بِنادي الجَزيرَةِ قِف ساعَةً
بِنادي الجَزيرَةِ قِف ساعَةً / وَشاهِد بِرَبِّكَ ما قَد حَوى
تَرى جَنَّةً مِن جِنانِ الرَبيعِ / تَبَدَّت مَعَ الخُلدِ في مُستَوى
جَمالُ الطَبيعَةِ في أُفقِها / تَجَلّى عَلى عَرشِهِ وَاِستَوى
فَقُل لِلحَزينِ وَقُل لِلعَليلِ / وَقُل لِلمَولي هُناكَ الدَوا
وَقُل لِلأَديبِ اِبتَدِر ساحَها / إِذا ما البَيانُ عَلَيكَ اِلتَوى
وَقُل لِلمُكِبِّ عَلى دَرسِهِ / إِذا نَهَكَ الدَرسُ مِنهُ القُوى
تَنَسَّم صَباها تُجَدِّد قُواكَ / فَأَرضُ الجَزيرَةِ لا تُجتَوى
فَفيها شِفاءٌ لِمَرضى الهُمومِ / وَمَلهىً كَريمٌ لِمَرضى الهَوى
وَفيها وَفي نيلِها سَلوَةٌ / لِكُلِّ غَريبٍ رَمَتهُ النَوى
وَفيها غِذاءٌ لِأَهلِ العُقول / إِذا الرَأسُ إِثرَ كَلالٍ خَوى
وَيا رُبَّ يَومٍ شَديدِ اللَظى / رَوى عَن جَهَنَّمَ ما قَد رَوى
بِهِ الريحُ لَفّاحَةٌ لِلوُجوهِ / بِهِ الشَمسُ نَزّاعَةٌ لِلشَوى
قَصَدتُ الجَزيرَةَ أَبغي النَجاةَ / وَجِسمي شَواهُ اللَظى فَاِشتَوى
فَأَلفَيتُ نادِيَها زاهِراً / وَأَلفَيتُ ثَمَّ نَعيماً ثَوى
فَأَنزَلَني مُنزَلاً طَيِّباً / وَرَوّى فُؤادِيَ حَتّى اِرتَوى
وَأَطفَأَ وارِفُ تِلكَ الظِلالِ / سَعيرَ الهَجيرِ وَحَرَّ الجَوى
وَحَلَّ الأَصيلُ عِقالَ الشَمالِ / فَهَبَّت بِنَشرٍ إِلَيها اِنضَوى
فَأَحيَت بِنَفسِيَ ذِكرى الشَبابِ / وَما كانَ مِنها وَمِنهُ اِنطَوى
وَعاوَدَ قَلبِيَ ذاكَ الخُفوقِ / وَقَد كانَ بَعدَ المَشيبِ اِرعَوى
فَما بالُ قَومِيَ لا يَأخُذونَ / لِتِلكَ الجِنانِ طَريقاً سَوا
وَما بالُ قَومِيَ لا يَنزِلونَ / بِغَيرِ جُرُبّي وَبارِ اللِوا
تَراهُم عَلى نَردِهِم عُكَّفاً / يُبادِرُ كُلٌّ إِلى ما غَوى
وَلَو أَنصَفوا الجِسمَ لَاِستَظهَروا / لَهُ بِالمِرانِ وَطيبِ الهَوا
فَيا نادِياً ضَمَّ أُنسَ النَديمِ / وَلَهوَ الكَريمِ وُقيتَ البِلى
لَياليكَ أُنسٌ جَلاها الصَفا / فَأَسَرَت إِلَيكَ وُفودُ المَلا
فَكَم لَيلَةٍ طابَ فيكَ الحَديثُ / فَكانَ الكُؤوسَ وَكانَ الطِلا
فَمِن مُشجِياتٍ إِلى مُطرِباتٍ / إِلى مُضحِكاتٍ تُسَلّى إِلى
وَقَد زانَ لَهوَكَ ثَوبُ الوَقارِ / فَلَهوُكَ في كُلِّ ذَوقٍ حَلا
تَخِفُّ إِلَيهِ رِزانُ الحِجا / وَتَمشي إِلَيهِ السَراةُ الأُلى
فَقُل لِلَّذي باتَ تَحتَ العُقودِ / بِحَربٍ عَلى نَفسِهِ مُبتَلى
أَتِلكَ الأَماكِنُ لا تُستَرادُ / أَتِلكَ المَناظِرُ لا تُجتَلى
أَتَحتَ السَماءِ وَبَدرِ السَماءِ / وَبَينَ الرِياضِ وَبَينَ الخَلا
يُمَلُّ الجُلوسُ وَيَفنى الحَديثُ / فَهَذا النَعيمُ وَإِلّا فَلا
سَأَلتُ الأُلى يَقدِرونَ الحَياةَ / أَلَم تَفتَتِنكُم فَقالوا بَلى
مَكانٌ لَعَمرُكَ ما حَلَّ في / نَواحيهِ ذو الحُزنِ إِلّا سَلا
فَما أَنتَ في مِصرَ إِن لَم تَطِر / إِلَيهِ فَتَشهَدَ تِلكَ الحُلى
لَهُ مَلعَبٌ فيهِ ما يَشتَهي / مُحِبُّ الرِياضَةَ مَهما غَلا
لِكُلِّ فَريقٍ بِهِ لُعبَةٌ / تُلائِمُ مِن سِنِّهِ ما خَلا
وَلِعبٌ هُوَ الجِدُّ لَو أَنَّنا / نَظَرنا إِلَيهِ بِعَينِ النُهى
لَدى غَيرِ مِصرَ لَهُ حُظوَةٌ / فَكَم راحَ يَلهو بِهِ مَن لَها
وَفي أَرضِ يونانَ شاهَدتُهُ / فَأَيُّ جَمالٍ إِلَيهِ اِنتَهى
وَشاهَدتُ مَوسِمَهُ قَد حَوَت / نَواحيهِ غايَةَ ما يُشتَهى
وَماجَ بِزُوّارِهِ المولَعينَ / وَأَضحى بِعَرشِ المُلوكِ اِزدَهى
وَقَد زادَ أَلعابَهُ بَهجَةً / مَكانٌ فَسيحٌ مُعَدٌّ لَها
صِراعٌ وَعَدوٌ بَعيدُ المَدى / وَوَثبٌ يَكادُ يَنالُ السُها
وَشاهَدتُ عَدّاءَهُم قَد عَدا / ثَلاثينَ ميلاً وَما إِن وَهى
وَقامَت مُلاكَمَةُ اللاعِبينَ / فَأَنسَت تَناطُحَ وَحشِ المَها
بِأَوحى مِنَ اللَمحِ كانَ النِزالُ / فَيا وَيلَ مَن مِنهُما قَد سَها
وَلَو رُحتُ أَنعَتُ تِلكَ الضُروبَ / لَضاقَ القَريضُ وَأَعيا بِها
عَلى أَنَّ في أُفقِنا نَهضَةً / سَتَبلُغُ رَغمَ القُعودِ المَدى
وَإِن لَم تَكُن بَلَغَت أَوجَها / كَذا كُلُّ شَيءٍ إِذا ما اِبتَدا
وَنادي الرِياضَةِ أَولى بِأَن / يَكونَ عَلَيها مَنارَ الهُدى
أَظَلَّت جَلائِلَ أَعمالِهِ / ظِلالُ حُسَينٍ حَليفِ النَدى
مَليكٌ رَعاهُ بِإِقبالِهِ / وَحُسنِ عِنايَتِهِ وَالجَدا
فَفي عَهدِهِ فَليَجِدَّ المُجِدُّ / فَإِنَّ السُعودَ بِهِ قَد بَدا