مَلَكتُم عَلَيَّ عِنانَ الخُطَب
مَلَكتُم عَلَيَّ عِنانَ الخُطَب / وَجُزتُم بِقَدري سَماءَ الرُتَب
فَمَن أَنا بَينَ مُلوكِ الكَلامِ / وَمَن أَنا بَينَ كِرامِ الحَسَب
أَتَسعى إِلَيَّ حُماةُ القَريضِ / وَتَمشي إِلَيَّ سَراةُ العَرَب
وَتَنظِمُ فِيَّ عُقودَ الجُمانِ / وَتَنثُرُ فَوقي نِثارَ الذَهَب
وَأُكرَمُ حَتّى كَأَنّي نَبَغَتُ / وَقُمتُ لِمِصرَ بِما قَد وَجَب
فَماذا أَتَيتُ مِنَ الباقِياتِ / وَهَذا شَبابي ضَياعاً ذَهَب
عَمِلتُ لِقَومِيَ جُهدَ المُقِلِّ / عَلى أَنَّهُ عَمَلٌ مُقتَضَب
فَلَم يُغنِ شَيئاً وَلَم يُجدِهِم / وَلَم يَبقَ إِلّا بَقاءَ الهَبَب
وَهَل أَنا إِلّا اِمرُؤٌ شاعِرٌ / كَثيرُ الأَماني قَليلُ النَشَب
يَقولُ وَيُطرِبُ أَتابَهُ / وَيَقنَعُ مِنهُم بِذاكَ الطَرَب
تَعَلَّقتُ حيناً بِذَيلِ البَيانِ / وَأَدخَلتُ نَفسي فيمَن كَتَب
فَلا السَبقُ لي في مَجالِ النُهى / وَلا لِيَ يَومَ الفَخارِ الغَلَب
وَلا أَنا مِن عِليَةِ الكاتِبينَ / وَلا أَنا بِالشاعِرِ المُنتَخَب
وَلَكِن سَما بِيَ عَطفُ الأَميرِ / وَرَأيُ الوَزيرِ وَفَضلُ الأَدَب
وَما كُنتُ أَحلُمُ لَولا الوَزيرُ / بِهَذا الهَناءِ وَهَذا اللَقَب
عَلَيَّ أَيادٍ لَهُ جَمَّةٌ / وَفَضلٌ قَديمٌ شَريفُ السَبَب
فَآناً أَقالَ بِهِ عَثرَتي / وَأَورى زِنادي وَآناً وَهَب
تَفَيَّأتُ مِنهُ ظِلالَ النَعيمِ / وَأَصبَحتُ أَعرِفُ لُبسَ القَصَب
وَأَمشي اِختِيالاً إِلى عابِدينَ / يُطالِعُني بَدرُها عَن كَثَب
وَأَلثِمُ كَفَّ كَريمِ الجُدودِ / غِياثِ العُفاةِ مُزيلِ الكُرَب
وَأَحتَثُّ بَينَ وُفودِ السَراةِ / مَطايا الرَجاءِ لِذاكَ الرَحَب
أَتَوا خالِصينَ لِوَجهِ الأَميرِ / فَلا عَن رِياءٍ وَلا عَن رَهَب
لَهُم ما يَشاؤونَ مِن رَبِّهِم / رِضاءُ الأَميرِ وَنَيلُ الأَرَب
وَلِلكاشِحينَ نَكالُ الزَمانِ / وَنَحسُ النُجومِ ذَواتِ الذَنَب
فَعَهدُ الأَميرِ كَعَهدِ الرَشيدِ / يَمُتُّ إِلَيهِ بِحَبلِ النَسَب
إِلَيكَ أَبا حَسَنٍ أَنتَمي / فَما زَلَّ مَولىً إِلَيكَ اِنتَسَب
عَرَفتَ مَكاني فَأَدنَيتَني / وَشَرَّفتَ قَدري بِدارِ الكُتُب
وَعَرَّفتَ دَهري مَكانَ الأَديبِ / وَقَد كانَ دَهري شَديدَ الكَلَب
فَلَو أَنَّ لي مُرقِصاتِ الخَليلِ / وَإِعجازَ شَوقي إِذا ما رَغِب
لَقُمتُ بِشُكرِكَ حَقَّ القِيامِ / وَلَكِن طَلَبتُ فَعَزَّ الطَلَب
فَشُكري لِصُنعِكَ شُكرُ النَباتِ / بِبَطنِ الفَلاةِ لِقَطرِ السُحُب
وَشُكراً لِشَوقي رَسولِ القَريضِ ال / كَريمِ الإِخاءِ المَتينِ السَبَب
وَشُكراً لِداوودَ رَبِّ اليَراعِ / وَشُكراً لِسَركيسَ رَبِّ العَجَب
وَشُكراً لِكُلِّ كَريمٍ سَعى / إِلَيَّ وَكُلِّ أَديبٍ خَطَب
هُمُ شَجَّعوني عَلى أَن أَقولَ / وَما كانَ لي بَينَهُم مُضطَرَب
هُمُ أَلهَموني فَصيحَ الكَلامِ / هُمُ عَلَّموني طَريقَ النُخَب
فَعَنهُم أَخَذتُ وَعَنهُم صَدَرتُ / وَمِن عِندِهِم فَضلِيَ المُكتَسَب
فَحَيّوا عَزيزَ البِلادِ الَّذي / عَلى السُحبِ ذَيلَ المَعالي سَحَب
وَحَيّوا سَعيداً وَزيرَ الأَميرِ / قَريبَ الصَوابِ بَعيدَ الغَضَب
تَوَلّى الرِئاسَةَ وَالحادِثاتِ / تَروعُ النُفوسَ بِوَقعِ النُوَب
فَساسَ البِلادَ وَأَرضى العِبادَ / وَأَرضى الأَميرَ وَأَرضى الأَدَب