المجموع : 5
هَفا طَرَباً في أوانِ الطَّرَبْ
هَفا طَرَباً في أوانِ الطَّرَبْ / فَأَنْخَبَ أقداحَه بالنُّخَبْ
وغنَّى ارتياحاً إلى عارضٍ / يغنّي وعَبرتُه تَنسَكِبْ
غيومٌ تُمَسِّكُ أُفقَ السَّما / وبَرقٌ يُكتِّبُها بالذَّهَب
وخضراءُ تَنثُرُ فيها الصَّبا / فريدَ ندىً ما لَه من ثُقَب
فأنوارُها مثلُ نظمِ الحِلَى / وأنهارُها مثلُ بِيضِ القُضُب
شَهِدْتُ بها في نَدامَى سلَوا / عن الجِدِّ واستهتروا باللَّعِب
وأغناهمُ عن بديعِ السًّماع / بدائعُ ما ضُمِّنَتْهُ الكُتُب
وأحسنُ شيءٍ رَبيعُ الحَيا / أُضيفَ إليه ربيعُ الأدَب
ألا غَادِها مُخطِئاً أو مُصِيباً
ألا غَادِها مُخطِئاً أو مُصِيباً / وسِرْ نحوَها داعياً أو مجيبا
وخذْ لَهَباً حَرُّه في غدٍ / إذا الحَرُّ قارنَ يوماً لَهِيبا
دعانا الخريفُ إلى مَوْطِنٍ / يفوقُ المواطنَ حُسناً وطِيبا
وقد جُمِعَ الحُسْنُ في روضةٍ / وفرَّقَ دِجلةُ فيه شُعوبا
وَمُضْطَربٍ وشيُ أبرادِه / يُضاحكُ وَشْيَ النِّجادِ القَشيبا
نُشيِّدُهُ إن نَزلنا ضُحىً / ونَهدِمُه إن رحلْنا الغُروبا
كأنَّا ارتَبطنا بهِ نافراً / من الخيلِ يُفرِقُ شخصاً مَهيبا
فبِتْنا وبات نسيمُ الصبَّا / يُدَرِّجُ في جَانبيه الكَتِيبا
يكادُ على ضُعفِ أنفاسِه / يُطيرُ على الشَّربِ تلك الشُّروبا
وقد حجبَ الأرضَ ريحانُنا / فلم يَبْقَ للعينِ منها نَصيبا
كأنَّا على صفحَتيْ لُجَّةٍ / تُلاقي الشَّمالُ عليها الجَنوبا
فمن طَرَبٍ يستفزُّ النُّهى / ومن أدبٍ يَستَرِقُّ القُلوبا
وساقٍ يقابلُ إبريقَه / كما قابل الظَّبيُ ظبياً رَبيبا
يطوفُ علينا بشمسِيَّةٍ / يروعُ بها الشمسَ حتى تغيبا
وينشرُ صيَّادُنا حولَنا / لُباباً من الصيدِ يُرضي اللَّبيبا
سَبابيطَ تُخبِرُ أجسامُها / بأنْ قد رَعَيْنَ جَناباً خَصيبا
نَواعمَ لو أنها باشرَتْ / هواءً لأحدثَ فيها نُدوبا
فلولا الدروعُ التي قُدِّرَت / لأبدانِها أوشكَتْ أن تَذُوبا
وتُبْعَثُ للبرِّ وحشيّةٌ / تسوقُ إلى الوحشِ يوماً عَصيبا
مُؤدبةٌ يُرتَضي فعلُها / ولم نزَ ليثاً سِواها أديبا
وتُركيَّةُ الوَجهِ تُبدي لنا / إخاءً فصيحاً ووجهاً جَلِيبا
تُعانِقُ إن وثَبتْ صيدَها / عناقَ المحبِّ يُلاقي حبيبا
طِراداً صحيحاً وخُلْقاً صَبيحَاً / ووَثباً مليحاً وأمراً عَجيبا
فقَد مَلكتْ وُدَّ أربابِها / فكلٌّ يخافُ عليها شَعوبا
وللماءِ من حولِنا ضَجَّةٌ / إنِ الماءُ كافحَ تلك العُروبا
جبالٌ تؤلِّفُها حِكمةٌ / فتَحبو البحارَ بها لا السُّهوبا
تُقابِلنا في قميصِ الدُّجى / إذا الأفقُ أصبحَ منه سَليبا
حيازيمُها الدَّهرَ منصوبةً / تُعانِقُ للماءِ وَفْداً غَريبا
عَجِبْتُ لها شاحباتِ الخدو / دِ لم يُذهِبِ السَّرْيُ عنها الشُّحوبا
إذا ما هممْنا بِغِشْيَانِها / رَكِبْنا لها وَلَداً أو نسيبا
تُغَنِّي السُّكورُ لنا بينَها / غَناءً نَشُقُّ عليه الجُيوبا
يُجاورُها كلُّ ساعٍ يَرى / وإن جدَّ في السَّيرِ منها قَريبا
خَليُّ الفؤادِ ولكنَّه / يَحِنُّ فيُشجي الفُؤادَ الطَّروبا
فيا حبَّذا الديرُ من منزلٍ / هَصَرْنا به العيشَ غضّاً رطيبا
إذا ما استَحَمْنا به برهة / حَمتْنا بدائعُه أن نَخيبا
مَدَحْتُ أبَا جَعْفَرٍ
مَدَحْتُ أبَا جَعْفَرٍ / وَقُلْتُ شَرِيفُ العَرَبْ
فَأَسْلَمِنَي بُخْلُهُ / إلى خَيْبَةِ المُنْقَلَبْ
وَأَبْدَى عَلَى بَابِهِ / تَجَمُّلَ أَهْلِ الأَدَبْ
إذا قُلْتُ قدْ جَادَ لي / يَقُولُ قمِيصي كَذِبْ
يُعنِّفُني أنْ أطَلْتُ النَّحيبَا
يُعنِّفُني أنْ أطَلْتُ النَّحيبَا / وأسكُبُ للبَيْنِ دمعاً سَكوبا
وَأَدْنَى المُحبِّين مِنْ نحبِه / مُحِبٌّ بكى يومَ بَيْن حَبيبا
دعا دمعَه ودعَتْ دمعَها / فبَّللَ منها ومنه الجُيوبا
فتاةٌ رمتْه بِسَهْمِ الجفونِ / ومدَّت إليه بَناناً خَضيبا
فعاينَ منهم غزالاً رَبيباً / وبَدراً مُنيراً وغُصْناً رَطيبا
وعَهْدي بها لا تُديمُ الصدودَ / ولا تتجَّنى عليَّ الذُّنوبا
لياليَ لا وَصلُنا خِلسةً / نراقبُ للخوفِ فيها الرَّقيبا
ولا برقُ لذَّاتِنا خُلَّبٌ / إذا ما دعَونا لوصلٍ قُلوبا
وكم لي وللبَيْنِ من مَوقفٍ / يُميتُ بِلَحْظِ العيونِ القُلوبا
إذا شَهَرَ اللَّحْظُ أسيافَهُ / تدرَّعْتُ للصِّبرِ بُرداً قَشيبا
كأنِّيَ في هَبْوَتَيْه ابنُ فَهْدٍ / إذا اليومُ أصبحَ يوماً عَصيبا
فَتىً يَستَقِلُّ جَزيلَ الثَّوابِ / سَماحاً لمن جاءه مُستَثيبا
ويُربي على سُنَنِ المكرُماتِ / فيُظْهِرُ فيهنَّ مجداً غَريبا
وتَلقاه مبتسماً واضحاً إذا / ما الحوادثُ أبدَتْ قُطوبا
كريمٌ إذا خابَ راجي النَّدى / حَمَتْنا مكارمُه أن نَخيبا
رأى لحظُه ما تُجِنُّ الصُّدورُ / فخِلناه يعلمُ منها الغُيوبا
بعيدٌ إذا رُمْتَ إدراكَهُ / وإن كانَ في الجُودِ سهلاً قريبا
نَمَتْهُ من الأزدِ صِيدُ المُلوكِ / وما زال يَنْمِي النَّجيب ُالنَّجيبا
سَلِمتَ سلامَةُ للمَكْرُماتِ / وما زِلْتَ تَبسُطُ باعاً رَحيبا
تَزُفُّ إليك تِجارُ المديحِ / عَذارى تَروقُكَ حُسْناً وطِيبا
فكمْ لك من سُؤدُدٍ كالعبيرِ / أصابَ من المدحِ ريحاً جَنوبا
ورأيٍ يُكشِّفُ ليلَ الخٌطوبِ / ضياءً إذا الخَطْبُ أعيا اللَّبيبا
ومُشتمِلٍ بنِجادِ الحُسامِ / يَفُلُّ شبا الحربِ بأساً مَهيبا
ملأتَ جوانِحَه رَهبةً / فأطرقَ والقلبُ يُبدي وَجيبا
كسوْتَ المكارمَ ثوبَ الشَّبابِ / وقد كُنَّ ألبِسْنَ فينا المَشيبا
ضرائبُ أبدَعْتَها في السَّماحٍ / فَلسْنا نرى لك فيها ضَريبا
تَخلَّصْتَني من يَدِ النَّائباتِ / وأحلَلْتَني منك رَبعاً خَصيبا
ومُلِّكْتَ مَدحي كما مُلِّكَتْ / بنو هاشمٍ بُرْدَها والقَضيبا
وأنَّي لواردِ بحرِ القريضِ / إذا وردَ المادحون القَليبا
ولسْتُ كمَنْ يَستردُّ المديحَ / إذا ما كساه الكريمَ المُثِيبا
يُحلِّي بمَدْحَتِه غيرَه / فيُمْسي محلّىً ويُضحي سَليبا
تَباعَدَ عَنْ عِرْسِه جَعفرُ
تَباعَدَ عَنْ عِرْسِه جَعفرُ / فَسرَّهُما البُعدُ بعدَ اقترابِ
وكانت تَصبو إلى غيره / وكانَ إلى غيرِها ذا تَصَابي
فبَينا هُما يَتْبعانِ الهَوَى / على حَذَرٍ مِنهما وارتقابِ
أتاحَ الزمانُ لهُ سَفرةً / مُعجَّلةً لم تَكُنْ في الحِسابِ
فمكَّنَها من قِيادِ الزُّناةِ / وتُمكِنُه من قِيادِ القِحابِ
فوَدَّا وقد وُفِّقَا للفِراقِ / بأنَّ التَّلاقيَ يومَ الحِسابِ