المجموع : 120
يا من أرومهمُ بكل مرامِ
يا من أرومهمُ بكل مرامِ / وأراهمُ في يقظتي ومنامي
وأنا بهم في جنة متنعم / منهم بأنواع من الإنعام
كيف التفتُّ رأيت طلعة وجههم / تزهو خلال ستائر الأوهام
ولقد حظيت بهم على فُرُشِ التقى / وأنا وإياهم لفيف قوام
ولقد تعانقنا فصرنا واحداً / وطفت مياهُ الوصل نار أوامي
وعلي قد جادوا بما فوق المنى / والغير ينتظر انكشاف لثام
أو ما ترى ذكري لهم متنوعاً / وبهم عليهم صار شكري نامي
ومدحتهم بجميع ألسنة الورى / في كل مرتبة وكل مقام
ونظمت ديوان التغزل كله / فيهم بلفظ معجب ونظام
وأتيت فيه بكل معنى رائق / في كل جارية وكل غلام
ومورَّد الخدين فاق بجيده / وبطرفه الساجي على الآرام
يثني معاطفَه الدلالُ كأنه / غصن وفي أعلاه بدر تمام
وذكرت كل لطيفة في روضةٍ / وهزار دوحٍ مطرب الترنام
وجداول الأنهار والنسمات في / حركاتها والزهر في الأكمام
الغصن يرقص والنواعير التي / بالجنك قارنها غناء حمام
ومجالس الندمان قمت بوصفها / والدن والساقي وكأس مدام
وكشفت بالآلات عن ألحانها / وشرحت فرط صبابةٍ وغرام
وجيمع ذاك مقصدي أنتم به / وأجل ما مولى وكل مرامي
لا غيركم أربي وإن حوّلته / عنكم بلفظي في الورى وكلامي
أنتم هم المعنى المراد بكل ما / قد قلت عنكم والجميع أسامي
وكذاك ديوان المديح جميعه / فيكم نشرت به صفات كرام
ورسائل الإخوان فيما بيننا / مشمولة بتحية وسلام
وصفات أهل العلم فيه شرحتها / ومدحت كلَّ محقق علام
وجمعت أوصاف القضاة وفضلهم / في مقتضى نظري بغير تعامي
والقصد أنتم بالجميع وذكرهم / هو ذكركم عندي على الإبهام
وكذاك ديواني بمدح المصطفى / والآل والأصحاب ذي الإكرام
قصدي به أنتم وفي لغتي لكم / عندي الكلام بسائر الأقسام
فأسير سير الغافلين بقولهم / أبداً وأقصد مقصد الأقوام
وأنا الذي في ظاهري متمسك / بشريعتي في سائر الأحكام
وأنا الذي في باطني متحقق / بحقائق التوحيد والإلهام
أنا مجمع البحرين موسى ظاهرٌ / والباطن الخضر الأجل السامي
هيهات أن تنجو فراعين العدا / مني وبحري بالمعارف طامي
وعليَّ من عين السرادق أعين / للحق تحفظني مدى الأيام
وأنا لأطيار الحقيقة مخرس / وأنا الإمام بها لكل إمام
وأنا البلاد وأهلها أنا لا سوى / والشام من دون البرية شامي
والعارفون رعيتي في قبضتي / والغوث والأقطاب من خدامي
فافتح عيونك في وجوه قلوبنا / وانظر إلى الأحوال يا متعامي
واصدق وصادقنا ولا تنظر إلى / ما يقتضي منها فهوم عوام
نحن الشموس وما خفافيش الورى / تسطيع تبصر غير محض ظلام
لي في الإله عقيدة غراءُ
لي في الإله عقيدة غراءُ / هي والذي هو في الوجود سواء
نور على نور فهذا عندنا / أرض وعند الله ذاك سماء
يا قلب قلبي أنت جسم الجسم لي / ومن الصفات تأتت الأسماء
قد جاء نوري منك عنك مبلغاً / بك لي فكان بأمرك الإصغاء
وتتابعت بشرى الهواتف بالذي / يعنو له الإلهام والإيحاء
بي نشأتان طفقت أسرح فيهما / لي هذه صبح وتلك مساء
أبداً أنا نور أضيء وظلمة / وأنا تراب في الوجود وماء
وسمائي انشقت وشمسي كورت / ونجومي انكدرت فزال ضياء
وقيامتي قامت وإني هكذا / طبق الذي وردت به الأنباء
لي ساعد فيما أروم مساعد / ويد أصابع كفها الجوزاء
وفم يحدث بالمثاني الغض لا / زالت تجول بغيثه الأنواء
يا نحل قد أوحى إليك إلهنا / ومن الجبال بيوتك الأفياء
فكلي من الثمرات طراً واسلكي / سبل السعادة لا اعتراك شقاء
ومن البطون إلى الظهور شرابها / للناس فيه لذة وشفاء
هذا الذي فيه منادمة المنى / ووجود من قامت به الأشياء
ومتى تأملت التأمل منصفاً / عادت إلى ألف الحروف الياء
والحق ليس لنا إليه إشارة / نحن الإشارة منه والإيماء
وجه تعدد في المرائي
وجه تعدد في المرائي / وبه تحير كل رائي
والكائنات بأمره / موج على صفحات ماء
والأمر أمر واحد / فيه التقارب والتنائي
إن العوالم كلها / بظهورها والإختفاء
في سرعة وتقلب / مثل الكآبة في الهواء
بمداد أنوار الوجو / د الحق من يد ذي العلاء
قد خطها القلم الذي / هو باب ديوان العطاء
قلم له عدد الورى / أسنان رقم وانتشاء
صبغ الإرادة طبق ما / في الأرض يظهر والسماء
يا باطنا هو ظاهر / في كل ختم وابتداء
إني وإنك واحد / واثنان عند الإنثناء
من لي بمجهول العدا / عرفته كل الأولياء
إن غاب عن أغيارنا / هو عندنا ملء الإناء
يشقى ويسعد من يشا / بالداء جاء وبالدواء
هو بالتكبر في الشعا / ر وبالتعاظم في الرداء
وهو الجليس بذكره / للعارفين وبالثناء
غنى بمن غنى وقد / طبنا به لا بالغناء
وبدا بكل مهفهف / زاكي الملاحة والبهاء
وبه القلوب تهيمت / لا بالموشح في القباء
قمر محا ظلماتنا / بطلوعه وقت الضياء
حتى رأيناه به / في كل أنواع الضياء
شمس وكل الخلق في / أنوارها مثل الهباء
طلعت فأعدمت السوى / والكون آل إلى الفناء
حتى تجلى في غما / ئم باطل غيب العماء
فاختص قوماً بالضلا / ل وعمنا بالإهتداء
والكشف جاء بعسكر / والكون خفاق اللواء
والطبل أجسام الملا / والزمر أرواح الفضاء
وبموكب الأملاك حف / ف الغيب سلطان الوفاء
هذا فكيف عقولنا / لا تضمحل من الهناء
ظهر الوجود بسائر الأشياءِ
ظهر الوجود بسائر الأشياءِ / متجلياً جهراً بغير خفاءِ
والكل فيه هالك قد قال إل / لا وجهه الباقي عظيم بقاء
واعلم بأنك لا ترى منه سوى / ما أنت رائيه من الأشياء
إذ أنت شيء هالك في نوره / والنور يحرق حلة الظلماء
إن الوجود عن البصائر غائب / من حيث ما هو ظاهر للرائي
لا تدرك الأبصار منه سوى السوى / وهي الحوادث جملة الأفياء
والفيء يكشف أن ثمة شاخصاً / متحكماً فيه بغير مراء
فاحذر تظن بأن ما أدركته / ذاك الوجود وكن من العلماء
فجميع ما أدركته الموجود لا / هو ذا الوجود الحق ذو الآلاء
إن الوجود الحق عنك ممنع / في عزة وترفع وعلاء
وجميع ما أدركته هو حادث / فان وأنت كذاك رهن فناء
لكنه بك قد تجلى ظاهراً / وبسائر الأشياء باستقصاء
فرأيته من حيث لم تعلم به / وعلمته في رتبة الأسماء
فعلمت رتبته وأنت لذاته / راءٍ وتنكر أنت أنك رائي
إذ لم تكن تعلمْ به من حيث ما / هو في تدانٍ للورى وتناء
ولقد أتى هو ظاهر هو باطن / فافطن له في محكم الأنباء
إن الزجاجة عبرة للرائي
إن الزجاجة عبرة للرائي / فانظر بها بالباء بعد الراءِ
وتأمل الأكوان حيث تنوعت / لك تنجلي في بهجة وبهاء
في حمرة في صفرة في خضرة / بخلاف ما هي سائر الأشياء
وكذلك الدنيا وما فيها فلا / يغتر راء بالذي هو رائي
سر التلون في الزجاجة فاعتبر / هذا بنفس داخل الأحشاء
إن النفوس هي الزجاجات التي / طبعت على سعد لها وشقاء
وبها يرى الرائي فيكشف مقتضى / ما عندها بتأمل وتراء
والحكم منه على الذي هو ظاهر / حكم عليه بلبسة وخفاء
فإذا تحقق كان أنصف حاكم / فيما رأى واختص بالنعماء
والقلب أذعن منه في إيمانه / بالغيب عن قطع بغير مراء
نزل الحديد فكان سيفاً قاضبا
نزل الحديد فكان سيفاً قاضبا / قسم العداة مشارقاً ومغاربا
بأسٌ شديد فيه بل ومنافع / للناس فليمض المعاند هاربا
وبه الأمين عليَّ كان نزوله / فأسرَّ قلباً بالأمان وقالبا
في ليلة هي ليلة القدر التي / فيها رسول الله نال مواهبا
فأخذته بيدي اليمين حقيقة / فوجدته أمضى السيوف مضاربا
مقدار أربعة الأصابع قدره / في طول باع بالرزانة سالبا
فلذا تراني لا أحارب دائماً / هذا الورى إلا وكنت الغالبا
أما المحبة فهي قلبي والحشا / بل كل كلي لست فيه كاذبا
رعدت بها مني الضلوع وقد همى / مطر علينا قبل كان سحائبا
وملئت من أنس الوجوه ووحشة ال / عدم انقضت ولقد قضيت مآربا
ولقد أماطت لي بثينة برقعاً / عن طلعة شمسية وجلاببا
ومشت بأنواع الغلائل تنجلي / ودنت تقلب أعينا وحواجبا
وسعت إلى نحوي ولم أك غيرها / فغدوت مطلوبا ولم أك طالبا
هذا الوجود جميعه كلي بلا / شكٍّ عداةً قد حوى وحبائبا
والخلق ناراً لايزال وجنة / والأمر أنواراً غدا وغياهبا
والكل كلي ما معي غيري فلا / تتعب وكن لي في الجميع مصاحبا
وأنا الحقيقة والشريعة لا تقف / فيصير شيء منهما لك حاجبا
وافعل ولا تفعل جيمع أوامري / واترك ولا تترك لنهيي تائبا
واقعد وقم وتقاوَ واعجز إن ترم / وصلي وكن بي طالعاً أو غاربا
فأنا حقيقتك المكلفة التي / بِأَلَسْتُ قلت لها وكنت مخاطبا
رح يا أنا يا فاسد التركيبِ
رح يا أنا يا فاسد التركيبِ / يا حائلاً بيني وبين حبيبي
يا غيمة سترت ضياء الشمس عن / عين الشهود وأبعدت تقريبي
يا ليتني بك لم أكن متستراً / في زي أسود بالسوى غربيب
أنت الذي أثقلتني ومنعتني / عن أن أفوز من العلا بنصيب
مع أنك البرق اللموع من الحمى / لكن جمودك معجِمٌ تعريبي
فأنا الكثيف ومن شغفت بحبه / ذاك اللطيف عليك فهو حبيبي
جسم بليت به كليل مظلم / من حكم طبع سائق للهيب
نشأت به نفس تكامل جهلها / فخلت من التثقيف والتأديب
فكأنه وكأنها لما أبت / رشداً كنيسة راهب بصليب
لولا العناية هكذا هي لم تزل / طبق الملام ومقتضى التأنيب
لكن أنار الله مصباح الهدى / فيها بفتح للغيوب قريب
وأحالها شمساً تشعشع نورها / بعد الجمود بسرعة التقليب
والروح من أمر الإله ككوكب / دبَّ الضيا منه بغير دبيب
روح شريف حكمه متناسق / فينا بأنواع من التهذيب
وهو الذي يروي لنا خبر الحمى / وتفوح فينا منه نفحة طيب
فأنا الذي أبدو كملعة بارق / عن غيب أمر الله بالترتيب
وأنا الذي قد صرت روحاً ظاهراً / في كل هيكل سائل ومجيب
أبدا أحن إلى حقيقة منشئى / مني بقلب في الكمال منيب
والأمر أمر الله ليس لغيره / من ذاك شيء يا ذوي التقريب
عجب وما هو بالعجبْ
عجب وما هو بالعجبْ / نور بظلمته احتجبْ
شهر لشهرة أمره / رمضان وهو أخو رجب
وهو الحرام لحرمة / وجبت له مما وجب
والدهر من أسمائه / فيه المسرة والسخب
أشجاره نحن اللحا / ء لها الملائم والنجب
والموج نحن لأنه / بحر خضم ذو لجب
والله أكبر فافهموا / عجب وما هو بالعجب
لي بالحمى قوم عُرفت بصبِّهم
لي بالحمى قوم عُرفت بصبِّهم /
وإذا مرضت فصحتي في طبِّهم /
قوم كرام هائمون بربهم /
علموا بأني صادق في حبِّهم / وتحققوا صبري الجميل فعذَّبوا
يا سعد خذ عني الهوى وله فَعِي /
اعلمْ بأن القوم أهل المطلع /
حضرات وجه غائب في البرقع /
نزلوا بوادي المنحنى من أضلعي / وتمنّعوا عن مقلتي وتحجبوا
هم عند قلبي بل وقلبي عندهم /
وإذا بثثت الوجد بثوا وجدهم /
ومعي أراهم لا أفارق قصدهم /
سعدت حظوظي إذ رضوني عبدهم / والفخر لي أني إليهم أنسب
قلبي الذي في ذاتكم يتقلبُ
قلبي الذي في ذاتكم يتقلبُ /
وعلى مقام الهاشمي مهذبُ /
فلأجلِ ذا من كلِّ معنىً أطربُ /
ما في المناهل منهل مستعذبُ / الأولى فيه الألذ الأطيبُ
تأتي لسري آية منصوصة /
فتُراشُ أجنحة بها مقصوصة /
ما في الجمال ذؤابة معقوصة /
أو في الوصال مكانة مخصوصة / إلا ومنزلتي أعز وأقرب
بكر العلا منكم تزف لكفوها /
ما بين رحمتها نشأت وعفوها /
وأنا بطاعتها سموت وقفوها /
وهبت لي الأيام رونق صفوها / فحلت مناهلها وطاب المشرب
كم طلعة لي في الملاح وسيمة /
توليك من نعم لدى جسيمة /
وبدرة بيضا علقت يتيمة /
وغدوت مخطوبا لكل كريمة / لا يهتدي فيها اللبيب فيخطب
حالي به شوق الورى ورسيسهم /
من ناله منهم فذاك رئيسهم /
والسر مني للعباد أنيسهم /
انا من رجال لا يخاف جليسهم / ريب الزمان ولا يرى ما يرهب
حقت لطه المصطفى لي نسبة /
ولوارثيه من البرية صحبة /
فهم الرجال ولي إليهم قربة /
قوم لهم في كل مجد رتبة / علوية وبكل جيش موكب
أشتم هبات الغيوب وفوحها /
وأرى غناء النفس ساوى نوحها /
متحقق قلم الهبات ولوحها /
أنا بلبل الأفراح أملأ دوحها / طرباً وفي العلياء بازٌ أشهب
كل الحقائق من مدام حقيقتي /
حقت ومرجعها لأصل طريقتي /
وأنا الذي لما حفظت شريعتي /
أضحت جيوش الحب تحت مشيئتي / طوعاً ومهما رمته لا يعزب
جانبت ما أهوى وطبت طوية /
فنزلت منزلة هناك علية /
وصفوت من كل الجوانب نية /
أصبحت لا أملاً ولا أمنيةً / أرجو ولا موعودة أترقب
عن همتي العلياء قد ضاق الفضا /
لما غدوت لوصلكم متعرضا /
يا سادة فيهم على طبق القضا /
ما زلت أرتع في ميادين الرضا / حتى وهبت مكانة لا توهب
أسمو بأسرار لكم مكتومة /
ما بين أستار لنا معلومة /
كم في الورى من حالة مرسومة /
أضحى الزمان كحلة مرقومة / تزهو ونحن لها الطراز المذهب
نحن الذين يعز فيكم جنسنا /
ويطيب في أرض الحقيقة غرسنا /
لا تعرضوا عنا فهذا أنسنا /
أفلت شموس الأولين وشمسنا / أبدا على فلك العلا لا تغرب
نسب المحبة أقرب الأنسابِ
نسب المحبة أقرب الأنسابِ / خال عن الأغراض والأسبابِ
ومتى تدنست المحبة بالسوى / حجبتك عنك كسائر الحجاب
يا أيها العدم الذي هو ظاهر / بوجود غيب غائب في الغاب
خلص محبتك التي هي فيك من / دعوى الوجود تفز بفتح الباب
لا تدعي مالم يكن لك تفتضح / يوم اللقا في حضرة الأحباب
هيهات أين محبة القوم الأولى / شربوا الكؤس وخمرة الأكواب
وتعلقوا بالغيب لا بتقلق / منهم به فلهم أعز جناب
إن المحبة إن صفت فحقيقة / مكنونة فيها ألذ شراب
وبها النفوس هي القلوب تقلبت / من صحوها للمحو كالدولاب
سلمان من آل النبي بها كما / سلمان منا قالها بصواب
فتحققوا بشرابها صرفاً بلا / مزج يعيد شرابها كسراب
حقا نقول هي المحبة لا تكن / متجرداً فيها عن الآداب
والبس لها ثوب التُقى واحذر تكن / مثل النساء منقباً بنقاب
تمسي وتصبح أنت أنت ولا ترى / إلا الجمود ووقفة المرتاب
الله أكبر إننا محبوبنا / في حلة الأبدال والأقطاب
نعلو ونسفل في يدي أسمائه / من قرب تنعيم وبعد عذاب
ضلت به أمم فلم يدروا سوى / أثوابه المعدومة الأثواب
وهو المحيط بهم وإن لم يعلموا / هم في يديه تلونات خضاب
أين الحلول وكل شيء هالك / نص الحديث ونص كل كتاب
لكن عقول الجاهلين تضلهم / فيكذبون بأبلغ الكذاب
والله يعلم ما هنالك كله / فتحققوه يا أولي الألباب
لبس القميص أو القبا
لبس القميص أو القبا / من كل شيء فاختبى
قر منير طالع / نحن السحاب له الخبا
روح شريف كلنا / تصويره متحجبا
والله غيب عنه لا / يدري به لما أبى
والشمس طلعة وجهه / والعالمون به الهبا
يخفى فنظهر ثم إن / ظهر اختفينا فاعجبا
عنه البرية قد لهت / وتفرقت أيدي سبا
إن غبت عنه فإنني / من نسل أصحاب النبا
وإذا نسبت لأمره / لا أم صرت ولا أبا
وهو الجميع فإن بدا / عنا الجميع تحجبا
يا مدعي العرفان فجرك كاذبُ
يا مدعي العرفان فجرك كاذبُ / لم يدخل الوقت الذي هو واجبُ
فالنفس منك هي التي كذبت ولم / تصدق وأنت مخاطب ومخاطب
أين الصابح وأين شمسك بعده / روح تنير وليس ثم غياهب
فيضيء كونك باسم ربك كله / وتغيب عنك مشارق ومغارب
إن الحقيقة والشريعة واحد / والفرق بينهما ضلال غالب
فأقم لدين الله وجهك إنه / وجه الحبيب له هناك حبائب
واطلب وكن متوجهاً أبداً به / يحظى ويظفر بالمراد الطالب
لكن بدعواك الوجود حجبت عن / من يُدَّعى والعارفون مشارب
والله أعطانا منازل قربه / وله شكرنا والعطاء مواهب
حتى رأينا وجهه كالشمس قد / أبدى المثال بها إلينا الضارب
في جنة الخلد التي هي لم تزل / موجودة بوجود من هو صاحب
هو صاحب لك إن رحلت مسافراً / عما سواه فما سواه أجانب
طبق الذي قد قاله لك مرسل / وهو النبي عليه صلَّى الواهب
هذا الطريق الأقربُ
هذا الطريق الأقربُ / فخذوا المدامة واشربوا
وهو الوجود ونورها / كأس وأنت الغيهب
والكأس في يد من بدا / وهو المليح الأشنب
يا أيها الندمان لي / حثوا المطية واركبوا
منكم إليكم فالذي / يدري الكلام مهذب
وامشو الصراط المستقي / م إلى الحبيب لتقربوا
لا تهربوا منه تروا / منه إليه المهرب
فاز الذي يدنو وقد / خسر الذي يتجنب
يا عاذلون تحولوا / عن دربنا وتنكبوا
قلبي به متعلق / إذ ما لقلبي لولب
لا أم لي من غيره / أمد الزمان ولا أب
قام الذي يدعو إلي / ه بما يقول ويخطب
أين الذي يصغي له / ويجد فيه ويطلب
جلت معاني الغيب عن / كون يجيء ويذهب
وعن العقول وما به / أهل العقول تمذهبوا
هي جنة وجهنم / أغياره تتلهب
وجه هو الشمس التي / عن شرقنا لا تغرب
يتلو مقالة أينما / ولّوا فلا تتهيبوا
نحن الذين به له / جئنا وعز المطالب
الله أكبر هكذا / أحد هناك فيسلب
هو مؤمن لكنه / عنا بنا متحجب
وبه نلوح ونختفي / برق يرفرف خلب
الله أكبر هكذا / هو واللبيب يجرب
يا صاحب الجهل المركَّبْ
يا صاحب الجهل المركَّبْ / وبجهله عني تنكَّبْ
لم يدرني ويظنني / أنا مثله وعلى هكَّبْ
أخفت كمالي ناره / عنه فدخن لي وعكَّبْ
وبزعمه حرنا على الد / دمع قطَّرَهُ وسكَّبْ
لا والذي هو عالم / بي كل ذا زورٌ تركَّبْ
يدري وينكر حالتي / وعلي بالطغيان وكَّبْ
يا مرحبا يا مرحبا يا مرحبا
يا مرحبا يا مرحبا يا مرحبا / هذا الحبيب أتى وكان مغيَّبا
فتبينت أنواره في ذاتنا / لمَّا فنينا فيه وانكشف الخبا
صبغت إرادته الخلائق كلهم / بوجوده لما تجلى في القبا
يا طالما قد كان عنا غائبا / فينا ولم نشعر به فأتى النبا
هذا المليح وهذه أوصافه / كم أطلعت منه لقلبي كوكبا
وسرى نسيم الروح في أحشائنا / فأمالنا طرباً كأغصان الربا
وبه انجمعنا يوم جمعة وصله / وتفرقت أحزاننا أيدي سبا
وهو الذي عنا أزال غياهبا / منها وبالنور المبين لنا نبا
لا نستطيع نراه وهو الشمس في / إشراقه وجميعنا فيه الهبا
جلت معالم ذاته عن دركنا / وإن استذيب العقل فيه تقربا
وتبارك الله الذي هو واحد / أحد إليه كل ذي قلب صبا
بجلاله فتن العقول وفاتن / بجماله كل الحواس تحببا
نفس بعلوة لا تزال أبية
نفس بعلوة لا تزال أبية /
زادت على كل النفوس مزية /
وحقيقة تهوى الظهور خفية /
يا درة بيضاء لا هوتية / قد ركبت صدفاً من الناسوت
داء الجميع وقد بدات بدوائهم /
عن غيرها أن جانبوا بهوائهم /
فهي التي فيها كمال صفائهم /
جهل البرية قدرها لشقائهم / وتنافسوا بالدر والياقوت
هي هذه الحركات والسكناتُ
هي هذه الحركات والسكناتُ / يأتي بها الفلك الذي هو ذاتُ
كرة تدور على تحقق علمها / بالله كشفاً والعقول صفات
هي وحدة في كثرة هي كثرةٌ / في وحدة تتلى بها الآيات
وحقيقة فيها الحقائق كلها / أضدادها جمعٌ بها وشتات
قلم إلهي ولوح لم يزل / بالخلق فيه المحو والإثبات
تفنى بأجمعها وترجع عمرها / مائة مكملة هي السنوات
كالطفل تنشأ بالخلائق جملة / وتعود نسخاً فيه تغليظات
وشبابها مثل الشباب فرونق / غض وأيام بها شهوات
لا تنكروا تقديمها الصبيان وال / تأخير للأشياخ وهي فتاة
حتى إذا كهلت رأيت كهولها / تحيى وصبيان الحمى أموات
وإذا بنا شاخت فإن شيوخنا / تعلو وتظهر والكهول رفات
أبدا كذلك كلما كانت لها / مائة السنين فإنها النشآت
هي نشأة من بعد أخرى مثلها / حتى تتم أولئك الحركات
ويعود أمر الغيب للبدء الذي / عنه بدا وتسرمد الحالات
لتحققوا بمقالنا وتبينوا / تجدوا الشموس وتكشف الظلمات
لما انثنت ثاء الثنا الموروث
لما انثنت ثاء الثنا الموروث / هي كالفراش هنالك المبثوث
وبها تألف كل معنى نافر / كجنود حرب هاجم وبعوث
يا أيها الحرف الإمام المقتدى / لك طيب أنفاس وفتك ليوث
ملك كهاتيك الحروف مقدس / في هيكل الناموس والباغوث
ولأجل هذا جاءنا عن سبه / نهي النبي بعلمه الموروث
لكنه في عين منطلق الحجا / عبد المهيمن ليس عبد يغوث
أنا دائما يا نور كل مليحِ
أنا دائما يا نور كل مليحِ / بين الكناية فيك والتصريحِ
أبدي الهوى طوراً وأكتم تارة / ومدامعي تنبيك عن تبريحي
أما الحشاشة في هواك فإنني / أنفقتُها في رغبة الترويح
أنا بين جسم من صدودك ناحل / شغفاً وقلب بالبعاد جريح
وأضالع بالإصطبار شحيحة / وجداً ودمع فيك غير شحيح
وأنا الذي بين الحواسد والعدا / ما بين هجو في الهوى ومديح
مقل تسح ولا تشح فدمعها / مغني اللبيب به عن التوضيح
يا أيها البدر الذي لما بدا / بالحسن أخرس نطق كل فصيح
لك وجنة هي في النواظر جنة / وجهنم في قلب كل طريح
وترى العيون جمال وجهك مقبلاً / فتضج بالتهليل والتسبيح
أحمامة الوادي قفي وترنمي / فعلى غرامك ظاهر ترجيحي
لا الصبر للتضعيف مفتقر ولا / ذا الشوق محتاج إلى التصحيح
لمعت بروق الأبرقين وقد جرت / أمطار جفن بالبكاء قريح
وروى النسيم لنا أحاديث الحمى / عن عرفجٍ عن زرنبٍ عن شيح
حتى أهاج بنا الغرام فيا لَهُ / في الحب من خبرٍ رواه صحيح
بالله بلغ يا نسيم الريح عن / شوقي وبالغ يا نسيم الريح
واسأل بلطف منيتي عني ولا / تأتي بوجه للمليح قبيح
وانعت له وجدي القديم وصف له / شغفي وما ألقى من التبريح
طفح الغرام علي حتى بالهوى / صرحت في حبي لكل صبيح
وكتمته لما بدا لنواظري / نور الخباء وملت للتلميح
وأنا الذي بهوى المليح تعممي / أبداً ومن شوقي له توشيحي