نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ
نَعاءِ إِلى كُلِّ حَيٍّ نَعاءِ / فَتى العَرَبِ اِحتَلَّ رَبعَ الفَناءِ
أُصِبنا جَميعاً بِسَهمِ النِضالِ / فَهَلّا أُصِبنا بِسَهمِ الغِلاءِ
أَلا أَيُّها المَوتُ فَجَّعتَنا / بِماءِ الحَياةِ وَماءِ الحَياءِ
فَماذا حَضَرتَ بِهِ حاضِراً / وَماذا خَبَأتَ لِأَهلِ الخِباءِ
نَعاءِ نَعاءِ شَقيقَ النَدى / إِلَيهِ نَعِيّاً قَليلَ الجَداءِ
وَكانا جَميعاً شَريكَي عِنانٍ / رَضيعَي لِبانٍ خَليلَي صَفاءِ
عَلى خالِدِ بنِ يَزيدَ بنِ مَز / يَدِ أَمرِ دُموعاً نَجيعاً بِماءِ
وَلا تَرَيَنَّ البُكا سُبَّةً / وَأَلصِق جَوىً بِلَهيبٍ رَواءِ
فَقَد كَثَّرَ الرُزءُ قَدرَ الدُمو / عِ وَقَد عَظَّمَ الخَطبُ شَأنَ البُكاءِ
فَباطِنُهُ مَلجَأٌ لِلأَسى / وَظاهِرُهُ ميسَمٌ لِلوَفاءِ
مَضى المَلِكُ الوائِلِيُّ الَّذي / حَلَبنا بِهِ العَيشَ وُسعَ الإِناءِ
فَأَودى النَدى ناضِرَ العودِ وَال / فُتُوَّةُ مَغموسَةً في الفَتاءِ
فَأَضحَت عَلَيهِ العُلى خُشَّعاً / وَبَيتُ السَماحَةِ مُلقى الكِفاءِ
وَقَد كانَ مِمّا يُضيءُ السَريرَ / وَالبَهوَ يَملَأُهُ بِالبَهاءِ
سَلِ المُلكَ عَن خالِدٍ وَالمُلوكَ / بِقَمعِ العِدى وَبِنَفيِ العَداءِ
أَلَم يَكُ أَقتَلَهُم لِلأُسودِ / صَبراً وَأَوهَبَهُم لِلظِباءِ
أَلَم يَجلِبِ الخَيلَ مِن بابِلٍ / شَوازِبَ مِثلَ قِداحِ السَراءِ
فَمَدَّ عَلى الثَغرِ إِعصارَها / بِرَأيٍ حُسامٍ وَنَفسٍ فَضاءِ
فَلَمّا تَراءَت عَفاريتُهُ / سَنا كَوكَبٍ جاهِلِيِّ السَناءِ
وَقَد سَدَّ مَندوحَةَ القاصِعاءِ / مِنهُم وَأَمسَكَ بِالنافِقاءِ
طَوى أَمرَهُم عَنوَةً في يَدَيهِ / طَيَّ السِجِلِّ وَطَيَّ الرِداءِ
أَقَرّوا لَعَمري بِحُكمِ السُيوفِ / وَكانَت أَحَقَّ بِفَصلِ القَضاءِ
وَما بِالوِلايَةِ إِقرارُهُم / وَلَكِن أَقَرّوا لَهُ بِالوَلاءِ
أُصِبنا بِكَنزِ الغِنى وَالإِمامُ / أَمسى مَصاباً بِكَنزِ الغَناءِ
وَما إِن أُصيبَ بِراعي الرَعِيَّةِ / لا بَل أُصيبَ بِراعي الرِعاءِ
يَقولُ النِطاسِيُّ إِذ غُيِّبَت / عَنِ الداءِ حيلَتُهُ وَالدَواءِ
نُبُوُّ المَقيلِ بِهِ وَالمَبيتِ / أَقعَصَهُ وَاِختِلافُ الهَواءِ
وَقَد كانَ لَو رُدَّ غَربُ الحِمامِ / شَديدَ تَوَقٍّ طَويلَ اِحتِماءِ
مُعَرَّسُهُ في ظِلالِ السُيوفِ / وَمَشرَبُهُ مِن نَجيعِ الدِماءِ
ذُرى المِنبَرِ الصَعبِ مِن فُرشِهِ / وَنارُ الوَغا نارُهُ لِلصِلاءِ
وَما مِن لَبوسٍ سِوى السابِغاتِ / تَرَقرَقُ مِثلَ مُتونِ الإِضاءِ
فَهَل كانَ مُذ كانَ حَتّى مَضى / حَميداً لَهُ غَيرُ هَذا الغِذاءِ
أَذُهلَ بنَ شَيبانَ ذُهلَ الفَخارِ / وَذُهلَ النَوالِ وَذُهلَ العَلاءِ
مَضى خالِدُ بنُ يَزيدَ بنَ مَز / يَدَ قَمَرُ اللَيلِ شَمسُ الضَحاءِ
وَخَلّى مَساعِيَهُ بَينَكُم / فَإِيّايَ فيها وَسَعيَ البِطاءِ
رِدوا المَوتَ مُرّاً وُرودَ الرِجالِ / وَبَكّوا عَلَيهِ بُكاءَ النِساءِ
غَليلي عَلى خالِدٍ خالِدٌ / وَضَيفُ هُمومي طَويلُ الثَواءِ
فَلَم يُخزِني الصَبرُ عَنهُ وَلا / تَقَنَّعتُ عاراً بِلُؤمِ العَزاءِ
تَذَكَّرتُ خُضرَةَ ذاكَ الزَمانِ / لَدَيهِ وَعُمرانُ ذاكَ الفِناءِ
وَزُوّارُهُ لِلعَطايا حُضورٌ / كَأَنَّ حُضورَهُمُ لِلعَطاءِ
وَإِذ عِلمُ مَجلِسِهِ مَورِدٌ / زُلالٌ لِتِلكَ العُقولِ الظِماءِ
تَحولُ السَكينَةُ دونَ الأَذى / بِهِ وَالمُرُوَّةُ دونَ المِراءِ
وَإِذ هُوَ مُطلِقُ كَبلِ المَصيفِ / وَإِذ هُوَ مِفتاحُ قَيدِ الشِتاءِ
لَقَد كانَ حَظّي غَيرَ الخَسيسِ / مِن راحَتَيهِ وَغَيرَ اللَفاءِ
وَكُنتُ أَراهُ بِعَينِ الرَئيسِ / وَكانَ يَراني بِعَينِ الإِخاءِ
أَلَهفي عَلى خالِدٍ لَهفَةً / تَكونُ أَمامي وَأُخرى وَرائي
أَلَهفي إِذا ما رَدى لِلرَدى / أَلَهفي إِذا ما اِحتَبى لِلحِباءِ
أَلَحدٌ حَوى حَيَّةَ المُلحِدينَ / وَلَدنُ ثَرىً حالَ دونَ الثَراءِ
جَزَت مَلِكاً فيهِ رَيّا الجَنوبِ / وَرائِحَةُ المُزنِ خَيرَ الجَزاءِ
فَكَم غَيَّبَ التَربُ مِن سُؤدَدٍ / وَغالَ البِلى مِن جَميلِ البَلاءِ
أَبا جَعفَرٍ لِيُعِركَ الزَمانُ / عِزّاً وَيُكسِبكَ طولَ البَقاءِ
فَما مُزنُكَ المُرتَجى بِالجَهامِ / وَلا ريحُنا مِنكَ بِالجِربِياءِ
وَلا رَجَعَت فيكَ تِلكَ الظُنونُ / حَيارى وَلا اِنسَدَّ شِعبُ الرَجاءِ
وَقَد نُكِسَ الثَغرُ فَاِبعَث لَهُ / صُدورَ القَنا في اِبتِغاءِ الشِفاءِ
فَقَد فاتَ جَدُّكَ جَدَّ المُلوكِ / وَعُمرُ أَبيكَ حَديثُ الضِياءِ
وَلَم يَرضَ قَبضَتَهُ لِلحُسامِ / وَلا حَملَ عاتِقِهِ لِلرِداءِ
فَمازالَ يَفرَعُ تِلكَ العُلى / مَعَ النَجمِ مُرتَدِياً بِالعَماءِ
وَيَصعَدُ حَتّى لَظَنَّ الجَهولُ / أَنَّ لَهُ مَنزِلاً في السَماءِ
وَقَد جاءَنا أَنَّ تِلكَ الحُروبَ / إِذا حُدِيَت فَاِلتَوَت بِالحُداءِ
وَعاوَدَها جَرَبٌ لَم يَزَل / يُعاوِدُ أَسعافَها بِالهَناءِ
وَيَمتَحُ سَجلاً لَها كَالسِجالِ / وَدَلواً إِذا أُفرِغَت كَالدِلاءِ
وَمِثلُ قُوى حَبلِ تِلكَ الذِراعِ / كانَ لِزازاً لِذاكَ الرِشاءِ
فَلا تُخزِ أَيّامَهُ الصالِحاتِ / وَما قَد بَنى مِن جَليلِ البِناءِ
فَقَد عَلِمَ اللَهُ أَن لَن تُحِبَّ / شَيئاً كَحُبِّكَ كَنزَ الثَناءِ