أَلا هَل لما فات من مطلبِ
أَلا هَل لما فات من مطلبِ / وهل عن ردَى المرءِ من مَهرَبِ
وَهَل لامرئٍ يبتغيهِ القضا / ءُ من مُستجارٍ ومن مذهبِ
عذيرِيَ من حادثات الزّمان / أجِدُّ لهنَّ ويلعبْنَ بي
يُثلّمْنَ من حَنَقٍ مَرْوَتي / ويرعَيْنَ من نَهَمٍ خُلّبي
وإمّا بَرِحْنَ ففي طيّهن / نَ ما شئتَ من تعبٍ مُتعبِ
وإنْ هنّ صفّينَ لي مشرباً / رَجَعْنَ فَرنّقْنَ لي مَشْربي
فكم ذا أُعلّلُ بالمُبْرِضاتِ / وأُخدَعُ بالبارق الخُلّبِ
وأُعدي بأدواء هذا الزّما / نِ عَدْوَى المُصحِّ من المُجرَبِ
ولو كنتُ أعجبُ من حادثٍ / عجبتُ من الحادث الأقربِ
أتاني على عُدَوَاءِ الدّيارِ / لَواذِعُ مِن نبأٍ مُنصِبِ
فإنّ نجيع فخار الملو / كِ سِيط هنالك بالأثْلَبِ
وإنّ أُسامةَ ذا اللِّبدَتيْ / نِ صُرِّع عن خُدَعِ الأَذْؤُبِ
غُلبتمْ بنقضِكُمُ عهدَهُ / ومن غلّبَ الغدْرُ لم يغلِبِ
بأيِّ يدٍ قُدتمُ غِرَّةً / خِزامةَ ذا المُقرَمِ المُصْعَبِ
وكيف ظفِرتُمْ وبُعدُ المنا / ل بينكُمُ بسنا الكَوكبِ
وَكَيف عَلِقْتُم عَلى ما بِكمْ / من العَجْزِ بالحُوَّلِ القُلَّبِ
وأينَ يمينُكُمُ والعُهو / تطايحن في نَفْنفٍ سَبْسَبِ
وَأَصبح ملكُكُم بعدَه / بغير ذراعٍ ولا مَنكِبِ
وما كنتُ أخشى على الأُفعوانِ / مَدى الدّهرِ مِن حُمةِ العقربِ
أَمِنْ بَعد أَن قادَها نحوَكمْ / نفوراً مُحَرَّمَةَ المركبِ
وَأَولَجها بَين أَبياتكمْ / وَلَيسَ لَها ثمَّ من مرغَبِ
وَدافع عنها لِغير القوي / يِ كلَّ شديدِ القُوى مُحرِبِ
تُجازونَهُ بجزاء العدوِّ / وتَجْزونَه أُسْوَةَ المُذنِبِ
ولو رابه منكُمُ ما أرا / بَ شآكمْ وَلكن لم يَرْتَبِ
خُذوها تلَذُّ لَكمْ عاجلاً / وآجلُها غيرُ مُستَعذَبِ
ولا تَرقبوا غير ودْقِ الحِمام / وشيكاً من العارِضِ الصيِّبِ
ففِي الغيبِ مِن ثارِه فيكُمُ / شفاءٌ لأفئدةٍ وُجَّبِ
ألا غنّياني بقرع السّيوفِ / فَما غيرُها أبداً مُطربي
وحُثّا عليَّ كؤوسَ النّجيعِ / سواءً شربتُ ولم أشربِ
ولا تمطُلا ثاره إنّه / فتىً حرّم المَطْلَ في مَطلبِ
كأنّي بها كجبالِ الحجا / زِ يُقبلنَ أو قِطَعِ الغَيْهبِ
عليهنّ كلُّ شُجاعِ الجَنان / إذا رُهبَ الهولُ لم يَرهَبِ
لأسيافهم في رؤوس الكُماةِ / مصمّمة القُضُب اللّهّبِ
ولمّا مررنا على رَبْعِهِ / خرابِ الأنيس ولم يَخرِبِ
تَبدّل بعدَ عَجيج الوفودِ / بحاجاتِهم صرَّةَ الجُندُبِ
ومن سابغاتٍ ملَأْن الفِناءَ / من القَزّ أردية العنكبِ
بَكينا على غَفَلاتٍ بِهِ / سُرِقنَ وعيشٍ مضى طيّبِ
وَقُلنا لما كانَ صعبَ المَذا / لِ من سَبَلِ العين لا تَصعُبِ
أيا دارُ كيف لبستِ العَفاء / وماءُ النضارِة لم ينضُبِ
وَكيفَ نسيتِ الّذي كان فيكِ / من العزّ والكرم الأرحبِ
وكيف خلوتِ من القاطنين / وغربانُ بينك لم يَنعَبِ
وَأَين مَكامنُ ذاكَ الشجاع / ومربضةُ الأسدِ الأغلبِ
وأين مواقفُ وِلْدانِهِ / ومُزدَحمِ الجُند في الموكبِ
ومجرى سوابقِهِ كالصّقورِ / جلبنَ صباحاً على مَرْقَبِ
أيمضِي وأسيافُهُ ما فَتِئْ / نَ بالضّرب والسُّمرُ لم تُخضَبِ
وَلَم تُعجل الخيلُ مذعورةً / إلى مَرغبٍ وإلى مرهبِ
ولم يُستلبْ بالرّماح الطّوا / لِ في الرّوع واسطةُ المِقْنَبِ
ولو عَلِمَ السّيفُ لمّا علا / كَ حالَ كليلاً بلا مَضرِبِ
وبُدّل من ساعدٍ هزّه / لحتفك بالسّاعد الأعضبِ
تعامَه قومٌ سقوك الحِمامَ / فما فيهُمُ عنك مِن مُعرِبِ
فلو عن رداكَ سألنهاهُمُ / أحالَ الحضور على الغُيَّبِ
ألِفْتَ التكَرّم حتّى غفل / تَ عن جانب الحاسد المُجلبِ
ولم تَعتدِ المنعَ للطّالبين / فجدْتَ بنفسك للطُّلَّبِ
فإِن تكُ يا واحداً في الزّمانِ / ذهبتَ ففضلُك لم يذهبِ
وإنْ حجّبوك بنسْجِ الصّفيحِ / فغرُّ مساعيك لم تُحجَبِ
سلامٌ عليك وإن كنتَ ما / سلمتَ من الزّمن الأخيبِ
وواهاً لأيّامك الماضياتِ / مُضِيَّ السّحابة عن مُجدبِ
فَما بِنْتَ إلّا كبين الحياةِ / وشرخِ الشّباب عن الأشيبِ
ولا خَير بعدكَ في الطيّباتِ / فَما العَيشُ بَعدك بالطيّبِ
حَرامٌ عليّ اِكتسابُ الإخاءِ / فَمثل إِخائك لم أكسِبِ
وَلستَ ترانِيَ فيمنْ ترا / هُ إِلّا عَلى نجوَةِ الأجْنَبِ
ولستُ به طالباً غيرَه / فقِدْماً وجدتُ ولم أطلُبِ