المجموع : 37
تقاصرَ عمرُ الظلامِ الطويلْ
تقاصرَ عمرُ الظلامِ الطويلْ / ولا بدَّ من أجلٍ للعليلْ
وضاقَ بهِ الأفق ضيقَ القبور / فزمَّ الكواكبَ يبغي الرحيلْ
وراحَ فخفَّتْ همومُ القلوبْ / كما سار بعدَ المقامِ الثقيل
لقدْ كدتُ أبغضُ لونَ الظلامْ / لولا شفاعةُ طرفٍ كحيلْ
طوى الشمسَ فاختبأت أختها / نفورَ الغزالِة من وجهِ فيلْ
وكانتْ إذا احتجتْ قبلهْ / تجاذبها نسماتُ الأصيلْ
أرى البدرَ غارَ فأغرى بها / وكلُّ جميلٍ يعادي الجميلْ
أم الحظُّ أرسلَ لي ذا الدجى / فكانَ الرسالة وجه الرسولْ
أم الليلٌُ قد قامَ في مأتمٍ / فمنهُ الحدادُ ومنهُ العويلْ
ولم أنسَ ساعةَ أبصرتُها / وجسم النهارِ كجسمي نحيلْ
وقد خرجتْ لتعزي السماءْ / عن ابنتها إذ طواها الأفولْ
على مركبٍ أشبهتهُ البروج / تمرُّ بهِ كالبروقِ الخيولْ
إذا قابلتهُ لحاظُ العيونْ / سمعتَ لأسيافهنَّ صليلْ
وإن قاربتهُ ظنونُ النفوس / رأيتَ النفوسَ عليهِ تسيلْ
وقد أخرجتْ نفحاتُ الرياضْ / زكاةَ الرياحينِ لابنِ السبيلْ
وقد عبثَ الدلُّ بالغانياتْ / فذي تتهادى وهذي تميلْ
كأنَّ الحواجبَ قوسٌ فما / تحركَ إلا جلتْ عن قتيلْ
كأنَّ القلوبَ أضلَّتْ قلوباً / فكانتْ لحاظُ العيونِ الدليلْ
حمائمٌ في حَرَمٍ آمنٍ / بهذي الضلوعِ بناهُ الخليلْ
وما راعها غيرُ لونِ الدجى / يصدئُ لوحَ السماءِ الصقيلْ
فيا قبحَ الليلُ من قادمٍ / بوجهِ الكذوبِ ومرأى العذولْ
بغيضٌ إلينا على ذلَهِ / وشرٌّ من الذلِّ بغضُ الذليلْ
وكم عزني بالأماني التي / أرتني أنَّ زماني بخيلْ
ومن أملِ الناسِ ما لا يُنالْ / كما أنَّ في الناسِ من لا يُنيلْ
ألا عاطني الخمرَ إنَّ الزمانَ
ألا عاطني الخمرَ إنَّ الزمانَ / على مِيمِها وعلى رائِها
وانعشْ بها زهراتِ السرور / فقد نبتتْ قبلُ من مائها
لعرشِ السماءِ ارتقتْ أمُها / وفي الأرضِ أعراشُ آبائها
فلبستْ لغيرِ ملوكِ الكلام / وبنت الملوك لأكفانها
ولا غروَ إن زادَ أعداؤها / فقدْرُ النفوسِ بأعدائها
أليسَ من الطلمِ للخمرِ أنْ / تُذَمَّ بأشهرِ أسمائِها
رحيقٌ كماءِ الشبا
رحيقٌ كماءِ الشبا / بِ من وجنةٍ يقطرُ
بكأسٍ كبدرِ الدجى / ظلامي بها مقمرُ
وساقٍ على ساقِهِ / يرجرجهُ المئزرُ
تحجبها كفهُ / وفي خدِّهِ تظهرُ
أراهُ لنا قائداً / ونحنُ لهُ عسكرُ
كأنَّ صفاءَ الرحي / قِ نافسهُ الكوثرُ
فمن ربحَ اليومَ ذا / فذاكَ غداً يخسرُ
منى النفسِ لو بقيتْ لي المنى
منى النفسِ لو بقيتْ لي المنى / ومن للشقيِّ بيومٍ سعيدِ
تعيدُ إلينا السرورَ القديم / كأنَّا خُلقنا بها من جديدِ
وتذكرنا الأزمن الخاليات / كذكرِ العظيمِ ليالي المهودِ
فهاتِ اسقني بالكؤوسِ الكبار / فما أحسنَ الفمُّ فوقَ النهودِ
نضارُ لمن يدهُ كالنحاس / ونارٌ لمن قلبه كالحديدِ
هو الدهرُ آتيكَ أو ذاهبُ
هو الدهرُ آتيكَ أو ذاهبُ / وصادِقُكَ الوعد أو كاذبُ
فدعهُ كما شاءَ من ذا ترى / يجدُّ ومن حولهُ لاعبُ
وإن كنتَ في أملٍ فاقتصدْ / فمعطي النفوس هو السالبُ
لقد علمتني تجاريبُها / بأن القنوعَ هو الواجبُ
فدعني بربكَ لاتسقني / فإن التمني لها صاحبُ
وإما أبيت فمهلاً إذاً / أنا ذلكَ الملكُ العاصبُ
ولي الأرضُ مشرقُها والمغيب / هنا جانبٌ وهنا جانبُ
فهاكَ وهاتِ وخلِّ الأنام / يحجبهم عنيَ الحاجبُ
إذا ما شربنا أرى الأرض تمشي / وكل امرىءٍ فوقها راكبُ
طرحنا غمامَ الأسى للسماءِ / فرأس السماء به شائبُ
ومن عَنتِ الراحِ تدني المنى / وتحضرها وأنا غائبُ
لها رقةٌ كدبيبِ الكرى / فلا غروَ أن يحلمَ الشاربُ
عجبتُ لأهلِ الهوى أنهم
عجبتُ لأهلِ الهوى أنهم / يعيشونَ موتى بأرماسهمْ
سكارى بكأسٍ سقتْ مغرماً / وما انقصَ الدهرُ من كاسِهمْ
كأنَّ الهمومَ بانفاسهم / تكونُ ويا حرَّ أنفاسهمْ
أعِرنيَ عينيكَ يا عاذلي
أعِرنيَ عينيكَ يا عاذلي / لعلي أرى الحقَّ كالباطلِ
فعيني قد انصبغتْ بالفؤاد / كمثلِ الزجاجةِ والسائلِ
كلانا يراها وهيهاتَ ما / تَوَجَّعَ بالثكلِ كالثاكلِ
ولو كانَ للصيدِ عينُ الذي / يصيدُ لما اغترَّ بالحابلِ
هويت وأطعمتَ جسمي النحول / فَويْلاهُ من شَرَهِ الآكلِ
كأني ثيابي عليَّ الربيع / كسا جانبَي بلدٍ ماحلِ
كأنَّ عيوني بموجِ الدموع / خِضَمٌّ لهُ الجفنُ كالساحلِ
كأني ودمعي في مقلتي / أرى كفني في يدِ الغاسلِ
ليَ اللهُ هل أنا إلا فتىً / أجدُّ ودهريَ كالهازلِ
ومن سادَ في قومهِ الجاهلون / أضرَّتْ بهِ شيمةُ العاقلِ
كأنَّ الزمانَ بقايا دُجىً / أنا فيهِ كالقمرِ الآفلِ
نزلتُ على حكمهِ طاعةً / لوحي على مهجتي نازلِ
ومن كانَ قاضيهِ من يحب / رأى جائرَ الحكمِ كالعادلِ
يعيبونَ فيها نحولي فَلمْ / يُرى النجمُ في الأُفْقِ كالناحلِ
وكيفَ يُعابُ الحسامُ الصقيل / أرقَّتْ شَباهُ يدُ الصاقلِ
مُهَفْهَفَةٌ فكانَ الهوى / يحاربنا بالقنا الذابلِ
وأعجبُ من أملي وصلها / وبعضُ المنى قاتلُ الأملِ
لها مهجتانِ تحبُّ وتسلو / وما تحتَ ضدينِ من طائلِ
وشى العاذلونَ بأني سلوت
وشى العاذلونَ بأني سلوت / وأنَّ الجفونَ ألفنَ الرقادْ
فلما رأتني من خدرها / أشارتْ لقلبي بالابتعادْ
وهزتَ ستارتها باليدينِ / تعلمني كيفَ خفقُ الفؤادْ
رأيناهُ يخطرُ في روضةٍ
رأيناهُ يخطرُ في روضةٍ / كأنْ قد تعلمَ من بانها
فكانتْ بهِ جنةُ العاشقين / وكانَ فؤادي كرضوانها
وما سميَّ الروضُ باسمِ الجنان / لو لم يكن بعضَ ولدانها
ملأتَ المحطةَ بالعاشقين
ملأتَ المحطةَ بالعاشقين / فهذا يغيرُ وذاكَ يغارْ
وقلبيَّ مما تمزَّقَ أضحى / كأنَّ عليهِ يمرُّ القطارْ
بربكَ ماذا فعلتَ بنا / وما لكَ عندي ذوي الحبِّ ثارْ
قتلتَ وأحرقتَ حتى القطار / يسيرُ وفي قلبهِ منكَ نارْ
تولى زمانُ بني آدمٍ
تولى زمانُ بني آدمٍ / وهذا الزمانُ زمانُ القرودُ
وما الموتُ إلا اصطحابُ الثقيلِ / ولولاهُ فازَ الورى بالخلودِ
نسيتم ودادي فلم
نسيتم ودادي فلم / تزوروا ولم تسألوا
وسيانَ عندي فلا / أقولُ اهجروا وأوصلوا
ومن كانَ بي جاهلاً / فإني بهِ أجهلُ
يطولُ لحيتهُ كالحبال
يطولُ لحيتهُ كالحبال / فيا ليتَ عمري من طولها
كمروحة الخيشِ في العارضينِ / نطري الهواءَ بتبليلها
وقد لقبوها بستِّ اللحى / لتعظيمها ولتبجيلها
ألستَ تراها تجرُّ الذيولَ / فيحظى الصغارُ بتقبيلها
وكم بحثَ الناسُ في أصلها / وأي الوبا كانَ في جيلها
وكم حكموا انها علةٌ / وما علةُ غيري تعليلها
قرأتُ الكتابَ فكانَ الفؤاد
قرأتُ الكتابَ فكانَ الفؤاد / كأنكَ تلمسهُ باليدِ
وقبلتهُ ثمَّ أدنيتهُ / من القلبِ كالعينِ والإثمدِ
فطارَ بهِ طيبُ أنفاسكم / إلى أنْ تعلقَ بالفرقدِ
وقلتُ لعيني انظري للفؤاد / وما فعلَ الشوقُ بيَ واشهدي
فقالَ لها القلبُ هذا غرامي / وبعضُ غرامكِ أن تسهدي
فخذْ منيَ اليومَ قلبي وعيني / وذي الروحُ أسلمها في غدِ
أرى الهجرَ أن تذكرَ الهجرَ لي
أرى الهجرَ أن تذكرَ الهجرَ لي / فإنَّ القلوبَ بما تذكرُ
وإنَّ السماءَ إذا أبرقتْ / غدتْ بعدَ إبروقها تمطرُ
أخافُ عليكَ وما إن تخاف / وأنتَ المطاعُ بما تأمرُ
وما آفةُ النفسِ بعدَ المتاب / غلا الغرورُ بمن يغفرُ
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ
أدرتَ عيونكَ في كلِّ وجهٍ / ونطّقتَ باللحظاتِ الخصورا
وكدتَ تشكُّ بهنَّ القلوب / وتلحمُ أسيافهنَّ الصدورا
فلا عجبَ أن يصدَّ الحسان / وأن يتعلمنَ فيكَ النفورا
تلثمهنَّ بلحظِ وقاحِ / ويمنعهنَّ الحياءُ السفورا
لعلكَ تعلمُ أنَّ الظباء / ينفرنَ إما رأينَ البعيرا
وهبكَ خفيرا لهذي الطريق / فلستَ على النيّراتِ خفيرا
أرى نظراً كالطفيلي لا / يوجهُ حتى يعود حسيرا
فلو خلقَ للهُ فيكَ العيونَ / طيوراً لما بتَّ إلا ضريرا
لئن منعوكَ سلكَ المنام
لئن منعوكَ سلكَ المنام / ما انفكَ ما بيننا ينقلُ
أراها وقد جعلتْ تمطلُ / ذكاءٌ تضيءُ ولا تنزلُ
يضنُّ الجمالُ بأربابهِ / وأهلُ الجمالِ بهِ أبخلُ
وسيانَ في الطيرِ عصفورةٌ / إذا انفلتتْ منكَ والبلبلُ
فيا من جعلتُ لهُ خاتماً / متى تلبسُ الخاتمُ الأنملُ
تدوسينَ فوقَ الثرى مهجتي / وطيفكِ في أعيني يرفلُ
فمنكِ إليَّ ومني إليكِ / كلانا لصاحبهِ يحملُ
وذو الشوقِ يسعى على عينهِ / إذا قعدتْ بالهوى الأرجلُ
سلي الصبحَ كيفَ أراقَ الكرى / وعيني ما أوشكتْ تثملُ
رمى الفجرَ فانفجرتْ عينهُ / دماً فأتى بالندى يغسلُ
وأضرمَ من شمسهِ شعلةً / فجفَّ على حرِّها المقتلُ
كذاكَ أرى الناسَ في غدرهم / تساوى الأواخرُ والأولُ
أصالحُ قل لي متى نلتقي / فبعضيَ عن بعضهِ يسألُ
أراكَ تؤيّدني في البيانِ / كما اتحدَّ الفلبُ والمِقْوَلُ
ولولا الفؤادُ وميزاتهُ / لمالَ اللسانُ فلا يعدلُ
ألا أنذرَ الفئةَ الحاسدين / سيوفاً منا ضربتْ تفصلُ
وقل للعصافيرِ لا تبرحي / ولا تمرحي قد هوى الأجدلُ
عجبتُ لهمْ وعجيبٌ إذا / عجبتُ لمن لم يكنْ يعقلُ
وما يستوي الجفنُ فيه الغبار / وإن أشبهَ الكحلَ والأكحلُ
هم نخلوني فماذا رأوا / اَأَمسكَ نورَ الضُّحى المنخلُ
وثارَ الغبارُ فيا أفقُ هلْ / جلا لكَ مرآتكَ الصيقلُ
وأقبلَ فار فما للجبال / لم يلقَ عاليها الأسفلُ
وكيفَ يخيفُ الهلالَ الدجى / ويرهبُ عنترةَ المنصلُ
رأوا ليَ في حكمتي ثانية / كما ينظرُ الواحدَ الأحولُ