أعادك يا سعد عيد الهوى
أعادك يا سعد عيد الهوى / وأنت مُلِمٌّ بدار اللّوى
فأصبحت تنحر فيها الجفون / كما تنحر البُدن يوم القِرى
فمن حقّ طرفي هذي الدموع / ومن شأن قلبي هذا الجوى
فما غير قلبي يصْلى الفضا / ولا غير طرفي يفيض الدما
وكيف وقفت على أربع / عَفَتْ قبل هذا بأيدي البلى
أتدفع فيها بها ما ترى / فكيف تداوي الأسى بالأسى
ولِمَ لا اتَّبعت كلام النصوح / وكفكفت دمعك لما جرى
إلى أن تحقَّقْتَ أنَّ الغرام / يعيد القويَّ ضعيف القوى
وحتى أطعت الهوى والشجيُّ / يعاصي الملام لطوع الهوى
فإن تلحُني بعدها مرَّةً / جزيتك يا سعد بئس الجزا
ولمتُكَ في عبرات تفيض / ووجد يقطع منك الحشا
وقلت تسلّ عن الظاعنين / فإنَّ السلوّ بأمر الفتى
ألم تك من قبلها لمتني / فماذا الوقوف وماذا البكا
وقد كنتُ مثلك بين الطلول / أساجل بالدمع وَبْلَ الحيا
وأروي الدِّيار بماء الجفون / قلم يرق دمعي وفيها ظما
وما برحت عبراتي بها / تبلّ الغليل وتروي الصَّدى
وأذكر فيها على صبوتي / زمان التصابي وعهد الصبا
قَضَيْتُ لديه بما أشتهي / ولكنَّه قد مضى وانقضى
أغازل غِزلانَه للوصال / وأشرب للَّهوِ كأس الطلا
وأسمع من نغمات القيان / كلاماً يعشقني بالدمى
يحضُّ على ما يسرُّ النفوس / ويدعو إلى ما هو المشتهى
ينادمني كلُّ عذب الكلام / يشابه بالحسن بدر الدجى
وألقى الزمان بهم باسماً / كوجه الكريم وزهر الرُّبا
فإن ترني بعدهم راضياً / ولو بالخيال فما عن رضا
ولكنَّها زفرات تهيج / فأذكر يا سعد ما قد مضى
وإن جاشتِ النفس من وجدها / فتعليلها بحديث المنى
وأخرج من ذكرهم بالقريض / بمدح عليٍّ خدينَ العُلى
ففي مدحه ما يزيل الهموم / وفي شكره يستفاض الندى
فلا بعده للمنى منتهى / ولا غيره للعُلى مرتقى
تواضَعَ وهو عليُّ الجناب / رفيع المحلّ وسامي الذُّرا
بآثاره أبداً يقتفى / وأقواله أبداً يقتدى
ملاذ الجميع لمن قد دنا / من العالمين ومن قد نأى
أعاد مناقب آبائه / حياة العُفاة وحتف العدى
ويرتاح للبذل يوم العطا / فينفق أنفس ما قد غلا
فإمَّا سألت ندى كفّه / فسل ما تشاء وثق بالغنى
وأعجبُ ما فيه يعطي الجزيل / ويلحق ذاك الجدى بالجدى
ففيه مع الجود هذا الحياء / وفيه مع البأس هذا التُّقى
أليسَ من القوم سادوا الأنام / فهم سادةٌ لجميع الورى
عليهم تنزَّل وحي الإِله / ومنهم تبلج صبح الهُدى
وكيف يفاخرهم غيرهم / إذا كانَ جدّهم المصطفى
يلوذ بحضرتهم من يخاف / خطوب الليالي ويخشى الأذى
حماةٌ بهم يأمن الخائفون / نوائبَ من شدَّةٍ تُتَّقَى
لهم عند ضيق مجال الرجال / عزائم ليست لبيض الظبا
أكارم لا نارهم في الظلام / توارى ولا جارهم في عنا
مضوا وأتى بعدهم فرعهم / ومن قد مضى مثل من قد أتى
مهابٌ إذا أنتَ أبصرته / فتحسبه من أسود الشرى
يجيب إذا ما دعاه الصَّريخ / همام يلبِّي إذا ما دعا
صفا من يديه غير النوال / لمن يجتديه فخذ ما صفا
أُؤمِّلُ منه بعيد المرام / وأرجو به فوق ما يرتجى
وإنِّي بنظمي مديحي له / كمن شرب الرَّاح حتَّى انتشى
ولا زال في كلِّ عيد يعود / بأرفع مجدٍ وأعلى بِنا