تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ
تَسَمَّعْ لِدَعْوَةِ ناءٍ غَرِيبِ / كَثيرِ الدُّعاءِ قليلِ المُجِيبِ
يَهيمُ إِلَيْكَ بِهَمٍّ شُجاعٍ / ويَجْبُنُ عنكَ بِسَتْرٍ هَيوبِ
ويقتادُهُ منكَ صِدْقُ اليقينِ / فيرتابُ منه بِظَنٍّ كَذُوبِ
أَيَأْذَنُ سَمْعُكَ لِي من بَعيدٍ / ولحظُكَ قَدْ رابَنِي من قريبِ
وكيفَ بأَشجانِ قلبٍ عزيزٍ / فيُسْعِدُهُ لَهْوُ قلبٍ طَروبِ
فناداكَ من غَمَراتِ التَّناسِي / وناجاكَ فِي ظُلُماتِ الخُطوبِ
بِبالِغَةٍ للتَّرَاقِي حَدَتْها / إِلَيْكَ وَصاةُ القريبِ المُجيبِ
بما خُطَّ للجارِ وابْنِ السَّبيلِ / وأُوجِبَ للمُسْتَضامِ الغريبِ
وَمَا قَدْ حَباكَ الرِّضا من مليكٍ / بلاكَ بلاءَ الحُسامِ الرَّسُوبِ
فَحَلّاكَ إِكرامَهُ فِي العيونِ / لِتَقْدُمَ أَعلامَهُ فِي الحروبِ
وأَذْكَى سِراجَكَ وَسْطَ القصورِ / لِيُعْلي عَجاجَكَ خَلْفَ الدُّروبِ
فأَرْعَيْتَهُ صِدْقَ حُرٍّ شَكُورٍ / تَسَرْبَلَ إِخلاصَ عَبْدٍ مُنِيبِ
وأَبْلَيْتَهُ نُصْحَ جَيبٍ سَليمٍ / وفِيِّ الضَّمانِ بِنُصْحِ الجُيُوبِ
تقودُ إِلَيْهِ رجاءَ البعيدِ / وتتلُو عَلَيْهِ ثناءَ القريبِ
وتَلْقى وُجوهَ المُحِبِّينَ عنهُ / بِبِشْرِ المُحِبِّ ووَصْلِ الحبيبِ
وكم مِنْبَرٍ للعُلا قَدْ بناهُ / لَهُ اللهُ من مُعظَماتِ الصَّليبِ
حَمَيْتَ ذُرَاهُ بأَنْفٍ حَمِيٍّ / ورَحْبَ ذَرَاهُ بصدرٍ رَحيبِ
وضاقَ بِمَنْ أَسْمَعَ الضَّيْمَ عَنْهُ / فيا لخطيبٍ صريعِ الخُطوبِ
قريبٌ إِلَى كلِّ أُفْقٍ بعيدٍ / بعيدٌ عَلَى ذِكْرِ مولىً قريبِ
وَقَدْ أَطْلَعَ الشرقُ والغربُ عنهُ / كواكِبَ تهوي لغيرِ الغُروبِ
نجوماً أَضاءَتْ بِفَصْلِ الخطابِ / لَهُ الدَّهْرَ إِلّا مكانَ الخطيبِ
وعنهُ تَنَكَّبْتَ قوسَ النِّضالِ / فَرِشْتَ لَهَا كلَّ سَهْمٍ مُصيبِ
فأَوْتَرْتَها لقلوبِ العُداةِ / وأَغْرَقْتَ فِيهَا لِرَمْيِ الغُيُوبِ
فما لَكَ عن غَرَضٍ كالصَّباحِ / تجلَّلَ أُفْقَ الصَّبا والجَنُوبِ
يضاحِكُ من رَوْضِ فِكْرِي بِذِكْرِي / أَزاهِيرَ نَوْرٍ بِنُورٍ مَشوبِ
فلِلَّهِ إِشراقُ ذَاكَ الشبابِ / تأَلَّقَ فِي حُسْنِ ذَاكَ المَشيبِ
فَفَاحَ تَضَوُّعُ ذا من ضَياعِي / كَمَا لاحَ مَطْلَعُ ذا من غُرُوبِي
فتِلْكَ نقائِضُ سَعْيِي وسَعْدِي / يُنادِينَ يَا لَلْعُجابِ العَجيبِ
وتلكَ بضائِعُ نثري ونظمي / ضوارِبُ فِي الأَرْضِ هَلْ من ضَريبِ
ويا للخلائِقِ هلْ من مُساوٍ / ويا للدَّواوينِ هل من مُجيب
ويا نَشْأَتِي عبْدِ شَمسٍ / ومن أَعْقَبَتْ هاشِمٌ من عَقِيبِ
وَمَا خَطَّهُ أَثَرٌ عن أَميرٍ / وسَطَّرَهُ أَرَبٌ عن أَرِيبِ
فَهَلْ فِي الوَرى غَيْرُ سَمْعٍ شهيدٍ / يُلَبِّيهِ كُلُّ فؤادٍ لَبيبِ
وغيرُ لسانٍ صدوقِ البيانِ / يُقِرُّ لَهُ كلُّ زَعْمٍ كَذُوبِ
بأَنْ لَمْ يَفُزْ قَبْلَها مُلْكُ مَلْكٍ / بِقِدْحٍ كَقِدْحِ مَلِيكَيْ تُجِيبِ
فأَنْجِبْ بِمُورِثِهِ من مَليكٍ / وأَسْعِدْ بوارِثِهِ من نَجِيبِ
وأَعْجِبْ بأَوفى مليكٍ أَضاعَ / من الذِّكْرِ والفخرِ أَوْفى نَصِيبِ
لواءَ ثناءٍ كَبَرْقِ الغَمامِ / يُهِلُّ إِلَيْهِ لواءُ الحروبِ
وَمَا قَدْ كَسَا كُلَّ بَرِّ وبَحْرٍ / بذكراهُ من كُلِّ حُسْنٍ وَطِيبِ
حَدَائِقَ من زَهَرَاتِ العُقولِ / تفوحُ إِلَى ثَمَرَاتِ القُلُوبِ
تَغَنَّى العذارى بِهَا فِي الخُدورِ / وتُحدَى المهارى بِهَا في السُّهوبِ
وَقَدْ أَيْنَعَ الحَزْنُ والسَّهْلُ منها / بِشِرْبِ ذَنوبٍ مَحا من ذُنُوبِي
بلاغُ حياةٍ وأَحْجَمْتُ عنهُ / لعودِ الخِباءِ ولِلْعَنْدَلِيبِ
كما ابْتَزَّ صَيْدَ العُقابِ الذُّبابُ / وصادَ النَّعامَ حَسيرُ الدَّبيبِ
وذُلِّيَ أَوْدَعَ هَذَا وهذا / أَظافِيرَ لَيْثٍ وأَنيابَ ذيبِ
مظالِمُ أَظْلَمَ حَقُّ المُحِقِّ / بِهِنَّ وأَشْرَقَ رَيْبُ المُرِيبِ
وأَنتَ عليها شهيدُ العِيانِ / وحكمُكَ فِيهَا صريحُ الوُجوبِ
ووَعْدُكَ أَلزَمَنِي من ذَرَاكَ / وِصالَ المُحِبِّ ورَعْيَ الرَّقِيبِ
فحِينَ افتَتَحْتَ بنصرٍ عزيزٍ / يُبَشِّرُ عنكَ بفتحٍ قريبِ
تَرَقَّيْتَ فِي هَضْبَةِ العِزِّ عَنِّي / وأَهْوَيْتَ بي لِمَهيلٍ كَثيبِ
ولَفَّتْكَ دُونِي غصونُ النعِيمِ / وأُسْلِمْتُ ضاحِيَ مَرْعىً جَديبِ
فَمُلِّيتَها جَنَّةً لا يزالُ / يُمَدُّ بِهَا كُلُّ عيشٍ خَصِيبِ
ولا بَرِحَتْها طيورُ السرورِ / يَميدُ بِهَا كلُّ غصنٍ رطيبِ
وإِنْ شاقَني من صَباها نسيمٌ / يُفَرِّجُ عنِّي بُرُوحَ الهَبُوبِ
وأُظْمِيتُ منها إِلَى رَشْفِ ماءٍ / يُمَثَّلُ لي فِيهِ رِيقُ الحبيبِ
وكم سُمْتُ أَوْراقَها فِي الرِّياحِ / لأَخْصِفَ فِيهَا لعارٍ سَليبِ
وأَمْسَحَها فِي مآقي جُفونٍ / دَوَامِي القَذَى قَرِحاتِ الغُرُوبِ
بما فَتَّ فيهنَّ رَمْيُ العُداةِ / وَمَا غَضَّ منهُنَّ ذُلُّ الغريبِ
فإِنْ رَمِدَتْ فقليلٌ لِعَيْنٍ / يُقَلِّبُها شَجْوُ قلبٍ كئيبِ
وإِنْ قَدَحَتْ بالحَشا فِي الحشايا / فَزَنْدَا ضِرامٍ لنارِ الكُروبِ
تُؤَجِّجُها حَسَرَاتُ التَّناسي / وتَنْفُخُها زَفَرَاتُ النَّحِيبِ
وكُلّاً وَسِعْتُ بصبرٍ جميلٍ / وبَعْضاً كَفَفْتُ بدمعٍ سَكوبِ
لأُوقِدَ منها مصابِيحَ جَمْرٍ / تُنِيرُ إِلَيْكَ بِسِرِّ الغُيوبِ
ولو غابَ عِلْمُكَ عن بَحرِ ظِمءٍ / وَمَا غِيضَ من شربِه فِي الشُّروبِ
لأغناكَ عن شُبْهَةِ الشَّكِّ فِيهِ / ذُبُولُ الجنى فِي ذُبولِ القضيبِ
وحَسْبي لَهَا منكَ حُرٌّ كريمٌ / وفيُّ الشهودِ أمين المَغِيبِ
وأرْجى عَليلٍ لِبُرْءِ السَّقَامِ / عليلٌ تَيَقَّنَ يُمنَ الطَّبيبِ
وحُسْنُ الظُّنونِ لِصدْقِ اليقينِ / نسيبٌ ولا كالنسيبِ الحسيبِ
فإنْ تُنهِ عَنِّي فأولى مُجابِ / دَعا للمكارِمِ أهدى مُجيبِ
وكُنتَ بذلِكَ أحظى مُثابٍ / لَهُ من ثَنائِيَ أوفى مُثيبِ
ومن يَمْنَعِ الضَّيفَ رَحْبَ الفِناءِ / فقد قادَهُ للفضاءِ الرَّحِيبِ