ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى
ألا كلُّ آتٍ قريبُ المَدى / وكلُّ حياةٍ إلى مُنْتَهَى
وما غَرّ نَفْساً سوَى نفسِها / وعُمْرُ الفتى من أماني الفتى
فأقْصَرُ في العينِ من لَفْتَةٍ / وأسرَعُ في السمع من ذا ولا
ولم أرَ كالمرْءِ وهو اللبيبُ / يرَى ملءَ عيْنَيْه ما لا يُرَى
وليسَ النّواظرُ إلاّ القلوبُ / وأمّا العيونُ ففيها العمى
ومنْ لي بمثلِ سلاح الزّمانِ / فأسْطو عليه إذا ما سطا
يَجُدُّ بنا وهو رَسْلُ العِنانِ / ويُدرِكُنا وهو داني الخُطى
برَى أسْهُماً فنَبَا ما نَبا / فلم يبْقَ إلاّ ارتهافُ الظُّبى
تُراشُ فتُرْمَى فتُنمي فلا / تَحيدُ وتُصْمي ولا تُدَّرى
أأُهْضَمُ لا نَبعَتي مَرْخَةٌ / ولا عَزماتي أيادي سَبا
على أنّ مِثلي رحيبُ اللَّبانِ / على ما ينُوبُ سَليمُ الشظى
ولو غيرُ رَيبِ المَنونِ اعتدى / عليّ وجرّبني ما اعتدى
خليليّ هل ينفعَنّي البُكاءُ / أوِ الوَجدُ لي راجعٌ ما مضى
خليليّ سيرا ولا تَربَعا / عليّ فهَمّيَ غيرُ الثَّوى
ولي زَفَراتٌ تُذيبُ المَطِيّ / وقلْبٌ يَسُدُّ عليّ الفَلا
سَلا قبل وَشك النوى مدنَفاً / أقَضّتْ مضاجِعهُ فاشتكى
وراعى النّجومَ فأعشَيْنَه / فباتَ يظنُّ الثّريّا السُّهَى
ضلوعٌ يضِقنَ إذا ما نَحَطنَ / وقلبٌ يفيضُ إذا ما امتلا
وقد قلتُ للعارض المكفَهِرِّ / أفي السِّلم ذا البرقُ أم في الوغى
وما بالُه قادَ هذا الرّعيلَ / وقُلّدَ ذا الصّارمَ المُنتَضَى
وأقبَلَه المُزنُ في جَحْفَلٍ / وأكذبَ أن صَدّ عني الكرَى
أشيمُكَ يا برق شيْمَ النُّجيم / وما فيك لي بَلَلٌ من صَدى
كِلانا طَوى البيدَ في ليلِهِ / فأضْعفُنا يَتَشَكّى الوَجى
فجُبْتَ الغَمامَ وجُبتُ الغرامَ / حنانيك ليس سُرىً من سُرى
أعِنّي على الليل ليلِ التّمامِ / ودعني لشاني إذا ما انقضَى
فلو كنتُ أطْوي على فتكِهِ / تكشّفَ صبحي عن الشَّنْفرَى
وما العين تعشقُ هذا السُّهادَ / ووَدّ القَطا لو ينَامُ القَطا
أقولُ وقد شقّ أعلى السحابِ / وأعلى الهِضابِ وأعلى الرُّبَى
أذا الوَدْقُ في مثل هذا الرّباب / وذا البرْقُ في مثل هذا السنا
ألا انهلّ هذا بماءِ القلوبِ / وأُوقدِ هذا بنارِ الحَشَا
فيهْمي على أقْبُرٍ لو رأى / مكارمَ أربابها ما هَمَى
وفي ذي النواويسِ موْجُ البحارِ / وما بالبحارِ إليْهِ ظَما
هلمّوا فذا مصرَعُ العالَمينَ / فمن كلّ قلبٍ عليه أسى
وإنّ التي أنْجَبَتْ للورى / كآلِ عليّ لأمُّ الورى
فلوْ عِزّةٌ أنْطَقَتْ مُلحَداً / لأنْطَقَ مُلحَدَها ما يَرَى
بكتْه المغاويرُ بِيضُ السيوفِ / وهذي العَناجيجُ قُبُّ الكُلى
ولمّا أتينا سقَتْه الدموعُ / فما باتَ حتى سقاه الحَيا
وما جادَه المزْنُ من غُلّةٍ / ولكنْ ليبْكِ النَّدى بالنَّدى
وقد خدّ في الشمس أُخدودَه / ولكن سَبَقْنا به في الثرى
وما ضَرّ من لم يَطُفْ بالمقامِ / إذا طافَ بالجوسَقِ المُبْتَنى
وقالوا الحَجونُ فثَمّ الحجونُ / وثَمّ الحَطِيمُ وثَمّ الصَّفا
وبينَ الشمالِ وبين الجنو / بِ في هَبوَةٍ من مَهَبّ الصَّبا
قبورُ الثلاثةِ في مصْرَعٍ / أما كان في واحدٍ ما كفى
أما والركوعُ به والسجودُ / إذا ما بكَى قانتٌ أو دعا
لَذاكَ الصّعيدُ وذاك الكديدُ / أحَقُّ من الخَيْفِ بي أو مِنى
ولو جاوَرَ العرَبَ الأقدمينَ / وفي الذاهبينَ وفَى مَنْ وَفى
أتَتْه الحجيجُ من الرّاقصاتِ / فمنها فُرادى ومنها ثُنا
فما ليَ لا أقتدي بالكِرامِ / وأوثِرُ سُنّةَ مَن قد خلا
إذا ما نحرتَ به أو عقرتَ / فعَدِّ الخوانفَ ذاتَ البُرى
ولا ترْضَ إلاّ بعَقْرِ الثناءِ / ونَحْرِ القَوافي وإلاّ فلا
فلوْلا الدّماءُ إذاً أقبلتْ / عليه تَكوسُ ذواتُ الشَّوى
إذاً لم تُغادرْ غُرَيْرِيّةً / تَخُبُّ ولا سابحاً يُمتطَى
يُعَدُّ الشريفُ وأعمامهُ / وأخوالهُ فيه شِرْعاً سُوى
وإنّ حَصاناً نَمَتْ جعفراً / ويحيَى لَعاديّةُ المنتمى
فجاءتْ بهذا كشمسِ النهارِ / وجاءت بهذا كبدرِ الدّجى
تَرى بهما أسَدَيْ جَحْفَلٍ / غَداةَ المواكبِ وابنَي جَلا
ألمْ تَك من قوْمها في الصّميم / ومن مجدِها في أشَمّ الذُّرى
فمن قومكَ الصِّيدُ صِيدُ الملوكِ / ومن قومها الأُسدُ أُسْدُ الشرى
فوارسُ تُنضي المذاكي الجِيادَ / إذا ما قَرعنَ العُجا بالعُجا
يُضيءُ عليهمْ سَنا الأكرمينَ / إذا ما الحديدُ عليهم دجا
فجئتَ كما شئتَ من جانبَيك / فأنتَ الحياةُ وأنتَ الرّدى
فصِلُّكَ يُرْقى ولا يَستجيبُ / وناركَ تُذكَى ولا تُصْطَلى
ومن ذاك أضْنيتَ صرفَ الزمان / فلم يُخفِهِ عنْكَ إلا الضّنى
فلم تُغمِدِ السيفَ حتى انثنى / ولم تصرِفِ الرُّمحَ حتى انحنى
وإنّ الّذي أنتَ صِنْوٌ له / لمَاضي العَزَائمِ عَرْدُ النَّسا
يُبيرُ عِداكَ إذا ما سَطَا / ويُعرَفُ فيهم إذا ما احتبى
ويأتي على أعيُنِ الحاسدينَ / إذا سألوا مَن فتىً قيل ذا
بنو المنجِباتِ بنو المُنجِبينَ / فمِن مُجتَباةٍ ومن مُجتَبَى
لأمّاتِنَا نِصْفُ أنْسابِنَا / إذا المَلِكُ القَيلُ منَّا انتمَى
دَعائِمُ أيّامِنا في الفَخارِ / وأكْفاءُ آبائِنا في العُلى
ألمْ تَرَهُنّ يُبارينَنَا / فيَمرُقْنَنَا ويَنَلْنَ المدى
كفَلنَ لنا بظِلالِ الخِيام / وأكفَلنَنَا بظِلالِ القَنا
وتغدو فمنهنّ أسماعُنا / وأبصارُنا في حِجالِ المها
فلوْ جازَ حكميَ في الغابرينَ / وعدّلْتُ أقسامَ هذا الوَرَى
لسمّيتُ بعضَ النساء الرجالَ / وسمّيتُ بعضَ الرجال النسا
إذا هي كانتْ لكشفِ الخطوبِ / فكيفَ البنون لضَرْبِ الطُّلى
تولّتْ مُرَفِّلَةً للملوكِ / فمن مصطفى النجل أو مرْتضَى
وأكثرُ آمالِها فيكما / وفي القلب منها كجمر الغضا
فقد أدركت ما تمنت فلا / تضيقا عليها بباقي المنى
فلولا الضّريحُ لنادتكما / تُعيذُكما من شماتِ العِدى
فإمّا تَزِيدانِ في أُنسِها / وإمّا تَذودانِ عنها البِلى
فقد يُضحك الحيُّ سنّ الفقيدِ / فتهتَزُّ أعظُمُه في الثرى
ومهما طلبتَ دليلَ الكرامِ / فإنّ الدّليلَ ائِتلافُ الهوَى
وأنتَ اليَمينُ فَصُلْ بالشمال / فما بيَدٍ عن يدٍ من غنى
وليسَ الرّماحُ بغيرِ السيوفِ / وليس العِمادُ بغيرِ البِنا
ومن لا يُنادي أخاً باسمِهِ / فليس يُخافُ ولا يُرتَجَى