هل أنتَ بطُولِكَ مُسعِدُهُ
هل أنتَ بطُولِكَ مُسعِدُهُ / يا لَيْلُ فَصُبْحُكَ مَوعِدُهُ
أَسْرَى لِيُصبِّحنَهُ بنَوىً / فلعلّ ظلامَكَ يُنجِده
طُلْ يا لَيْلي فلقد عَزموا / سَيراً وصباحُك مَوعِده
لا كان قَصيراً لَيلُ فتىً / مِيعادُ مَنِيّتهِ غَده
لِيَنزُلْ إن كان كذلك من / بَصَري لا أُفْقِيَ أَسْوده
كي لا يَحتلَّ فِراقُهمُ / ويكونَ بعَيْنِيَ مَشْهَده
لا دامَ لدَهْرٍ فَرَّقَنا / إن صَحّ نوىً يَتَرصّده
في طَرْفِ اللّيلِ تَكَحُّلُه / ولخَدِّ الفَجْرِ تَوُّرده
في صَدْرِيَ من كَلَفٍ بكمُ / جُنْدٌ للشّوقِ يُجَنّدُه
وفؤادي الخافِقُ يَقْدُمُه / فكأنّ فُؤاديَ مِطْرَده
أَعَليلَ اللّحظِ وعِلَّتُه / منها المُتألِّمُ عُوَّده
عيناكَ بسَفْكِ دَمِي جَنَتا / فالصُّدْغُ علامَ تَجعُّده
ودَمي لا يَحسُنُ مَحْمَلُه / في النّاسِ فلِمْ تَتقلَّده
ما ألَهبَ خَدَّك نارُ صِباً / قُدِحَتْ في الوجنةِ أَزْنُده
قلبي في صُدْغِك مَسكنُه / فيَنالُ الخَدَّ تَوقُّده
والخالُ بخَدِّكَ أَسْودُه / ولذلكَ صَدْرِيَ يَحْسُده
والدّمعُ يَجودُ فَيُطْفِئُه / والوَجدُ يَعودُ فيوُقِده
وأَخافُ يُدَخّنُ كثْرةٌ ما / يُذْكيهِ هواك ويُخْمِده
فيُخالِطُ بعدَ تَجَرُّدِه / ياقوتَ الخَدِّ زَبرجَده
فالرَأي وقلبي ذو فِتَنٍ / يا بَدْرُ لَوَ أَنّكَ تَطْردُه
وتُبوِئّهُ بالكُرِه حَشاً / قد أَقفرَ منه مَعْهَده
لم أَنْسَ برامةَ مَوقفَنا / والشَملُ أَظلَّ تَبَدده
رشأٌ قد أَفْلَتَ من شَركي / والبَيْنُ غدا يتَصيّده
سِربٌ قد عَنَّ بذي سَلَم / وغدا بفؤاديَ أَغْيَده
وتَطاوَلَ يَتْبعُهمْ نظَراً / صَبّ قد طال تَبلُّده
حَرّانُ القلبِ مُتَيَّمُه / حَيرانُ الطَّرْفِ مُسهَّده
لا غَرَّ غداةَ رحيلِهمُ / حَذَرَ الرُّقَباء تَجَلُّده
لا أرجعُ عن شَغَفٍ بكمُ / وهوىً في القلبِ أُوتِّده
ما جاد الأرضَ سحائبُها / وسعَى للدِّينِ مُؤيِّده
قد ظَلّ ليُمْنِ نَقييتِه / للمُلْكِ طَوالِعَ أَسعُده
أضحَى مُتتابِعُ نائلهِ / كالقَطْرِ فليس نُعَدِّده
وغدا مُتموِّجُ خاطِرِه / كالبحرِ يُهابُ تَورُّده
فغنِيً للبائسِ مَسكنُه / ورديً للقامِسِ مُزْبِده
سامٍ في النّاسِ بمَحْتِدِه / وبهِ يتَسامَى مَحْتِده
نصْرُ الإسلامِ حكَى غَرضاً / من بُعْدِ مدىً يَتَعمّده
للهِ بكَفِّ خليفتهِ / سَهْمٌ وإليه تَسَدُّده
بسديدِ الدّولةِ مُرسلِه / يَرْجو أن يَقْرُبَ أَبعَده
مَنْ عَرْضُ الأرضِ لعَزْمتِه / كالغَلْوةِ حين تُحَدِّده
تَتهادى الدّهر ركائبَه / أغوارُ السَّيرِ وأنجُده
لإمامٍ يُحْيِي مَوعِدُه / ويُميتُ القِرْنَ تَوعُّده
مَن لم يَسجُدْ لأوامرِه / فالسَّيفُ الصّارم يُسجِده
أو قامَ لنَصْرِ مُخالِفه / فالجَدُّ الخاذِلُ يُقْعِده
أضحَى لخلافتِه عَضُداً / يُعْنَى بالحَقِّ ويَعْضُده
إن مَدَّ الكَفَّ لها طلَباً / للنّجمِ فما تَستَبْعِده
تاجٌ يا دهْرٌ فضائلُه / من فَوقِ جَبينِك تَعْقِده
وهوىً للجودِ تَملَّكَهُ / فإلامَ يُطيلُ مُفَنّدِه
من قَبلِ خُلُوّ الجَوِّ له / قد ساد وسُلِّمَ سُؤْدَده
فالْلَيثُ غدا يَستأمِنُه / والغَيثُ غدا يَستَرفِده
وتُديرُ أنامِلُه قَلَماً / كَلِفاً بالمُلْكِ يُؤَطّدِه
يَقتًصُّ وقد حصَدوه له / من هامِ عِداهُ فيَحْصُده
ويَزيدُ مَضاءُ مَضاربِه / فَيُقصِّرُ عنه مُهَنَّده
سَيْفٌ للدِيّنِ ونُصْرتِه / في يُمْنَى المُلْكِ مُجَرَّده
والغِمدُ الدِّرْعُ فواعجَباً / من سَيفٍ يَقتُلُ مُغْمَده
ونِجادُ كتابتِه أبداً / بالدُّرِّ تُرصِّعُه يَده
ليكونَ غداةَ الفَخْرِ به / لإمامِ العَصرِ يُقلِّده
بتَوسُّلِه وتَرسُّلِه / في الأُمّةِ شاعَ تَفرُّده
شَرَفانِ اثنانِ له جُمِعا / بهما في الدّهرِ تَوحٌّده
نَفَسٌ للدّينِ يعيشُ به / ولذاك يدومُ تَردُّده
ورسولُ أجَلِّ إمامِ هُدىً / في رُكْنٍ منهُ يُشَيِّده
واللهُ قضَى بالرُّشْدِ له / فَتخَيَّرَه مُستَرشِده
أمّا الأقوامُ فقد عَلِموا / والدّهرُ بأنّك أوْحَده
وحديثُك كُلُّ بني زمَني / عَلّموك إلى مَن تُسْنِده
فأخو تَصْديقِك مُؤمِنُه / وأخو تَكْذيبِك مُلْحِده
يا مَنْ في الدّهرِ على نَظَري / لا شَيءَ سواهُ يَحمَده
كَرمُ الأخلاقِ إذا ذُكِرتْ / كالشّرعِ وأنتَ مُحمّده
فلْيَهْنِك شَهْرٌ مُشتَهِرٌ / قد أمَّ جنابَك يَقْصِده
قد كان حميداً مَصدُرُه / إذ كان حميداً مَورِده
شَهْرٌ طَرفاهُ بك التقَيا / شَرفاً لِعُلاك تَمَهُّده
بولائك يُؤْجَرُ صائِمهُ / وبرِفْدِك سُرَّ مُعَيَده
قد أقبل يَطلُبُ قادِمُه / عَهْداً بنَداكَ يُجَدَده
وأظَلَّ اليومَ مُودِّعُه / للِقاءٍ منك يُزوَّده
ولوعْدٍ منك بعَوْدتِه / في عِز يَخلُدُ سَرْمَده
ولِيشْهَدَ عندَ اللهِ غداً / وسَيصْدُقُ إذْ يَستَشْهِده
بصَلاتِك أو بصِلاتك فيه / فكُلُّ عنّ تَمَدُّده
يا مَن في اليوم يَظَلُّ له / مِما للجود تَعَوّده
إرسالُ يَدٍ ما يُمسِكُها / إلاّ باللّيلِ تَهَجّده
شيطانُ قَريضيَ يَحسَبُه / أمسى والصّومُ يُصفِّده
فجرى خبَباً يَعثّرُ بي / في شَوْطِ القولِ مُقَّيده
وعلى إيقاعِ حوافرِه / في الرَّكْضِ أتَى ما أُنشِده
شِعْرٌ كالرّوضِ فَغائرُه / يَرْويهِ الدّهرَ ومُنْجِده
قد شَرد عن جَفْني غُمضى / حتّى ائتلفَتْ لِيَ شُرَّده
يا مَن ما زال تَكرُّمه / يتَملّكُني وتَودُّده
كم في قُرْبٍ أو في بُعُدٍ / لك من حُرٍّ تَستَعْبِده
لا زال كذِكْرِك عُمْرُك لي / يَبْقَى في الدّهْرِ مُخلَّده
في العزِّ يُظلِّك شامِخُه / والعَيشِ يَخُصُّك أرْغَده