وأَهْدِ بِهَا فِي الفَلا والسُّرى
وأَهْدِ بِهَا فِي الفَلا والسُّرى / ويَوْمَ التَّلاقي وحِينَ الثَّوَاءِ
وتحتَ العَجاجِ ووَسْطَ الهِياجِ / وَفِي بحرِ آلٍ وَفِي بحرِ ماءِ
وأَوْصِلْ بِهَا لأَصيلِ العَشِيِّ / بقَرْنِ الضُّحى والضحى بالمساءِ
وفاءً لنفسٍ أَمَدَّتْ سناها / بنورِ النهى وبنارِ الذَّكاءِ
وهدِيٍ هَداها سبيلَ العَفَافِ / ورأَيٍ أَراها هُدى كلِّ رَاءِ
كما قَدْ وَفَيْتُ لَهَا حِينَ عُجْتُ / بِغُلَّتِها فِي عُبابِ الوفاءِ
ينابِيعُ مجدٍ سَقَتْ نَبْعَةً / من الفضلِ دانِيَةَ الإِجْتِناءِ
زَكَا تُرْبُها فِي ثرى المَأْثُرَاتِ / فأَيْنَعَ إِثمارُها بالزَّكاءِ
فأَضْحَتْ تَثَنَّى بِرُوحِ الثَّناءِ / ويَنْمِي لَهَا عُنْصُرُ الإِنْتِماءِ
فكم أَفرَجَتْ عن نجومِ السُّعُودِ / وكم أَغْمَضَتْ من نُجُومِ الشَّقاءِ
وكم ظَلَّلَتْ من حَريرِ الهجيرِ / وكم أنْزَلَتْ من طريدِ العِشاءِ
رياضاً تفوحُ بِطيبِ الفَعَالِ / وزَهْراً يلوحُ ببشْرِ اللِّقاءِ
ونادَيْنَني بِضَمانِ النَّدى / وحَيَّيْنَني بحياةِ الرَّجاءِ
بما استُحْفِظَتْ من حفاظِ الجِوارِ / وَمَا أُبْلِيَتْ من حَميدِ البَلاءِ
بجامِعها شَمْلَ حِلْمٍ وعِلْمٍ / وهادٍ لَهَا شُكْرَ دانٍ وناءِ
ومن ولَدَتْ من كريمِ النِّجارِ / ومن أرْضَعَتْ بِلِبانِ الدَّهاءِ
رعى حَقَّ مَا استودَعَتْهُ المساعي / فأَوْدَعْنَهُ رَعْيَ خيرِ الرِّعاءِ
ونادَتْ بِهِ دَوْلَةُ السَّبْقِ حَيَّ / فأَعْدَتْهُ بالسَّبْقِ قَبْلَ النِّداءِ
تُجِيبيَّةٌ جابَ عنها الرَّدَى / كَجَوْبِ المُهَنَّدِ مَتْنَ الرِّداءِ
حقيقُ النَّصِيحَةِ أَنْ يَسْتَثِيرَ / لَهَا الدُّرَّ من تَحْتِ رَدْمِ الغُثاءِ
وأَلّا يُخَلِّيَ فِي ظِلِّها / ذَلِيلَ الذِّمامِ عَزِيزَ العَزَاءِ
فَبَشَّرَ عنها بِبَذْلِ الغِنى / وأَعذر فِيهَا ببذل الغناءِ
لِمُنْزِلِهِ مَنْزِلَ الإِخْتِصاصِ / ومُلْبِسِهِ شُرْطَةَ الإِعتِلاءِ
ومُعْتَدِّ أَقلامِهِ للكِتابِ / كتائِبَ مُشْتَرِفاتِ اللِّواءِ
مليكٌ تواضَعَ فِي عِزِّ مُلْكٍ / كسا دَهْرَهُ حُلَّةَ الكِبْرِياءِ
مُقَلَّدُ سَيْفِ الهُدى والهوادِي / مُتَوَّجُ تاجِ السَّنا والسَّناءِ
وأَغْزَى جيوشَ نداهُ القلوبَ / فجاءَتْهُ مُذْعِنَةً بالسِّباءِ
وخاصَمَ فِي مُهَجَاتِ الأَعادِي / فأُعْطِيَ بالسيفِ فصْلَ القضاءِ
كَأَنَّ الأَمانِيَ مَنٌّ عَلَيْهِ / فلا آيِبٌ دونَ ضِعْفِ الجزاءِ
فَلَبَّيْكَ لا مِنْ بَعيدٍ ولكنْ / عَذيرَكَ من مُعْذِراتِ الحَياءِ
حَمى فَاحْتَبَى بفناءِ اخْتِلالي / فباعَدَ بَيْني وبَيْنَ الحِباءِ
وقَنَّعَ وَجْهِي قَناعَاتِ حُرٍّ / فَقَنَّعَ دُوني وُجُوهَ العَطاءِ
وآزَرْتُهُ بالتَّجَمُّلِ حَتَّى / طَوَيْتُ صدى ظَمَأٍ عَنْ سِقاءِ
أَميرٌ عَلَى ماءِ وَجْهِي ولكِنْ / فِدَاهُ بِعَيْنَيَّ ماءً بِماءِ
فأُرْصِدَ هَذَا لِحُرٍّ كريمٍ / وأُسْبِلَ ذا طَمَعاً فِي الشِّفاءِ
فقد حانَ من بُرَحَاءِ الضُّلوعِ / رَحيلٌ تَنادى بِبَرْحِ الخَفاءِ
عَلَى ذُلُلٍ من مطايا الشؤونِ / قَطَعْنَ إِلَيْكَ عِقالَ الثَّواءِ
عواسِفَ يَهْمَاءَ من غَوْلِ هَمي / يُقَصِّرُ عَنْها ذَمِيلُ النِّجاءِ
جَدَلْتُ أزِمَّتَها من جُفُونِي / وصُغْت أَخِسَّتَها من ذَمَائِي
وأُنْعِلُها قَرِحاتِ المآقي / فأخْصِفُها بِنَجِيعِ الدِّماءِ
فَمُنْجِدَةٌ فِي مَجالِ النِّجادِ / وغائِرَةٌ فِي غُرور الرِّداءِ
فكَمْ قَدْ شَقَقْنَ سَلىً عن سَليلٍ / وأَجْهَضْنَ عن مُسْتَسرِّ الوِعاءِ
وكم قَدْ رَدَدْنَ حياةَ نُفوسٍ / ظِماءٍ بِمَوْتِ نفوسٍ ظِماءِ
كَأَنَّ مَدَاهُنَّ فِي صَحْنِ خَدِّي / ركابيَ فِي صَحْصَحَانِ الفَضاءِ
تجوبُ التَّنائِفَ خَرْقاً فَخَرْقاً / وحاجاتُها فِي عُنُوِّ العَنَاءِ
بكُلِّ حزينٍ بِعالِي الحُزُونِ / ومُقْوٍ بكُلِّ بِلادٍ قَواءِ
وَمُسْتَوْهَلٍ حُمَّ منهُ الحِمامُ / لأَوَّلِ وَهْلَةِ ذَاكَ التَّنَائِي
كَأَنَّ تَجاوُبَ خُضْرِ الحَمَامِ / نَشِيجُهُمُ لِتَغَنِّي الحُدَاءِ
وَقَدْ أَوْطَنُوا أَرْبُعاً لِلْبِلَى / وَقَدْ وَطَّنُوا أَنْفُساً لِلْبَلاءِ
وكُلِّ خَليٍّ عن الإِنْسِ رَهْنٍ / لِجَنْبَيْ خَلِيَّةِ بَحْرٍ خَلاءِ
قريبَةِ مَا بَيْنَ نِضْوٍ ونِضْوٍ / بعيدَةِ مَا بَيْنَ مَرْأَىً وَرَاءِ
تمورُ بِضِعْفِ نُجُومِ الثُّرَيَّا / لَوِ انْفَرَدَتْ بأَديمِ السَّمَاءِ
ثمانٍ كأَسرارِ قَلَبِ الكَئِيبِ / ورابِعةٌ كَقِدَاحِ السِّرَاءِ
مَطالِبُهُمْ لِمَطالِ الضِّمارِ / وآجالُهُمْ لاقْتِضاءِ القضاءِ
فهل آذَنَتْ هِجْرَتِي أَنْ ترِيني / عواقِبَ تَجْلُو كُرُوبَ الجَلاءِ
وهل ظَفِرَتْ هِمَّتِي من هُمُومِي / بِثَأْرٍ مُنيمٍ وَوِتْرٍ بَوَاءِ
أَلَمْ يَتنَاهَ غُرُوبُ الغَرِيبِ / إِلَى مَطْلِعِ الشَّمْسِ فِي الانْتِهاءِ
ولم أَتَّخِذْ جُنْحَ لَيْلِ المحاقِ / جَناحاً إِلَى نُورِ لَيْلِ السَّواءِ
ولَمْ أَتَزَوَّدْ هَبِيدَ القِفارِ / إِلَى بَحْرِ أَرْيٍ جزيلِ العَطَاءِ
فأَصبَحْتُ من ظُلَمِ الإِكْتِئَابِ / عَلَى عَلَمٍ بَيْنَ قَرْنَيْ ذُكاءِ
وأَلْقَتْ يَمِيني عَصا الإِغْتِرابِ / من الأَمْنِ بَيْنَ العَصَا واللِّحاءِ
وأَوْطَنْتُ فِي قُبَّةِ المُلْكِ رَحْلِ / يَ بَيْنَ الرِّواقِ وبين الكِفاءِ
وأَوْفَيْتُ سُوقَ النَّدى والمعالي / بِدُرِّ المقالِ وحُرِّ الثَّناءِ
وَقَدْ شَهِدَ البَرُّ والبَحْرُ أَنِّي / بِقُرْبِ ابْنِ يَحْيى مُجَابُ الدُّعاءِ
وأَنَّكَ أَنْتَ الصَّريحُ السَّمِيعُ / إِذَا صَمَّ مُسْتَمِعٌ عن نِدائِي
وأَنَّكَ دُونِيَ طَوْدٌ مَنيعٌ / عَلَى الدَّهْرِ مُسْتَصْعَبُ الإِرْتِقاءِ
وأَنَّكَ أَنتَ الشَّفِيعُ الرَّفِيعُ / بِدائي إِلَى مُسْعِفٍ بالدَّوَاءِ
فكيف تخطّت إليَّ الرزايا / ولم أُخطِ في مُستجاد الوِقاءِ
وكيْفَ اعْتَصَمْتُ بِصَدْرِ الزَّمَانِ / وصَدْرِي قِرى كُلِّ داءٍ عَياءِ
وَقَدْ ضَرَّسَتْنِي حُرُوبُ الخُطُوبِ / وأَبْطَأْتِ يَا نُصْرَةَ الأَوْلِياءِ
وعُرِّفْتُ فِي نَكَباتِ الزَّمانِ / بِكُنْهِ الصَّديقِ ومَعْنى الإِخاءِ
فوا قَدَمِي من سلامِ العِثارِ / ويا أَلَمِي من سِهامِ الجَفَاءِ
وَمَا أَبْعَدَ القَفْرَ عن عَيْنِ راءِ / وَمَا أَقْرَبَ الوَقْرَ من سَمْعِ ناءِ
ويا طُولَ ظِمْئِي لِخَمْسٍ وعَشْرٍ / طريدَ الحياضِ بعيدَ الإِضاءِ
كَأَنِّيَ بِعْتُ التُّقى بالنِّفاقِ / فلا هؤُلاءِ ولا هؤُلاءِ
وكم عُقِرَتْ دونَ عُقْرِ الحياضِ / سَوَامِي وأُزَّتْ أَمامَ الإِزاءِ
فَرُحْتُ بِهَا مُخْمِصاً فِي البِطانِ / وأَصْدَرْتُها مُظْمِئاً فِي الرِّواءِ
وأَرْعَيْتُ سعدانَ سَعْدِ السُّعُودِ / نِواءَ المُنى وصَفايا الصَّفاءِ
وأَقْوى فأَنْحَرُ حَرْفاً سِناداً / وأَرْعى فأَحْلُبُ شَطْرَ الإِناءِ
بِسَبْعٍ كَسَبْعِ سَمامِ السَّمُومِ / وأَرْبَعَةٍ كَرُبُوعِ العَفاءِ
يُفَدُّونَ نَفْسِي من الحادِثَاتِ / وَمَا لِي ولا لَهُمُ مِنْ فِداءِ
وكَمْ ضَرَبُوا بِقِداحِ الحُنُوِّ / عَلَيَّ ففازُوا بِقِسْمٍ سَوَاءِ
وَقَدْ أَسلَمَتْهُمْ سمائي وأَرْضِي / فلا مِنْ ثَرَايَ ولا مِن ثَرَائِي
فيا ضِيقَ ذَرْعِي لَهُمْ بالزَّفِيرِ / عَلَى ضِيقِ ذَرْعِي بِضِيقِ الشِّتاءِ
وَقَدْ آذَنَتْهُمْ يَدِي واضْطِلاعي / بِعُدْمِ الوِقاءِ لهمْ والصِّلاءِ
فما بسوى حرِّ تلك الصدورِ / يُوَقَّونَ من بردِ هذا الهواءِ
وإِن راعتِ الأرضُ منهم جنوباً / تسلَّوا برعيِ نجومِ السماءِ