدمي فُؤادَ اللَبيبِ الحَصيف
فَيا لَيتَ شِعري مَتى يَفهَمُ / مَعاني الحَياة وَأَسرارَها
وَحَوَّلتُ طَرفي إِلى المَشرِقِ / فَلَم أَرَ غَيرَ جِبالِ الغُيوم
تَحولُ عَلى بَدرِهِ المُشرِقِ / كَما اِجتَمَعَت حَولَ نَفسي الغُموم
فَأَسنَدتُ رَأسي إِلى مِرفَقي / وَقُلت وَقَد غَلَبَتني الهُموم
بِرَبِّكِ أَيَّتُها الأَنجُمُ / مَتى تَضَعِ الحَربُ أَوزارَها
كَما يُقتَلُ الطَيرُ في الجَنَّةِ / وَيَقتَنِصُ الظَبيُ في السَبسَبِ
كَذَلِكَ يُجنى عَلى أُمَّتي / بِلا سَبَب وَبِلا موجِبِ
فَحَتّامَ تُؤخَذُ بِالقُوَّةِ / وَيُقتَصُّ مِنها وَلَم تُذنِبِ
وَكَم تَستَكين وَتَستَسلِمُ / وَقَد بَلَغَ السَيلُ زُنّارَها
وَسيقَت إِلى النَطعِ سوقُ الغَنَم / مَغاوِرَها وَرِجالُ الأَدَب
وَكُلُّ اِمرِئٍ لَم يَمُت بِالخَذَم / فَقَد قَتَلوهُ بِسَيفِ السَغَب
فَما حَرَّكَ الضَيمُ فيها الشِمَم / وَلا رُؤيَةُ الدَمِ فيها الغَضَب
تَبَدَّلَتِ الناس وَالأَنجُمُ / وَلَمّا تُبَدِّلِ أَطوارَها
أَرى اللَيثَ يَدفَعُ عَن غَيضَتِه / بِأَنيابِه وَبِأَظفارِهِ
وَيَجتَمِعُ النَملُ في قَريَتِه / إِذا خَشِيَ الغَدرَ مِن جارِهِ
وَيَخشى الهَزارُ عَلى وَكنَتِه / فَيَدفَعُ عَنها بِمِنقارِهِ
فَلا الكاسِرات وَلا الضَيغَمُ / وَلا الشاةُ تَمدَحُ جَزّارَها
عَجِبتُ مِنَ الضاحِكِ اللاعِبِ / وَأَهلوهُ بَينَ القَنا وَالسُيوف
يَبيتونَ في وَجَلٍ ناصِبِ / فَإِن نَصَبوا أُلجِؤوا لِلكُهوف
وَمِمَّن يَصفَقُّ لِلضارِبِ / وَأَحبابُهُ يَجرَعونَ الحُتوف
مَتى يَذكُرُ الوَطَنَ النَومُ / كَما تَذكُرُ الطَيرُ أَوكارَها