غَنَّاهُ الأَمْسُ وأَطْرَبَهُ
غَنَّاهُ الأَمْسُ وأَطْرَبَهُ / وشَجَاهُ اليومُ فَما غَدُهُ
قَدْ كانَ لهُ قلبٌ كالطِّفْلِ / يدُ الأَحلامِ تُهَدْهِدُهُ
مُذْ كانَ له مَلَكٌ في الكونِ / جَميلُ الطَّلعَةِ يَعْبُدُهُ
في جوفِ اللَّيْلِ يُناجيهِ / وأَمامَ الفَجْرِ يُمَجِّدُهُ
وعلى الهَضَباتِ يُغنِّيهِ / آياتِ الحُبِّ ويُنْشِدُهُ
لولاهُ لما عَذُبَتْ في / الكونِ مَصَادِرُهُ ومَوارِدُهُ
ولَما فاضَتْ بالشِّعْرِ الح / يِّ مَشَاعِرهُ وقَصَائِدُهُ
تمشي في الغابِ فتَتْبَعه / أَفراحُ الحُبِّ وتَنْشُدُهُ
ويرى الآفاقَ فيُبْصِرُها / زُمَراً في النُّورِ تُراصِدُهُ
ويرى الأَطْيارَ فيَحْسَبُها / أَحلامَ الحُبِّ تُغَرِّدُهُ
ويرى الأَزهارَ فيَحْسَبُها / بَسماتِ الحُبِّ تُوارِدُهُ
فَيَخَالُ الكونَ يُناجيهِ / وجَمالَ العالَمِ يُسْعِدُهُ
ونُجومَ اللَّيلِ تُضاحِكُهُ / ونَسيمَ الغابِ يُطَارِدُهُ
ويَخالُ الوَرْدَ يداعِبُهُ / فرحاً فتعابثه يَدُهُ
ويرى اليُنْبوعَ ونَظْرَتَهُ / ونَسيمُ الصُّبْحِ يُجَعِّدُهُ
وخريرُ الماءِ لهُ نَغَمٌ / نَسَماتُ الغابِ تُرَدِّدُهُ
ويرى الأَعشابَ وقَدْ سَمَقَتْ / بَيْنَ الأَشجارِ تُشاهِدُهُ
ونِطاقُ الطِّفلِ تُنَمِّقُها / فَيَجُلُّ الحُبَّ ويَحْمدُهُ
يا للأَيَّامِ فكم سَرَّتْ / قلباً في النَّاسِ لتُكْمِدُهُ
هيَ مِثْلُ العاهِرِ عاشِقُها / تسقيهِ الخمرَ وَتَطْردُهُ
يُعْطيكَ اليومُ حلاوتها / كالشَّهْدِ ليَسْلُبَها غَدُهُ
بالأَمسِ يعَانِقُها فرحاً / ويضاجعُها فَتُوَسِّدُهُ
واليومَ يُسايِرُها شَبَحاً / أَضناهُ الحزنُ وَنَكَّدَهُ
يتلو في الغابِ مَرَاثيهِ / وجُذُوعُ السَّرْوِ تُسانِدُهُ
ويُماشي النَّاسَ وما أَحَدٌ / مِنْهُمْ يَشْجِيهِ تَفَرُّدُهُ
في ليلِ الوَحْشَةِ مسْراهُ / وبِكَهْفِ الوَحْدَةِ مرقَدُهُ
أَصواتُ الأَمسِ تُعَذِّبُهُ / وخيالُ الموتِ يُهَدِّدُهُ
بالأَمسِ لهُ شفَقٌ في الكونِ / يُضيءُ الأُفْقَ تورُّدُهُ
واليومَ لَقَدْ غَشَّاهُ اللَّيلُ / فما في العالمِ يُسعدُهُ
غنَّاهُ الأَمسُ وأَطْرَبَهُ / وشَجَاهُ اليَومَ فَما غَدُهُ