المجموع : 4
وَسارِيَةٍ لا تَمَلُّ البُكا
وَسارِيَةٍ لا تَمَلُّ البُكا / جَرى دَمعُها في خُدودِ الثَرى
سَرَت تَقدَحُ الصُبحَ في لَيلِها / بِبَرقٍ كَهِندِيَّةٍ تُنتَضى
فَلَمّا دَنَت جَلجَلَت في السَما / ءِ رَعداً أَجَشَّ كَجَرِّ الرَحى
ضَمانٌ عَلَيها اِرتِداعُ اليَفا / عِ بِأَنوارِها وَاِعتِجارُ الرُبى
فَما زالَ مَدمَعُها باكِياً / عَلى التُربِ حَتّى اِكتَسى ما اِكتَسى
فَأَضحَت سَواءً وُجوهُ البِلادِ / وَجُنَّ النَباتُ بِها وَاِلتَقى
وَكَأسٍ سَبَقتُ إِلى شُربِها / عَذولي كَذَوبِ عَقيقٍ جَرى
يَسيرُ بِها غُصُنٌ ناعِمٌ / مِنَ البانِ مَغرِسَهُ في نَقا
إِذا شِئتَ كَلَّمَني بِالجُفو / نِ مِن مُقلَةٍ كُحِلَت في الهَوى
لَهُ شَعَرٌ مِثلُ نَسجِ الدُروعِ / وَطَرفٌ سَقيمٌ إِذا ما رَنا
وَيَضحَكُ عَن أُقحُوانِ الرِيا / ضِ وَيَغسِلُهُ بِالعَشِيِّ النَدى
وَمِصباحُنا قَمَرٌ مُشرِقٌ / كَتُرسِ اللُجَينِ يَشُقُّ الدُجى
سَقى اللَهُ أَهلَ الحِمى وابِلاً / سَفوحاً وَقَلَّ لِأَهلِ الحِمى
لَئِن بانَ صَرفُ زَمانٍ بِنا / لَما زالَ يَفعَلُ ما قَد تَرى
وَمُهلِكَةٍ لامِعٍ آلُها / قَطَعتُ بِحَرفٍ أَمونِ الخُطا
لَها ذَنَبٌ مِثلُ خَوصِ العَسيبِ / وَأَربَعَةٌ تَرتَمي بِالحَصى
بَناها الرَبيعُ بِناءَ الكَثيبِ / تَسوقُ رِياحَ الهَواءِ النَقا
فَما زالَ يُدئِبُها ماجِدٌ / عَلى الأَينِ حَتّى اِنطَوَت وَاِنطَوى
بِأَرضٍ تَأَوَّلَ آياتِها / عَلى الظَعنِ يَخبِطُ فيها الهَوى
صَرَعتُ المَطِيَّ لِأَرقى لَها / فَما اِعتَذَرَت بَينَها بِالوَجى
وَذي كُرَبٍ إِذ دَعاني أَجَبتُ / فَلَبَّيتُهُ مُسرِعاً إِذ دَعا
بِطِرفٍ أَقَبَّ عَريضِ اللِبا / نِ ضافي السَبيبِ سَليمِ الشَظا
وَفِتيانِ حَربٍ يُجيبونَها / بِزُرقِ الأَسِنَّةِ فَوقَ القَنا
كَغابٍ تُحَرِّقُ أَطرافُهُ / عَلى لُجَّةٍ مِن حَديدٍ جَرى
فَكُنتُ لَهُ دونَ ما يَتَّقي / مِجَنّاً وَمَزَّقتُ عَنهُ العِدا
أَنا اِبنُ الَّذي سائَهُم في الحَياةِ / وَسادَهُمُ بِيَ تَحتَ الثَرى
وَما لِيَ في أَحَدٍ مَرغَبٌ / بَلى فِيَّ يَرغَبُ كُلُّ الوَرى
وَأَسهَرُ لِلمَجدِ وَالمَكرُماتِ / إِذا اِكتَحَلَت أَعيُنٌ بِالكَرى
جَفاني النُمَيرِيُّ فيمَن جَفا
جَفاني النُمَيرِيُّ فيمَن جَفا / وَما كانَ إِلّا كَمَن قَد سَرى
وَيَزعَمُ أَنّي لَهُ حافِظٌ / وَأَينَ خَليلٌ تَراهُ وَفى
وَما لِيَ مِنهُ سِوى الاِعتِذا / رِ نَصيبٌ وَسائِرُهُ لِلعِدا
وَما جَمَعَ اللَهُ حُبَّ اِمرِئٍ / وَحُبَّكَ أَعدائَهُ في حَشا
بِأَيِّ سَلامٍ تُلاقي العَدُوَّ / وَسَيفُكَ في كَفِّهِ مُنتَضى
مَضى مِن شَبابِكَ ما قَد مَضى
مَضى مِن شَبابِكَ ما قَد مَضى / فَلا تُكثِرَنَّ عَلَيكَ البُكا
وَشَعَّلَ شَيبُكَ مِصباحَهُ / وَلَستَ الرَشيدَ أَما قَد تَرى
أَلا مَن لِعَينٍ وَتَسكابِها
أَلا مَن لِعَينٍ وَتَسكابِها / تَشَكّى القَذى وَبُكاها بِها
تَمَنَّت شُرَيرَ عَلى نَأيِها / وَقَد سائَها الدَهرُ حَتّى بَها
وَأَمسَت بِبَغدادَ مَحجوبَةً / بِرَدِّ الأُسودِ لِطُلّابِها
تَرامَت بِنا حادِثاتُ الزَمانِ / تَرامي القَسِيِّ بِنُشّابِها
وَظَلَّت بِغَيرِكَ مَشغولَةً / فَهَيهاتَ ما بِكَ مِمّا بِها
فَما مُغزِلٌ بِأَقاصي البِلادِ / تَفزَعُ مِن خَوفِ كَلّابِها
وَقَد أَشبَهَت في ظِلالِ الكِنا / سِ حَورِيَّةٌ وَسطَ مِحرابِها
بِأَبعَدَ مِنها فَخَلِّ المُنى / وَقَطِّع عَلائِقَ أَسبابِها
وَيارُبَّ أَلسِنَةٍ كَالسُيوفِ / تُقَطِّعُ أَعناقَ أَصحابِها
وَكَم دُهِيَ المَرءُ مِن نَفسِهِ / فَلا تَأكُلَنَّ بِأَنيابِها
فَإِن فُرصَةٌ أَمكَنَت في العَدُو / وِ فَلا تَبدِ فِعلَكَ إِلّا بِها
فَإِن لَم تَلِج بابَها مُسرِعاً / أَتاكَ عَدُوُّكَ مِن بابِها
وَما يَنتَقِص مِن شَبابِ الرِجالِ / يَزِد في نُهاها وَأَلبابِها
وَقَد أُرحِلُ العيسَ في مَهمَهٍ / تَغَصُّ الرِحالُ بِأَصلابِها
كَما قَد غَدَوتَ عَلى سابِحٍ / جَوادِ المَحَثَّةِ وَثّابِها
تُباريهِ جَرداءُ خَيفانَةٌ / إِذا كادَ يَسبُقُ كِدنا بِها
كَأَنَّ عِذاريهِما واحِدٌ / لَجوجانِ تَشقى وَيَشقى بِها
كَحَدَّينِ مِن جَلَمٍ مُعلَمٍ / فَلا تِلكَ كَلَّت وَلا ذا بِها
وَطارا مَعاً في عِنانِ السَواءِ / كَأَنّا بِهِ وَكَأَنّا بِها
تَخالُهُما بَعدَ ما قَد تَرى / نَجِيَّ أَحاديثَ هَمّا بِها
فَرَدّا عَلى الشَكِّ لَم يَسبُقا / عَلى دَأبِهِ وَعَلى دَأبِها
وَقالَ أَناسٌ فَهَلا بِهِ / وَقالَ أَناسٌ فَهَلا بِها
نَصَحتُ بَني رَحِمي لَو وَعَوا / نَصيحَةَ بَرٍّ بِأَنسابِها
وَقَد رَكِبوا بَغيَهُم وَاِرتَقَوا / بِزَلّاءَ تُردي بِرُكّابِها
وَراموا فَرائِسَ أُسدِ الشَرى / وَقَد نَشِبَت بَينَ أَنيابِها
دَعوا الأُسدَ تَفرِسُ ثُمَّ اِشبَعوا / بِما تَدَعُ الأُسدُ في غابِها
قَتَلنا أُمَيَّةَ في دارِها / وَنَحنُ أَحَقُّ بِأَسلابِها
وَكَم عُصبَةٍ قَد سَقَت مِنكُمُ ال / خِلافَةَ صاباً بِأَكوابِها
إِذا ما دَنَوتُم تَلَقَّتكُمُ / زَبوناً وَقَرَّت بِحَلّابِها
وَلَمّا أَبى اللَهُ أَن تَملِكوا / نَهَضنا إِلَيها وَقُمنا بِها
وَما رَدَّ حُجّابُها وافِداً / لَنا إِذ وَقَفنا بِأَبوابِها
كَقُطبِ الرَحى وافَقَت أُختَها / دَعونا بِها وَغَلَبنا بِها
وَنَحنُ وَرِثنا ثِيابَ النَبِيِّ / فَلِم تَجذِبونَ بِأَهدابِها
لَكَم رَحِمٌ يا بَني بِنتِهِ / وَلَكِن بَنو العَمِّ أَولى بِها
بِهِ غَسَلَ اللَهُ مَحلَ الحِجازِ / وَأَبرَأَها بَعدَ أَوصابِها
وَيَومَ حُنَينٍ تَداعَيتُمُ / وَقَد أَبدَتِ الحَربُ عَن نابِها
وَلَمّا عَلا الحَبرُ أَكفانَهُ / هَوى مَلِكٌ بَينَ أَثوابِها
فَمَهلاً بَني عَمِّنا إِنَّها / عَطِيَّةُ رَبٍّ حَبانا بِها
وَكانَت تَزَلزَلُ في العالَمينَ / فَشَدَّت إِلَينا بِأَطنابِها
وَأُقسِمُ أَنَّكُمُ تَعلَمونَ / بِأَنّا لَها خَيرُ أَربابِها