المجموع : 39
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُر
أَبا الهَولِ طالَ عَلَيكَ العُصُر / وَبُلِّغتَ في الأَرضِ أَقصى العُمُر
فَيالِدَةَ الدَهرِ لا الدَهرُ شَبَّ / وَلا أَنتَ جاوَزتَ حَدَّ الصِغَر
إِلامَ رُكوبُكَ مَتنَ الرِمالِ / لِطَيِّ الأَصيلِ وَجَوبِ السَحَر
تُسافِرُ مُنتَقِلاً في القُرونِ / فَأَيّانَ تُلقي غُبارَ السَفَر
أَبَينَكَ عَهدٌ وَبَينَ الجِبالِ / تَزولانِ في المَوعِدِ المُنتَظَر
أَبا الهَولِ ماذا وَراءَ البَقاءِ / إِذا ما تَطاوَلَ غَيرُ الضَجَر
عَجِبتُ لِلُقمانَ في حِرصِهِ / عَلى لُبَدٍ وَالنُسورِ الأُخَر
وَشَكوى لَبيدٍ لِطولِ الحَياةِ / وَلَو لَم تَطُل لَتَشَكّى القِصَر
وَلَو وُجِدَت فيكَ يا بنَ الصَفاةِ / لَحَقتَ بِصانِعِكَ المُقتَدِر
فَإِنَّ الحَياةَ تَفُلُّ الحَديدَ / إِذا لَبِسَتهُ وَتُبلى الحَجَر
أَبا الهَولِ ما أَنتَ في المُعضِلاتِ / لَقَد ضَلَّتِ السُبلَ فيكَ الفِكَر
تَحَيَّرَتِ البَدوُ ماذا تَكونُ / وَضَلَّت بِوادي الظُنونِ الحَضَر
فَكُنتَ لَهُم صورَةَ العُنفُوانُ / وَكُنتَ مِثالَ الحِجى وَالبَصَر
وَسِرُّكَ في حُجبِهِ كُلَّما / أَطَلَّت عَلَيهِ الظُنونُ اِستَتَر
وَما راعَهُم غَيرُ رَأسِ الرِجالِ / عَلى هَيكَلٍ مِن ذَواتِ الظُفُر
وَلَو صُوِّروا مِن نَواحي الطِباعِ / تَوالَوا عَلَيكَ سِباغَ الصُوَر
فَيا رُبَّ وَجهٍ كَصافي النَميرِ / تَشابَهَ حامِلُهُ وَالنَمِر
أَبا الهَولِ وَيحَكَ لا يُستَقَلُّ / مَعَ الدَهرِ شَيءٌ وَلا يُحتَقَر
تَهَزَّأتَ دَهراً بِديكِ الصَباحِ / فَنَقَّرَ عَينَيكَ فيما نَقَر
أَسالَ البَياضَ وَسَلَّ السَوادَ / وَأَوغَلَ مِنقارُهُ في الحُفَر
فَعُدتَ كَأَنَّكَ ذو المَحبِسَينِ / قَطيعَ القِيامِ سَليبَ البَصَر
كَأَنَّ الرِمالَ عَلى جانِبَيكَ / وَبَينَ يَدَيكَ ذُنوبُ البَشَر
كَأَنَّكَ فيها لِواءُ الفَضاءِ / عَلى الأَرضِ أَو دَيدَبانُ القَدَر
كَأَنَّكَ صاحِبُ رَملٍ يَرى / خَبايا الغُيوبِ خِلالَ السَطَر
أَبا الهَولِ أَنتَ نَديمُ الزَمانِ / نَجِيُّ الأَوانِ سَميرُ العُصُر
بَسَطتَ ذِراعَيكَ مِن آدَمٍ / وَوَلَّيتَ وَجهَكَ شَطرَ الزُمَر
تُطِلُّ عَلى عالَمٍ يَستَهِلُّ / وَتوفي عَلى عالَمٍ يُحتَضَر
فَعَينٌ إِلى مَن بَدا لِلوُجودِ / وَأُخرى مُشَيِّعَةٌ مِن غَبَر
فَحَدِّث فَقَد يُهتَدى بِالحَديثِ / وَخَبِّر فَقَد يُؤتَسى بِالخَبَر
أَلَم تَبلُ فِرعَونَ في عِزِّهِ / إِلى الشَمسِ مُعتَزِياً وَالقَمَر
ظَليلَ الحَضارَةِ في الأَوَّلينَ / رَفيعَ البِناءِ جَليلَ الأَثَر
يُؤَسِّسُ في الأَرضِ لِلغابِرينَ / وَيَغرِسُ لِلآخَرينَ الثَمَر
وَراعَكَ ما راعَ مِن خَيلِ قَمبي / زَ تَرمي سَنابِكَها بِالشَرَر
جَوارِفُ بِالنارِ تَغزو البِلادَ / وَآوِنَةً بِالقَنا المُشتَجِر
وَأَبصَرتَ إِسكَندَراً في المَلا / قَشيبَ العُلا في الشَبابِ النَضِر
تَبَلَّجَ في مِصرَ إِكليلُهُ / فَلَم يَعدُ في المُلكِ عُمرَ الزَهَر
وَشاهَدتَ قَيصَرَ كَيفَ اِستَبَدَّ / وَكَيفَ أَذَلَّ بِمِصرَ القَصَر
وَكَيفَ تَجَبَّرَ أَعوانُهُ / وَساقوا الخَلائِقَ سَوقَ الحُمُر
وَكَيفَ اِبتُلوا بِقَليلِ العَديدِ / مِنَ الفاتِحينَ كَريمِ النَفَر
رَمى تاجَ قَيصَرَ رَميَ الزُجاجِ / وَفَلَّ الجُموعَ وَثَلَّ السُرَر
فَدَع كُلَّ طاغِيَةٍ لِلزَمانِ / فَإِنَّ الزَمانَ يُقيمُ الصَعَر
رَأَيتَ الدِياناتِ في نَظمِها / وَحينَ وَهى سِلكُها وَاِنتَثَر
تُشادُ البُيوتُ لَها كَالبُروجِ / إِذا أَخَذَ الطَرفُ فيها اِنحَسَر
تَلاقى أَساساً وَشُمَّ الجِبالِ / كَما تَتَلاقى أُصولُ الشَجَر
وَإيزيسُ خَلفَ مَقاصيرِها / تَخَطّى المُلوكُ إِلَيها السُتُر
تُضيءُ عَلى صَفَحاتِ السَماءِ / وَتُشرِقُ في الأَرضِ مِنها الحُجَر
وَآبيسُ في نيرِهِ العالِمونَ / وَبَعضُ العَقائِدِ نيرٌ عَسِر
تُساسُ بِهِ مُعضِلاتُ الأُمورِ / وَيُرجى النَعيمُ وَتُخشى سَقَر
وَلا يَشعُرِ القَومُ إِلّا بِهِ / وَلَو أَخَذَتهُ المُدى ما شَعَر
يَقِلُّ أَبو المِسكِ عَبداً لَهُ / وَإِن صاغَ أَحمَدُ فيهِ الدُرَر
وَآنَستَ موسى وَتابوتَهُ / وَنورَ العَصا وَالوَصايا الغُرَر
وَعيسى يَلُمُّ رِداءَ الحَياءِ / وَمَريَمُ تَجمَعُ ذَيلَ الخَفَر
وَعَمرو يَسوقُ بِمِصرَ الصِحابَ / وَيُزجي الكِتابَ وَيَحدو السُوَر
فَكَيفَ رَأَيتَ الهُدى وَالضَلالَ / وَدُنيا المُلوكِ وَأُخرى عُمَر
وَنَبذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفُجورِ / وَأَخذَ المُقَوقِسِ عَهدَ الفَجِر
وَتَبديلَهُ ظُلُماتِ الضَلالِ / بِصُبحِ الهِدايَةِ لَمّا سَفَر
وَتَأليفَهُ القِبطَ وَالمُسلِمين / كَما أُلِّفَت بِالوَلاءِ الأُسَر
أَبا الهَولِ لَو لَم تَكُن آيَةً / لَكانَ وَفاؤُكَ إِحدى العِبَر
أَطَلتَ عَلى الهَرَمَينِ الوُقوفَ / كَثاكِلَةٍ لا تَريمُ الحُفَر
تُرَجّي لِبانيهِما عَودَةً / وَكَيفَ يَعودُ الرَميمُ النَخِر
تَجوسُ بِعَينٍ خِلالَ الدِيارِ / وَتَرمي بِأُخرى فَضاءَ النَهَر
تَرومُ بِمَنفيسَ بيضَ الظُبا / وَسُمرَ القَنا وَالخَميسَ الدُثَر
وَمَهدَ العُلومِ الخَطيرَ الجَلالِ / وَعَهدِ الفُنونِ الجَليلَ الخَطَر
فَلا تَستَبينُ سِوى قَريَةٍ / أَجَدَّ مَحاسِنَها ما اِندَثَر
تَكادُ لِإِغراقِها في الجُمودِ / إِذا الأَرضُ دارَت بِها لَم تَدُر
فَهَل مَن يُبَلِّغُ عَنّا الأُصولَ / بِأَنَّ الفُروعَ اِقتَدَت بِالسِيَر
وَأَنّا خَطَبنا حِسانَ العُلا / وَسُقنا لَها الغالِيَ المُدَّخَر
وَأَنّا رَكِبنا غِمارَ الأُمورِ / وَأَنّا نَزَلنا إِلى المُؤتَمَر
بِكُلِّ مُبينٍ شَديدِ اللِدادِ / وَكُلِّ أَريبٍ بَعيدِ النَظَر
تُطالِبُ بِالحَقِّ في أُمَّةٍ / جَرى دَمُها دونَهُ وَاِنتَشَر
وَلَم تَفتَخِر بِأَساطيلِها / وَلَكِن بِدُستورِها تَفتَخِر
فَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَحِف / وَلَم يَبقَ غَيرُكَ مَن لَم يَطِر
تَحَرَّك أَبا الهَولِ هَذا الزَمانُ / تَحَرَّكَ ما فيهِ حَتّى الحَجَر
نَجِيَّ أَبي الهَولِ آنَ الأَوانُ / وَدانَ الزَمانُ وَلانَ القَدَر
خَبَأتُ لِقَومِكَ ما يَستَقونَ / وَلا يَخبَأُ العَذبَ مِثلُ الحَجَر
فَعِندي المُلوكُ بِأَعيانِها / وَعِندَ التَوابيتِ مِنها الأَثَر
مَحا ظُلمَةَ اليَأسِ صُبحُ الرَجاءِ / وَهَذا هُوَ الفَلَقُ المُنتَظَر
اليَومُ نَسودُ بِوادينا / وَنُعيدُ مَحاسِنَ ماضينا
وَيُشيدُ العِزُّ بَأَيدينا / وَطَنٌ نَفديهِ وَيَفدينا
وَطَنٌ بِالحَقِّ نُؤَيِّدُهُ / وَبِعَينِ اللَهِ نُشَيِّدُهُ
وَنُحَسِّنُهُ وَنُزَيِّنُهُ / بِمَآثِرِنا وَمَساعينا
سِرُّ التاريخِ وَعُنصُرُهُ / وَسَريرُ الدَهرِ وَمِنبَرُهُ
وَجِنانُ الخُلدِ وَكَوثَرُهُ / وَكَفى الآباءُ رَياحينا
نَتَّخِذُ الشَمسَ لَهُ تاجاً / وَضُحاها عَرشاً وَهّاجا
وَسَماءَ السُؤدَدِ أَبراجاً / وَكَذلِكَ كانَ أَوالينا
العَصرُ يَراكُم وَالأُمَمُ / وَالكَرنَكُ يَلحَظُ وَالهَرَمُ
أَبني الأَوطانَ أَلا هِمَمُ / كَبِناءِ الأَوَّلِ يَبنينا
سَعياً أَبَداً سَعياً سَعياً / لِأَثيلِ المَجدِ وَلِلعَليا
وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا / وَلنَجعَل مِصرَ هِيَ الدُنيا
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ
لِكُلِّ زَمانٍ مَضى آيَةٌ / وَآيَةُ هَذا الزَمانِ الصُحُف
لِسانُ البِلادِ وَنَبضُ العِبادِ / وَكَهفُ الحُقوقِ وَحَربُ الجَنَف
تَسيرُ مَسيرَ الضُحى في البِلادِ / إِذا العِلمُ مَزَّقَ فيها السَدَف
وَتَمشي تُعَلِّمُ في أُمَّةٍ / كَثيرَةِ مَن لا يَخُطُّ الأَلِف
فَيا فِتيَةَ الصُحفُ صَبراً إِذا / نَبا الرِزقُ فيها بِكُم وَاِختَلَف
فَإِنَّ السَعادَةَ غَيرُ الظُهو / رِ وَغَيرُ الثَراءِ وَغَيرُ التَرَف
وَلَكِنَّها في نَواحي الضَميرِ / إِذا هُوَ بِاللَومِ لَم يُكتَنَف
خُذوا القَصدَ وَاِقتَنِعوا بِالكَفافِ / وَخَلّوا الفُضولَ يَغِلها السَرَف
وَروموا النُبوغَ فَمَن نالَهُ / تَلَقّى مِنَ الحَظِّ أَسنى التُحَف
وَما الرِزقُ مُجتَنِبٌ حِرفَةً / إِذا الحَظُّ لَم يَهجُرِ المُحتَرِف
إِذا آخَتِ الجَوهَرِيَّ الحُظوظُ / كَفَلنَ اليَتيمَ لَهُ في الصَدَف
وَإِن أَعرَضَت عَنهُ لَم يَحلُ في / عُيونِ الخَرائِدِ غَيرُ الخَزَف
رَعى اللَهُ لَيلَتَكُم إِنَّها / تَلَت عِندَهُ لَيلَةَ المُنتَصَف
لَقَد طَلَعَ البَدرُ مِن جُنحِها / وَأَوما إِلى صُبحِها أَن يَقِف
جَلَوتُم حَواشِيَها بِالفُنونِ / فَمِن كُلِّ فَنٍّ جَميلٍ طَرَف
فَإِن تَسأَلوا ما مَكانُ الفُنونِ / فَكَم شَرَفٍ فَوقَ هَذا الشَرَف
أَريكَةُ مولِييرَ فيما مَضى / وَعَرشُ شِكِسبيرَ فيما سَلَف
وَعودُ اِبنِ ساعِدَةٍ في عُكاظَ / إِذا سالَ خاطِرُهُ بِالطُرَف
فَلا يَرقَيَن فيهِ إِلّا فَتىً / إِلى دَرَجاتِ النُبوغِ اِنصَرَف
تُعَلِّمُ حِكمَتُهُ الحاضِرينَ / وَتُسمِعُ في الغابِرينَ النُطَف
حَمَدنا بَلاءَكُمُ في النِضالِ / وَأَمسُ حَمَدنا بَلاءَ السَلَف
وَمَن نَسِيَ الفَضلَ لِلسابِقينَ / فَما عَرَفَ الفَضلَ فيما عَرَف
أَلَيسَ إِلَيهِم صَلاحُ البِناءِ / إِذا ما الأَساسُ سَما بِالغُرَف
فَهَل تَأذَنونَ لِذي خِلَّةٍ / يَفُضُّ الرَياحينَ فَوقَ الجِيَف
فَأَينَ اللِواءُ وَرَبُّ اللِواءِ / إِمامُ الشَبابِ مِثالُ الشَرَف
وَأَينَ الَّذي بَينَكُم شِبلُهُ / عَلى غايَةِ الحَقِّ نِعمَ الخَلَف
وَلا بُدَّ لِلغَرسِ مِن نَقلِهِ / إِلى مَن تَعَهَّدَ أَو مَن قَطَف
فَلا تَجحَدَنَّ يَدَ الغارِسينَ / وَهَذا الجَنى في يَدَيكَ اِعتَرَف
أُولَئِكَ مَرّوا كَدودِ الحَريرِ / شَجاها النَفاعُ وَفيهِ التَلَف
نَجا وَتَماثَلَ رُبّانُها
نَجا وَتَماثَلَ رُبّانُها / وَدَقَّ البَشائِرَ رُكبانُها
وَهَلَّلَ في الجَوِّ قَيدومُها / وَكَبَّرَ في الماءِ سُكّانُها
تَحَوَّلَ عَنها الأَذى وَاِنثَنى / عُبابُ الخُطوبِ وَطوفانُها
نَجا نوحُها مِن يَدِ المُعتَدي / وَضَلَّ المُقاتِلَ عُدوانُها
يَدٌ لِلعِنايَةِ لا يَنقَضي / وَإِن نَفَدَ العُمرُ شُكرانُها
وَقى الأَرضَ شَرَّ مَقاديرِهِ / لَطيفُ السَماءِ وَرَحمانُها
وَنَجّى الكِنانَةَ مِن فِتنَةٍ / تَهَدَّدَتِ النيلَ نيرانُها
يَسيلُ عَلى قَرنِ شَيطانِها / عَقيقُ الدِماءِ وَعِقيانِها
فَيا سَعدُ جُرحُكَ ساءَ الرِجالَ / فَلا جُرِحَت فيكَ أَوطانُها
وَقَتكَ العِنايَةُ بِالراحَتَينِ / وَطَوَّقَ جيدَكَ إِحسانُها
مَنايا أَبى اللَهُ إِذ ساوَرَتكَ / فَلَم يَلقَ نابَيهِ ثُعبانُها
حَوَت دَمَكَ الأَرضُ في أَنفِها / زَكِيّاً كَأَنَّكَ عُثمانُها
وَرَقَّت لِآثارِهِ في القَميصِ / كَأَنَّ قَميصَكَ قُرآنُها
وَريعَت كَما ريعَتِ الأَرضُ فيكَ / نَواحي السَماءِ وَأَعنانُها
وَلَو زُلتَ غُيَّبَ عَمرُو الأُمورِ / وَأَخلى المَنابِرَ سَحبانُها
رَماكَ عَلى غِرَّةٍ يافِعٌ / مُثارُ السَريرَةِ غَضبانُها
وَقِدماً أَحاطَت بِأَهلِ الأُمورِ / مُيولُ النُفوسِ وَأَضغانُها
تَلَمَّسَ نَفسَكَ بَينَ الصُفوفِ / وَمِن دونِ نَفسِكَ إيمانُها
يُريدُ الأُمورَ كَما شاءَها / وَتَأبى الأُمورُ وَسُلطانُها
وَعِندَ الَّذي قَهَرَ القَيصَرَينِ / مَصيرُ الأُمورِ وَأَحيانُها
وَلَو لَم يُسابِق دُروسَ الحَياةِ / لَبَصَّرَهُ الرُشدَ لُقمانُها
فَإِنَّ اللَيالي عَلَيها يَحولُ / شُعورُ النُفوسِ وَوُجدانُها
وَيَختَلِفُ الدَهرُ حَتّى يَبينَ / رُعاةُ العُهودِ وَخُوّانُها
أَرى مِصرَ يَلهو بِحَدِّ السِلاحِ / وَيَلعَبُ بِالنارِ وِلدانُها
وَراحَ بِغَيرِ مَجالِ العُقولِ / يُجيلُ السِياسَةَ غُلمانُها
وَما القَتلُ تَحيا عَلَيهِ البِلادُ / وَلا هِمَّةُ القَولِ عُمرانُها
وَلا الحُكمُ أَن تَنقَضي دَولَةٌ / وَتُقبِلَ أُخرى وَأَعوانُها
وَلَكِن عَلى الجَيشِ تَقوى البِلادُ / وَبِالعِلمِ تَشتَدُّ أَركانُها
فَأَينَ النُبوغُ وَأَينَ العُلومُ / وَأَينَ الفُنونُ وَإِتقانُها
وَأَينَ مِن الخُلقِ حَظُّ البِلادِ / إِذا قَتَلَ الشيبَ شُبّانُها
وَأَينَ مِنَ الرِبحِ قِسطُ الرِجالِ / إِذا كانَ في الخُلقِ خُسرانُها
وَأَينَ المُعَلِّمُ ما خَطبُهُ / وَأَينَ المَدارِسُ ما شَأنُها
لَقَد عَبَثَت بِالنِياقِ الحُداةُ / وَنامَ عَنِ الإِبلِ رُعيانُها
إِلى الخُلقِ أَنظُرُ فيما أَقولُ / وَتَأخُذُ نَفسِيَ أَشجانُها
وَيا سَعدُ أَنتَ أَمينُ البِلادِ / قَدِ اِمتَلَأَت مِنكَ أَيمانُها
وَلَن تَرتَضي أَن تُقَدَّ القَناةُ / وَيُبتَرَ مِن مِصرَ سودانُها
وَحُجَّتُنا فيهِما كَالصَباحِ / وَلَيسَ بِمُعييكَ تِبيانُها
فَمِصرُ الرِياضُ وَسودانُها / عُيونُ الرِياضِ وَخُلجانُها
وَما هُوَ ماءٌ وَلَكِنَّهُ / وَريدُ الحَياةِ وَشِريانُها
تُتَمِّمُ مِصرَ يَنابيعُهُ / كَما تَمَّمَ العَينَ إِنسانُها
وَأَهلوهُ مُنذُ جَرى عَذبُهُ / عَشيرَةُ مِصرَ وَجيرانُها
وَأَمّا الشَريكُ فَعِلّاتُهُ / هِيَ الشَرِكاتُ وَأَقطانُها
وَحَربٌ مَضَت نَحنُ أَوزارُها / وَخَيلٌ خَلَت نَحنُ فُرسانُها
وَكَم مَن أَتاكَ بِمَجموعَةٍ / مِنَ الباطِلِ الحَقُّ عُنوانُها
فَأَينَ مِنَ المَنشِ بَحرُ الغَزالِ / وَفَيضُ نِيانزا وَتَهتانُها
وَأَينَ التَماسيحُ مِن لُجَّةٍ / يَموتُ مِنَ البَردِ حيتانُها
وَلَكِن رُؤوسٌ لِأَموالِهِم / يُحَرِّكُ قَرنَيهِ شَيطانُها
وَدَعوى القَوِيِّ كَدَعوى السِباعِ / مِنَ النابِ وَالظُفرِ بُرهانُها
سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيد
سُنونٌ تُعادُ وَدَهرٌ يُعيد / لَعَمرُكَ ما في اللَيالي جَديد
أَضاءَ لِآدَمَ هَذا الهِلالُ / فَكَيفَ تَقولُ الهِلالُ الوَليد
نَعُدُّ عَلَيهِ الزَمانَ القَريبَ / وَيُحصي عَلَينا الزَمانَ البَعيد
عَلى صَفحَتَيهِ حَديثُ القُرى / وَأَيّامُ عادٍ وَدُنيا ثَمود
وَطيبَةُ آهِلَةٌ بِالمُلوكِ / وَطيبَةُ مُقفِرَةٌ بِالصَعيد
يَزولُ بِبَعضِ سَناهُ الصَفا / وَيَفنى بِبَعضِ سَناهُ الحَديد
وَمِن عَجَبٍ وَهوَ جَدُّ اللَيالي / يُبيدُ اللَيالِيَ فيما يُبيد
يَقولونَ يا عامُ قَد عُدتَ لي / فَيالَيتَ شِعري بِماذا تَعود
لَقَد كُنتَ لي أَمسِ ما لَم أُرِد / فَهَل أَنتَ لي اليَومَ ما لا أُريد
وَمَن صابَرَ الدَهرَ صَبري لَهُ / شَكا في الثَلاثينَ شَكوى لَبيد
ظَمِئتُ وَمِثلي بَرِيٍّ أَحَقُّ / كَأَنّي حُسَينٌ وَدَهري يَزيد
تَغابَيتُ حَتّى صَحِبتُ الجَهولَ / وَدارَيتُ حَتّى صَبِحتُ الحَسود
لِمَن غُرَّةٌ تَنجَلي مِن بَعيد
لِمَن غُرَّةٌ تَنجَلي مِن بَعيد / بِمَرأىً كَما الحُلمُ ضاحَ سَعيد
تَهُزُّ الوُجودَ تَباشيرُها / كَما هَزَّ مِن والِدَيهِ الوَليد
وَيَغشى الدُنا مِن حُلاها سَنىً / أَضاءَ لَنا كُلَّ حالٍ نَضيد
مِنَ المَوجِ مُلتَمِعٌ مِثلَما / تَحَلَّت نُحورُ الدُمى بِالعُقود
أَتَتنا مِنَ الماءِ مُهتَزَّةً / مُنَوِّرَةً تَعتَلي لِلوُجود
وَتَصعَدُ مِن غَيرِ ما سُلَّمٍ / فَيا لِلمُصَوِّرِ هَذا الصُعود
وَهَذا المُنيرُ القَريبُ القَريب / وَهَذا المُنيرُ البَعيدُ البَعيد
وَهَذا المُنيرُ الَّذي لَن يُرى / وَهَذا المُنيرُ وَكُلٌّ شَهيد
وَهَذا الجُسامُ الخَفيفُ الخُطا / وَهَذا الجُسامُ الَّذي ما يَميد
وَيا لِلمُصَوِّرِ آثارَها / بِكُلِّ بِحارٍ وَفي كُلِّ بيد
وَتَقليلِها كُلَّ جَمِّ السَنا / وَتَصغيرِها كُلَّ عالٍ مَشيد
مِنَ النارِ لَكِنَّ أَطرافَها / تَدورُ بِياقوتَةٍ لَن تَبيد
مِنَ النارِ لَكِنَّ أَنوارَها / إِلَهِيَّةٌ زُيِّنَت لِلعَبيد
هِيَ الشَمسُ كانَت كَما شاءَها / مَماتُ القَديمِ حَياةُ الجَديد
تَرُدُّ المِياهَ إِلى حَدِّها / وَتُبلي جِبالَ الصَفا وَالحَديد
وَتَطلُعُ بِالعَيشِ أَو بِالرَدى / عَلى الزَرعِ قائِمِهِ وَالحَصيد
وَتَسعى لِذا الناسِ مَهما سَعَت / بِخَيرِ الوُعودِ وَشَرِّ الوَعيد
وَقَد تَتَجَلّى إِذا أَقبَلَت / بِنُعمى الشَقِيِّ وَبُؤسى السَعيد
وَقَد تَتَوَلّى إِذا أَدبَرَت / وَلَيسَت بِمَأمونَةٍ أَن تَعود
فَما لِلغُروبِ يَهيجُ الأَسى / وَكانَ الشُروقُ لَنا أَيَّ عيد
كَذا المَرءُ ساعَةَ ميلادِهِ / وَساعَةَ يَدعو الحِمامُ العَنيد
وَلَيسَ بِجارٍ وَلا واقِعٍ / سِوى الحَقِّ مِمّا قَضاهُ المُريد
فَدَتكَ الجَوانِحُ مِن نازِلٍ
فَدَتكَ الجَوانِحُ مِن نازِلٍ / وَأَهلاً بِطَيفِكَ مِن واصِلِ
بَذَلتَ لَهُ الجَفنَ دونَ الكَرى / وَمَن بِالكَرى لِلشَجِيِ الباذِلِ
وَقُلتُ أَراكَ بِرُغمِ العَذول / فَنابَ السُهادُ عَنِ العاذِلِ
فَوَيحَ المُتَيَّمِ حَتّى الخَيالُ / إِذا زارَ لَم يَخلُ مِن حائِلِ
يَحِنُّ إِلَيكَ ضُلوعٌ عَفَت / مِنَ البَينِ في جَسَدٍ ناحِلِ
وَقَلبٌ جَوٍ عِندَها خافِقٌ / تَعَلَّقَ بِالسَنَدِ المائِلِ
وَمِن عَبَثِ العِشقِ بِالعاشِقين / حَنينُ القَتيلِ إِلى القاتِلِ
غَفِلتُ عَنِ الكَأسِ حَتّى طَغَت / وَلي أَدَبٌ لَيسَ بِالغافِلِ
وَشَفَّت وَما شَفَّ مِنّي الضَميرُ / وَأَينَ الجَمادُ مِنَ العاقِلِ
يَظَلُّ نَديمي يُسقى بِها / وَيَشرَبُ مِن خُلُقي الفاضِلِ
أُبِدِّدُها كَرَماً كُلَّما / بَدَت لِيَ كَالذَهَبِ السائِلِ
أَلا حَبَّذا صُحبَةَ المَكتَبِ
أَلا حَبَّذا صُحبَةَ المَكتَبِ / وَأَحبِب بِأَيّامِهِ أَحبِبِ
وَيا حَبَّذا صِبيَةٌ يَمرَحو / نَ عِنانُ الحَياةِ عَلَيهِم صَبي
كَأَنَّهُمو بَسَماتُ الحَيا / ةِ وَأَنفاسُ رَيحانَها الطَيِّبِ
يُراحُ وَيُغدى بِهِم كَالقَطي / عِ عَلى مَشرِقِ الشَمسِ وَالمَغرِبِ
إِلى مَرتَعٍ أَلِفوا غَيرَهُ / وَراعٍ غَريبِ العَصا أَجنَبي
وَمُستَقبَلٍ مِن قُيودِ الحَيا / ةِ شَديدٍ عَلى النَفسِ مُستَصعَبِ
فِراخٌ بِأَيكٍ فَمِن ناهِضٍ / يَروضُ الجَناحَ وَمِن أَزغَبِ
مَقاعِدُهُم مِن جَناحِ الزَما / نِ وَما عَلِموا خَطَرَ المَركَبِ
عَصافيرُ عِندَ تَهَجّي الدُرو / سِ مِهارٌ عَرابيدُ في المَلعَبِ
خَلِيّونَ مِن تَبِعاتِ الحَيا / ةِ عَلى الأُمِّ يَلقونَها وَالأَبِ
جُنونُ الحَداثَةِ مِن حَولِهِم / تَضيقُ بِهِ سَعَةُ المَذهَبِ
عَدا فَاِستَبَدَّ بِعَقلِ الصَبِيّ / وَأَعدى المُؤَدِّبَ حَتّى صَبى
لَهُم جَرَسٌ مُطرِبٌ في السَرا / حِ وَلَيسَ إِذا جَدَّ بِالمُطرِبِ
تَوارَت بِهِ ساعَةٌ لِلزَما / نِ عَلى الناسِ دائِرَةُ العَقرَبِ
تَشولُ بِإِبرَتِها لِلشَبا / بِ وَتَقذِفُ بِالسُمِّ في الشُيَّبِ
يَدُقُّ بِمِطرَقَتَيها القَضا / ءَ وَتَجري المَقاديرُ في اللَولَبِ
وَتِلكَ الأَواعي بِأَيمانِهِم / حَقائِبُ فيها الغَدُ المُختَبي
فَفيها الَّذي إِن يُقِم لا يُعَدَّ / مِنَ الناسِ أَو يَمضِ لا يُحسَبِ
وَفيها اللِواءُ وَفيها المَنا / رُ وَفيها التَبيعُ وَفيها النَبي
وَفيها المُؤَخَّرُ خَلفَ الزِحا / مِ وَفيها المُقَدَّمُ في المَوكِبِ
جَميلٌ عَلَيهِم قَشيبُ الثِيا / بِ وَما لَم يُجَمَّل وَلَم يَقشِبِ
كَساهُم بَنانُ الصِبا حُلَّةً / أَعَزَّ مِن المِخمَلِ المُذهَبِ
وَأَبهى مِنَ الوَردِ تَحتَ النَدى / إِذا رَفَّ في فَرعِهِ الأَهدَبِ
وَأَطهَرَ مِن ذَيلِها لَم يَلُمّ / مِنَ الناسِ ماشٍ وَلَم يَسحَبِ
قَطيعٌ يُزَجّيهِ راعٍ مِنَ الدَه / رِ لَيسَ بِلَينٍ وَلا صُلَّبِ
أَهابَت هِرواتُهُ بِالرِفا / قِ وَنادَت عَلى الحُيَّدِ الهُرَّبِ
وَصَرَّفَ قُطعانَهُ فَاِستَبَدّ / وَلَم يَخشَ شَيئاً وَلَم يَرهَبِ
أَرادَ لِمَن شاءَ رَعيَ الجَدي / بِ وَأَنزَلَ مَن شاءَ بِالمُخصِبِ
وَرَوّى عَلى رِيِّها الناهلا / تِ وَرَدَّ الظِماءَ فَلَم تَشرَبِ
وَأَلقى رِقاباً إِلى الضارِبي / نَ وَضَنَّ بِأُخرى فَلَم تُضرَبِ
وَلَيسَ يُبالي رِضا المُستَري / حِ وَلا ضَجَرَ الناقِمِ المُتعَبِ
وَلَيسَ بِمُبقٍ عَلى الحاضِري / نَ وَلَيسَ بِباكٍ عَلى الغُيَّبِ
فَيا وَيحَهُم هَل أَحَسّوا الحَيا / ةَ لَقَد لَعِبوا وَهيَ لَم تَلعَبِ
تُجَرِّبُ فيهِم وَما يَعلَمو / نَ كَتَجرُبَةِ الطِبِّ في الأَرنَبِ
سَقَتهُم بِسُمٍّ جَرى في الأُصو / لِ وَرَوّى الفُروعَ وَلَم يَنضُبِ
وَدارَ الزَمانُ فَدالَ الصِبا / وَشَبَّ الصِغارُ عَنِ المَكتَبِ
وَجَدَّ الطِلابُ وَكَدَّ الشَبا / بُ وَأَوغَلَ في الصَعبِ فَالأَصعَبِ
وَعادَت نَواعِمُ أَيّامِهِ / سِنينَ مِنَ الدَأَبِ المُنصِبِ
وَعُذِّبَ بِالعِلمِ طُلّابُهُ / وَغَصّوا بِمَنهَلِهِ الأَعذَبِ
رَمَتهُم بِهِ شَهَواتُ الحَيا / ةِ وَحُبُّ النَباهَةِ وَالمَكسَبِ
وَزَهو الأُبُوَّةِ مِن مُنجِبٍ / يُفاخِرُ مَن لَيسَ بِالمُنجِبِ
وَعَقلٌ بَعيدُ مَرامي الطِما / حِ كَبيرُ اللُبانَةِ وَالمَأرَبِ
وَلوعُ الرَجاءِ بِما لَم تَنَل / عُقولُ الأَوالي وَلَم تَطلُبِ
تَنَقَّلَ كَالنَجمِ مِن غَيهَبٍ / يَجوبُ العُصورَ إِلى عَيهَبِ
قَديمُ الشُعاعِ كَشَمسِ النَها / رِ جَديدٌ كَمِصباحِها المُلهِبِ
أَبُقراطُ مِثلُ اِبنِ سينا الرَئي / سِ وَهوميرُ مِثلُ أَبي الطَيِّبِ
وَكُلُّهُمو حَجَرٌ في البِنا / ءِ وَغَرسٌ مِنَ المُثمِرِ المُعقِبِ
تُؤَلِفُهُم في ظِلالِ الرَخا / ءِ وَفي كَنَفِ النَسَبِ الأَقرَبِ
وَتَكسِرُ فيهِم غُرورَ الثَرا / ءِ وَزَهوَ الوِلادَةِ وَالمَنصِبِ
بُيوتٌ مُنَزَّهَةٌ كَالعَتي / قِ وَإِن لَم تُسَتَّر وَلَم تُحجَبِ
يُداني ثَراها ثَرى مَكَّةٍ / وَيَقرُبُ في الطُهرِ مِن يَثرِبِ
إِذا ما رَأَيتَهُمو عِندَها / يَموجونَ كَالنَحلِ عِندَ الرُبى
رَأَيتَ الحَضارَةَ في حُصنِها / هُناكَ وَفي جُندِها الأَغلَبِ
وَتَعرِضُهُم مَوكِباً مَوكِباً / وَتَسأَلُ عَن عَلَمِ المَوكِبِ
دَعِ الحَظَّ يَطلَع بِهِ في غَدٍ / فَإِنَّكَ لَم تَدرِ مَن يَجتَبي
لَقَد زَيَّنَ الأَرضَ بِالعَبقَرِيِّ / مُحَلّي السَماواتِ بِالكَوكَبِ
وَخَدَّشَ ظُفرُ الزَمانِ الوُجو / هَ وَغَيَّضَ مِن بِشرِها المُعجِبِ
وَغالَ الحَداثَةَ شَرخُ الشَبا / بِ وَلَو شِيَتِ المُردُ في الشُيَّبِ
سَرى الشَيبُ مُتَّئِداً في الرُؤو / سِ سُرى النارِ في المَوضِعِ المُعشِبِ
حَريقٌ أَحاطَ بِخَيطِ الحَيا / ةِ تَعَجَّبتُ كَيفَ عَلَيهِم غَبي
وَمَن تُظهِرِ النارُ في دارِهِ / وَفي زَرعِهِ مِنهُمو يَرعَبِ
قَدِ اِنصَرَفوا بَعدَ عِلمِ الكِتا / بِ لِبابٍ مِنَ العِلمِ لَم يُكتَبِ
حَياةٌ يُغامِرُ فيها اِمرُؤٌ / تَسَلَّحَ بِالنابِ وَالمِخلَبِ
وَصارَ إِلى الفاقَةِ اِبنُ الغَنِيّ / وَلاقى الغِنى وَلَدُ المُترَبِ
وَقَد ذَهَبَ المُمتَلي صِحَّةً / وَصَحَّ السَقيمُ فَلَم يَذهَبِ
وَكَم مُنجِبٍ في تَلَقِّ الدُرو / سِ تَلَقّى الحَياةَ فَلَم يُنجِبِ
وَغابَ الرِفاقُ كَأَن لَم يَكُن / بِهِم لَكَ عَهدٌ وَلَم تَصحَبِ
إِلى أَن فَنوا ثَلَّةً ثَلَّةً / فَناءَ السَرابِ عَلى السَبسَبِ
جَعَلتُ حُلاها وَتِمثالَها
جَعَلتُ حُلاها وَتِمثالَها / عُيونَ القَوافي وَأَمثالَها
وَأَرسَلتُها في سَماءِ الخَيالِ / تَجُرُّ عَلى النَجمِ أَذيالَها
وَإِنّي لِغِرّيدُ هَذي البِطاحِ / تَغَذّى جَناها وَسَلسالَها
تَرى مِصرَ كَعبَةَ أَشعارِهِ / وَكُلِّ مُعَلَّقَةٍ قالَها
وَتَلمَحُ بَينَ بُيوتِ القَصيد / حِجالَ العَروسِ وَأَحجالَها
أَدارَ النَسيبَ إِلى حُبِّها / وَوَلّى المَدائِحَ إِجلالَها
أَرَنَّ بِغابِرِها العَبقَرِيُّ / وَغَنّى بِمِثلِ البُكا حالَها
وَيَروي الوَقائِعَ في شِعرِهِ / يَروضُ عَلى البَأسِ أَطفالَها
وَما لَمَحوا بَعدُ ماءَ السُيوف / فَما ضَرَّ لَو لَمَحوا آلَها
وَيَومٍ ظَليلِ الضُحى مِن بَشنَسَ / أَفاءَ عَلى مِصرَ آمالَها
رَوى ظُلُّهُ عَن شَبابِ الزَمانِ / رَفيفَ الحَواشي وَإِخضالَها
مَشَت مِصرُ فيهِ تُعيدُ العُصورَ / وَيَغمُرُ ذِكرُ الصِبا بالَها
وَتَعرِضُ في المِهرَجانِ العَظيمِ / ضُحاها الخَوالي وَآصالَها
وَأَقبَلَ رَمسيسُ جَمَّ الجَلالِ / سَنِيَّ المَواكِبِ مُختالَها
وَما دانَ إِلّا بِشورى الأُمورِ / وَلا اِختالَ كِبراً وَلا اِستالَها
فَحَيّا بِأَبلَجَ مِثلِ الصِباحِ / وُجوهَ البِلادِ وَأَرسالَها
وَأَوما إِلى ظُلُماتِ القُرونِ / فَشَقَّ عَنِ الفَنِّ أَسدالَها
فَمَن يُبلِغُ الكَرنَكَ الأَقصُرِيَّ / وَيُنبِئُ طَيبَةَ أَطلالَها
وَيُسمِعُ ثَمَّ بِوادي المُلوكِ / مُلوكَ الدِيارِ وَأَقيالَها
وَكُلَّ مُخَلَّدَةٍ في الدُمى / هُنالِكَ لَم نُحصِ أَحوالَها
عَلَيها مِنَ الوَحيِ ديباجَةٌ / أَلَحَّ الزَمانُ فَما اِزدالَها
تَكادُ وَإِن هِيَ لَم تَتَّصِل / بِروحٍ تُحَرِّكُ أَوصالَها
وَما الفَنُّ إِلّا الصَريحُ الجَميلُ / إِذا خالَطَ النَفسَ أَوحى لَها
وَما هُوَ إِلّا جَمالُ العُقولِ / إِذا هِيَ أَولَتهُ إِجمالَها
لَقَد بَعَثَ اللَهُ عَهدَ الفُنونِ / وَأَخرَجَتِ الأَرضُ مَثّالَها
تَعالَوا نَرى كَيفَ سَوّى الصَفاةَ / فَتاةً تُلَملِمُ سِربالَها
دَنَت مِن أَبي الهَولِ مَشيَ الرَؤومِ / إِلى مُقعَدٍ هاجَ بَلبالَها
وَقَد جابَ في سَكَراتِ الكَرى / عُروضَ اللَيالي وَأَطوالَها
وَأَلقى عَلى الرَملِ أَرواقَهُ / وَأَرسى عَلى الأَرضِ أَثقالَها
يُخالُ لِإِطراقِهِ في الرِملِ / سَطيحَ العُصورِ وَرَمّالَها
فَقالَت تَحَرَّك فَهمَ الجَماد / كَأَنَّ الجَمادَ وَعى قالَها
فَهَل سَكَبَت في تَجاليدِهِ / شُعاعَ الحَياةِ وَسَيّالَها
أَتَذكُرُ إِذ غَضِبَت كَاللُباةِ / وَلَمَّت مِنَ الغيلِ أَشبالَها
وَأَلقَت بِهِم في غِمارِ الخُطوبِ / فَخاضوا الخُطوبَ وَأَهوالَها
وَثاروا فَجُنَّ جُنونُ الرِياحِ / وَزُلزِلَتِ الأَرضُ زِلزالَها
وَباتَ تَلَمُّسُهُم شَيخَهُم / حَديثَ الشُعوبِ وَأَشغالَها
وَمَن ذا رَأى غابَةً كافَحَت / فَرَدَّت مِن الأَسرِ رِئبالَها
وَأَهيَبُ ما كانَ يَأسُ الشُعوبِ / إِذا سَلَّحَ الحَقُّ أَعزالَها
فُوادُ اِرفَعِ السِترَ عَن نَهضَةٍ / تَقَدَّمَ جَدُّكَ أَبطالَها
وَرُبَّ اِمرِئٍ لَم تَلِدهُ البِلادُ / نَماها وَنَبَّهَ أَنسالَها
وَلَيسَ اللَآلِئُ مِلكَ البُحورِ / وَلَكِنَّها مِلكُ مَن نالَها
وَما كَعَلِيٍّ وَلا جيلِهِ / إِذا عَرَضَت مِصرُ أَجيالَها
بَنَوا دَولَةً مِن بَناتِ الأَسِنَّ / ةِ لَم يَشهَدِ النيلُ أَمثالَها
لَئِن جَلَّلَ البَحرَ أُسطولُها / لَقَد لَبِسَ البَرُّ قِسطالَها
فأَمّا أَبوكَ فَدُنيا الحَضا / رَةِ لَو سالَمَ الدَهرُ إِقبالَها
تَخَيَّر إِفريقيا تاجَهُ / وَرَكَّبَ في التاجِ صومالَها
رِكابُكَ يا اِبنَ المُعِزِّ الغُيوثُ / وَيَفضُلنَ في الخَيرِ مِنوالَها
إِذا سِرنَ في الأَرضِ نَسَّينَها / رِكابَ السَماءِ وَأَفضالَها
فَلَم تَبرِحِ القَصرَ إِلّا شَفيتَ / جُدوبَ العُقولِ وَإِمحالَها
لَقَد رَكَّبَ اللهُ في ساعِدَيكَ / يَمينَ الجُدودِ وَشيمالَها
تَخُطُّ وَتَبني صُروحَ العُلومِ / وَتَفتَحُ لِلشَرقِ أَقفالَها
أَصابَ المُجاهِدُ عُقبى الشَهيدِ
أَصابَ المُجاهِدُ عُقبى الشَهيدِ / وَأَلقى عَصاهُ المُضافُ الشَريد
وَأَمسى جَماداً عَدُوُّ الجُمودِ / وَباتَ عَلى القَيدِ خَصمُ القُيود
حَداهُ السِفارُ إِلى مَنزِلٍ / يُلاقي الخَفيفَ عَلَيهِ الوَئيد
فَقَرَّ إِلى موعِدٍ صادِقٍ / مُعِزُّ اليَقينِ مُذِلُّ الجُحود
وَباتَ الحَوارِيُّ مِن صاحِبَيهِ / شَهَيدَينِ أَسرى إِلَيهِم شَهيد
تَسَرَّبَ في مَنكِبَي مُصطَفى / كَأَمسِ وَبَينَ ذِراعَي فَريد
فَيا لَكَ قَبراً أَكَنَّ الكُنوزَ / وَساجَ الحُقوقَ وَحاطَ العُهود
لَقَد غَيَّبوا فيكَ أَمضى السُيوفِ / فَهَل أَنتَ يا قَبرُ أَوفى الغُمود
ثَلاثُ عَقائِدَ في حُفرَةٍ / تَدُكُّ الجِبالَ وَتوهي الحَديد
قَعَدنَ فَكُنَّ الأَساسَ المَتينَ / وَقامَ عَلَيها البِناءُ المَشيد
فَلا تَنسَ أَمسِ وَآلاءَهُ / أَلا إِنَّ أَمسِ أَساسُ الوُجود
وَلَولا البِلى في زَوايا القُبورِ / لَما ظَهَرَت جِدَّةٌ لِلمُهود
وَمَن طَلَبَ الخُلقَ مِن كَنزِهِ / فَإِنَّ العَقيدَةَ كَنزٌ عَتيد
تَعَلَّمَ بِالصَبرِ أَو بِالثَباتِ / جَليدُ الرِجالِ وَغَيرُ الجَليد
طَريدَ السِياسَةِ مُنذُ الشَبابِ / لَقَد آنَ أَن يَستَريحَ الطَريد
لَقيتَ الدَواهِيَ مِن كَيدِها / وَما كَالسِياسَةِ داهٍ يَكيد
حَمَلتَ عَلى النَفسِ ما لا يُطا / قُ وَجاوَزَتِ المُسَتَطاعَ الجُهود
وَقُلِّبتَ في النارِ مِثلَ النُضا / رِ وَغُرِّبتَ مِثلَ الجُمانِ الفَريد
أَتَذكُرُ إِذ أَنتَ تَحتَ اللِواءِ / نَبيهَ المَكانَةِ لِجَمَّ العَديد
إِذا ما تَطَلَّعتَ في الشاطِئَينِ / رَبا الريفُ وَاِفتَنَّ فيكَ الصَعيد
وَهَزَّ النَدِيُّ لَكَ المَنكِبَينِ / وَراحَ الثَرى مِن زِحامٍ يَميد
رَسائِلُ تُذري بِسَجعِ البَديعِ / وَتُنسي رَسائِلَ عَبدِ الحَميد
يَعيها شُيوخُ الحِمى كَالحَديثِ / وَيَحفَظُها النَشءُ حِفظَ النَشيد
فَما بالُها نَكِرَتها الأُمورُ / وَطولُ المَدى وَاِنتِقالُ الجُدود
لَقَد نَسِيَ القَومُ أَمسِ القَريبَ / فَهَل لِأَحاديثِهِ مِن مُعيد
يَقولونَ ما لِأَبي ناصِرٍ / وَلِلتُركِ ما شَأنُهُ وَالهُنود
وَفيمَ تَحَمَّلَ هَمَّ القَريبِ / مِنَ المُسلِمينَ وَهَمَّ البَعيد
فَقُلتُ وَما ضَرَّكُم أَن يَقومَ / مِنَ المُسلِمينَ إِمامٌ رَشيد
أَتَستَكثِرونَ لَهُم واحِداً / وَلّى القَديمُ نَصيرَ الحَديد
سَعى لِيُؤَلِّفَ بَينَ القُلوبِ / فَلَم يَعدُ هَديَ الكِتابِ المَجيد
يَشُدُّ عُرا الدينِ في دارِهِ / وَيَدعو إِلى اللَهِ أَهلَ الجُحود
وَلِلقَومِ حَتّى وَراءَ القِفارِ / دُعاةٌ تُغَنّى وَرُسلٌ تَشيد
جَزى اللَهُ مَلكاً مِنَ المُحسِنين / رَؤوفُ الفُؤادِ رحيمُ الوَريد
كَأَنَّ البَيانَ بِأَيّامِهِ / أَوِ العِلمَ تَحتَ ظِلالِ الرَشيد
يُداوي نَداهُ جِراحَ الكِرامِ / وَيُدرِكُهُم في زَوايا اللُحود
أَجارَ عِيالَكَ مِن دَهرِهِم / وَجامَلَهُم في البَلاءِ الشَديد
تَوَلّى الوَليدَةُ في يُتمِها / وَكَفكَفَ بِالعَطفِ دَمعَ الوَليد
سَلامٌ أَبا ناصِرٍ في التُراب / يُعيرُ التُرابَ رَفيفَ الوُرود
بَعُدتَ وَعَزَّ إِلَيكَ البَريدُ / وَهَل بَينَ حَيٍّ وَمَيتٍ بَريد
أَجَل بَينَنا رُسلُ الذِكرَياتِ / وَماضٍ يُطيفُ وَدَمعٌ يَجود
وَفِكرٌ وَإِن عَقَلَتهُ الحَياةُ / يَظَلُّ بِوادي المَنايا يَرود
أَجَل بَينَنا الخُشُبُ الدائِباتُ / وَإِن كانَ راكِبُها لا يُعود
مَضى الدَهرُ وَهيَ وَراءَ الدُموعِ / قِيامٌ بِمُلكِ الصَحارى قُعود
وَكَم حَمَلَت مِن صَديدٍ يَسيلُ / وَكَم وَضَعَت مِن حِناشٍ وَدود
نَشَدتُكَ بِالمَوتِ إِلّا أَبَنتَ / أَأَنتَ شَقِيٌّ بِهِ أَم سَعيد
قِفوا بِالقُبورِ نُسائِل عُمَر
قِفوا بِالقُبورِ نُسائِل عُمَر / مَتى كانَتِ الأَرضُ مَثوى القَمَر
سَلوا الأَرضَ هَل زُيِّنَت لِلعَليمِ / وَهَل أُرِّجَت كَالجِنانِ الحُفَر
وَهَل قامَ رُضوانُ مِن خَلفِها / يُلاقي الرَضِيَّ النَقِيَّ الأَبَرّ
فَلَو عَلِمَ الجَمعُ مِمَّن مَضى / تَنَحّى لَهُ الجَمعُ حَتّى عَبَر
إِلى جَنَّةٍ خُلِقَت لِلكَريمِ / وَمَن عَرَفَ اللَهَ أَو مَن قَدَر
بِرَغمِ القُلوبِ وَحَبّاتِها / وَرَغمِ السَماعِ وَرَغمِ البَصَر
نُزولُكَ في التُربِ زَينَ الشَبابِ / سَناءَ النَدِيِّ سَنى المُؤتَمَر
مُقيلَ الصَديقِ إِذ ما هَفا / مُقيلَ الكَريمِ إِذا ما عَثَر
حَييتَ فَكُنتَ فَخارَ الحَياةِ / وَمُتَّ فَكُنتَ فَخارَ السِيَر
عَجيبٌ رَداكَ وَأَعجَبُ مِنهُ / حَياتُكَ في طولِها وَالقِصَر
فَما قَبلَها سَمِعَ العالَمونَ / وَلا عَلِموا مُصحَفاً يُختَصَر
وَقَد يَقتُلُ المَرءَ هَمُّ الحَياةِ / وَشُغلُ الفُؤادِ وَكَدُّ الفِكَر
دَفَنّا التَجارِبَ في حُفرَةٍ / إِلَيها اِنتَهى بِكَ طولُ السَفَر
فَكَم لَكَ كَالنَجمِ مِن رِحلَةٍ / رَأى البَدوُ آثارَها وَالحَضَر
نِقاباتُكَ الغُرُّ تَبكي عَلَيكَ / وَيَبكي عَلَيكَ النَدِيُّ الأَغَر
وَيَبكي فَريقٌ تَخَيَّرتَهُ / شَريفَ المَرامِ شَريفَ الوَطَر
وَيَبكي الأُلى أَنتَ عَلَّمتَهُم / وَأَنتَ غَرَستَ فَكانوا الثَمَر
حَياتُكَ كانَت عِظاتٍ لَهُم / وَمَوتُكَ بِالأَمسِ إِحدى العِبَر
سَهِرنا قُبَيلَ الرَدى لَيلَةً / وَمادارَ ذِكرُ الرَدى في السَمَر
فَقُمتَ إِلى حُفرَةٍ هُيِّئَت / وَقُمتُ إِلى مِثلِها تُحتَفَر
مَدَدتُ إِلَيكَ يَداً لِلوَداعِ / وَمَدَّ يَداً لِلِّقاءِ القَدَر
وَلَو أَنَّ لي عِلمَ ما في غَدٍ / خَبَأتُكَ في مُقلَتي مِن حَذَر
وَقالوا شَكَوتَ فَما راعَني / وَما أَوَّلُ النارِ إِلّا شَرَر
رَثَيتُكَ لا مالِكاً خاطِري / مِنَ الحُزنِ إِلّا يَسيراً خَطَر
فَفيكَ عَرَفتُ اِرتِجالَ الدُموعِ / وَمِنكَ عَلِمتُ اِرتِجالَ الدُرَر
وَمِثلُكَ يُرثى بِآيِ الكِتابِ / وَمِثلُكَ يُفدى بِنِصفِ البَشَر
فَيا قَبرُ كُن رَوضَةً مِن رِضىً / عَلَيهِ وَكُن باقَةً مِن زَهَر
سَقَتكَ الدُموعَ فَإِن لَم يَدُمنَ / كَعادَتِهِنَّ سَقاكَ المَطَر
أَحَيثُ تَلوحُ المُنى تَأفُلُ
أَحَيثُ تَلوحُ المُنى تَأفُلُ / كَفى عِظَةً أَيُّها المَنزِلُ
حَكَيتَ الحَياةَ وَحالاتِها / فَهَلّا تَخَطَّيتَ ما تَنقُلُ
أَمِن جُنحِ لَيلٍ إِلى فَجرِهِ / حِمىً يَزدَهي وَحِمىً يَعطُلُ
وَذَلِكَ يوحِشُ مِن رَبَّةٍ / وَذَلِكَ مِن رَبَّةٍ يَأهَلُ
أَجابَ النَعيُّ لَدَيكَ البَشيرَ / وَذاقَ بِكَأسَيهِما المَحفِلُ
وَأَطرَقَ بَينَهُما والِدٌ / أَخو تَرحَةٍ لَيلُهُ أَليَلُ
يَفيءُ إِلى العَقلِ في أَمرِهِ / وَلَكِنَّهُ القَلبُ لا يَعقِلُ
تَهاوَت عَنِ الوَردِ أَغصانُهُ / وَطارَ عَنِ البَيضَةِ البُلبُلُ
وَراحَت حَياةٌ وَجاءَت حَياة / وَأَظهَرَ قُدرَتَهُ المُبدِلُ
وَما غَيرُ مَن قَد أَتى مُدبِرٌ / وَلا غَيرُ مَن قَد مَضى مُقبِلُ
كَأَنّي بِسامي هَلوُعِ الفُؤادِ / إِذا أَسمَعَت هَمسَةٌ يَعجَلُ
يَرى قَدَراً يَأمُلُ اللُطفَ فيهِ / وَعادي الرَدى دونَ ما يَأمُلُ
يُضيءُ لِضيفانِهِ بِشرُهُ / وَبَينَ الضُلوعِ الغَضى المُشعَلُ
وَيُقريهُمُ الأُنسَ في مَنزِلٍ / وَيَجمَعُهُ وَالأَسى مَنزِلُ
فَمِن غادَةٍ في مَجالي الزِفافِ / إِلى غادَةٍ داؤُها مُعضِلُ
وَذي في نَفاسَتِها تَنطَوي / وَذي في نَفائِسِها تَرفُلُ
تَقَسَّمَ بَينَهُما قَلبُهُ / وَخانَتهُ عَيناهُ وَالأَرجُلُ
فَيا نَكَدَ الحُرِّ هَل تَنقَضي / وَيا فَرَحَ الحُرِّ هَل تَكمُلُ
وَيا صَبرَ سامي بَلَغتَ المَدى / وَيا قَلبَهُ السَهلَ كَم تَحمِلُ
لَقَد زُدتَ مِن رِقَّةٍ كَالصِراطِ / وَدونَ صَلابَتِكَ الجَندَلُ
يَمُرُّ عَلَيكَ خَليطُ الخُطوبِ / وَيَجتازُكَ الخِفُّ وَالمُثقَلُ
وَيا رَجُلَ الحِلمِ خُذ بِالرِضى / فَذَلِكَ مِن مُتَّقٍ أَجمَلُ
أَتَحسَبُ شَهِدا إِناءَ الزَمانِ / وَطينَتُهُ الصابُ وَالحَنظَلُ
وَما كانَ مِن مُرِّهِ يَعتَلي / وَما كانَ مِن حُلوِهِ يَسفُلُ
وَأَنتَ الَّذي شَرِبَ المُترَعاتِ / فَأَيُّ البَواقي بِهِ تَحفِلُ
أَفي ذا الجَلالِ وَفي ذا الوَقارِ / تُخيفُكَ ضَرّاءُ أَو تُذهِلُ
أَلَم تَكُنِ المُلكَ في عِزِّهِ / وَباعُكَ مِن باعِهِ أَطوَلُ
وَقَولُكَ مِن فَوقِ قَولِ الرِجالِ / وَفِعلُكَ مِن فِعلِهِم أَنبَلُ
سَتَعرِفُ دُنياكَ مَن ساوَمَت / وَأَن وَقارَكَ لا يُبذَلُ
كَأَنَّكَ شَمشونُ هَذي الحَياةِ / وَكُلُّ حَوادِثِها هَيَكلُ
تُسائِلُني كَرمَتي بِالنَهارِ
تُسائِلُني كَرمَتي بِالنَهارِ / وَبِاللَيلِ أَينَ سَميري حَسَن
وَأَينَ النَديمُ الشَهِيُّ الحَديثِ / وَأَينَ الطَروبُ اللَطيفُ الأُذُن
نَجِيُّ البَلابِلِ في عُشِّها / وَمُلهِمُها صِبيَةً في الفَنَن
فَقُلتُ لَها ماتَ وَاِستَشعَرَت / لَيالي السُرورِ عَلَيهِ الحَزن
لَئِن ناءَ مِن سِمَنٍ جِسمُهُ / فَما عَرِفَت روحُهُ ما السِمَن
وَما هُوَ مَيتٌ وَلَكِنَّهُ / بَشاشَةُ دَهرٍ مَحاها الزَمَن
وَمَعنىً خَلا القَولُ مِن لَفظِهِ / وَحُلمٌ تَطايَرَ عَنهُ الوَسَن
وَلا يَذكُرُ المَعهَدُ الشَرقِيُّ / لِأَنوَرَ إِلّا جَليلَ المِنَن
وَما كانَ مِن صَبرِهِ في الصِعابِ / وَما كانَ مِن عَونِهِ في المِحَن
وَخِدمَةُ فَنٍّ يُداوي القُلوبَ / وَيَشفي النُفوسَ وَيُذكي الفِطَن
وَما كانَ فيهِ الدَعِيَّ الدَخيلَ / وَلَكِن مِنَ الفَنِّ كانَ الرُكُن
وَلَو أَنصَفَ الصَحبُ يَومَ الوَداعِ / دُفِنتَ كَإِسحاقَ لَمّا دُفِن
فَغُيِّبتَ في المِسكِ لا في التُرابِ / وَأُدرِجتَ في الوَردِ لا في الكَفَن
وَخُطَّ لَكَ القَبرُ في رَوضَةٍ / يَميلُ عَلى الغُصنِ فيها الغُصُن
وَيَنتَحِبُ الطَيرُ في ظِلِّها / وَيَخلَعُ فيها النَسيمُ الرَسَن
وَقامَت عَلى العودِ أَوتارُهُ / تُعيدُ الحَنينَ وَتُبدي الشَجَن
وَطارَحَكَ النايُ شَجوَ النُواحِ / وَكُنتَ تَئِنُّ إِذا النايُ أَن
وَمالَ فَناحَ عَلَيكَ الكَمانُ / وَأَظهَر مِن بَثِّهِ ما كَمَن
سَلامٌ عَلَيكَ سَلامُ الرُبا / إِذا نَفَحَت وَالغَوادي الهُتَن
سَلامٌ عَلى جيرَةٍ بِالإِمامِ / وَرَهطٍ بِصَحرائِهِ مُرتَهَن
سَلامٌ عَلى حُفَرٍ كَالقِبابِ / وَأُخرى كَمُندَرِساتِ الدِمَن
وَجَمعٍ تَآلَفَ بَعدَ الخِلافِ / وَصافى وَصوفِيَ بَعدَ الضَغَن
سَلامٌ عَلى كُلِّ طَودٍ هُناكَ / لَهُ حَجَرٌ في بِناءِ الوَطَن
مَضى الدَهرُ بِاِبنِ إِمامِ اليَمَن
مَضى الدَهرُ بِاِبنِ إِمامِ اليَمَن / وَأَودى بِزَينِ شَبابِ الزَمَن
وَباتَت بِصَنعاءَ تَبكي السُيوفُ / عَلَيهِ وَتَبكي القَنا في عَدَن
وَأَعوَلَ نَجدٌ وَضَجَّ الحِجازُ / وَمالَ الحُسَينُ فَعَزَّ الحَسَن
وَغَصَّت مَناحاتُهُ في الخِيامِ / وَغَصَّت مَآتِمُهُ في المُدُن
وَلَو أَنَّ مَيتاً مَشى لِلعَزاءِ / مَشى في مَآتِمِهِ ذو يَزَن
فَتىً كَاِسمِهِ كانَ سَيفَ الإِلَه / وَسَيفَ الرَسولِ وَسَيفَ الوَطَن
وَلُقِّبَ بِالبَدرِ مِن حُسنِهِ / وَما البَدرُ ما قَدرُهُ وَاِبنُ مَن
عَزاءً جَميلاً إِمامَ الحِمى / وَهَوِّن جَليلَ الرَزايا يَهُن
وَأَنتَ المُعانُ بِإيمانِهِ / وَظَنُّكَ في اللَهِ ظَنٌّ حَسَن
وَلَكِن مَتى رَقَّ قَلبُ القَضاءِ / وَمِن أَينَ لِلمَوتِ عَقلٌ يَزِن
يُجامِلُكَ العُربُ النازِحون / وَما العَرَبِيَّةُ إِلّا وَطَن
وَيَجمَعُ قَومَكَ بِالمُسلِمينَ / عَظيمَ الفُروضِ وَسَمحُ السُنَن
وَأَنَّ نَبِيَّهُمُ واحِدٌ / نَبِيُّ الصَوابِ نَبِيُّ اللَسَن
وَمِصرُ الَّتي تَجمَعُ المُسلِمينَ / كَما اِجتَمَعوا في ظِلالِ الرُكُن
تُعَزّي اليَمانينَ في سَيفِهِم / وَتَأخُذُ حِصَّتَها في الحَزَن
وَتَقعُدُ في مَأتَمِ اِبنِ الإِمامِ / وَتَبكيهِ بِالعَبَراتِ الهُتُن
وَتَنشُرُ رَيحانَتَي زَنبَقٍ / مِنَ الشِعرِ في رَبَواتِ اليَمَن
تَرِفّانِ فَوقَ رُفاتِ الفَقيدِ / رَفيفَ الجِنى في أَعالي الغُصُن
قَضى واجِباً فَقَضى دونَهُ / فَتىً خالِصَ السِرِّ صافي العَلَن
تَطَوَّحَ في لُجَجٍ كَالجِبالِ / عِراضِ الأَواسي طِوالِ القُنَن
مَشى مِشيَةَ اللَيثِ لا في السِلاحِ / وَلا في الدُروعِ وَلا في الجُنَن
مَتى صِرتَ يا بَحرُ غُمدَ السُيوفِ / وَكُنّا عَهِدناكَ غِمدَ السُفُن
وَكُنتَ صِوانَ الجُمانِ الكَريمِ / فَكَيفَ أُزيلَ وَلِم لَم يُصَن
ظَفِرَت بِجَوهَرَةٍ فَذَّةٍ / مِنَ الشَرَفِ العَبقَرِيِّ اليُمُن
فَتىً بَذَلَ الروحَ دونَ الرِفاقِ / إِلَيكَ وَأَعطى التُرابَ البَدَن
وَهانَت عَلَيهِ مَلاهي الشَبابِ / وَلَولا حُقوقُ العُلا لَم تَهُن
وَخاضَكَ يُنقِذُ أَترابَهُ / وَكانَ القَضاءُ لَهُ قَد كَمَن
غَدَرتَ فَتىً لَيسَ في الغادِرينَ / وَخُنتَ اِمرأً وافِياً لَم يَخُن
وَما في الشَجاعَةِ حَتفُ الشُجاعِ / وَلا مَدَّ عُمرَ الجَبانِ الجُبُن
وَلَكِن إِذا حانَ حَينُ الفَتى / قَضى وَيَعيشُ إِذا لَم يَحِن
أَلا أَيُّها ذا الشَريفُ الرَضي / أَبو السُجَرِ الرَماحِ اللُدُن
شَهيدُ المُروءَةِ كانَ البَقيعُ / أَحَقَّ بِهِ مِن تُرابِ اليَمَن
فَهَل غَسَّلوهُ بِدَمعِ العُفاةِ / وَفي كُلِّ قَلبِ حَزينٍ سَكَن
لَقَد أَغرَقَ اِبنَكَ صَرفُ الزَمانِ / وَأَغرَقتَ أَبناءَهُ بِالمِنَن
أَتَذكُرُ إِذ هُوَ يَطوي الشُهورَ / وَإِذ هُوَ كَالخِشفِ حُلوٌ أَغَن
وَإِذ هُوَ حَولَكَ حَسَنُ القُصورِ / وَطيبُ الرِياضِ وَصَفوُ الزَمَن
بَشاشَتُهُ لَذَّةٌ في العُيونِ / وَنَغمَتُهُ لَذَّةٌ في الأُذُن
يُلاعِبُ طُرَّتَهُ في يَدَيكَ / كَما لاعَبَ المُهرُ فَضلَ الرَسَن
وَإِذ هُوَ كَالشِبلِ يَحكي الأُسودَ / أَدَلَّ بِمِخلَبِهِ وَاِفتَتَن
فَشَبَّ فَقامَ وَراءَ العَرينِ / يَشُبُّ الحُروبَ وَيُطفي الفِتَن
فَما بالُهُ صارَ في الهامِدينَ / وَأَمسى عَفاءً كَأَن لَم يَكُن
نَظَمتُ الدُموعَ رِثاءً لَهُ / وَفَصَّلتُها بِالأَسى وَالشَجَن
فَتى العَقلِ وَالنَغمَةِ العالِيَه
فَتى العَقلِ وَالنَغمَةِ العالِيَه / مَضى وَمَحاسِنَهُ باقِيَه
فَلا سوقَةٌ لَم تَكُن أُنسَهُ / وَلا مَلِكٌ لَم تَزِن نادِيَه
وَلَم تَخلُ مِن طيبِها بَلدَةٌ / وَلَم تَخلُ مِن ذِكرِها ناحِيَه
يَكادُ إِذا هُوَ غَنّى الوَرى / بِقافِيَةٍ يُنطِقُ القافِيَه
يَتيهُ عَلى الماسِ بَعضُ النُحاسِ / إِذا ضَمَّ أَلحانَهُ الغالِيَه
وَتَحكُمُ في النَفسِ أَوتارُهُ / عَلى العودِ ناطِقَةً حاكِيَه
وَتَبلُغُ مَوضِعَ أَوطارِها / وَتُفشي سَريرَتَها الخافِيَه
وَكَم آيَةٍ في الأَغاني لَهُ / هِيَ الشَمسُ لَيسَ لَها ثانِيَه
إِذا ما تَنادى بِها العارِفونَ / قُلِ البَرقُ وَالرَعدُ مِن غادِيَه
فَإِن هَمَسوا بَعدَ جَهرٍ بِها / فَخَفقُ الحُلِيِّ عَلى الغانِيَه
لَقَد شابَ فَردي وَجازَ المَشيبَ / وَعَيدا شَبيبَتُها زاهِيَه
تُمَثِّلُ مِصرَ لِهَذا الزَمانِ / كَما هِيَ في الأَعصُرِ الخالِيَه
وَنَذكُرُ تِلكَ اللَيالي بِها / وَنَنشُدُ تِلكَ الرُؤى السارِيَه
وَنَبكي عَلى عِزِّنا المُنقَضي / وَنَندُبُ أَيّامَنا الماضِيَه
فَيا آلَ فَردي نُعَزّيكُمُ / وَنَبكي مَعَ الأُسرَةِ الباكِيَه
فَقَدنا بِمَفقودِكُم شاعِراً / يَقِلُّ الزَمانُ لَهُ راوِيَه
فَدَيناهُ مِن زائِرٍ مُرتَقَب
فَدَيناهُ مِن زائِرٍ مُرتَقَب / بَدا لِلوُجودِ بِمَرأىً عَجَب
تَهُزُّ الجِبالَ تَباشيرُهُ / كَما هَزَّ عِطفَ الطَروبِ الطَرَب
وَيُحلي البِحارَ بِلَألائِهِ / فَمِنّا الكُؤوسُ وَمِنهُ الحَبَب
مَنارُ الحُزونِ إِذا ما اِعتَلى / مَنارُ السُهولِ إِذا ما اِنقَلَب
أَتانا مِنَ البَحرِ في زَورَقٍ / لُجَيناً مَجاذيفُهُ مِن ذَهَب
فَقُلنا سُلَيمانُ لَو لَم يَمُت / وَفِرعَونُ لَو حَمَلَتهُ الشُهُب
وَكِسرى وَما خَمَدَت نارهُ / وَيوسُفُ لَو أَنَّهُ لَم يَشِب
وَهَيهاتَ ما تُوِّجوا بِالسَنا / وَلا عَرشُهُم كانَ فَوقَ السُحُب
أَنافَ عَلى الماءِ ما بَينَها / وَبَينَ الجِبالِ وَشُمَّ الهُضَب
فَلا هُوَ خافٍ وَلا ظاهِرٌ / وَلا سافِرٌ لا وَلا مُنتَقِب
وَلَيسَ بِثاوٍ وَلا راحِلٍ / وَلا بِالبَعيدِ وَلا المُقتَرِب
تَوارى بِنِصفٍ خِلالَ السُحُب / وَنِصفٌ عَلى جَبَلٍ لَم يَغِب
يُجَدِّدُها آيَةً قَد خَلَت / وَيَذكُرُ ميلادَ خَيرِ العَرَب
أَرى شَجَراً في السَماءِ اِحتَجَب
أَرى شَجَراً في السَماءِ اِحتَجَب / وَشَقَّ العَنانَ بِمَرأى عَجَب
مَآذِنُ قامَت هُنا أَو هُناكَ / ظَواهِرُها دَرَجٌ مِن شَذَب
وَلَيسَ يُؤَذِّنُ فيها الرِجالُ / وَلَكِن تَصيحُ عَلَيها الغُرُب
وَباسِقَةٍ مِن بَناتِ الرِمالِ / نَمَت وَرَبَت في ظِلالِ الكُثُب
كَسارِيَةِ الفُلكِ أَو كَالمِسَل / لَةِ أَو كَالفَنارِ وَراءَ العَبَب
تَطولُ وَتَقصُرُ خَلفَ الكَثيبِ / إِذا الريحُ جاءَ بِهِ أَو ذَهَب
تُخالُ إِذا اِتَّقَدَت في الضُحى / وَجَرَّ الأَصيلُ عَلَيها اللَهَب
وَطافَ عَلَيها شُعاعُ النَهارِ / مِنَ الصَحوِ أَو مِن حَواشي السُحُب
وَصيفَةَ فِرعَونَ في ساحَةٍ / مِنَ القَصرِ واقِفَةً تَرتَقِب
قَدِ اِعتَصَبَت بِفُصوصِ العَقيقِ / مُفَصَّلَةً بِشُذورِ الذَهَب
وَناطَت قَلائِدَ مَرجانِها / عَلى الصَدرِ وَاِتَّشَحَت بِالقَصَب
وَشَدَّت عَلى ساقِها مِئزَراً / تَعَقَّدَ مِن رَأسِها لِلذَنَب
أَهَذا هُوَ النَخلُ مَلكُ الرِياضِ / أَميرُ الحُقولِ عَروسُ العِزَب
طَعامُ الفَقيرِ وَحَلوى الغَنِيِّ / وَزادُ المُسافِرِ وَالمُغتَرِب
فَيا نَخلَةَ الرَملِ لَم تَبخَلي / وَلا قَصَّرَت نَخَلاتُ التُرَب
وَأَعجَبُ كَيفَ طَوى ذِكرَكُنَّ / وَلَم يَحتَفِل شُعَراءُ العَرَب
أَلَيسَ حَراماً خُلُوُّ القَصا / ئِدِ مِن وَصفِكُنَّ وَعُطلُ الكُتُب
وَأَنتُنَّ في الهاجِراتِ الظِلالُ / كَأَنَّ أَعالِيَكُنَّ العَبَب
وَأَنتُنَّ في البيدِ شاةُ المُعيلِ / جَناها بِجانِب أُخرى حَلَب
وَأَنتُنَّ في عَرَصاتِ القُصورِ / حِسانُ الدُمى الزائِناتُ الرَحَب
جَناكُنَّ كَالكَرمِ شَتّى المَذاقِ / وَكَالشَهدِ في كُلِّ لَونٍ يُحَب
يَدُ المَلِكِ العَلَوي الكَريم
يَدُ المَلِكِ العَلَوي الكَريم / عَلى العلمِ هَزَّت أَخاهُ الأَدَب
لِسانُ الكِنانَةِ في شُكرِها / وَما هُوَ إِلّا لِسانُ العَرَب
قَضَت مِصرُ حاجَتَها يا عَلِيُّ / وَنالَت وَنالَ بَنوها الأَرَب
وَهَنَّأتُ بِالرُتَبِ العَبقَرِيِّ / وَهَنَّأتُ بِالعَبقَرِيِّ الرُتَب
عَلِيُّ لَقَد لَقَّبَتكَ البِلادُ / بِآسي الجِراحِ وَنِعمَ اللَقَب
سِلاحُكَ مِن أَدَواتِ الحَياةِ / وَكُلُّ سِلاحٍ أَداةُ العَطَب
وَلَفظُكَ بِنجٌ وَلَكِنَّهُ / لَطيفُ الصَبا في جُفونِ العَصَب
أَنامِلُ مِثلُ بَنانِ المَسيحِ / أَواسي الجِراحِ مَواحي النُدَب
تُعالِجُ كَفّاكَ بُؤسَ الحَياةِ / فَكَفٌّ تُداوي وَكَفٌّ تَهَب
وَيَستَمسِكُ الدَمُ في راحَتَيكَ / وَفَوقَهُما لا يَقَرُّ الذَهَب
كَأَنَّكَ لِلمَوتِ مَوتٌ أُتيحَ / فَلَم يَرَ وَجهَكَ إِلّا هَرَب
وَجَدتُ الحَياةَ طَريقَ الزُمَر
وَجَدتُ الحَياةَ طَريقَ الزُمَر / إِلى بَعثَةٍ وَشُؤونٍ أُخَر
وَما باطِلاً يَنزِلُ النازِلون / وَلا عَبَثاً يُزمِعونَ السَفَر
فَلا تَحتَقِر عالَماً أَنتَ فيهِ / وَلا تَجحَدِ الآخَرَ المُنتَظَر
وَخُذ لَكَ زادَينِ مِن سيرَةٍ / وَمِن عَمَلٍ صالِحٍ يُدَّخَر
وَكُن في الطَريقِ عَفيفَ الخُطا / شَريفَ السَماعِ كَريمَ النَظَر
وَلا تَخلُ مِن عَمَلٍ فَوقَهُ / تَعِش غَيرَ عَبدٍ وَلا مُحتَقَر
وَكُن رَجُلاً إِن أَتَوا بَعدَهُ / يَقولونَ مَرَّ وَهَذا الأَثَر
أَمينَةُ يا بِنتِيَ الغالِيَه
أَمينَةُ يا بِنتِيَ الغالِيَه / أُهَنّيكِ بِالسَنَةِ الثانِيَه
وَأَسأَلُ أَن تَسلَمي لي السِنينَ / وَأَن تُرزَقي العَقلَ وَالعافِيَه
وَأَن تُقسَمي لِأَبَرِّ الرِجالِ / وَأَن تَلِدي الأَنفُسَ العالِيَه
وَلَكِن سَأَلتُكِ بِالوالِدَينِ / وَناشَدتُكِ اللُعَبَ الغالِيَه
أَتَدرينَ ما مَرَّ مِن حادِثٍ / وَما كانَ في السَنَةِ الماضِيَه
وَكَم بُلتِ في حُلَلٍ مِن حَريرٍ / وَكَم قَد كَسَرتِ مِنَ الآنِيَه
وَكَم سَهَرَت في رِضاكِ الجُفونُ / وَأَنتِ عَلى غَضَبٍ غافِيَه
وَكَم قَد خَلَت مِن أَبيكِ الجُيوبُ / وَلَيسَت جُيوبُكِ بِالخالِيَه
وَكَم قَد شَكا المُرَّ مِن عَيشِهِ / وَأَنتِ وَحَلواكِ في ناحِيَه
وَكَم قَد مَرِضتِ فَأَسقَمتِهِ / وَقُمتِ فَكُنتِ لَهُ شافِيَه
وَيَضحَكُ إِن جِئتِهِ تَضحَكينَ / وَيَبكي إِذا جِئتِهِ باكِيَه
وَمِن عَجَبٍ مَرَّتِ الحادِثاتُ / وَأَنتِ لِأَحدَثِها ناسِيَه
فَلَو حَسَدَت مُهجَةٌ وُلدَها / حَسَدتُكِ مِن طِفلَةٍ لاهِيَه
صِغارٌ بِحُلوانَ تَستَبشِرُ
صِغارٌ بِحُلوانَ تَستَبشِرُ / وَرُؤيَتُها الفَرَحُ الأَكبَرُ
تَهُزُّ اللِواءَ بِعيدِ المَسيحِ / وَتُحَيّيهِ مِن حَيثُ لا تَشعُرُ
فَهَذا بِلُعبَتِهِ يَزدَهي / وَهَذا بِحُلَّتِهِ يَفخَرُ
وَهَذا كَغُصنِ الرُبا يَنثَني / وَهَذا كَريحِ الصَبا يَخطِرُ
إِذا اِجتَمَعَ الكُلُّ في بُقعَةٍ / حَسِبتَهُمو باقَةً تُزهِرُ
أَوِ اِفتَرَقوا واحِداً واحِداً / حَسِبتَهُمو لُؤلُؤاً يُنثَرُ
وَمِن عَجَبٍ مِنهُمو المُسلِمونَ / أَوِ المُسلِمونَ هُمُ الأَكثَرُ
فَلاسِفَةٌ كُلُّهُم في اِتِّفاقٍ / كَما اِتَّفَقَ الآلُ وَالمَعشَرُ
دَسَمبِرُ شَعبانُ عِندَ الجَميعِ / وَشَعبانُ لِلكُلِّ ديسَمبِرُ
وَلا لُغَةٌ غَيرَ صَوتٍ شَجِيٍّ / كَرَوضٍ بَلابِلُهُ تَصفِرُ
وَلا يَزدَري بِالفَقيرِ الغَنِيُّ / وَلا يُنكِرُ الأَبيَضَ الأَسمَرُ
فَيا لَيتَ شِعري أَضَلَّ الصِغارُ / أَمِ العَقلُ ما عَنهُمو يُؤثَرُ
سُؤالٌ أُقَدِمُهُ لِلكِبارِ / لَعَلَّ الكِبارَ بِهِ أَخبَرُ
وَلي طِفلَةٌ جازَتِ السَنَتَينِ / كَبَعضِ المَلائِكِ أَو أَطهَرُ
بِعَينَينِ في مِثلِ لَونِ السَماءِ / وَسِنَّينِ يا حَبَّذا الجَوهَرُ
أَتَتنِيَ تَسأَلُني لُعبَةً / لِتَكسِرَها ضِمنَ ما تَكسِرُ
فَقُلتُ لَها أَيُّهَذا المَلاكُ / تُحِبُّ السَلامَ وَلا أُنكِرُ
وَلَكِنَّ قَبلَكَ خابَ المَسيحُ / وَباءَ بِمَنشورِهِ القَيصَرُ
فَلا تَرجُ سِلماً مِنَ العالَمينَ / فَإِنَّ السِباعَ كَما تُفطَرُ
وَمَن يَعدَمِ الظُفرَ بَينَ الذِئابِ / فَإِنَّ الذِئابَ بِهِ تَظفَرُ
فَإِن شِئتَ تَحيا حَياةَ الكِبارِ / يُؤَمِّلُكَ الكُلُّ أَو يَحذرُ
فَخُذ هاكَ بُندُقَةً نارُها / سَلامٌ عَلَيكَ إِذا تُسعَرُ
لَعَلَّكَ تَألَفُها في الصِبا / وَتَخلفُها كُلَّما تَكبَرُ
فَفيها الحَياةُ لِمَن حازَها / وَفيها السَعادَةُ وَالمَفخَرُ
وَفيها السَلامُ الوَطيدُ البِناءِ / لِمَن آثَرَ السِلمَ أَو يُؤثِرُ
فَلوبيلُ مُمسِكَةٌ مَوزَراً / وَلوبيلُ تُمسِكُها مَوزَرُ
أَجابَت وَما النُطقُ في وُسعِها / وَلَكِنَّها العَينُ قَد تُخبِرُ
تَقولُ عَجيبٌ كَلامُكَ لي / أَبِالشَرِّ يا والِدي تَأمُرُ
تَزينُ لِبنتِكَ حُبَّ الحُروبِ / وَحُبُّ السَلامِ بِها أَجدَرُ
وَأَنتَ اِمرُؤٌ لا تُحِبُّ الأَذى / وَلا تَبتَغيهِ وَلا تَأمُرُ
فَقُلتُ لِأَمرٍ ضَلَلتُ السَبيلَ / وَرُبَّ أَخي ضَلَّةٍ يُعذَرُ
فَلَو جيءَ بِالرُسلِ في واحِدٍ / وَبِالكُتبِ في صَفحَةٍ تُنشَرُ
وَبِالأَوَّلينَ وَما قَدَّموا / وَبِالآخَرينَ وَما أَخَّروا
لِيَنهَضَ ما بَينَهُم خاطِباً / عَلى العَرشِ نَصَّ لَهُ مِنبَرُ
يَقولُ السَلامُ يُحِبُّ السَلامَ / وَيَأجُرُكُم عَنهُ ما يَأجُرُ
لَصُمَّ العِبادُ فَلَم يَسمَعوا / وَكُفَّ العِبادُ فَلَم يُبصِروا