ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى
ألم يَأنِ يا صاح أم قد أَنَى / بأمر المُتَيَّم أن يُعتَنى
فعُجْ بالمطيّة لي عَوجةً / على العَلَمِ الفَرْدِ بالمُنْحنى
وحَيِّ مِن الحَيِّ مَن عندَه / فؤادي أسيرٌ ولا يْفْتَدى
مضَى العُمْرُ أجمعه في البِعادِ / فَموْعُدَنا للتّداني متى
ولم يُبْقِِ مُفتَرقُ الظّاعني / نَ باقيةً فِيّ للملْتقى
فأهْدِ ولو رَدّةً للسلامِ / وأَوْلِ ولو زَوْرةً في الكرَى
عَذيرِيَ من شادنٍ عَهدُهُ / قضى بالصّبابةِ لي وانقضَى
يُعَذِّبُ أحبابه ظالماً / وما ذا على غادرٍ لو وَفى
وحَلَّ الغضا فهْو في نارِهِ / إذا شاءيُضرِم لي في الحشا
ولم يتَعلّمْ سوىالهجرِ قط / فلو شاء وَ صْلَ فتىً مادَرى
فَدَى سحْرَ عينيْك ظبيُ الصّريمِ / وغُرّةَ وجهك شمسُ الضُّحى
ولو لم تكنْ أنت نَفْسي هوىً / جعلْتُ إذَنْ لك نَفْسي فِدى
وكم مَوعدٍ بات طَرْفي عليه / لَطيْفِك مُرتَقباً لو سَرى
وليلٍ تَسربَلْتُ منه الجديدَ / إلى أن تَمزَّقَ عنّى بِلى
فلم يَعرَ خَدّي من الدّمعِ فيه / ولا ناظري بالجفونِ اكتسى
تَذكّرتُ عهدَ الحمى فاستَهل / فللّهِ ذِكريَ عهْدَ الحِمى
ولم يعُدِ الصُّبْحُ لكنّني / غَسلْتُ بدَمْعيَ ثوبَ الدُّجى
وفتّانةٍ سلَبتْني الفؤادَ / بعَيْنٍ لها سلَبْتها المَها
كما يَنتضِي سيفَه غاضبٌ / وأوّلُ ما غَضِب المُنتضى
تَمَنّيتُ عَودةَ أيامِها / وهل راجعٌ زمَنٌ قد مضى
نظرتُ إلى أخْرَياتِ الشّبابِ / وقد كاد أن يتَناهَى المَدى
وعهدُ التّصابي كأنّي به / يَمُرُّ كما مَرَّ عهدُ الصِّبا
أقولُ لرَكْبٍ غَدَوا مُعرِقينَ / على العيسِ نافخةٌ في البُرى
قِفوا لي أُسايرْكُمُ وَقْفَة / فَعَنْسيَ مرحولةٌ للنّوى
وضُمُّوا إليكم صغيراً كما / بَنو النّعْشِ يَستصحبونَ السُّها
وإنْ طَوَّفوا حولَ قُطْبِ السّماءِ / فَسِيروا نطُفْ حولَ قٌطْبِ العُلا
وما هو إلاّ حريمُ الإمام / فقد ظَلَّ مَقْصدَ كُلِ الورى
فلمّا أملْنا إليه الرِّكابَ / مُواصلةً سَيْرَها بالسرى
ذَرَعْنَ بنا البِيدَ ذَرْعَ الرِّداءِ / بأيدٍ سريعةِ رجَعِ الخُطا
فلمّا بدا من سوادِ العراقِ / لأعيُنهنَّ بَياضُ الصَّوى
وغَنّى الحُداةُ وراء المَطِي / وقالوا وصلْتَ فماذا تَرى
تَنَفّسَ في الجَوِّريحَ الجَنوبِ / بُكوراً معَ الصُّبْح لمّا بَدا
بناشئةٍ من رقيقِِ الغَمامِ / بها الأفْقُ عند الصّباح احتَبى
فلم تُطْرفِ العين حتّى استطار / سَناها وحتّى استدارَالرَّحا
وراقَ العيونَ لها عارِضٌ / إذا ضَحِك البرق فيه بكَى
فظَلَّ كأنَّ ارتقاصَ القِطارِ / بوَجْهِ الصّعيدِ افْتِحاصُ القَطا
وحارَ له الرَّكبُ فوقَ الرَكابِ / وقد أصبحَ السّيل ُ مِلءَ المَلا
فقلتُ وقد حالَ دونَ المَسيرِ / ألا ما أقَلَّ حياءَ الحيا
ألم تَدْرِياغيثُأم قد درَيْتَ / بأنّا وفودُ إمامِ الهُدى
نسيرُ إلى ابْنِ الّذي أطلقَتْكَ / يَداهُ لدى المَحْلِ لمّا دَعا
رأى زمَناً حبسَ اللهُ في / ه قَطْر الغمامِ بما قد جَنى
على حينَ ضَجّتْ بلادُ الحِجازِ / إلى رَبِّها ضَجّةً من ظَما
فقام إلى القطْرِ فافتكَّهُ / من الأَسْرِ صِنْوُ أبى المُصطَفى
بأنْ يَلِيَ الأرضَ أبناؤه / إلى الحَشْرِ يَرْوونَها بالنّدى
فما الغيثُ مثْلَكَ في شِيمةٍ / ولكنّه عَبْدُك المُفْتَدى
وما يَنْزِلُ الغيثُ إلا لأنْ / يُقَبِلَ بين يَديْك الثّرى
فللّهِ دولةُ مُستَخلَفٍ / به راحَ مسظهِراً واغتَدى
غدا الدّينُ والملكُ في ظِلِّه / وكُلٌّ مَنيعٍ رفيعٌ الذُرا
يُشافُ ويُشْفَى بآرائه / إذا مَسّه صَدأُ أو صَدى
أعارَ الاعاديَ هاماً متى / أبَوا شُكْرَهُ ارتجعَتْها الظُّبى
وأعطَتتْ زكاةَ النّدَى كفُّه / فنالَتْ يَدُ البحر منها الغِنى
وأُقسِمُ ما مثْلُه في السّخا / ءِ إلا زمانٌ به قد سَخا
وَلاؤك أوفَى أبٍ لامْرىءٍ / فَخاراً إذا ما إليه اعتَزى
وما جعل الدّهْرَ صَعْبَ الإباءِ / سوى أنَّه بذُراكَ احتمى
وما جاد بالطّبعِ كفُّ السحا / بِ بلْ بمِثالِ يدَيْكَ احتذى
فلله مَلْكٌ بكِلْتا يدَيْهِ / يُحيِي الهُدَى حينَ يُردي العِدا
كإلْفِ مَواهبِه للأكُفْ / ف إلْفُ قَواضبِه للطُلى
فلو ضافَه كُلُّ وَحْشِ الفلاة / تَكَفّلَ صَمصامُه بالقِرى
ولو قَلَستْ سُمْرُه ما احتسَتْ / بَلغْنَ سُيولُ الدماء الزُّبى
ولو وَرِثَ النّسرُ عُمْرَ القتيلِ / لما حَلّ بالفُتْخ صرْفُ الرَّدى
فأجدِرْ بنوركَ أن يُستضاءَ / وأكبَرْ بنارِك أن تُصطلَى
بأدنَى الرِضا منك مَن يَرتجيك / ينالُ من الدَّهرِ فوقَ الرِضا
وما برِحَتْ بالوفود المَطِيْ / يُ تَفْلِي إليك نواصي الفَلا
حَملْنَ إليْك جميل الثّناء / وَيحمِلْنَ عنك جزيلَ اللُّها
وقد كادَ يَعْيا على النّاطقينَ / إلى مَدْحِ مثْلِكَ أن يُهتدَى
فَعلّتَ بنا بمعاني عُلا / كَ كيفَ الثّناءُ على مَنْ عَلا
هلِ العِلْمُ شَيءٌ سوى ما وَرِثْتَ / ومَن قال غيرَ مَقالي اعتدَى
أما نشأ الوحيُ في بيِتكم / فهل سرّه لسِواكُم فَشا
ألم يَرَ جِبريلَ عند النّبِيّ / بِهْيئتهِ الحَبْرُ لَمّا هَوى
أما قالَ فَقِّهْهُ في الدّينِ رَبّ / وعلّمْهُ تأويلَه المُبتَغى
أيُرتابُ أنّ دُعاءَ الرّسولِ / به حقَّق اللهُ ما قد رَجا
أخصَّ سِواهُ بعِلْمِ الكتاب / كما خَصَّ كُلاً بما قد رأى
أما كّلُّ شيءٍ بهذا الكِتا / ب ما فرط الله فيما حوى
وجدكم ترجمان الكتاب / فهل فوق ذلك من مُرتقى
وهل باطِنٌ بعد هذا العُمو / مِ باق فُيكشَفَ عنه تُرى
سوى أنَّه مَرقَتْ فرقةٌ / من الدّينِ حين هَوتْ في الهوى
لتَشْرعَ دِيناً بلَهْوِ الحديثِ / فأولى لها لو نَهاها النُّهى
بدا الحقُّ يفترُّ للناظرين / فمالُوا إلى باطلٍ يُفْترى
وما بحثوا عن هُدىً للنفوسِ / ولكنّهم بحثُوا عن مُدى
وكم مُحَنقٍ من ولائي لكم / يَراني فيُطرَفُ بي من قلى
وعِبْءٌ على جَفْنِ عينِ الجَهولِ / لِقاءُ أخى العلم مهما رأى
سَلوا إن جَهِلتُم فإنّ السّؤا / ل يجلو عن النّاظرينَ العَمى
أكانَ النّبِيُّ وراء السُّجو / ف يرمُز بالدّين لمّا أتى
ويأخُذُ أَخْذَ المُريبِ العُهودَ / بكَتْمِ العقيدةِ إذ تُبتلَى
أمِ الحَقُّ أبلَجُ مِثْلُ الصّباحِ / من مُبتداً وإلى مُنتَهى
دعا الخَلْقَ دَعْوتَه ظاهراً / وليس سوى الله من مُتّقى
وطاف بها عارضاً نفسَه / على كُلِّ حيٍّ نأى أو دَنا
يُنادي بها مِلْءَ أذْنِ القَريبِ / ويُوصِي بتَبليغ مَن قد نأى
كذا عُهِدَ الشّرْعُ في بَدْئه / وما عُهِدَ الدهرَ إلاّ كَذا
إليك ابنَ ساقِي الحجيجِ الذي / به الله للخَلْق طُرّاً سقَى
دعاني الوَلاءُ وما زلتُ من / ه مُستَمْسِكاً بوَثيق العُرا
وما قلتُ من كلِمٍ تُستَجاَ / د صِدْقاً ومن مِدّحٍ تُرتَضى
من الدُّررِ الرّائقاتِ الّتي / خلِقْنَ لجِيد المعالي حُلى
سَوائغَ كالماء لكنّها / بمَسْلَكِ أنفاسِ قومٍ شَجا
سَوائرَ تَزهَرُ مثْلَ النُّجومِ / يَنالُ بها طالبٌ ما ابتغَى
فإن لم يكُنَّ نجومَ الدُّجَى / فما هُنّ إلا نجومُ الحِجا
فدُمْ للنّدى ما جرَى للرَّيا / ض في حَدَقِ النَّورِ دَمْعُ النَّدى
تَضوَّعُ مِسكاً مُتونُ البلاد / إذا ذِكْرُ مُلْككَ يوماً جَرى
فعَدْلُك أحسنُ حَلْيَ الزّمانِ / وحبُّكَ أنفَسُ ذُخْر الفتى